الجزائر وتونس تشاركان ثلاث دول أوروبية مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي.. من المستفيد؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

بين شعار التعاون وتعزيز التنمية وتحذيرات من استغلال دول الجنوب لتحقيق مصالح الشمال، خلق مشروع للطاقة يربط أوروبا وتونس والجزائر الجدل والخلاف في تقييم عوائده ومخاطره.

يأتي هذا النقاش إثر تتويج الاجتماع الوزاري الأول لوزراء الطاقة المعنيين بمشروع ممر الهيدروجين الجنوبي (SoutH2 Corridor)، الذي انعقد في 21 يناير/كانون الثاني 2025 بالعاصمة روما، بالتوقيع على الإعلان المشترك للنوايا السياسية بشأن هذا المشروع الذي وصف بـ"الإستراتيجي".

ويضم المشروع كلا من إيطاليا وألمانيا والنمسا وتونس والجزائر، والتي وقعت على نيتها تعزيز التعاون لتطوير هذا المشروع الذي يربط مواقع الإنتاج في الجزائر وتونس بالاتحاد الأوروبي.

وبمقتضى الإعلان المشترك الموقع "تقر الأطراف بالإمكانات الكبيرة للجزائر وتونس في إنتاج الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وضرورة تعزيز أمن الطاقة بين المنطقة والاتحاد الأوروبي لدعم النمو الأخضر".

كما أكدت على أهمية تطوير محطات الهيدروجين والبنية التحتية المرتبطة بها، وتسريع الانتقال الطاقوي المستدام لتحقيق الأهداف المناخية العالمية، مع التركيز على جذب الاستثمارات في الجزائر وتونس لدعم السوق المحلية وخلق فرص عمل وتعزيز الابتكار.

ويشدد الاتفاق أيضا على أهمية ممر الهيدروجين الجنوبي كبنية تحتية لنقل الهيدروجين بين الجزائر عبر تونس وأوروبا، مع الحاجة إلى تعزيز القدرات وتطوير المهارات اللازمة، وتحديد احتياجات التمويل وآليات تقليل المخاطر، حسب البيان.

كما يلتزم الأطراف بتنسيق السياسات وتبادل الخبرات لضمان التنفيذ الفعال للمشروع، مع المتابعة الدورية من خلال فريق عمل مشترك يجتمع كل ستة أشهر.

التزام جزائري

وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة، أكد وزير الطاقة والتعدين الجزائري، محمد عرقاب، التزام بلاده بتطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، انطلاقا من موقعها الجغرافي المتميز ومواردها الغنية من الطاقة الشمسية والريحية، وبنيتها التحتية المتقدمة في قطاع الطاقة.

وشدد عرقاب، وفق “الإذاعة الجزائرية” في 21 يناير 2025، على أن الجزائر “تسعى لتكون مركزا إقليميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، بما يسهم في تنويع إمدادات الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية”.

كما أبرز أن المشروع يمثل "فرصة إستراتيجية لتعزيز التكامل الطاقوي بين الجزائر وأوروبا"، مع التركيز على إنشاء إطار قانوني وتنظيمي ملائم، مع تطوير القدرات البشرية والتكنولوجية وجذب الاستثمارات اللازمة لتسريع الانتقال الطاقوي.

وفي السياق، دعا عرقاب إلى تكثيف التعاون الدولي لتسهيل نقل التكنولوجيا وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مؤكدا أن "المشروع يجسد رؤية الجزائر الطموحة لتحقيق التنمية المستدامة وتجاوز التحديات المناخية".

وشارك في هذا الاجتماع الوزاري من إيطاليا كل من وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، أنطونيو تاياني، ووزير البيئة وأمن الطاقة، جيلبرتو بيكيتو فراتين، ومن ألمانيا كاتب الدولة لوزارة الاقتصاد وحماية المناخ، فيليب نيمرمان، ومن الجزائر كاتب الدولة لدى وزير الطاقة المكلف بالطاقات المتجددة، نور الدين ياسع، وكاتب الدولة المكلف بالجالية، سفيان شايب.

