2000 عائلة تغادر جنين بفعل عدوان الاحتلال.. ما مصير عائلات المخيم؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد تدمير غزة، يصوّب جيش الاحتلال الإسرائيلي نيرانه نحو مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية، في واحدة من أكبر هجماته منذ عقدين من الزمن. 

ووسط فرار مئات العائلات في ظل القصف وحرق المنازل، بقي مخيم جنين مهجورا يمهد مرور المركبات المدرعة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية معا.

وقالت صحيفة إلباييس الإسبانية: إن جيش الاحتلال أمر بإخلاء مخيم جنين ومنح سكانه مهلة للمغادرة، ولكنه كان في جميع الأحوال شبه مهجور، دون ماء أو كهرباء، بعد أن فرت حوالي ألفي عائلة منذ ديسمبر/كانون الأول 2024.

مستقبل ضبابي

وجاءت هذه الخطوة بعد أن نجحت الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي في الضغط على السلطة الفلسطينية ودفعتها إلى إطلاق عملية في ديسمبر، تهدف إلى تفكيك المخيم، في واحدة من أكثر التحركات التي لاقت استنكارا بين الفلسطينيين.

وأطلقت سلطة محمود عباس اسم “حماة وطن” على العملية التي قالت: إنها لمحاربة “الفلتان الأمني والفوضى”، في حين أنها تهدف في الحقيقة للقضاء على المقاومة المسلحة ضمن ما يعرف بالتنسيق الأمني والتعاون مع إسرائيل.

وبعد أسابيع من بدء السلطة هذه المهمة، تولى جيش الاحتلال زمام الأمور في 21 يناير/كانون الثاني 2025 وبدأ شنّ عمليات قصف واسعة النطاق وأعلن أن المخيم منطقة عسكرية مغلقة. 

ووصف وزير الجيش يسرائيل كاتس، العملية بأنها "قوية"؛ لتطبيق "الدرس الأول" من الطريقة المستخدمة بغزة في الضفة الغربية، من أجل القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس وبنيتها التحتية مرة واحدة وإلى الأبد. 

وقد خلفت العملية عددا من الشهداء معظمهم من المدنيين. وفي هذه المرحلة، هناك مخاوف من أن تشتعل نيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية، بعد فترة وجيزة من إخماد الحريق في غزة في الوقت الراهن، وفق الصحيفة. 

وكانت كارمل عبيد، وهي طفلة بعمر 11 سنة، من بين الذين اضطروا لمغادرة المخيم وسط مستقبل ضبابي لحياتها وحياة عائلتها.

قالت للصحيفة: إن مجموعة من الجنود دخلت إلى منزل عائلتها ومنحتهم 20 دقيقة فقط للمغادرة. 

وقبل ذلك، خضع جميع أفراد عائلتها للتفتيش، واعتقل والدها وجدتها وعمها، وتركها الجنود وراءهم وهي تبكي بحرقة. 

وتابعت وهي تشاهد جنود الاحتلال الإسرائيلي يفجرون أبواب مبانٍ أخرى ويحرقون المنازل: "هذه هي المرة الأولى التي يدخلون فيها منزلنا".

تشبه غزة

وفجأة طغا صوت منع الاستماع إلى بقية قصتها: إنه صوت أزيز الطائرات الإسرائيلية دون طيار التي تحلق بشكل مستمر فوق جنين، سواء في مهام استطلاعية أو لإطلاق النار. 

في الحقيقة، إنه الشيء الوحيد الذي يكسر الصمت في المدينة، فهي مهجورة لدرجة أنه يمكن رؤية المركبات المدرعة الإسرائيلية، وسيارات الإسعاف الفلسطينية، وفي حالات نادرة، السيارات الخاصة، لا غير. 

في تلك الأثناء، تحولت المحلات التجارية أيضا إلى سلسلة من الأبواب المغلقة، دون أي مظاهر للحياة. 

ويتمثل الشيء الآخر الذي يزعج الصمت من وقت لآخر في أصوات الغزو الإسرائيلي، من طلقات نارية بعيدة إلى انفجارات أقرب بكثير. 

ويكون بعضها عبارة عن عبوات ناسفة يخفيها عناصر المقاومة لتفجيرها عند مرور المدرعات. 

وفي خضم ذلك، تُشاهد سحابات من الدخان الأسود الكثيف تتصاعد إلى السماء من المنازل التي تتعرض للهجوم.

وأشارت الصحيفة إلى أن جنين أصبحت تشبه غزة، فمن مسافة بعيدة، يمكن رؤية رافعة تهدم مبنى، وفي حالات أخرى، ينشب حريق في الداخل، دون قصف مسبق. 

