بعد هزائم الدعم السريع في الخرطوم.. هل اقترب الجيش السوداني من حسم الحرب؟

داود علي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

مع بداية الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا “الدعم السريع”، والتي دخلت في يناير/ كانون الثاني 2025 شهرها الـ22، كان القصر الجمهوري أحد أبرز بؤر الصراع والمعارك داخل العاصمة، وذلك بعد سيطرة المتمردين عليه بداية الأحداث، مع عدد من المواقع الإستراتيجية الأخرى.

لكن في 30 يناير 2025، قام الجيش لأول مرة بالتقدم نحو القصر؛ حيث تدور اشتباكات طاحنة مع مليشيا “الدعم السريع” التي تستميت في الدفاع وتحاول منعه من التقدم. 

وتأتي محاولة استعادة القصر الجمهوري كمرحلة متقدمة للجيش في السعي لاستكمال السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم وطرد مليشيا الدعم السريع منها.

فإلى أي مدى تؤشر هذه التطورات الميدانية على اقتراب حسم الصراع الطويل والحرب التي قتلت 20 ألف مدني، وهجرت 12 مليون مواطن. 

انتصار كبير 

وأعلن الجيش السوداني في 30 يناير بسط سيطرته الكاملة على مدينة الخرطوم بحري، بعد هجوم عسكري شامل.

وجاء التقدم تكتيكيا بعد التقاء قوات الجيش المتقدمة من معسكر حطاب ومنطقة الكدرو في منطقتي دردوق والعزبة بمدينة بحري.

وبهذا التقدم استعاد الجيش مجمع أبراج البشير، ومعسكر سلاح المظلات الذي كانت تستخدمه مليشيا الدعم السريع كقاعدة طبية.

وكان الجيش قد استهدف أحياء كافوري وكوبر جنوب شرق مدينة بحري، بوصفهما آخر مناطق توجد بها تمركزات للدعم السريع في المدينة. 

وتعد الخرطوم بحري إحدى المدن الثلاث الرئيسة في العاصمة إلى جانب أم درمان والخرطوم.

وسيطر الجيش في وقت سابق على أنحاء واسعة في أم درمان، وأعلن في 25 يناير 2025 إكمال المرحلة الثانية من عملياته العسكرية في الخرطوم بربط قواته القادمة من أم درمان وشمال بحري بوحداته في مقر سلاح الإشارة جنوب الخرطوم بحري.

وهو الأمر الذي أنهى رسميا حصار القيادة العامة وسط العاصمة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/ نيسان 2023.

وتعد الخرطوم بحري واحدة من أكبر المناطق الصناعية في السودان، وهي نقطة وصل مهمة تربط العاصمة بشمال السودان عبر السكك الحديدية، وجنوبه حتى منطقة كوستي ودولة جنوب السودان بالبواخر النيلية، كما أنها تمثل الوجهة السياحية الأولى للعاصمة.

وأكد الخبير العسكري السوداني أبو بكر عبد الرحيم، أن تحرك الجيش في أحياء بحري، وفي منطقتي امتداد ناصر والرياض شرق الخرطوم، بعد فك الحصار عن مقر القيادة، وانفتاح قوات سلاح المدرعات نحو وسط الخرطوم، سيؤدي إلى محاصرة الدعم السريع. 

وتابع في حديثه لقناة "الجزيرة" الإخبارية القطرية، أن “هذه المحاصرة ستؤدي إلى تحرير مطار الخرطوم وأحياء الخرطوم القريبة من وسط العاصمة وشرقها”.

وفي الوقت نفسه أكدت مصادر عسكرية سيطرة الجيش على سلاح المظلات والمستشفى الدولي وتقاطع المؤسسة.

وفي الأيام التي سبقت تحرير بحري، تمكن الجيش من فك الحصار عن سلاح الإشارة والقيادة العامة وسيطر على مصفاة الجيلي.

ثم أحكم سيطرته على مباني وزارة التربية والتعليم وجامعة الزعيم الأزهري، بجانب سيطرته على مركز شرطة الصافية ومستشفى حاج الصافي.

جاء ذلك بالتزامن مع توغل قوات عسكرية وإحكام قبضتها على كامل أحياء الصافية وشمبات ومناطق غرب بحري، بحسب موقع "الراكوبة" المحلي.