إضافة إلى ممثل وزارة العمل المناخي والبيئة والطاقة والتنقل والابتكار والتكنولوجيا في النمسا، وسفير تونس لدى إيطاليا، وممثلي مفوضية الاتحاد الأوروبي وسويسرا بصفتها ملاحظ، ومسؤولين آخرين.

من جانبه، يرى رئيس تجمع الطاقات الخضراء الجزائري، بوخالفة يايسي، أن “هذه التطورات بعقد اجتماع وزراي هو الأول من نوعه بخصوص ممر الهيدروجين الجنوبي ومشاركة جزائرية رفيعة المستوى وأيضا أوروبية، تشير إلى أن هذه المبادرة قد انتقلت من الإطار الفني إلى الصعيد السياسي والحكومي، ومن شأنها تعزيز أكثر لمحور الجزائر–روما”.

ولفت يايسي لموقع "الشروق" الجزائري في 20 يناير 2025، إلى أنه “بعد توقيع مذكرة التفاهم بين الشركات المعنية بهذا المشروع في وهران خلال أكتوبر/تشرين الأول 2024، جاء الدور هذه المرة على الصعيد السياسي والدعم الحكومي، من خلال هذا الاجتماع الذي يحضره مسؤولون كبار في الدول المعنية بالمبادرة”.

وذكر أن مشاركة مؤسسات الاتحاد الأوروبي كعضو ملاحظ في هذا اللقاء “أمر لافت أيضا، ما يعني أن هناك دعما سياسيا، وأيضا إمكانية الدعم المالي الأوروبي وكل ما يتعلق بالتنظيم والضبط”.

وشدد الخبير على أن "هذه التطورات تؤكد أيضا أن الأمور تمضي قدما نحو الأمام فيما يتعلق بهذا المشروع الضخم، وهذا المعطى من شأنه أن يدعّم أكثر فأكثر محور الجزائر – روما، الذي تقوّى وتعزّز بشكل كبير خلال السنوات الماضية".

أهداف إيطاليا

من جهته، أكد وزير الخارجية الإيطالي تاياني، أن "روما تعمل على تحقيق أهداف إزالة الكربون واستقلال الطاقة بطريقة ملموسة وعملية، من خلال اتباع مزيج من الطاقة يتم من خلاله تطوير المصادر المتجددة والهيدروجين والطاقة النووية بشكل مناسب".

وبحسب موقع "أفينير" الإيطالي في 21 يناير 2025، ذكر تاياني أن بلاده استطاعت في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 استضافة الاجتماع الأول للمجموعة العالمية للطاقة الاندماجية في منطقى فارنيسينا، بالشراكة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

واسترسل: "اليوم نضيف جزءا آخر إلى إستراتيجيتنا للطاقة مع تطوير ممر الهيدروجين الجنوبي، الأمر الذي سيعزز دور بلادنا كمركز أوروبي للطاقة".

من جانبه، قال وزير البيئة وأمن الطاقة الإيطالي فراتين: "نحن هنا لإبرام اتفاق من شأنه، بروح التعاون الأوروبي ومع أصدقائنا المقربين، أن يعزز العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط بهدف خلق الاستقرار والنمو والرخاء والازدهار للمجتمعات على هاتين الصفتين".

ووفق وكالة "آكي" الإيطالية في 21 يناير 2025، أكد فراتين أن مشروع الممر الجنوبي للهيدروجين، الذي يعرف اختصارا بـ (South H2) وهو مشروع للبنية الأساسية لنقل الهيدروجين الأخضر لمسافة 3300 كيلومتر من شمال إفريقيا عبر إيطاليا والنمسا وألمانيا، بهدف توفيره للأسواق الأوروبية.

وأضاف الوزير، خلال الاجتماع الوزاري، "نحن نقوم بذلك من خلال التركيز على الهيدروجين المتجدد ومنخفض الكربون، والذي تعده إيطاليا أساسيا لأهداف إزالة الكربون بما يتماشى مع الالتزامات التي تم التعهد بها في الخطة الوطنية المتكاملة للطاقة والمناخ لعام 2030".

