"تعمل لمصلحتها".. كيف حسمت تصريحات ظريف جدلية "حماس أداة أم حركة تحرر"؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

منذ إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترفض إيران بشدة أن تكون هي من تقف وراءها، بل ذهبت أخيرا إلى توجيه انتقادات حادة إلى حركة "حماس" واتهامها بالتسبب في إفشال مفاوضاتها النووية.

محاولة إيران دفع أي ارتباط لها بالعملية التي غيّرت الكثير في منطقة الشرق الأوسط، أثار تساؤلا محوريا عن طبيعة العلاقة بين طهران وحماس، من قبيل هل كانت تريدها الأولى أداة بيدها، أم دعمتها كونها حركة تحرر فلسطينية تسعى إلى استعادة الأراضي المحتلة؟

انتقادات واتهامات

لعل آخر التصريحات الإيرانية التي ترفض "الطوفان" بها، كانت تلك التي صدرت عن نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، محمد جواد ظريف، الذي شن هجوما غير مسبوق على حماس، واتهمها بأنها "تعمل لمصلحتها فقط".

وقال ظريف خلال حضوره مؤتمر دافوس للاقتصاد في 23 يناير/ كانون الثاني 2025، إن "قادة حماس كانوا يعملون دائما من أجل قضيتهم الخاصة حتى على حساب الآخرين، ولم ينفذوا أوامرهم قط"، مؤكدا في الوقت نفسه أن بلاده طالما دعمت هذه الحركة الفلسطينية.

وأضاف: "لم نكن نعرف عن هجوم السابع من أكتوبر، بل كان من المفترض أن نعقد اجتماعا مع الأميركيين بشأن تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) في التاسع من أكتوبر، وهو ما دمرته وقوضته هذه العملية (طوفان الأقصى)".

و"خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) ثمرة عامين من المفاوضات المكثفة وجها لوجه بين إيران والولايات المتحدة، ولكن منذ انسحاب إدارة دونالد ترامب من جانب واحد من الاتفاق في عام 2018، رفضت طهران المحادثات العلنية مع واشنطن.

ورغم أنها الأكثر شدة ووضوحا، لكن تصريحات ظريف التي أعلن عن عدم وجود أي ارتباط لإيران بعملية "طوفان الأقصى" لم تكن الأولى من نوعها، منذ أكتوبر 2023، وحتى إعلان وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في 19 يناير 2025.

فبعد ثلاثة أيام من "الطوفان"، نفى المرشد الإيراني علي خامنئي وجود أي صلة لطهران بالعملية ضد إسرائيل، لكنه أشاد بها ورحّب بما وصفها بالهزيمة العسكرية والمخابراتية التي لحقت بإسرائيل.

ووصف خامنئي -في كلمة نقلها التلفزيون الإيراني الرسمي- الهجوم الذي شنته حماس بالزلزال المدمر، وقال "نُقبل أيادي الذين خططوا للهجوم على النظام الصهيوني".

وأضاف أن "هذا الزلزال المدمر دمر بعض الهياكل الحيوية -في إسرائيل- التي لن يكون من السهل جبرها. وتصرفات النظام الصهيوني هي المسؤولة عن هذه الكارثة".

وفي 28 ديسمبر 2023، قال وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان، خلال كلمة أمام اجتماع لرجال الدين في طهران إن "معركة طوفان الأقصى كانت قرارا وعملا مستقلا من حماس"، وفق ما أوردت وكالة "إرنا" الرسمية.

على الوتيرة ذاتها، قال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي أيضا، خلال تصريح له في 28 ديسمبر 2023، إن عملية السابع من أكتوبر "فلسطينية بالكامل".

وبعد عام كامل عادت إيران للنفي أيضا، وذلك عندما صرّحت ممثليتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، بأن "لإسرائيل تاريخا طويلا في نشر الأكاذيب، والتلاعب بالوثائق المزورة أساسا والقيام بعمليات تضليل"، داعية إلى عدم تصديق تزييف إسرائيل للحقائق.

وذلك ردا على معلومات أوردتها صحيفة "واشنطن بوست" استنادا إلى "وثائق سرية"، وتناقلتها الصحافة الأميركية، ومفادها أن "حماس حاولت إقناع إيران بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى".

"الوجه الحقيقي"

وبخصوص تصريحات ظريف ومدى تعبيرها عن موقف إيران الحقيقي من عملية “طوفان الأقصى”، قالت الكاتبة الأردنية، إحسان الفقيه، إن "الإيرانيين أصلا لو علموا عن تحضيرات عملية السابع من أكتوبر لما حدثت من الأساس". 

وأوضحت الفقيه عبر "إكس" في 24 يناير 2025، إن "جواد ظريف اليوم هو نائب الرئيس الإيراني وكان وزير خارجية سابقا، وهو من أهم الوجوه الإيرانية حضورا في الغرب ودوائره، وعلاقاته مُتشّعبة ومُتجذّرة هناك وهو الوجه الذي تقدمه إيران في حديثها معهم".

ورأت الكاتبة الأردنية، أن "ما قاله (ظريف) هنا هو حقيقة، وقالته حماس منذ البداية، يعني لا جديد فيما قاله لكنه أصدق الإيرانيين هنا بهذه الجزئية: من أن حماس لم تُطلع أحدا على عملية طوفان الأقصى ولو أبلغت أحدا ما تمت العملية من أساسها".

