وقت الحساب.. لماذا لم يغضب الإيرانيون لاغتيال قاضيين بالمحكمة العليا؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

من جديد تعود حوادث اغتيال القضاة في إيران إلى الظهور، على خلفية اتهامات متداولة بحقهم تتعلق بإصدارهم "أحكاما جائرة" تصب في صالح نظام ولاية الفقيه.

إذ ينظر في إيران على أن القضاة هم إحدى “أدوات القمع التي تلبس ثوب العدالة”، لا سيما في ظل استسهال إصدار أحكام الإعدام بحق المعارضين للسلطات في البلاد.

اغتيال القضاة

وجديد الحوادث، إقدام رجل مسلح على اغتيال قاضيين داخل المحكمة الإيرانية العليا بطهران في 18 يناير/ كانون الثاني 2025، وفق ما ذكرت وكالة "ميزان أونلاين" التابعة للسلطة القضائية.

وأوردت الوكالة أن "رجلا دخل إلى المحكمة العليا في عملية اغتيال مخطط لها لقاضيين مخضرمين وأرداهما" قبل أن "يقدم على الانتحار".

وأوردت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا" أن شخصا آخر أصيب أيضا في الهجوم.

وذكرت "ميزان" أن القاضيين اللذين قُتلا هما علي رازيني رئيس الفرع الـ39 للمحكمة العليا ومحمد مقيسة رئيس الفرع الـ53 في المحكمة ويختصان في قضايا "مكافحة جرائم التجسس والإرهاب وزعزعة الأمن".

ولم يتضح على الفور الدافع وراء اغتيال القاضيين إلا أن وكالة "ميزان أونلاين" ذكرت أن المهاجم لم يكن ضالعا في أي من القضايا التي تنظر فيها المحكمة العليا دون أن تعطي أي تفاصيل أخرى حول هويته.

وأضافت أن السلطات باشرت تحقيقا في الحادث الذي وصفته بأنه عمل "إرهابي".

بدوره، قال رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجئي في بيان إن القضاة قتلوا بسبب أحكامهم "الحاسمة" ضد "الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب الإيراني الطاهرة".

من جانبه، أوعز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قوات الأمن في البلاد إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتحديد هوية "الآمرين والقائمين على هذه الجريمة".

وأضاف "لا شك أن المسيرة والنهج اللامع لهذين القاضيين الكادحين والمخضرمين لدى المحكمة العليا، اللذين أفنيا عمرهما في مواجهة شتى الجرائم المناوئة للأمن القومي والدفاع عن حقوق الشعب سيتواصل بقوة، ولن يتم المساس بسير تنفيذ العدالة في البلاد إطلاقا".

لقد كان القاضيان يعملان في سلك القضاء لعقود من الزمن، وفي المحكمة العليا، التي كانت مسؤولياتهما تشمل تأكيد أحكام الإعدام.

فالقاضي مقيسة (68 عاما) فرضت الولايات المتحدة عقوبات بحقه في عام 2019 بسبب "إشرافه على عدد لا يحصى من المحاكمات غير العادلة، والتي لم تثبت خلالها التهم وتم تجاهل الأدلة"، وفقا لوزارة الخزانة الأميركية.

وفي قضية واحدة فقط حكم  مقيسه على ثمانية من مستخدمي فيسبوك الإيرانيين بالسجن 127 عاما بتهمة الدعاية المناهضة للنظام.

 كما حاكم  مقيسة صناع أفلام وشعراء بتهمة "الدعاية ضد الدولة"، بحسب وزارة الخزانة الأميركية.

وفي قضية أخرى في عام 2019، حكم  مقيسة على المحامية الإيرانية البارزة في مجال حقوق الإنسان نسرين ستوده بالسجن 33 عاما و148 جلدة، وفقا لمنظمة العفو الدولية.

بحسب موقع قناة "إيران إنترناشيونال" كان مقيسة من الشخصيات الأمنية والقضائية التي لعبت دورا رئيسا في إعدام السجناء السياسيين خلال ثمانينيات القرن العشرين، خاصة في صيف عام 1988.

حيث وصفه الناجون من هذه الإعدامات بأنه أحد الوجوه القمعية البارزة في السجون الإيرانية خلال تلك الفترة، وفق القناة التي وصفت مقيسه بـ "جزار السياسيين".

"أدوات قمع"

بدوره، يؤكد موقع "مجاهدي خلق" المعارض للنظام الإيراني أن "مقيسه ورازيني هما من أبرز الملالي القمعیین التابعين للنظام الإيراني".

ويصف الموقع القاضي مقيسه بأنه "يفتقر لأي خبرة أو معرفة قانونية"، مشيرا إلى أنه حينما جرى "تعيينه رئيسا لمحكمة الثورة في طهران من 1980-1981، أصدر العديد من أحكام الإعدام والسجن الطويلة بحق المعتقلين السياسيين".

في 13 أبريل/ نيسان 2011، أدرج الاتحاد الأوروبي محمد مقيسه‌ ضمن قائمة تضم 32 مسؤولا إيرانيا، ومنعهم من دخول دول الاتحاد الأوروبي بسبب دورهم في الانتهاكات الجسيمة لحقوق المواطنين الإيرانيين.

