"4 سيناريوهات".. كيف ستتعامل إسرائيل بعد انتهاء الهدنة في غزة؟

منذ ٣ دقائق

12

طباعة

مشاركة

وضع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) أربعة سيناريوهات قد تتبعها دولة الاحتلال بقطاع غزة في اليوم التالي لاكتمال اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يعده كثيرون خطرا أمنيا على إسرائيل.

وقال المعهد: “لقد أسفر الاتفاق بين إسرائيل و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس عن حالة من الاضطراب رغم اكتسابه أهمية خاصة من منظور معنوي إسرائيلي”.

إذ لا بد من إعادة الإسرائيليين الذين تخلت عنهم تل أبيب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى ديارهم، فالإخفاق في ذلك قد يثير تساؤلات حول التزام إسرائيل بمبادئ "المسؤولية والتضامن".

اتفاق جزئي؟

وتضمن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، الذي بدأ سريانه في 19 يناير/كانون الثاني، صفقة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين بغزة مقابل أعداد من الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال.

وفي المرحلة الأولى من الاتفاق، المكون من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما، تنص البنود على الإفراج تدريجيا عن 33 إسرائيليا محتجزا في غزة، سواء الأحياء أو جثامين الأموات مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين يُقدر بين 1700 و2000.

وبالفعل شهد التبادل الأول والثاني، الإفراج عن 3 محتجزات إسرائيليات ثم 4 مجندات مقابل 90 امرأة وطفلا فلسطينيين، ثم 200 أسير أغلبهم من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية.

وتعتقل سلطات الاحتلال حالياً أكثر من 10 آلاف و300 أسير فلسطيني في سجونها، وتقدر وجود نحو 96 محتجزا إسرائيليا بغزة.

ويقول المعهد: "بينما تسود الآمال بعودتهم (البقية)، سواء لدفنهم أو إعادة تأهيلهم، برزت مخاوف أمنية ثقيلة لا يمكن التغاضي عنها بشأن الثمن الذي قد يترتب على وقف إطلاق النار".

وقال المعهد إن "اتفاق وقف إطلاق النار يحمل فوائد إستراتيجية محتملة تعتمد على تصرفات إسرائيل بمجرد اكتمال الصفقة".

وأوضح أن "المشكلة الأكثر حدة في الاتفاق تكمن في تنفيذه التدريجي والمراحلية التي يتبعها، خاصة في الانتقال المقلق بين المرحلتين الأولى والثانية".

وبحسب تعبير المعهد، “تشمل المرحلة الثانية الإفراج عن أسرى فلسطينيين أدينوا بجرائم شديدة البشاعة”، في إشارة إلى تنفيذهم عمليات فدائية ضد الاحتلال.

كما يشمل وقف عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، وسحب جميع قواته من القطاع.

وأردف: "للأسف، هناك احتمالية كبيرة أن يظل الاتفاق جزئيا، حيث لا تمتلك حماس معلومات دقيقة عن أماكن جميع جثث الرهائن الذين قُتلوا".

"ومن المرجح أن تقدم حماس ادعاءات زائفة حول أماكن وجود القتلى كنوع من بوليصة تأمين لمنع إسرائيل من استئناف الحرب"، وفق قوله.

ويرى أنه "بناء على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تبدأ في تطوير خطط أمنية وإستراتيجية؛ استعدادا لاحتمال انهيار الاتفاق أو بقائه غير مكتمل”.

ولطالما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه، بالعودة إلى الحرب بعد تسلم الأسرى من غزة.

التهديد الأمني

ويزعم معارضو اتفاق وقف إطلاق النار في إسرائيل أنه يشكل تهديدات أمنية كبيرة، مسلطين الضوء على ثلاثة مخاوف رئيسة:

1- التهديد المزدوج المتمثل في إطلاق سراح المقاومين الخطرين من السجون الإسرائيلية، فهذا من شأنه أن يعيد جيلا من القادة المحتملين لغزة، كما حدث بعد إطلاق سراح رئيس المكتب السياسي السابق لحماس يحيى السنوار عام 2011.

هذا فضلا عن أن حماس ترى في إطلاق سراح هؤلاء انتصارا، وهو ما من شأنه أن يعزز من مكانتها، ويحفز الفلسطينيين على تنفيذ عمليات أسر أخرى في المستقبل.

2- السماح لسكان شمال غزة بالعودة إلى المناطق التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي، بالقرب من المستوطنات على الجانب الآخر من الحدود، من دون عمليات تفتيش شاملة، وهذا من شأنه أن يجدد التهديدات.

3- الانسحاب الإسرائيلي من غزة ونهاية الحرب، في حين لا تزال حماس تحتفظ بالسيطرة الفعلية على القطاع.

