من اليمن إلى بونتلاند.. خطوط النار وممرات السلاح بين تنظيم الدولة والحوثيين

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

تتأهب "بونتلاند"، الولاية الصومالية التي تتمتع بحكم ذاتي واسع، في شمال شرق البلاد، لمعركة كبرى ضد تنظيم الدولة، لكن تعيقها مليشيا الحوثيين اليمنية وعدد من التنظيمات المسلحة العاملة في القرن الإفريقي.

وبدأت تظهر بوادر تلك المعركة القادمة في 13 يناير/ كانون الثاني 2025، من خلال عملية عسكرية محددة نفذها الجيش في بونتلاند، استولى فيها على 4 معاقل كان يتمركز فيها عناصر التنظيم في جبال "علمس كاد" بمنطقة "بلي طدن".

وقد جرى استهداف معسكر يتجمع فيه عناصر من مقاتلي تنظيم الدولة، وتم القضاء على 20 عنصرا منهم.

وجاءت هذه العملية بعد أسبوعين فقط من عملية مشابهة أسفرت عن مقتل 9 عناصر من مسلحي حركة الشباب في عملية عسكرية مشتركة بين الجيش وشركاء دوليين في إقليم غلغدود وشبيلي، وسط وجنوب البلاد.

وتكمن أهمية المعركة انطلاقا من أهمية منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية والتي يقع إقليم "بونتلاند" ضمن نطاقها، ومنها تتمدد خيوط الصراع إلى الجانب الآخر في اليمن حيث تتمركز مليشيا الحوثي.

وفي محاولة لفهم المشهد المتشابك بين التنظيمات الانفصالية المحلية في "بونتلاند" المعروفة تاريخيا بـ "بلاد البنط"، والجبهات الإقليمية، خاصة في اليمن والإمارات، هناك بعض الأسئلة تطرح نفسها. 

بداية من إستراتيجية حكومة بونتلاند تحت قيادة رئيس الولاية سعيد عبد الله ديني، وخطتها للقتال ومحاولة فصل التحالفات، وصولا إلى أسباب دعم الحوثيين أصحاب الأيديولوجية الشيعية، لتنظيم الدولة الإرهابي.

الحوثيون والتنظيمات

وبحسب ما نشرت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية  في 16 يناير 2025، وسع تنظيم الدولة في الآونة الأخيرة وجوده في بونتلاند.

وورد على مدى الأشهر الستة الماضية أنه رفع أجور مجنديه وحصل على أسلحة صغيرة العيار، وكذلك طائرات مسيرة للمراقبة، والتي تستخدمها حركة الشباب بالفعل (فصيل محسوب فكريا على تنظيم القاعدة).  

ورغم أنهم لا يشتركون في نفس الأيديولوجية، فإن بعض المراقبين بما في ذلك مركز مكافحة الإرهاب وأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأميركية، يشتبهون في أن الحوثيين أقاموا علاقات لوجستية أوثق مع حركة الشباب، وتنظيم الدولة.

ومن شأن التعاون البراغماتي من هذا النوع أن يمكن الحوثيين من الحصول على الأسلحة والمواد اللازمة لصنع الصواريخ والطائرات المسيرة، فضلا عن التبادل التجاري على جانبي خليج عدن. 

ووفقا لتقرير صادر عن مجلس الأمن نُشر في يوليو/ تموز 2024، فإن الشيخ عبد القادر مؤمن الصومالي الذي يُعتقد أنه الشخصية المهيمنة حاليا في تنظيم الدولة زار اليمن في أوائل نفس العام.

 وهو ينحدر في الأصل من منطقة قندلة إلى الشرق من مدينة بوساسو الساحلية؛ حيث يختبئ مقاتلو التنظيم الآن.

وأشار تقرير الأمم المتحدة للعام 2024، إلى أن تنظيم الدولة “أعاد تموضعه داخل الصومال من خلال تعزيز بنيته التنظيمية بشكل كبير”، وذلك من خلال زيادة عدد مجنديه الذين يقدرون "حاليا بنحو 300 إلى 500 مقاتل". 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أشار قائد القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانجلي إلى تضاعف عدد مقاتلي تنظيم الدولة.

وفي 31 ديسمبر 2024، تعرضت قاعدة عسكرية في شمال شرقي بونتلاند لهجوم عنيف تبناه التنظيم. 

ومن قاعدته في بوساسو، يكافح الرئيس ديني لإقناع القبائل بالتعاون مع قوات الأمن لمواجهة مقاتلي التنظيم المتمدد، الذين تمكنوا أثناء الإعداد للهجوم من المرور عبر عدة قرى دون اكتشاف أمرهم.

ومع ذلك، تمكن رئيس بونتلاند من تأمين دعم الإمارات التي تراقب الحوثيين والجماعات المسلحة النشطة في القرن الإفريقي من كثب. 

وفي 8 يناير 2025، شنت قوات الأمن في بونتلاند سلسلة هجمات جوية بمساعدة شركاء دوليين على مواقع التنظيم في منطقة باري في الطرف الشمالي من الصومال، كحراك تمهيدي لمعركة أشمل وأكثر قوة. 

تشابك المصالح 

ولكن، لماذا يقدم الحوثيون الدعم لتلك التنظيمات في بونتلاند، سواء تنظيم الدولة أو حركة الشباب الصومالية. 

