بتوقيع اتفاق مع العراق.. هل تعتزم بريطانيا إعادة تموضعها بالشرق الأوسط؟

“الاتفاق يبرز كجزء من إستراتيجية بريطانية أشمل لاستعادة مكانتها في المنطقة”
اتخذ العراق خطوة مهمة يمكن أن تؤثر على التوازنات في المنطقة؛ حيث وقع رئيس وزرائه محمد شياع السوداني خلال زيارته إلى لندن خلال الفترة ما بين 14 و16 يناير/ كانون الثاني 2024، اتفاقية شراكة وتعاون مع المملكة المتحدة.
ونشرت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء مقالا للكاتب بيلجاي دومان، أوضح فيه أن "هذه الاتفاقية تغطي مجالات واسعة مثل التجارة والدفاع وتغير المناخ والتعاون الثقافي، ويمكن عدها أيضا نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين”.
نقطة تحول
ويرى الكاتب التركي أن "هذه الخطوة بالنسبة للعراق تتماشى مع أهداف تعزيز اقتصاده وجذب المستثمرين الدوليين، فيما تمثل للمملكة المتحدة جزءا مهما من إستراتيجيتها لاستعادة تأثيرها التاريخي في الشرق الأوسط في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
ورأى أن "هذا الاتفاق يبرز كجزء من إستراتيجية بريطانية أشمل لاستعادة مكانتها كلاعب رئيس في المنطقة".
واستطرد دومان: "من جهة أخرى، فإن تأثيرات هذه الاتفاقية لا تقتصر على العلاقات الثنائية بين البلدين فحسب، بل يمكن أن تمتد لتشمل المشاريع الإقليمية والتوازنات الجيوسياسية".
وتابع: "إذ إن تفاصيل الاتفاقية تتقاطع مع عدة مراحل من مشروع طريق التنمية، الذي تقوده كل من تركيا والعراق بدعم من قطر والإمارات، ويهدف هذا المشروع إلى وضع العراق في مركز التجارة الإقليمية".
وأشار دومان إلى أن "مساهمة المملكة المتحدة في هذا المشروع يمكن أن تدعم التنمية الاقتصادية للعراق وتضفي بُعدا دوليا على المشروع".
واستدرك: "لكن يجب ألا يتم التغاضي عن الآثار السلبية المحتملة لهذه المساهمة، ففي حال تبني المملكة المتحدة نهجا يركز على مصالحها الإقليمية، قد يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات مع تركيا ودول الخليج الأخرى".
واسترسل: “لذا فإن نجاح العراق والمملكة المتحدة في تنفيذ المشروع بشكل متناسق يمكن أن يفتح مرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والتكامل في الشرق الأوسط، في حين أن أي سيناريو معاكس قد يؤدي إلى تصاعد التنافس والاضطرابات الإقليمية”.
وأردف دومان أن “الاتفاقية بين المملكة المتحدة والعراق تتمحور حول التعاون الاقتصادي الذي يهدف إلى تسريع عملية إعادة الإعمار في العراق”.
وتشمل هذه الشراكة حزمة تجارية بقيمة 12.3 مليار جنيه إسترليني، حيث تغطي مجالات واسعة مثل، البنية التحتية للمياه، وتكنولوجيا الجيل الخامس، ومشاريع الطاقة المتجددة، والبنية التحتية اللوجستية، وتُعد هذه القيمة أكثر من عشرة أضعاف إجمالي التجارة الثنائية بين المملكة المتحدة والعراق عام 2024.
وأكد دومان أن “مشاريع مثل مشروع مياه البصرة وخط السكك الحديدية وربط شبكة الطاقة بين العراق والسعودية، لا تسهم فقط في تحسين الحياة اليومية للعراقيين، بل تعزز أيضا من إمكانات العراق ليصبح مركزا إقليميا للتجارة واللوجستيات”.
أولويات إستراتيجية
ومع ذلك، يبقى السؤال المهم هو كيفية دمج هذه الاستثمارات مع "مشروع طريق التنمية" الذي تقوده تركيا، وكيف يمكن أن تكمل المبادرتان بعضهما البعض.
وقال الكاتب إن "(طريق التنمية) الذي يربط الجغرافيا الخليجية بأوروبا يهدف إلى تحقيق انسجام مباشر مع أهداف العراق التنموية، حيث يحظى المشروع بدعم كل من قطر والإمارات، ويسعى إلى تحويل العراق إلى مركز إقليمي للتجارة واللوجستيات".
ورأى أن "انخراط المملكة المتحدة في هذا المشروع يساهم في تعزيز التعاون الإقليمي. فيمكن للخبرة البريطانية في مشاريع البنية التحتية اللوجستية وخطوط السكك الحديدية أن تدعم نجاح (طريق التنمية)".
واستدرك دومان: “مع ذلك، لا يمكن غض الطرف عن أن الذاكرة التاريخية في الشرق الأوسط والعراق تجاه المملكة المتحدة لا تزال حية، حيث قد تميل لندن إلى تشكيل المشروع وفقا لأولوياتها الخاصة وإقامة علاقات وصاية، وهو ما قد يُثير مخاوف إقليمية”.
