اليونان تتسلح وتركيا تتجه لترسيم حدودها مع سوريا.. شرق المتوسط إلى أين؟

منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

يتجه شرق البحر المتوسط إلى حلقات تصعيد جديدة بفعل دخول سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في المعادلة، فضلا عن عودة اليونان لتسليح الجزر القريبة من تركيا.

وسلط مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات الضوء على تصعيد التوتر في شرق بحر إيجة بين تركيا واليونان وسباق التسلح وانتهاك أثينا للمعاهدات الدولية.

وقال الكاتب التركي “يوجال أجار”: يبدو أن اليونان مصممة على تصعيد جهودها لتسليح جزر شرق بحر إيجة، في خطوة تُعد انتهاكا واضحا للمعاهدات الدولية التي تنص على بقاء هذه المنطقة منزوعة السلاح وخالية من القوات العسكرية.

تسلح يوناني

وقال وزير الدفاع اليوناني نيكوس ديندياس خلال خطاب ألقاه في الأكاديمية البحرية اليونانية، في ديسمبر/كانون الأول 2024، إن بلاده تستهدف إنشاء منظومة دفاع متكاملة تشمل أنظمة صواريخ متقدمة.

وذلك بالإضافة إلى خطط لتركيب نظام يشبه "القبة الحديدية" الإسرائيلية لمواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة، بتكلفة إجمالية قد تبلغ ملياري يورو.

وبحسب تقارير صحفية يونانية، تخطط أثينا لنشر منظومات صاروخية جديدة في جزر بحر إيجة في إطار ما وصف بـ"جدار الصواريخ" لمواجهة قوة أنقرة البحرية المتصاعدة.

وتستعد أثينا لتسلم 17 منظومة صواريخ "سبايك إن إل أو إس" (Spike NLOS) الإسرائيلية الصنع بمدى يصل إلى 32 كيلومترا خلال صيف 2025، في حين تجري مفاوضات لشراء 38 منظومة صواريخ "بولس" (PULS) بمدى يصل 300 كيلومتر، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "تا نيا" (Ta Nea) اليونانية.

وعلق دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية التركي الحليف للرئيس رجب طيب أردوغان، محذرا من خطط أثينا لبناء "جدار صاروخي" في جزر بحر إيجة المتنازع عليها، داعيا اليونان إلى التخلي عن سياساتها العدائية.

وخلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب الحركة القومية في يناير 2025، أوضح بهتشلي أن استعدادات اليونان لنشر صواريخ يتراوح مداها بين 30 و300 كيلومتر تتعارض مع القانون الدولي.

وقال إن هذه الجزر، التي عدها "مخطوفة من تركيا عبر ألاعيب سياسية"، يجب ألا تُستخدم كأداة لاستفزاز أنقرة أو زعزعة استقرار المنطقة.

وربط بهتشلي التصعيد الحالي بتحديات دولية أوسع، ويرى أن تركيا تتعرض لضغوط من "قوى إمبريالية سوداء" تحاول استهداف استقرارها، مؤكدا أن بلده دولة قوية ومستعدة لمواجهة أي تهديد.

وبدورها، ردت وزارة الخارجية اليونانية على تصريحات بهتشلي، بالقول إن "وضع هذه الجزر جرى تنظيمه بشكل واضح بموجب معاهدة باريس للسلام لعام 1947، وهي اتفاقية دولية ملزمة".

كما أعلنت الوزارة رفضها القاطع لأي خطاب “تحريفي”، مؤكدة التزامها بالدفاع عن حقوقها السيادية في إطار القانون الدولي، وفق قولها.

ضرر دبلوماسي

وقد أثار هذا التصعيد اعتراضات تركيا منذ البداية، مما أدى إلى موجة من التوترات وردود الفعل الحادة. 

وقال الكاتب التركي: مع إعلان خطط لنشر أنظمة صواريخ على تلك الجزر، يُتوقع أن تتصاعد الأزمة بشكل أكبر.

ويهدد هذا التصعيد بإلحاق الضرر بالعملية الدبلوماسية التي استمرت لعامين بين تركيا واليونان تحت مظلة "الأجندة الإيجابية"، وهدفت إلى تحسين العلاقات الثنائية في مختلف المجالات. 

فقد أظهرت سلسلة من التصريحات والإجراءات التي اتخذتها السلطات اليونانية خلال العامين الماضيين ميولاً نحو تقويض هذا المسار الإيجابي. 

وكان آخر تلك الإجراءات إعلان اليونان أخيرا عن خطط لتعزيز القدرات العسكرية في جزر شرق بحر إيجة.

وذكر الكاتب التركي أنّ اليونان بدأت مساعيها لتسليح بعض جزر شرق بحر إيجة منذ خمسينيات القرن الماضي، وذلك مع محاولات لإبقاء هذه الأنشطة سرية حتى عام 1974 عندما وقعت عملية السلام في قبرص.

واعترضت تركيا رسميا على هذه التحركات منذ عام 1969، عندما رصدت أنشطة تسليح في جزيرة ليمني. 

