ضوء أخضر.. لماذا تجاوز بارزاني علاقته الباردة مع "قسد" وجلب زعيمها لأربيل؟
"مبادرة البارزاني لا تجري من خلف ظهر تركيا، وحتى ليست بعيدة عن إيران، فالكل مطلع عليها"
جملة من التساؤلات أثارها اللقاء "النادر" الذي جمع زعيم مليشيا سوريا الديمقراطية (قسد) مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، في إقليم كردستان العراق، وذلك بعد علاقات غير ودية بين الجانبين منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
يأتي اللقاء بعد نحو شهر على الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا، وفراره إلى روسيا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وسيطرة فصائل الثورة السورية على كامل البلاد، بقيادة أحمد الشرع، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها مليشيا سوريا الديمقراطية.
وتتمركز مليشيا "قسد" في منطقة شمال وشرق سوريا وتشمل مدينة الطبقة ومركز محافظة الرقة شمالا، وبلدات الخفسة ومسكة غرب نهر الفرات، كما تُسيطر على كامل محافظات الحسكة والريف الشرقي الشمالي لمحافظة دير الزور.
"لقاء نادر"
في 17 يناير/ كانون الثاني 2025، التقى مظلوم عبدي بمسعود بارزاني في مدينة أربيل خلال زيارة استمرت بضع ساعات، وذلك بعد ثلاثة أيام من إيفاد الأخير مندوبه حميد دربندي، إلى شمال شرق سوريا في زيارة هي الأولى من نوعها، وتسليم الأول دعوة رسمية لزيارة كردستان العراق.
وقال عبدي خلال مقابلة تلفزيونية في 19 يناير، إنه طلب من بارزاني، التوسط لدى تركيا لإيقاف الهجمات على "قسد" في سوريا، وذلك لأن الأخير لديه علاقات جيدة مع الجانب التركي.
وقبل ذلك كتب عبدي بعد ساعات من اللقاء تدوينة على "إكس"، قال فيها إن "لقاءنا مع الرئيس مسعود بارزاني مصدر سعادة.. ناقشنا عملية التغيير التي تمر بها سوريا".
وأضاف: "أكدنا بشكل مشترك أن موقف الكرد في سوريا يجب أن يكون موحدا وأن الحوار مع دمشق يجب أن يحمي حقوق الشعب الكردي سلميا.. وأكدنا أيضا أن أهمية الوحدة الكردية والاستقرار الإقليمي بشكل عام هي مسؤوليتنا جميعا".
ووصفت وكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية في 17 يناير، اللقاء بين عبدي وبارزاني، بأنه "تاريخي" وجاء في توقيت حساس تشهد فيه سوريا والمنطقة تحولات جوهرية بعد سقوط نظام بشار الأسد وبدء صياغة ملامح مستقبل البلاد.
ونقلت عن الباحث في مركز "الفرات" للدراسات، لزكين إبراهيم، قوله إن "هذا الاجتماع يُنظر إليه على أنه خطوة بالغة الأهمية نحو تحقيق وحدة الصف الكردي في سوريا، وهو شرط أساسي لتمكين الكرد من تأكيد حقوقهم في سوريا الجديدة".
وأشار إلى أن "توحيد الجهود بين القيادات الكردية سيعزز من فرص الكرد في المشاركة الفعالة في رسم مستقبل سوريا الجديدة. ومع استمرار التحديات، يبقى الأمل معقودا على استثمار هذه اللحظة التاريخية في تحقيق مزيد من التعاون والتكامل بين القوى الكردية".
وكان بارزاني، قاد في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 مبادرة لتوحيد الصف الكردي في سوريا، واحتضنت محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق اجتماعات عدة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تمخض عنها توقيع "اتفاقية دهوك"، لكن الاتفاق لم يطبق.
ونصت الاتفاقية على تشكيل "مرجعية سياسية كردية" من 32 شخصا على أن تكون نسبة تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي فيها 40 بالمئة، وكذلك نسبة المجلس الوطني الكردي 40 بالمئة، ونسبة 20 بالمئة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.
وبحسب الاتفاق، فإن مهمة هذه المرجعية الكردية هي رسم الإستراتيجيات العامة وتجسيد الموقف الموحد، وتشكيل شراكة فعلية في هيئات الإدارة الذاتية، والتوجه نحو الوحدة السياسية والإدارية ومشاركة المكونات الأخرى كافة.
والمجلس الوطني الكردي كان ممثلا في الائتلاف السوري المعارض، وتشكل عام 2012، ويعادي مليشيا قسد الانفصالية، ويقدر عدد مقاتليه بنحو 8 آلاف.
"طامة كبرى"
وعن تفاصيل اللقاء، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، إن "الحزب وتحديدا بارزاني لديه جماهيرية كبيرة بين أكراد سوريا، رغم أن المتصدرين للمشهد هم قسد، والمؤثر عليهم حزب العمال الكردستاني، وهذه المصيبة الكبرى".
وأضاف زيباري خلال مقابلة تلفزيونية في 19 يناير، قائلا: "لدينا خوف حقيقي على مستقبل أكراد سوريا خشية أن يرتكبوا أخطاء، ونصحناهم بألا يتمددوا خارج حدودهم، وهذا بالإضافة إلى أنه طلب تركيا فهو طلبنا أيضا، لأنه ليس من مصلحتهم التمدد في مناطق بعيدة عنهم".
وأشار إلى أن النصيحة الأخرى التي وجهوها إلى عبدي، هي "لا بد أن يفكوا الارتباط مع حزب العمال الكردستاني، الذي ساحته في تركيا، فلماذا يأتي عليكم كما يريد أن يرمي ثقله علينا (إقليم كردستان العراق)".