وأشار إلى أنه “على سبيل المثال، يُعد ميناء الفاو الكبير معلما رئيسا لمشروع (طريق التنمية)، ومن المقرر استكماله بحلول نهاية عام 2025”.
وأوضح دومان أنه “إذا عملت المملكة المتحدة بتناغم مع هذا المشروع، فقد يؤدي ذلك إلى تحقيق زخم إيجابي في مجالات التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي”.
لكن إذا سعت المملكة المتحدة لتوجيه المشروع بما يتماشى مع مصالحها التجارية الخاصة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف التعاون الإقليمي وتعزيز التنافس، يؤكد الكاتب التركي.
من ناحية أخرى، فقد اتخذت شركة الطاقة البريطانية العملاقة "بي بي" خطوات لتوسيع قدراتها التشغيلية في العراق، حيث أبرمت اتفاقا مع الحكومة العراقية لإعادة تأهيل وتطوير أربعة حقول نفطية كبيرة في كركوك. حيث يهدف هذا الاتفاق إلى زيادة قدرة كركوك على إنتاج النفط وتعزيز أهميتها الإستراتيجية.
ومع أن استثمارات شركة "بي بي" قد تسهم في دعم التنمية الاقتصادية في المنطقة، إلا أن هذه الخطوات قد تؤدي إلى اختلال التوازنات المحلية وإثارة الصراعات سواء الكامنة أو الجديدة، بحسب الكاتب التركي.
وتابع: “فكما يُعرف فإن كركوك لها أهمية كبيرة بالنسبة إلى تركيا بسبب التركمان، بالإضافة إلى أنها تمتلك أهمية كبيرة بالنسبة لإيران التي تحاول فرض سيطرتها على المنطقة، ولهذا فإن الوجود البريطاني في كركوك قد يؤثر على توازن المنطقة”.
طموحات سياسية
وقال دومان إن "مشروع طريق التنمية، بقيادة تركيا يشكل خطوة طموحة لتسريع التنمية الاقتصادية في العراق وربط الخليج بأوروبا. ومع انخراط بريطانيا في هذه المبادرة، يظهر مزيج من الفرص والمخاطر التي قد تؤثر على التوازن الإقليمي".
وأوضح أنه “من جانب الفرص، يمكن للدعم البريطاني اللوجستي والمالي أن يضفي بُعدا دوليا على مشاريع العراق، ما يعزز قدراته التجارية ويعطي دفعة لمكانته كمركز للتجارة الإقليمية، في الوقت نفسه، يحمل هذا الانخراط مخاطر جيوسياسية”.
ولفت إلى أن “العلاقات التاريخية الوثيقة بين بريطانيا ودول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، قد تثير مخاوف بعض الأطراف الإقليمية وتؤدي إلى اضطرابات في التوازن السياسي والاقتصادي، كما أن محاولات بريطانيا لفرض مصالحها قد تُسبب توترا مع تركيا وتزيد من اعتراضات إيران”.
وتابع دومان: "يبدو أن نجاح بريطانيا في تنسيق سياساتها مع أهداف مشروع طريق التنمية سيكون عاملا حاسما في تعزيز التعاون الإقليمي. فإذا استطاعت بريطانيا العمل بانسجام مع الأطراف المختلفة دون السعي لفرض أجندتها، فقد تسهم في تحقيق تكامل اقتصادي جديد في الشرق الأوسط.
واستدرك" “رغم ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التي تفرضها إيران، التي تمتلك القدرة على زعزعة استقرار المشروع عبر نفوذها السياسي والعسكري داخل العراق”.
على صعيد آخر، تعد اتفاقية الشراكة والتعاون بين بريطانيا والعراق بمثابة نقطة تحول للعلاقات الثنائية والمشاريع الإقليمية.
وقال دومان إن “هذه الاتفاقية، إذا نُفذت بشكل يراعي الديناميكيات المحلية والإقليمية، فقد تعزز الإمكانات الاقتصادية والسياسية للعراق وتفتح آفاقا جديدة للتعاون”.
وأضاف “لكن في حال استغلال بريطانيا لهذه الشراكة لتحقيق مصالحها الضيقة، فإنها قد تُشعل التوترات مع قوى إقليمية مثل تركيا”.
وتابع: “بالإضافات إلى ذلك، هناك عامل آخر يؤثر على هذه العملية؛ حيث ستلعب سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فترته الثانية دورا حاسما فيها، فقد يؤدي موقف إدارته الصارم ضد إيران إلى تضييق مساحة الحركة للعراق في المنطقة، بينما يخلق فرصا جديدة لزيادة تأثير المملكة المتحدة على العراق”.
وشدد دومان على أنه “في ضوء كل هذه العوامل، يعتمد مستقبل الشرق الأوسط على كيفية إدارة مبادرات مثل مشروع طريق التنمية، وما إذا كانت هذه المبادرات ستعزز التعاون الإقليمي أو المنافسة”.
وأكد أنه “إذا تحرك الفاعلون الإقليميون والدوليون معا مع التركيز على المصالح المشتركة، فقد تكون هذه العملية نقطة تحول في التكامل الاقتصادي والاستقرار في الشرق الأوسط، ولكن السيناريو المعاكس قد يفتح الباب أمام منافسات وتوترات جديدة”.