إذ عملت المليشيا اليمنية على تهريب أسلحة متطورة؛ مثل: الطائرات بدون طيار والصواريخ أرض- جو إلى حركة الشباب الصومالية.

وذلك بالإضافة إلى انتقال مقاتلين من حركة الشباب إلى اليمن؛ للتدرب على كيفية استخدامها، وفق ما يقول "مركز اليمن والخليج للدراسات".

وأضاف خلال ورقة بحثية نشرها في 18 يناير 2025، أن “الأمر يعكس تطورا نوعيا في تفكير الجماعات الجهادية المسلحة في بونتلاند”.

كما يكشف عن "توسع شبكة الاتصال الإقليمية لجماعة الحوثيين، التي اكتسبت زخما عالميا منذ أن وسعت نشاطها في البحر الأحمر (ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل) في إطار تضامنها مع غزة".

وجاء تنامي العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب وتنظيم الدولة، منذ بداية 2024، حيث قررت المليشيا اليمنية العمل على ترسيخ نفوذها في الصومال والقرن الإفريقي، عن طريق استغلال تحالفها مع الجهات المحلية الفاعلة، وفق الورقة البحثية.

وبينت أن هذا التعاون يشمل "الحركات المسلحة وشبكات القراصنة الصوماليين، وخاصة في منطقتي بونتلاند وباري".

ولفتت إلى أن هذا التعاون له جانب اقتصادي حيث يوفر اتفاق بيع بعض الأسلحة لتنظيم الدولة وحركة الشباب التمويل اللازم للحوثيين لحل مشاكلهم الداخلية ودفع رواتب مؤيديهم.

وهذا يعني تأمين قنوات متعددة لتوريد الأسلحة، وبالتالي الحصول على عائدات جديدة بعيدا عن إيران لتمويل الحرب في اليمن وخارجها.

واختتمت الورقة بأنه على الرغم من أن العلاقة بينهما ما زالت في مراحلها الأولى، فإنها تشكل تهديدا خطيرا بالنسبة لديناميكيات الأمن الإقليمي في محيط البحر الأحمر ودول شرق إفريقيا.

فمن الممكن أن تكون نتيجة الصراع في بونتلاند، أن تتعرض قوات الحكومة الصومالية للخطر وتقلب موازين القوى لصالح حركة الشباب.

ويشكل التعاون خطرا على أمن إثيوبيا وكينيا؛ كونه يعمل على تنشيط عمليات القرصنة على طول ممرات الشحن في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما يهدد دولا أخرى لها نفوذ في المنطقة، مثل مصر وتركيا.  

كما يرسخ هذا التعاون مكانة الحوثيين كمورد أسلحة للتنظيمات المحلية، ويجعل لها كلمة في إطار أدائها دور الوكيل عن إيران في هذه النقطة الإستراتيجية من العالم.

عوائق لديني

ويحاول رئيس إقليم بونتلاند سعيد عبدالله ديني، قطع تلك الخيوط، وضرب التنظيمات في معركة حاسمة وصعبة ومكلفة.

لكنه يجد بعض العوائق، أبرزها التعامل مع خطط مقديشو لتعيين عبد الحكيم محمد أحمد سفيرا جديدا في عدن.

ومن غير المرجح أن يكون ديني راضيا عن خطط مقديشو؛ حيث إن عبد الحكيم أحمد منافس قديم له.

وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وجهت وزارة الخارجية الصومالية رسالة إلى السلطات اليمنية بهذا الشأن، ولا تزال تنتظر موافقتها.

وجاءت هذه الخطوة في وقت يخطط فيه رئيس إقليم بونتلاند، لحشد العشائر المختلفة النشطة في طرف القرن الإفريقي لمعركته ضد تنظيم الدولة، وفق ما قالت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية في 16 يناير 2025. 

ويُعرف عبد الحكيم أيضا باسم دوبو دارود وينحدر من عشيرة وارسانغالي المتفرعة من قبيلة هارتي دارود، والتي تنتشر بشكل كبير في جميع أنحاء شمال الصومال حتى طرف بونتلاند. 

وديني من قبيلة دارود وعضو في مجتمع ماجيرتين، الفرع الآخر من قبيلة هارتي. ويعود التنافس بين الرجلين إلى الفترة التي كان فيها محمد عبد الله محمد (فارماجو) رئيسا للصومال.

إذ فصل دارود عندما كان آنذاك رئيسا لبرلمان بونتلاند عام 2019؛ لتعاونه مع مقديشو ضد مصالح ديني الذي ترأس الولاية قبل بضعة أشهر. 

ومنذ ذلك الحين، اقترب دارود من الإدارة الحالية من خلال رئيس الوزراء الفيدرالي حمزة عبدي بري، بهدف تقييد النفوذ السياسي لرئيس بونتلاند، وهو أمر قد يؤثر في مسار المعارك المنتظرة ضد التنظيم المتأهب.

وذكرت "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية أن الوضع القائم المتمثل في تعيين دارود سفيرا في اليمن، قد يؤدي إلى مشاكل لديني.

إذ سيكون لدارود دور محوري في إطلاع السلطات الصومالية على قنوات الإمداد والاتصالات التي يستخدمها الحوثيون على جانبي خليج عدن. 

وتجري مناقشة هذه القضية على مستويات عالية، بسبب التوترات المتصاعدة بين اليمن وإسرائيل، منذ أن بدأ الحوثيون بشن هجمات على الأخيرة.