وتابع: "الأمر الآخر، قلنا إن كردستان العراق يستطيع مساعدتهم لأنه لدينا امتداد جغرافي معكم إستراتيجي، ولدينا في الإقليم 300 ألف مقيم ولاجئ سوري معظمهم من أكراد سوريا".
وأوضح زيباري أن "العلاقات لم تكن ودية بين إقليم كردستان وقسد وكانت باردة، لكن بارزاني بادر وأرسل مندوبا إلى مظلوم عبدي ودعاه من أجل مساعدتهم ومشاركتهم في تجربتنا، وكان اللقاء جيدا ولاقى ترحيب كل الأمة الكردية التي كانت تظن أن هذا الأمر ربما شبه مستحيل".
ولفت إلى أن "هناك خطوات لتوحيد الصف الكردي في سوريا، والذهاب إلى القيادة الجديدة في سوريا والتفاوض معها".
وأكد زيباري أن "أكراد سوريا أمام فرصة ذهبية، لأن هناك اهتماما دوليا وعربيا كبيرا في قضيتهم، وأن مبادرة بارزاني لا تُجرى من خلف ظهر تركيا، وحتى ليست بعيدة عن إيران، فالكل مطلع عليها".
وأردف: "نستطيع أن نلعب دورا مفيدا، وإن الأطراف المعنية هم الولايات المتحدة أيضا، وإن من نقلت مظلوم عبدي إلى أربيل هي طائرات أميركية، وإن الأوربيين والفرنسيين مهتمون بقضية الأكراد".
وواصل حديثه قائلا: "إذا استطعنا أن نلعب دورا في قضية أكراد سوريا فسنلعبه، ليس تدخلا منا، وإنما لدينا اتصالات مع (هيئة تحرير الشام) والإدارة الجديدة هناك، وجرت اتصالات مع أحمد الشرع لكن لم يتحقق أي لقاء معه حتى الآن، وأنا مستعد للذهاب إلى دمشق".
وعن مدى إمكانية تشكيل إقليم خاص بأكراد سوريا على غرار كردستان العراق، قال زيباري إن "ظروفهم تختلف عما عليه في العراق، لأنه في سوريا الأكراد ليس لديهم جغرافيا موحدة، وإنما مجزأة، فهم موزعون بين عفرين وكوباني والحسكة والجزيلة وقامشلي".
علما أن قسد تسيطر على مساحة واسعة من منطقة شمال شرق سوريا ذات الأغلبية العربية المعروفة بثرائها النفطي.
“فك الارتباط”
من جانبه، رأى الباحث في الشأن العراقي، بهاء الدين البرزنجي: إن "اللقاء بين بارزاني وعبدي، قد يكون جاء بدفع تركي من أجل فك ارتباط قسد بحزب العمال تمهيدا لدمجهم مع الوضع الجديد في سوريا، وهذا قد يكون برغبة غربية وعربية أيضا".
وتوقع البرزنجي في حديث لـ"الاستقلال" أن "تتخلى التنظيمات الكردية السورية عن حزب العمال الكردستاني، إذا استطاعت تركيا قطع حبال التواصل بين الطرفين، فإن الأخير سيضمحل وجوده في سوريا وحتى في العراق، وهذا ما تطمح إليه أنقرة".
ورأى الباحث أن "لجوء زعيم قسد إلى بارزاني، كونه قريبا من تركيا، وأن الأخيرة قريبة من الإدارة السورية الجديدة، وأن بقاء قسد قريبة من حزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني القريب من إيران لن يعود عليهم بالنفع ولا يصل إلى حل مع دمشق".
وأوضح البرزنجي أن "إيران وكل ما يتبع لها ومرتبط بها بشكل أو بآخر هو مرفوض من الإدارة الجديدة في سوريا وحتى من الولايات المتحدة، بالتالي بارزاني شخصية مقبولة وموثوقة سواء لدى الجانب التركي وحتى عند الدول العربية".
وبيّن الباحث أن "الولايات المتحدة تدفع باتجاه تدخل مسعود بارزاني من أجل ترتيب أوراق أكراد سوريا، وتكون هي الضامن أمام تركيا والإدارة السورية الجديدة، وأتوقع أن هناك توافقا تركيا أميركيا على ذلك".
وفي 20 يناير، أعرب مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية، عبر بيان مقتضب عن ترحيب الولايات المتحدة بالاجتماع الذي عُقِد بين مسعود بارزاني مع قائد مليشيا سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي.
وقال البيان إنه "يمكن للحوار بين الكرد أن يلعب دورا حاسما في تعزيز الانتقال السياسي الشامل في سوريا".
وكان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، قد صرّح بأن الأكراد هم "جزء مهم من سوريا وتعرضوا لظلم كبير كبقية السوريين وبزوال النظام قد يزول الظلم عنهم وسوريا القادمة سيكون للأكراد دور مهم فيها، والكل سيأخذ حقوقه بالقانون".
وأضاف الشرع خلال مقابلة تلفزيونية في 15 ديسمبر 2024، قائلا: "لن يكون هناك ظلم على الأكراد بعد اليوم، سيكون هناك تاريخ جديد لسوريا".
وفي 31 ديسمبر 2024، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول سوري (لم تسمه) أن قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع التقى وفدا من قوات سوريا الديمقراطية، وأن الأجواء كانت إيجابية، مشيرا إلى أنه "سيكون هناك لقاءات مستقبلية" مع "تكثيف الحوارات والاجتماعات في المستقبل".