ورغم تأكيد اليونان حينها احترامها للمعاهدات الدولية، فإن الوقائع كشفت لاحقاً استمرار هذه الأنشطة بل وتصعيدها بعد عام 1974.

وتابع: اليونان تشهد حالياً مرحلة جديدة من التطوير العسكري، تحت عنوان "الإصلاح الجذري" الذي أطلقه وزير الدفاع نيكوس ديندياس. 

وتأتي هذه الخطوة ردا على التطورات التي شهدتها تركيا أخيرا في مجال الصناعات الدفاعية.

وتشمل هذه الإصلاحات دمج بعض الوحدات العسكرية وتعزيز التكنولوجيا في الجيش اليوناني، إضافة إلى بناء نظام دفاع جوي فعال ومتكامل مع تقنيات مكافحة الطائرات المسيّرة.

فقد أكّد ديندياس على ضرورة تقوية الدفاع الجوي لليونان عبر إستراتيجية جديدة، تشمل إنشاء مظلة مضادة للطائرات المسيّرة وتعزيز أنظمة الدفاع الصاروخي.

وأوضح: "سننشئ درعاً للدفاع الصاروخي يغطي جميع الأراضي الوطنية، وسنخلق حاجزاً صاروخياً في بحر إيجة لجعله منيعاً".

وبين أن هذه الأنظمة ستحول الجزر إلى وحدات قوية قادرة على منع أي محاولات لتغيير الوضع الذي تحميه المعاهدات والقوانين الدولية في بحر إيجة.

وأضاف الكاتب: كشفت اليونان عن خطة عسكرية تمتد لعشر سنوات وتهدف إلى تعزيز قدراتها الدفاعية.

تتضمن الخطة شراء حوالي أربعين مقاتلة من طراز إف 35 وطائرات بدون طيار من الولايات المتحدة، إلى جانب أربع فرقاطات (سفن حربية) من طراز بيلارا وطائرات رافال من فرنسا. 

ولفت الكاتب التركي إلى أنّ هذا البرنامج يعكس التوجه الجديد لليونان نحو تحديث قوتها العسكرية.

تحالفات جديدة

وأردف: أعلنت اليونان عن تحضيرات لإبرام اتفاق لشراء صواريخ متطورة من إسرائيل، في تحرك يعد جزءاً من إستراتيجية يونانية لمواجهة ما وصفته بـ"التهديد العسكري التركي المتزايد".

ويتوقع الانتهاء من هذه الصفقة بحلول صيف 2025. ومن المرجّح أن تشمل هذه الخطة نشر بطاريات صواريخ إسرائيلية من نوع نيلوز، التي يصل مداها إلى 32 كيلومترا، على عدة جزر يونانية في بحر إيجة. 

كما تتضمن الخطة قاذفات صواريخ بلاس ذات المدى البعيد التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر.

وتابع الكاتب التركي: في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أشارت تقارير إلى وجود محادثات بين اليونان وإسرائيل، لتطوير نظام دفاع جوي يشمل مظلة مضادة للصواريخ والطائرات. 

وتستغل اليونان العلاقات التركية-الإسرائيلية المتوترة لبناء تحالفات جديدة تهدف إلى مواجهة نفوذ تركيا في المنطقة.

وقد أثار إعلان نشر الصواريخ على جزر شرق بحر إيجة جدلاً كبيراً، حيث تعد هذه الجزر بموجب المعاهدات الدولية مناطق منزوعة السلاح وخالية من القوات العسكرية. 

فوفقاً للمادة 13 من معاهدة لوزان، لا يجوز إنشاء أي قواعد بحرية أو تحصينات في جزر ميتيليني (ليسبوس)، وساقز (خيوس)، وسيسام (ساموس)، وإيكاريا.

كما تُحدد المعاهدة أن القوات العسكرية في هذه الجزر يجب ألا تتجاوز العدد اللازم للتدريب، وأن تكون قوات الشرطة والدرك متناسبة مع تلك الموجودة في بقية الأراضي اليونانية.

وأضاف: جرى الاتفاق على حكم نزع السلاح عن جزر دوديكانيسيا (جزر شرق بحر إيجة) بعد الحرب العالمية الثانية بموجب معاهدة باريس للسلام المؤرخة في 10 فبراير/شباط 1947. 

تنص الفقرة الأولى من المادة 14 من هذه المعاهدة، تحت عنوان "جزر دوديكانيسيا"، على نقل 14 جزيرة من إيطاليا إلى اليونان.

بينما تنص الفقرة الثانية على أن "هذه الجزر سيتم نزع سلاحها وستظل كذلك".

وأشار الكاتب إلى أنّ نسبة الإنفاق العسكري لليونان تتجاوز الـ 3 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي. 

ووفقاً لتقارير حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فقد ارتفعت نسبة الإنفاق الدفاعي لليونان من 2.45 بالمئة من إجمالي الدخل القومي في عام 2019 إلى أكثر من 3 بالمئة بحلول عام 2022. 

وبهذه النسبة احتلت اليونان في عام 2023 المرتبة الثالثة بين دول الناتو، بعد بولندا والولايات المتحدة.