من جهته، رأى الباحث المصري في الشأن السياسي، يحيى غُنيم عبر "إكس" في 24 يناير، أن تصريحات ظريف تدحض كل من يتحدث عن أن "حماس ذراع لإيران أو تعمل لصالحها. هي أشرف وأعظم حركة تحرير وطني شهدتها أرض فلسطين والأمة العربية".

بدوره، رأى الباحث العراقي المختص في شؤون الشرق الأسط، أحمد السامرائي أن "تداعيات عملية طوفان الأقصى كانت باهظة الثمن على إيران، وأنها لو كانت تعلم بها لحالت دون إطلاقها، كونها تعلم أن ارتداداتها ستكون كارثية عليها كونها تدعم حماس ماليا، وبالتالي سيحسب عليها".

وأضاف السامرائي لـ"الاستقلال" أن "إيران تعلم أن (طوفان الأقصى) ستُتخذ ذريعة لاستهدافها من إسرائيل، كونها تخطت بهذه الحالة خطوط التخادم في المنطقة معها ومع الغرب، وهذا ما حصل وجرى تدمير حزب الله اللبناني، وسقط نظام بشار الأسد في سوريا".  

وبحسب الباحث، فإن "إيران لم تواجه في السابق إسرائيل أو الغرب عسكريا، وأن كل حديثها عن فلسطين وتحرير بيت المقدس يأتي في سياق الدعاية لمشروعها التوسعي في المنطقة، واتخاذ القضية الفلسطينية ذريعة لابتلاع العالم العربي في منطقة الشرق الأوسط". 

وأشار السامرائي إلى أن "ظريف هو نائب رئيس إيران، وأن اتهامه لحماس واضح ولا يحتمل التأويل، فهو اتهمها بأنها أفشلت محادثات طهران النووية مع الولايات المتحدة، بالتالي هذه خسارة أخرى تضاف للخسائر التي لحقت بها في المنطقة جرّاء عملية طوفان الأقصى".

خسائر بالجملة

لم تكن عملية "طوفان الأقصى" تحمل بشائر الخير لإيران ومحورها في المنطقة، إذ إنها رغم محاولتها عدم التدخل في المعارك ضد إسرائيل ضمن ما يعرف بـ"وحدة الساحات"، لكنها وجدت نفسها مضطرة للانخراط في المعارك كونها ترفع شعار المقاومة ضد الاحتلال.

وفي أكثر من مناسبة تحدثت شخصيات إيرانية وحلفاء لهم، لا سيما زعيم حزب الله اللبناني السابق، حسن نصر الله، أنهم يرفضون الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، ولن تستطيع الأخيرة جرهم إلى ذلك، لكنهم في الوقت نفسه يساندون المقاومة الفلسطينية.

ودخل حزب الله اللبناني بهجمات متبادلة مع إسرائيل ضمن ما أطلق عليه "جبهة الإسناد" إلى غزة، لكنها بقيت بوتيرة بطيئة مدة عام كامل، لكنها تصاعدت بشكل كبير بعدما أقدمت إسرائيل في سبتمبر 2024، على تفجير نحو 5 آلاف جهاز اتصال "البيجر" التي يحملها أعضاء وقيادات الحزب.

وعلى ضوء ذلك، شن حزب الله اللبناني، هجمات صاروخية مكثفة على مجمع الصناعات العسكرية لشركة رافائيل شمال مدينة حيفا المحتلة واستهداف قاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرق المدينة بعشرات الصواريخ من طراز فادي واحد واثنان.

بعدها ردت إسرائيل بهجمات عنيفة على بيروت والضاحية الجنوبية، أعلنت فيها اغتيال أمين عام "حزب الله" اللبناني السابق، حسن نصر الله، وعدد من قياداته خلال اجتماع لهم في 27 سبتمبر 2024.

واستمرت المعارك بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني ودخلت مراحل صعبة تسببت بخسائر هائلة للأخير، ولاسيما في القيادات العسكرية والسياسية واستمر الحال إلى إعلان هدنة ووقف إطلاق النار مدتها 60 يوما دخلت حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024.

وفي يوم إعلان الهدنة في لبنان أطلقت الفصائل السورية المسلحة عملية "ردع العدوان" في شمال غربي سوريا، وتقدمت سريعا لاستعادة المدن من قبضة نظام بشار الأسد، واستطاعت السيطرة على العاصمة دمشق خلال 11 يوما فقط، وسقوط الأخير في 8 ديسمبر 2024.

وسبب تدمير حزب الله اللبناني، وسقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، تراجعا كبيرا في الهيمنة الإيرانية بالمنطقة، وكسر ما يعرف بـ "الهلال الشيعي" في المنطقة الذي علمت إيران على تأسيسه طيلة 40 عاما.

بعد الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وصف قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، خلال مقابلة تلفزيونية في 29 ديسمبر 2024، النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بـ"المرض" الذي أصاب المنطقة طيلة الأربعين عاما الماضية، ولكنهم تمكنوا من استئصاله خلال 11 يوما.