وقد ذكر أنه خلال تلك المعارك، لقي ثمانية من كبار القادة الميدانيين للدعم السريع حتفهم، بينهم القائد الميداني جلحة رحمة مهدي، وشقيقه موسى الدولي.

وأضاف الموقع أن مصادر ميدانية ذكرت أن المستهدفين قتلوا بضربة جوية نفذتها طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة السودانية.

تقدم الجيش 

وجاء تقدم الجيش السوداني في العاصمة ونحو القصر الرئاسي، امتدادا لتقدمه وإحرازه مكاسب متلاحقة في الأشهر الأخير.

وبدأت أقصى جنوب شرق السودان، بإعادة السيطرة على مدن مثل الدندر والسوكي وسنجة وجبل موية، ثم الانتصار الكبير في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط البلاد.

وفي 30 يناير أيضا أعلن الجيش دخول قواته إلى مدينة "أم روابة" بولاية شمال كردفان بعد معارك مع مليشيات الدعم السريع.

وقال السوداني: إنه تمكن من تأمين المدينة وفرض سيطرته على المواقع الإستراتيجية فيها، مع التأكيد على استمرار العمليات العسكرية في المنطقة لتأمين الطرق والمرافق الحيوية.

وتعد أم روابة من المدن المهمة وسط السودان، وهي بمثابة مركز إداري وتجاري مهم.

حيث إنها تربط ولايات غرب السودان وجنوب كردفان بالعاصمة وميناء بورتسودان، إلى جانب أنها تعد سوقا ضخما للمحاصيل التي تصدر إلى الخارج، ويمثل تحريرها خسارة إضافية فادحة للدعم السريع المدعوم إماراتيا. 

دفعت تلك الانتصارات في العاصمة، الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش، للاشتباك مع الدعم السريع في معاقلهم بالفاشر عاصمة دارفور.

وأعلنت أنها تمكنت من تدمير أكثر من 30 عربة قتالية تابعة للمتمردين هناك، والسيطرة على عربات دفع رباعي وقتل وأَسْر العشرات منهم. 

ماذا بعد الخرطوم؟ 

وعلق السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي، قائلا: "لا يمكن القول إن الحرب قد حُسمت بشكل نهائي بعد، لكن من الواضح أن موازين القوى قد انقلبت تماما لصالح الجيش والقوات المشتركة التي تقاتل إلى جانبه". 

وأضاف عبد العاطي لـ"الاستقلال" أنه "مع استعادة السيطرة على معظم أجزاء الخرطوم، تكون القوات المسلحة قد حققت اختراقا إستراتيجيا مهما، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضا على مستوى الروح المعنوية للمقاتلين والمواطنين الداعمين لهم أيضا".

وشدد على أن "تلك الخطوات نحو تحرير العاصمة لم تكن مجرد تقدم ميداني، بل هي ضربة موجعة لمليشيا للدعم السريع، التي فقدت أهم معاقلها ورمز سيطرتها". 

وتابع: "فانسحابها السريع وغير المنظم، تاركة خلفها أسلحة ومعدات، يعكس حجم التراجع الذي تعانيه، وبذلك، بات الجيش في موقع أقوى، يمسك بزمام المبادرة، متجها نحو جبهات جديدة في كردفان ودارفور، حيث ستكون طبيعة المواجهات مختلفة، مع انتقال القتال من حرب المدن إلى المعارك المفتوحة".

واستطرد: "في ظل هذا الواقع، احتدمت الحرب الإعلامية والنفسية؛ إذ يحاول خصوم الجيش التقليل من أهمية الانتصارات المتحققة، مدعين أن ما جرى كان ضمن تفاهمات مسبقة لتهيئة الأجواء للمفاوضات، وأن انسحاب الدعم السريع كان تكتيكيا". 

واستدرك: "إلا أن الوقائع على الأرض تكذب هذه الادعاءات، خاصة مع التأكيد المتكرر من قيادة الجيش بأنها ماضية في طريق الحسم، دون أي نية للدخول في مفاوضات في هذه المرحلة". 

وختم عبد العاطي قائلا: "من هنا، يمكن القول إن اقتراب تحرير الخرطوم ليس مجرد محطة عابرة، بل يمثل نقطة تحول تعيد رسم مسار الحرب، وربما تفتح الباب أمام ترتيبات جديدة لمستقبل السودان، والمنطقة برمتها".