منافسة حادة.. كيف توازن تركيا بين التحولات الإستراتيجية والمخاطر الدولية؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تشهد تركيا تصاعدا واضحا في مكانتها النوعية على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما يضعها في موقع إستراتيجي محوري في المعادلة الجيوسياسية.

ونشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالا للكاتب، يحيى بوستان، ذكر فيه أن "وفدين من دول أوروبية زارا خلال أول أسبوعين من يناير/ كانون الثاني 2025 العاصمة أنقرة، حيث تم توقيع اتفاقية إستراتيجية وهي إشارة إلى توجه جديد ". 

واستدرك بوستان: "لكن هذا التوجه يواجه تحديات كثيرة، مثل محاولات إشعال الصراعات بين تركيا والعالم العربي، فضلا عن السعي لإحداث شرخ بين أنقرة ودمشق".

وتابع: "كما أن هناك احتمالات لوجود استفزازات من قبل إيران وإسرائيل بهدف تقويض الحوار بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وهو الأمر الذي يعقد الدور التركي المتنامي".

خوف وغضب

وقال الكاتب التركي: إنه "بالنسبة للجانب الأوروبي، يبدو أن القلق من روسيا يرافقه غضب متزايد من ترامب، حيث أظهر الأخير تجاهلا واضحا للاتحاد، ولم يقم بدعوة رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، أو المستشار الألماني أولاف شولتز، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحفل تنصيبه". 

بالإضافة إلى ذلك، فقد عقد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أول اجتماع له مع دول الحوار الدفاعي الرباعي (أستراليا، اليابان، والهند)، مستهدفا بذلك الصين بدلا من التعاون مع أوروبا.

وأشار بوستان إلى أن "رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين وصفت المرحلة الحالية بأنها بداية حقبة جديدة من المنافسة الجيوسياسية الحادة، بينما حذّر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو قائلا: إذا لم نفعل شيئا تجاه سياسات ترامب، فسنُسحق".

أما وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، فقد شددت على ضرورة أن تقف أوروبا على أقدامها.

ورغم أن الدول الأوروبية لا تستهدف ترامب بشكل مباشر، إلا أنها تُظهر امتعاضها تجاه محيطه، بما في ذلك القوة التكنولوجية التي يمثلها إيلون ماسك، حيث علّقت وزارة الدفاع الألمانية وبعض الصحف الفرنسية حساباتها على منصة "إكس"، فيما دعا رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز إلى مواجهة النفوذ التكنولوجي المحيط بترامب. 

وبهذا، يبدو أن ماسك أصبح هدفا للعداء الأوروبي بسبب ارتباطه بهذه الديناميكية، كما يقول الكاتب التركي.

قمة دفاعية 

وأردف بوستان أن “الأوضاع العالمية تتطور بشكل سريع، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يقف في مفترق طرق في مواجهة التحديات المتزايدة من موسكو، حيث يشعر بتهديد محتمل من العزلة في مواجهة روسيا مما يدفعه إلى الاستعداد لتحركات دفاعية هامة”. 

ففي الثالث من فبراير/ شباط 2025 سيعقد الاتحاد أول قمة دفاعية له، وهو الأمر الذي يعكس استعداداته المتزايدة لمواجهة الأزمات المستقبلية. 

ومن أجل تعزيز هذه الاستعدادات، ستقوم مسؤولة السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاديا كالاس قبيل الاجتماع بزيارة تركيا في خطوة تعكس أهمية التعاون بين الطرفين في هذا المجال.

وهناك مؤشرات عديدة تدل على أن الاتحاد الأوروبي بدأ يرى تركيا شريكا إستراتيجيا في مجالات الدفاع، وخاصة مع وجود ملفات حساسة مثل رفع الحظر عن طائرات يوروفايتر والتراجع عن بعض العقوبات المفروضة. 

وقال بوستان: إن “هذا التحول في الموقف الأوروبي يأتي في وقت حساس، حيث إن تركيا قد تمكنت من تحقيق ما كانت أوروبا ترغب في إنجازه، لكنها لم تستطع تنفيذ هذه الخطط".. 

وأكد أن "تركيا، على مدار السنوات الماضية، نجحت في تحقيق مكاسب إستراتيجية في مناطق مثل إدلب وليبيا وسوريا رغم المعارضة الروسية، وهو الأمر الذي عزز مكانتها كقوة إقليمية فاعلة”.

وتابع: “لكن ما يثير الاهتمام في هذا السياق هو أن الاتحاد الأوروبي ليس كتلة موحدة في موقفه تجاه تركيا، فهناك دول تسعى للتعاون مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، وتنزعج من الهيمنة الألمانية-الفرنسية في الاتحاد”. 

ولفت بوستان إلى أن “هذه الدول، التي تسعى إلى تعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي، تنظر إلى تركيا كحليف محتمل يمكن التعاون معه في العديد من الملفات، خاصة في ظل التوترات الدولية الحالية”. 

