موريتانيا تعلن عن هيئة رسمية لمكافحة الفساد.. خطوة عملية أم إجراء شكلي؟
“الإشكال القائم هو في الجدية والمتابعة والتنفيذ وليس الإعلان"
بحضور الرئيس الموريتاني محمد الشيخ ولد الغزاوني، صادق مجلس الوزراء على مشروع قانون يتضمن إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، وسط شكوك في مدى نجاحها في محاربة هذه الآفة.
وحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء، في 16 يناير/ كانون الثاني 2025، فإن هذه الهيئة تدعى "السلطة الوطنية لمكافحة الفساد".
وأشار البيان إلى أن الهيئة "تضطلع بمهمة الوقاية من الفساد، وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد وتعزيز النزاهة والشفافية، والحد من التجاوزات من خلال تبني آليات فعالة للرصد والرقابة، وإشراك الأطراف المعنية".
استرجاع الأموال
وقال وزير الاقتصاد والمالية الموريتاني، سيدي أحمد أبوه: إن "السلطة الوطنية لمكافحة الفساد مكونة أساسا من رئيس ومجلس وهيئة تنفيذية، ويعهد إليها من جملة اختصاصات إعداد وتنفيذ السياسات والإستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، وتقييم مخاطر الفساد، ورسم خرائط تحدد المجالات الأكثر عرضة للفساد".
وذكر خلال تصريحات صحفية في 16 يناير 2025، أن السلطة يعهد إليها أيضا "تنظيم حملات توعوية وبرامج تدريبية لنشر ثقافة الشفافية، وتقديم توصيات لتعزيز الحوكمة ومنع تضارب المصالح، وإنشاء قواعد بيانات وطنية لمتابعة وتحليل قضايا الفساد".
ولفت الوزير" أبوه" إلى أن السلطة الوطنية لمكافحة الفساد ستتولى استقبال التصريحات بالممتلكات والمصالح ومراقبتها وتلقي الإبلاغات عن شبهات الفساد وإحالتها إلى الجهات المختصة عند الضرورة، مع متابعة التحقيقات وتوفير الحماية للمبلغين والشهود في قضايا الفساد".
وأضاف أن "قانون السلطة له خصوصية الاستئناس بالبنود الرئيسة للاتفاقيات الدولية والنصوص الرئيسة الأكثر اعتمادا في البلدان المتقدمة".
وشدد على أن "الإعلان اليوم عن هذه النصوص، يسهم في توفير وحدة منسجمة ومتكاملة، وهي أكبر رسالة تقدمها الحكومة اليوم على أن انخراطها في جهود مكافحة الفساد ليس مسألة شعارات ولا تسجيل مواقف".
بدوره، أكد وزير العدل، محمد محمود عبد الله، أن "قانون مكافحة الفساد تضمن إعادة صياغة بعض الأحكام القانونية بما يضمن وضوح النص ويساعد في تطبيقه على أحسن وجه".
وأضاف في تصريحات صحفية: "تم إدخال أحكام جديدة تنص على عدم سقوط العقوبة بالنسبة لجرائم الفساد واستحداث آليات بديلة للمتابعة في جرائم الفساد، تسمح باسترجاع الأموال واستخدامها في تمويل برامج اقتصادية واجتماعية".
وذكر محمود عبد الله، أن "مشروع القانون يضم إجراءات متابعة الشخصيات الرمزية، والنطق بالأحكام القضائية وآجالها التي لا يمكن أن تتجاوز 15 يوما من تاريخ حجز القضية للمداولة".
وقال إن "القانون المتعلق بمكافحة الفساد الذي أقرته الحكومة يلغي ويحل محل القانون ساري المفعول، ويأتي لمعالجة بعض الاختلالات التي تؤثر سلبا على جهود مكافحة الفساد وتماشيا مع الإرادة القوية لمحاربة الفساد".
وأشار محمود عبد الله إلى أنه "تم استحداث عقوبة سالبة للحرية مع الغرامة لجريمة الإثراء غير المشروع، ورفع الغرامات المالية لتتناسب وحجم الأفعال المرتكبة".
وأضاف: “يوفر القانون الجديد للسلطة الوطنية لمكافحة الفساد التي أسندت لها مهمة تلقي التصاريح الأدوات القانونية اللازمة لمعالجة ومراقبة التصريح بكفاءة وفعالية”.