أما علي رازيني (71 عاما) فقد شغل عدة مناصب مهمة في السلطة القضائية الإيرانية، وكان هدفا لمحاولة اغتيال في عام 1999، حيث نجا من محاولة اغتيال بعد أن تم تثبيت قنبلة في سيارته، حسبما ذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية.

 ويُتهم رازيني، بأنه أحد القضاة المشاركين في "لجنة الموت" - وهي لجنة سيئة السمعة أشرفت على محاكمة وإعدام الآلاف من السجناء السياسيين في عام 1988.

وفي ثمانينيات القرن العشرين، وتحديدا عام 1988، أصدر علي رازيني أحكام إعدام بحق العديد من السجناء، بما في ذلك أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة.

ووفقا لمنظمة "العدالة لإيران" الحقوقية، فإن رازيني هو من أصدر جميع أحكام الإعدام بحق النساء السجينات السياسيات في مشهد بين سبتمبر وديسمبر 1981.

وأمام هذا السجل الطويل من الأحكام التي وصفت بـ "الجائرة والسياسية"، يؤكد الباحث بالشأن الإيراني، عمار جلو لـ "الاستقلال" أن اغتيال القضاة يأتي “نتيجة لارتكاز النظام السياسي الإيراني على القضاء كأداة لقمع النظام واستبداده بمستوى قد يفوق أدواته القهرية الأخرى”.

“كالباسيج والحرس الثوري، فإنه ينظر لهذا السلك في إيران نظرة يختلط بها عدّه كأداة للفساد ممارسة أو تغطية، وللظلم بدلا من العدالة، وللقهر بدلا من الإنصاف”، يضيف جلو.

وتابع: "نتيجة لهذه الخلطة، بجانب النظرة السلبية لرجال الدين، والتي ظهرت أخيرا وبشكل واضح خلال انتفاضة المرأة - الحياة - الحرية صيف 2022، باتت شريحة كبيرة من الشارع الإيراني تنظر للسلطة القضائية في إيران نظرة عدائية قد تفوق عداءها لأدوات القهر الحكومي".

ورأى جلو أن "هذه الأسباب أصبحت محفزا لتقارب عمليات اغتيال القضاة في إيران، والتي شهدنا حالة قبلها منذ أقل من عام، بينما عملية الاغتيال الجديدة لـ مقيسة ورازيني تشير إلى تخطيط مطول للوصول للهدفين".

واستدرك: "خصوصا بالنظر لتاريخهما المشين بحق المتهمين، حيث تحوم الشكوك حول عضوية رازيني بلجنة الموت المشهورة، وبالأحكام القاسية".

 "اغتيال سياسي"

وذهب جلو للقول: "كل تلك دلالة حول مقيسه ورازيني تدل على أن الاغتيال يمكن توصيفه بالاغتيال السياسي، ويهدف لإزاحة جلادين لبسا ثوب العدالة، وهو ما يثير فرحة مكبوتة لدى الشارع الإيراني".   

 لقد أحدث مقتل القاضيين المثيرين للجدل، علي رازينة ومحمد مقيسة، ردود فعل واسعة النطاق في إيران، لدرجة "الشماتة"، وسط دعوات أخرى لإزالة قضاة آخرين فاسدين عن المشهد القضائي في البلاد.

ولا سيما أن بعض الإيرانيين كتبوا على حساباتهم الشخصية وفق قناة "إيران إنترناشونال" "تهانينا لشعب إيران على التخلص من مقيسة ورازيني".

كما شارك بعض المستخدمين صورا لكل من المرشد علي خامنئي، والمسؤول السابق عن الإعدامات بالسجون الإيرانية، حميد نوري، والقاضي سعيد مرتضوي، وطالبوا بـ "إزالة هؤلاء الأشخاص أيضا".

والهجمات على القضاة نادرة الحدوث في إيران، ففي أغسطس/ آب 2005 اغتال مسلحان القاضي المعروف حسن مقدس بعدما صعدا إلى سيارته في شارع خالد الإسلامبولي وسط طهران.

وقد أُعدِم شنقا شخصان أُدينا بقتل مقدس في مراسم علنية بعد سنتين على الحادثة.

وبحسب منظمات حقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية، فإن إيران تعدم عددا أكبر من الأشخاص سنويا مقارنة بأي دولة أخرى باستثناء الصين التي لا تتوافر أرقام موثوقة بشأنها.

ويشعر الناشطون بقلق متعاظم إزاء تزايد عمليات الإعدام شنقا في إيران.

ويُتهم النظام الإيراني باستخدام عقوبة الإعدام أداة لبثّ الخوف في المجتمع، خصوصا في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بين عامي 2022 و2023.

وقد أعلن مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، أن إيران نفذت 901 حكم بالإعدام على الأقل عام 2024، حوالي 40 منها في أسبوع واحد في ديسمبر من العام المذكور.

كما أعدم ما لا يقل عن 853 شخصا عام 2023 في إيران، وفقا للمفوض السامي.