وخلال اجتياح القطاع الذي استمر 15 شهرا، أحرق جنود الاحتلال الإسرائيلي منازل المدنيين عمدا، بدافع الانتقام أو من أجل المتعة، وهو ما كشفه اعتراف العديد منهم دون الكشف عن هويتهم. 

وبالمثل، عمل آخرون على تصوير هذه الأعمال ومشاركتها على شبكات التواصل الاجتماعي، في صور تتطابق مع توثيق الصحفيين الفلسطينيين من داخل غزة.

أوضاع مأساوية

ونقلت الصحيفة أنه لهذا السبب يشعر عرفات عبيد، البالغ من العمر 64 سنة، بالقلق إزاء عملية الإخلاء هذه. 

ويقول: "لقد غادرت دون أن أصطحب معي أي ملابس، أو أي شيء، منحنا الجيش 20 دقيقة للمغادرة، لا أعلم ماذا سيحدث للمال والذهب الذي تركته في منزلي". 

ويضيف: “أخبرنا الجنود أننا سنعود خلال أسبوع، لم أخرج من المنزل منذ ثلاثة أيام خوفا على الأطفال في المنزل”.

وأردف: "كنت أتمنى ألا يأتوا، كانت كل عملية أسوأ من الأخرى، ولم أكن أتوقع أن يُطلب مني المغادرة أنا وزوجتي التي تعاني من صعوبة في المشي". 

كانت زوجته تبكي من الحزن والألم، ويساعدها أقاربها وسط الطين، وأضاف أن اثنين من أبنائه اعتقلوا على الحاجز.

ومن جهته، أكد مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أونروا، في الضفة الغربية، رولان فريدريش، أن إسرائيل "تستخدم أسلحة وأساليب حرب متطورة، بما في ذلك الضربات الجوية" في "عمليتها الواسعة النطاق" بجنين. 

في الأثناء، دمرت الجرافات كل مداخل المخيم والمستشفى الحكومي، حيث تحرس سيارة عسكرية وجرافة المدخل.

وفي عمليات عسكرية أخرى كان من الممكن الوصول إلى المستشفى، لكن هذا العدوان له مهمة غير عادية. 

فقد أطلق الجيش الإسرائيلي العملية بعد وقت قصير من بدء وقف إطلاق النار بغزة في 19 يناير.

ضغط المتطرفين

كما جاءت بعد سنوات من ضغط اليمين الصهيوني المتطرف، رأس حربة الحركة الاستعمارية في الضفة الغربية، بهدف ضمان "حرية الحركة" للمستوطنين، على حد تعبير كاتس. 

وأشارت الصحيفة إلى أن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية القومي المتطرف الذي سلمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو صلاحيات واسعة النطاق في الضفة الغربية مقابل الدعم البرلماني الذي احتاجه للعودة إلى السلطة في سنة 2022، يسعى إلى تحويل جنين إلى أنقاض.

وقد عبّر عن ذلك بوضوح في قوله: "يجب أن تتحول قرية الفندق (شرقي قلقيلية) ونابلس وجنين إلى جباليا حاليا"، في إشارة إلى مخيم اللاجئين في غزة، حيث يعيش 200 ألف شخص، والذي حولته إسرائيل إلى ركام لا نهاية له من الأنقاض. 

ويدعو سموتريتش إلى "تغيير نهج إسرائيل" تجاه الضفة الغربية، ووضع حد لضمها سنة 2025. 

وقد احتلت إسرائيل المنطقة في حرب 1967 وبنت عشرات المستوطنات اليهودية التي يقطنها اليوم نصف مليون مستوطن، لكنها لم تضمها رسميا مثلما فعلت مع شرق القدس في ثمانينيات القرن العشرين.

وأوردت الصحيفة أن منطقة شمال الضفة الغربية تعد موطنا للمدن التي تتمركز فيها معاقل المقاومة الفلسطينية المسلحة والمستوطنات اليهودية الأكثر تطرفا وأيديولوجية. 

وفي مخيم اللاجئين الذي جرى اقتحامه، تتمحور فصائل المقاومة حول كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

وهي مجموعة مسلحة محلية، بعيدة كل البعد عن الفصائل التقليدية، حيث ينسق الشباب فيما بينهم لصد المداهمات أو تنظيم الهجمات، خاصة ضد الجنود والمستوطنين في المنطقة.

وفي جنين، يبدو أن هذا الاجتياح في طريقه إلى أن يصبح الأكبر منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005)، كما أن من شأنه أن يؤثر على وقف إطلاق النار في غزة، وفق تقدير الصحيفة.