وهذا من شأنه أن يسمح للحركة بإعادة بناء قدراتها العسكرية على المدى البعيد والحفاظ على دوافعها لقتال إسرائيل في الأمد القريب.

وقال المعهد إن "هذه تحديات جسيمة بالفعل، ولكن الشاغل الثالث، وهو السماح لحماس بالبقاء حاكما فعليا لغزة، يشكل المشكلة الإستراتيجية الرئيسة لأنه يتناقض مع أهداف الحرب التي حددتها الحكومة الإسرائيلية، أما بقية المشاكل فيمكن حلها.

وأضاف أن "إطلاق سراح المقاتلين من السجن هو ثمن باهظ، ولكن كان من الواضح منذ البداية أن إسرائيل ستضطر لدفعه نتيجة للفشل الذريع في حماية الإسرائيليين في 7 أكتوبر".

"ومع ذلك، فإن هذا الخطر يمكن تخفيفه، فالمقاتلون الخطرون (المفرج عنهم) سيُنفون إلى دولة ثالثة، وأثبتت إسرائيل مرارا وتكرارا قدرتها على تحييد التهديدات في أي مكان في العالم"، وفق زعم المعهد.

وأردف: "سيُوضع السجناء الأقل خطورة الذين يعودون إلى غزة أو الضفة الغربية تحت مراقبة استخباراتية صارمة، لضمان اعتقال أو القضاء على أي شخص يعود إلى منهم إلى النشاط العسكري"، وفق تعبير المعهد الإسرائيلي.

أما بالنسبة لعودة الفلسطينيين ووجودهم الفعلي في شمال قطاع غزة، فإن هذا "لا يشكل خطرا كبيرا، ولكن ما دام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستمرا، فإن بعض الأفراد -حتى أولئك الذين هم حاليا أطفال أبرياء- سينضمون حتما إلى صفوف المنظمات القتالية".

وأكد أنه "بدون معالجة جذور المشكلة، سنستمر في معالجة الأعراض فحسب، والخطر الحقيقي يكمن في إعادة ترميم البنية الأساسية للقتال".

وقال: "من المنطقي افتراض أن الجيش الإسرائيلي سيتبنى نهجا مختلفا بشكل كبير لمنع حماس من إعادة تسليح نفسها أو تجديد تهديدها لإسرائيل".

وأشار إلى أنه "من المرجح أن تكون هذه الإستراتيجية أكثر حدة مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، على غرار عملياته في لبنان التي ضمنت تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، والذي أنهى الحرب مع حزب الله".

ويرى أنه “ما من شك في أن السماح لحماس بالبقاء في السلطة خطير للغاية، حيث ستحاول إعادة فرض التهديدات ضد إسرائيل”.

وفي حين أن من الممكن إيجاد حلول محلية لمعالجة مشكلة التهريب (السلاح) إلى غزة عبر محور فيلادلفيا (الحدودي مع مصر) -سواء فوق أو تحت الأرض- فمن المستحيل إحكام إغلاق القطاع، يقول المعهد.

"لذلك، يتعين على إسرائيل الآن أن تبدأ في الاستعداد لليوم التالي لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي سيأتي حتما".

وتساءل: ماذا ستفعل إسرائيل حال بقاء حماس الحاكم الفعلي لغزة؟ فبعد كل شيء، كان إبعادها عن السلطة أحد أهداف الحرب ولم يتحقق بعد.

وهذا يعني -وفق المعهد- أن إسرائيل يجب أن تستعد لاحتمال العودة إلى غزة للقتال في غضون أسابيع أو أشهر قليلة من الآن.

وأضاف: عندما يحين ذلك الوقت، لن تتمكن إسرائيل من تجاهل القضية التي غالبا ما تفضل التغاضي عنها: ماذا نفعل بقطاع غزة؟.

أربعة بدائل

وبحسب المعهد، فإن هناك أربعة بدائل رئيسة، أولها إعادة احتلال القطاع وضمه إلى إسرائيل، ولكن يجعل الاتفاق مع حماس هذا الخيار أكثر تعقيدا، حتى في مناطق شمال غزة. 

فمن المتوقع أن يعود حوالي مليون فلسطيني إلى شمال القطاع. وإجلاؤهم مرة أخرى -حتى لو كان ذلك ممكنا عسكريا- سيكون غير مقبول دوليا.

وليس من الواضح إن كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يؤيد مثل هذا القرار. علاوة على ذلك، فإن هذا الخيار غير عملي للتطبيق بجميع أنحاء غزة. 

ففي حين أن إسرائيل يمكن أن تضم شمال غزة وتنشئ المستوطنات هناك، فإن التكاليف -الاحتجاجات المحلية وكذلك العزلة الدولية والمقاطعة- ستفوق الفوائد.

وعلى هذا، يقول المعهد: "لا بد أن نسأل أنفسنا ما إذا كان إعادة احتلال غزة أمرا يستحق العناء، ويبدو أن الإجابة لا".