وتابع: "وهو ينص على إلزامية التصريح بالممتلكات والمصالح وتوسيع نطاق الإلزام ليشمل فئات جديدة من الموظفين العمومين مثل البرلمانيين وغيرهم ممن يشغلون مناصب عليا في الدولة ويتمتعون بسلطة اتخاذ القرار أو التأثير خلال مزاولتهم مهامهم".
وأضاف: "كما يلزم المشروع المخاطبين بأحكامه بالتصريح بمصالحهم، إضافة إلى ممتلكاتهم وممتلكات أولادهم القصر، مع وضع آلية واضحة لمنع تضارب المصالح لضمان اتخاذ القرارات العامة بحياد وموضوعية".
تفاعلات متعددة
وتتكون هيكلة هذه السلطة من الرئيس وهو المسؤول عن تنفيذ السياسات والإشراف على جميع أنشطة السلطة، ومجلس السلطة الذي يتألف من الرئيس وستة أعضاء يتم اختيارهم وفق إجراءات صارمة، والهيئة التنفيذية التي تدير العمليات اليومية للسلطة.
وبخصوص آلية انتقاء أعضاء مجلس السلطة فقد خصصت لها المواد من 13 إلى 16، حيث تتم من خلال تشكيل لجنة تتألف من 7 أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة والنزاهة يرأسها رئيس السلطة، فيما يتم اقتراح الأعضاء من قطاعات مختلفة، مثل الحكومة والبرلمان، والقضاء والتعليم العالي والمجتمع المدني.
وتقوم هذه اللجنة بتقديم قائمة مكونة من 12 مرشحا مرتبين أبجديا لرئيس الجمهورية الذي يختار منهم 6 أعضاء لمأموريات من 3 و6 سنوات لضمان استمرارية المجلس.
وتضمنت شروط عضوية السلطة، خبرة لا تقل عن 20 عاما في مجالات مرتبطة بمكافحة الفساد أو الإدارة العامة، ويحظر على أعضاء السلطة تولي مناصب سياسية أو أي وظيفة تتعارض مع مهامهم، ويتمتعون بحصانة وظيفية.
وأعرب الخبير الدولي محمد ولد المنير، عن ترحيبه بقرار الحكومة الموريتانية إنشاء سلطة وطنية لمكافحة الفساد وتوسيع نطاق إلزامية التصريح بالممتلكات.
وبحسب موقع "أصداء" المحلي في 19 يناير 2025، شدد ولد المنير "على أهمية ضمان فعالية هذه الإجراءات"، موضحا "أن السلطة يجب أن تكون مستقلة تماما وقادرة على التحقق من نزاهة المسؤولين والمنتخبين، والتأكد من عدم استغلالهم للوظائف العامة لتحقيق الثراء غير المشروع أو عبر النفوذ".
وأكد أن “الفساد توسع بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير”، مستدلا بـ"بقاء مسؤولين متهمين بالفساد في مناصبهم، واستمرار غياب العقوبات، وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب".
وأشار الخبير إلى أن "المشكلة الحقيقية ليست في غياب النصوص أو المؤسسات، بل في اختيار الأشخاص غير المؤهلين أو غير الملتزمين بتنفيذ القوانين، مما يؤدي إلى نتائج دون المستوى المطلوب".
وشدد على "أهمية اتخاذ تدابير جذرية تشمل تعزيز القوانين لتجريم جرائم الفساد كجنايات، وفرض عقوبات صارمة، مع تحسين آليات الوقاية عبر الرقابة المسبقة على المصروفات العامة".
ودعا ولد المنير "إلى إشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام في رصد المخالفات، ووضع إجراءات صارمة لمكافحة غسيل الأموال والتعاملات النقدية غير المنظمة التي تسهّل الفساد".
من جانبه، رأى القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور، أن "إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد خطوة مهمة ومرحب بها".
واسترسل منصور في تدوينة عبر حسابه على “فيسبوك” في 17 يناير 2025، "يبقى من الذين سيتولونها والمدى الذي تستطيع الوصول إليه في مهمتها، نرجو أن يكون تعيين القائمين عليها رسالة لا تقبل التشكيك في أن الأمر جد لا مساومة فيه".