والأكثر أهمية من ذلك هو أن اليونان تعمل على زيادة إنفاقها العسكري بشكل ينتهك القانون الدولي بوضوح، وفق الكاتب. 

ففي الآونة الأخيرة، جرى الإعلان عن نية اليونان لنشر أنظمة صواريخ في جزر شرق بحر إيجة، مما يضيف بعداً جديداً لهذا الوضع. 

ولفت إلى أنّ استمرار اليونان في تسليح جزر شرق بحر إيجة لا يؤدي فقط لتعكير الأجواء الإيجابية، بل أيضاً إلى ردود فعل تركية أكثر حدة.

ردّاً على ذلك، أشارت تركيا في رسالتين منفصلتين أرسلتهما إلى الأمم المتحدة عام 2022 إلى أنها قد تعلق بعض الأحكام الواردة في معاهدة لوزان بشأن سيادة اليونان على بعض جزر شرق بحر إيجة إذا استمرت الأخيرة في أنشطتها التسليحية.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: إن أنشطة اليونان لتعزيز جيشها تعد جهداً مفهوماً ضمن سيادتها الوطنية. 

ومع ذلك يجب على اليونان، مثل جميع الدول، أن تنفذ هذه الأنشطة مع احترام القانون الدولي وحقوق تركيا المعترف بها بموجب هذا القانون. 

وبهذا الشكل لن تتضرر أجواء التعاون التي جرى إطلاقها أخيرا لحل القضايا الثنائية التي ظلت عالقة لسنوات، بل قد تصبح أكثر قوة واستدامة.

الترسيم مع سوريا

وهناك قضية خلافية أخرى لم يتطرق إليها الكاتب، تتعلق باتجاه بترسيم الحدود بين تركيا وسوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، وهو أمر يثير حفيظة اليونان.

 ونهاية ديسمبر 2024، أبدى وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، استعداد بلاده للتفاوض مع سوريا حول ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط.

وقال أورال أوغلو إن اتفاقا كهذا سيسهم في تعزيز نفوذ البلدين في استكشاف موارد الطاقة، مشددا على أن أي اتفاق مستقبلي سيتم وفقا لأحكام القانون الدولي.

وأكد الوزير التركي أن أنقرة تأمل التوصل إلى تفاهم مع الإدارة السورية الجديدة بشأن ترسيم حدود الصلاحيات البحرية في شرق المتوسط.

ولفت إلى أن الاتفاقية المحتملة ستتيح للبلدين "توسيع وتقاسم مناطق التنقيب عن النفط والهيدروكربونات في إطار قواعد القانون الدولي".

وأشار إلى أن إبرام هذه الاتفاقية قد يؤدي إلى “تحولات كبيرة في موازين القوى في شرق البحر المتوسط”.

لكنه استدرك قائلا إن "المفاوضات بهذا الشأن ليست على جدول أعمال تركيا حاليا"، موضحا أن هناك قضايا أساسية ينبغي معالجتها أولا.

ويبدو أن هذه التحركات كانت بمثابة جس نبض، فبالرغم من تأكيد الوزير التركي أنها خطوة لا تحظى بأولوية حاليا بسبب عدم استقرار الوضع في سوريا، فقد توالت التصريحات اليونانية والقبرصية الجنوبية بشأن “خطورة” هذه الخطوة.

وأكد الزعيمان اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والقبرصي نيكوس كريستودوليدس، خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، أن الاتفاق سيمثل "تجاهلا للحقوق السيادية لقبرص"، ووصفا ذلك بأنه "غير مقبول".

كما أصدرت خارجيتا اليونان وقبرص الجنوبية بيانات حادة وصفت الاتفاق المحتمل بأنه “غير قانوني”، مشيرة إلى أنه ينتهك القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

كما وصفت وزارة الدفاع الوطني اليونانية الخطوة بأنها "غير ودية"، محذرة من تداعياتها السلبية على العلاقات بين تركيا واليونان.

في هذا الإطار، أكدت قبرص أنها تراقب التطورات عن كثب، مشددة على استمرار التنسيق مع اليونان لإطلاع قادة الاتحاد الأوروبي على التحركات التركية والحصول على دعمهم.

وأوضح المتحدث باسم الحكومة القبرصية الجنوبية كونستانتينوس ليتيمبيوتيس أن "أي اتفاق بحري يجب أن يحترم حقوق قبرص السيادية ويلتزم بالقانون الدولي".

وبدورها، أكدت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية أن أثينا ونيقوسيا بدأتا تحركات داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة احتمال إبرام اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا، وترى أن مثل هذه الخطوة قد تضر بمصالح قبرص.

وتنبع هذه التحركات والتصريحات المبكرة من أهمية سوريا على صعيد الغاز الطبيعي والنفط، وهو ما يثير اهتماما دوليا كبيرا.

وقدّر المسح الجيولوجي الأميركي في سنة 2010 إجمالي ما تحتويه منطقة حوض الشام من جهة البحر المتوسط، والتي تطل عليها مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وتركيا وإسرائيل بـ3450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل من النفط.