وتابع: "أثق في أن المشروع يمكن أن يحصل على تمويل من مرفق ربط أوروبا للطاقة (CEF-Energy) "، في إشارة إلى برنامج التمويل التابع للاتحاد الأوروبي لتنفيذ سياسة شبكات الطاقة عبر أوروبا ويهدف إلى دعم الاستثمارات في بناء البنية التحتية الجديدة للطاقة عبر الحدود في أوروبا أو إعادة تأهيل وتحديث البنية التحتية القائمة.

وأشار فراتين إلى أن "إعلان النوايا هو وثيقة تؤكد إرادة إيطاليا وألمانيا والنمسا والجزائر وتونس لمواصلة العمل من أجل ممر هيدروجين جنوبي يربط مواقع الإنتاج في شمال إفريقيا مع الاتحاد الأوروبي".

استغلال جديد

من جانبه، قال عضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطّاقة بتونس،  إلياس بن عمار، إن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى الاستثمار بقوة في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر أساسا للتخلص من تبعيته للغاز الروسي، والاستفادة من سوق جديدة تمكنه من الريادة في المجال.

وأضاف بن عمار لـ"الاستقلال"، أن “الاتحاد الأوروبي يرى أن إفريقيا القريبة جغرافيا، والتي تحتوي على مخزون كبير لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، يمكن استغلالها لإنتاج الهيدروجين الأخضر”.

ورأى أنه "يظهر جليا أن كل هذه الجلبة حول الموضوع ليست سوى توسع استعماري جديد من دول الاتحاد الأوروبي لدول الجوار جنوب المتوسط، مثلما حدث سابقا في القرن التاسع عشر، والهدف دائما استغلال الثروات الطبيعية والحفاظ على علاقات الهيمنة لصالحها".

وذكر بن عمار أن "الحكومة التونسية تطمح إلى إنتاج ما يفوق 8 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر في غضون سنة 2050، حيث سيتم تصدير الجزء الأكبر منها نحو الضفة الشمالية للمتوسط".

وكشف الخبير التونسي، أنه “لتحقيق هذا الهدف في الاستجابة لمتطلبات السوق الأوروبية، سيتم استثمار ما يقارب 117.2 مليار يورو من أجل التحضير للبنية التحتية اللازمة”.

وتابع: “والتي تشمل تركيز محطات الطاقات المتجددة، وتركيز محطات تحلية المياه واستخراج الهيدروجين منه، والأنابيب المرتبطة بشبكات المياه والهيدروجين، وتجهيز الموانئ التونسية بما يلزم لإتمام عملية التصدير”.

وشدد بن عمار على أن "هذه الاستثمارات التي ستمول تقريبا عبر ديون من طرف المؤسسات المالية العالمية، كالبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وغيرهما، دون أن ننسى البنك العالمي الشريك الأساسي لتونس في تنفيذ هذا النوع من المشاريع التي تعد تطبيقا عمليا لتوصياته وللسردية النيوليبرالية بصورة عامة".

وأردف “تونس وعلى غرار العديد من الدول الأخرى المنخرطة في مشاريع تصدير الهيدروجين الأخضر، ستصبح حديقة خلفية وخزانا طاقيا لدول الشمال في تكريس واضح للتبعية واستعادة لآليات الاستعمار في استغلال ثروات البلاد لصالحه”.

وتابع، "بالإضافة لكل هذا، فإن أوروبا ستستفيد بصورة أخرى من هذا النوع من المشاريع، لأنه علاوة على ما سيدره تمويلها من تحريك للرأسمال، فإن التجهيزات اللازمة لتنفيذها (كالتكنولوجيا مثلا) سيتم تصنيعها من طرفها، أي أنه سيتم فتح أسواق جديدة للصناعات الأوروبية والتحكم في سلاسل إنتاج مستحدثة".

وختم بن عمار بالقول: “كما أن تونس مطالبة بتوفير الموارد الطبيعية كالأرض والمياه بأرخص الأثمان، وتحمُّل التبعات البيئية والاجتماعية لهذه العملية، في تكريس واضح للتقسيم العالمي للعمل، حيث دول الشمال تصدر التكنولوجيا، ودول الجنوب تمدها بالمواد الأولية واليد العاملة الرخيصة”.