ثانيا، إعادة الاحتلال والحكم العسكري: في هذا السيناريو، تفرض القوات الإسرائيلية الأحكام العرفية وتستمر في القضاء على حماس مع تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية وتلبية الاحتياجات المدنية.

وسيأتي هذا الخيار بتكاليف باهظة، منها الخسائر البشرية، والضغوط الاقتصادية، والشرعية الاجتماعية المحلية، وردود الفعل الدولية القوية.

وسيتطلب الجيش الإسرائيلي استدعاءً مكثفا لقوات الاحتياط وشراء كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة، فضلا عن الكثير من الوقت.

وأضاف المعهد أن "بنيامين نتنياهو، كان لديه سبب وجيه لاستبعاد هذا الخيار في بداية الحرب".

وتابع: "لو استطاعت إسرائيل الصمود أمام العزلة الدولية والانهيار التام لآمال التطبيع مع العالم العربي، فإن فرض الأحكام العرفية على قطاع غزة قد يجرى تكريسه كحل دائم".

وتساءل المعهد: “هل تكون أي دولة أو منظمة على استعداد لتولي السيطرة على غزة بعد القوات الإسرائيلية؟”

وأجاب قائلا: "إن أي دولة أو منظمة عربية تستولي على غزة في ظل هذه الظروف، دون حل دبلوماسي أوسع نطاقا، سيُنظَر إليها على أنها متعاونة مع إسرائيل ودخلت القطاع على ظهر دبابة إسرائيلية".

وبالتالي، ستجد إسرائيل نفسها تحكم غزة إلى الأبد، وهي منطقة مدمرة تضم أكثر من مليوني فلسطيني فقير وجائع وغاضب ويائس.

ثالثا، الفوضى: قد تنسحب إسرائيل من قطاع غزة، وتترك الوضع على ما هو عليه اليوم تماما، وتعلق كل أشكال التدخل المدني.

ويشير البعض إلى هذا بصفته سياسة "الفوضى المخططة". وفي مثل هذا السيناريو، تحتفظ إسرائيل بالحق في الدفاع عن نفسها ومواصلة العمليات العسكرية المستهدفة ضد حماس، ولكنها لن تشارك في أي من أشكال الإدارة المدنية للمنطقة، وفق تعبير المعهد.

ومن المرجح أن تستعيد حماس السيطرة وتعيد بناء نفسها، ولن يكون الأمر سوى مسألة وقت، قبل أن تشكل السيطرة الاقتصادية للحركة على غزة والافتقار إلى أيديولوجية منافسة، تهديدا أمنيا لإسرائيل.

"وفي حين قد تحقق إسرائيل في نهاية المطاف النصر، من خلال تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية لحماس، فإن وجود الحركة في القطاع سيستمر، وما دامت أيديولوجية المقاومة المسلحة قائمة، فإن التحدي سيبقى دون حل"، بحسب المعهد.

رابعا، نظام مدني بديل: يتضمن هذا الخيار تحويل المساءلة والمسؤولية عن توزيع المساعدات المدنية وإدارة الإدارة المدنية لقطاع غزة إلى أيدي كيان آخر غير حماس، ولكن تظل المسؤولية الأمنية في يد الجيش الإسرائيلي، عبر الغارات الجوية والعمليات السرية في المقام الأول.

وفي حين أن تنفيذ هذا الخيار يعد أكثر تعقيدا، فإنه سيُبقي حماس خارج السلطة، ويمكن تكراره بجميع أنحاء قطاع غزة، ويتوافق مع القانون الدولي.

لكن يجب على أي كيان يتولى السيطرة على إدارة غزة تلبية معيارين، وفق المعهد: الأول ألا يكون لحماس أي دور، والثاني أن يتمتع هذا الكيان بالقدرة العملية على الحكم بفعالية.

وأفاد بأن "الضغوط الخارجية -وخاصة من ترامب- يمكن أن تجبر السلطة الفلسطينية على قبول مثل هذا الترتيب، وحتى لو اعترضت، فقد يُضغط عليها لدعم نظام مدني بديل لغزة".

وقال معهد دراسات الأمن القومي إن "نهاية هذا الاتفاق ستأتي حتما، والآن هو الوقت المناسب لتقديم خطة خروج واضحة تضمن تحقيق الهدف النهائي للحرب -استبدال حماس- من خلال ترجمة الإنجازات العسكرية إلى إستراتيجية سياسية متماسكة"، وفق تقديره.

وختم قائلا: "يمكن أن تنطوي مثل هذه الخطة على التعاون مع الرياض، وقد تمهد الطريق حتى للرئيس ترامب ونتنياهو للفوز بجائزة نوبل للسلام"، بحسب زعمه.