أما مسؤول شبيبة حزب "تواصل" المعارض، البرلماني المرتضى ولد اطفيل، فقال إن "الحرب على الفساد المستشري وتوقيفه تحتاج إلى إرادة، وصرامة، وقوة، وإصرار، وعمل فني متراكم ومستمر ودؤوب".
وشدد ولد اطفيل في تدوينة على “فيسبوك” في 18 يناير، على أنه "لا يمكن محاربة الفساد بالشعارات وإنشاء المؤسسات التي تحتاج كثيرا من الوقت لإطلاق عملها".
الإرادة السياسية
من جانبه، بعث "منتدى الشباب لمكافحة الفساد"، برسالة مفتوحة إلى الجهات العليا المعنية في الدولة، قصد "إشراك الشباب في السلطة الوطنية لمكافحة الفساد".
وشدد المنتدى عبر رسالته في 22 يناير 2025، على أن "إشراك الشباب يروم دعم التوجه الوطني لتمكين الشباب واستغلال قدراتهم في مواجهة التحديات، وتعزيز الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، وجعل مكافحة الفساد مسؤولية مجتمعية".
وبخصوص مقترحاته لهذا الإدماج، دعا المنتدى إلى "تخصيص نسبة مقاعد للشباب في السلطة الوطنية، وتأسيس لجان شبابية فرعية للتوعية المجتمعية، وتقديم برامج تدريبية في الحوكمة ومكافحة الفساد".
فيما يرى الباحث الأكاديمي عبد الرحمن عثمان الشنقيطي، أن الخطوة المتعلقة بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد بموريتانيا “خطوة مهمة ويثمنها كل ذي عقل”.
واستدرك الشنقيطي موضحا لـ "الاستقلال"، أن “الإشكال القائم يكمن في أن الحكومة تعلن في مرات متعددة عن برامج أو خطط لمحاربة الفساد، دون أن يكون لها أثر عملي على الواقع الموريتاني”.
وشدد على أن “الإشكال القائم هو في الجدية والمتابعة والتنفيذ وليس الإعلان، خاصة أن ضلوع النافذين في الفساد هو أمر خطير على الواقع الاقتصادي والسياسي في البلاد، حاضرا ومستقبلا”.
وذكر الشنقيطي أن مساعي محاربة الفساد “لا تُنفذ على المقربين والموظفين الساميين، والذين يمارسون الفساد بطرق مختلفة”، مقدرا أن "الوضع الحالي بالبلاد لا يشجع على محاربة الفساد".
وأوضح “من ذلك أن الموظف المتهم بالفساد إن كان صغيرا أو المنتخب ليس له قاعدة انتخابية كبيرة، فإنه يجر للمحاكم ويحاسب، لكن إن كان خلاف ذلك لا يتعرض لأي حساب”.
وعن المداخل العملية لمكافحة الفساد في موريتانيا، قال الشنقيطي إن “من أولها ما يرتبط بأقارب الموظفين الساميين، حيث يظهر على العديد منهم علامات إثراء غير منطقي وتوسع عمراني كبير وغير مفهوم”.
وشدد على “ضرورة متابعتهم أيضا، وليس متابعة الموظف المعني بشكل مباشر، لأن العديد من هؤلاء الأقارب لا يكون لهم أي نشاط تجاري واضح وشفاف، وهذا يعني أن الثراء الذي هم فيه هو بسبب قربهم من المسؤول العمومي”.
وتابع: “وكذا التجار المقربون من الحكومة، والذين يجب مراقبة أنشطتهم وكشوف حساباتهم"، منبها إلى أن "لمفتشي الدولة السلطات الكافية لأن يفعلوا ذلك”.
وأبرز الشنقيطي أن “من المداخل أيضا، ما يهم الشركات التي تتعامل مع الدولة عبر تنفيذ المشاريع العامة”، مشيرا إلى أن هذا المجال مدخل كبير من مداخل الفساد.
واسترسل: “حيث إن العديد من هؤلاء المقاولين أو الشركات تُسلم المشاريع المتفق عليها للدولة دون أن تنفذها على الوجه المطلوب، وهذا يعني أن نسبة من المخصصات المالية تم صرفها في غير وجهها”.
وخلص الشنقيطي إلى أن “مكافحة الفساد ضرورة حياتية، للدولة وللمجتمع، وعلى الجميع المساهمة فيها، كل بحسب قدرته وتخصصه، لأجل حاضر أفضل ومستقبل مشرق للبلاد والمواطنين على حد سواء”.