وأوضح أن “إيطاليا تتجه نحو تعزيز التعاون مع تركيا، حيث تقوم بتطوير نموذج شراكة مع شركة بايكار التركية، وبذلك فإن هذه الشراكات تدل على تحول في الإستراتيجية الأوروبية تجاه أنقرة، وهو ما يستدعي متابعة دقيقة لمستقبل العلاقات بين الجانبين في الفترة القادمة”.

اتفاقيات غير معلنة

وأردف بوستان: "في تطور ملحوظ للعلاقات بين تركيا والدول الأوروبية، تأتي زيارة وفد سلوفاكي رفيع إلى أنقرة في 20 يناير، كأحد أبرز الأحداث التي تفتح آفاقا جديدة للتعاون بين الجانبين". 

واستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، الذي تعرض لانتقادات بسبب توجهاته الموالية لروسيا.

وعقب الاجتماع تم توقيع بيان حول إنشاء شراكة إستراتيجية بين البلدين، إلى جانب اتفاقية إطار عسكرية غير معلنة، مما يعكس تحولا مهما في السياسة التركية تجاه أوروبا.

واعتبر بوستان أن “هذا التحول يعكس فرصة لتركيا لتعزيز التعاون المؤسسي مع الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه يساهم في إقامة شراكات إستراتيجية مستقلة مع الدول الأعضاء في الاتحاد”. 

وأشار إلى أنه “في إطار هذه الديناميكيات الجديدة قد تسير دول أوروبية أخرى على نفس نهج سلوفاكيا في تعزيز علاقاتها مع تركيا، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة”.

وأضاف بوستان: “إلى جانب الزيارة السلوفاكية شهدت أنقرة زيارة أخرى ذات أهمية، حيث اجتمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيرته السويدية ماريا مالمر ستينرجارد ووزير العدل السويدي غونار سترومر في إطار مناقشات حول آلية الأمن بين البلدين”. 

وذكر أن “هذا الاجتماع يأتي في وقت حساس؛ حيث إن السويد تسعى لتكثيف جهودها في الحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)”، وقد وضعت تركيا توقعات واضحة أمام السويد فيما يتعلق بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، مما يعكس تزايد أهمية هذا التعاون بين البلدين".

الانتباه للاستفزازات

في وقت تتزايد فيه التحولات الإستراتيجية في العلاقات التركية الأوروبية، أعلن فيدان أن السويد قدمت خارطة طريق تكشف عن رؤيتها في مكافحة الإرهاب، والتي تشمل عدة نقاط مهمة؛ مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية واستهداف الهياكل المالية للمنظمات الإرهابية. 

وأشار الكاتب التركي إلى أن "وزيرة الخارجية السويدية ستينرغارد كانت أول وزير أوروبي يستخدم مصطلح منظمة غولن الإرهابية".

 وقالت ستينرغارد: "لقد ذكرنا أننا لن ندعم المنظمات المشار إليها باسم وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة غولن الإرهابية بأي شكل من الأشكال".

واعتبر الكاتب أن هذا الموقف “يعكس تقاربا بين تركيا والسويد في مكافحة الإرهاب، ويُظهر أن السويد بدأت تفهم المواقف التركية بشأن سوريا”.

ويرى أن “هذه الخطوات تعد جزءا من سلسلة تحولات إستراتيجية قد تكون لها تداعيات مهمة على المدى الطويل، والتقارب بين تركيا والسويد في هذا المجال يعد من الثمار التي بدأت تظهر نتيجة لزيادة الثقل السياسي والاقتصادي لأنقرة في الساحة الدولية”.

واستدرك بوستان: “لكن كما هو الحال دائما، تأتي التحولات السياسية مع تحديات واستفزازات جانبية”. 

فمجلة "ذا إيكونوميست" نشرت مقالا تشير فيه إلى أن “تركيا تسعى للعب دور في تدريب وتجهيز الجيش السوري، إلا أن دولة شرق أوسطية أخرى قدمت عرضا أكثر جذبا”. 

وبهذا فإن “هذا المقال يُعبر عن توجهات بعض العواصم التي قد تحاول تقويض العلاقات التركية مع دول المنطقة، ويدل على أن هناك محاولات لتهييج التنافس التركي-العربي”، يقول بوستان.

وأضاف: قد نرى محاولات من إيران وإسرائيل لافتعال استفزازات من شأنها أن تضر بالعلاقات بين الرئيسين ترامب وأردوغان". 

وأوضح أن “مثل هذه المحاولات قد تهدف إلى تقويض التنسيق بين أنقرة وواشنطن، وهو ما يعكس التحديات التي قد تواجهها تركيا في المستقبل”.

وشدد بوستان على أنه “يجب على تركيا أن تكون مستعدة تماما لمواجهة هذه الاستفزازات، سواء من دول الجوار أو من القوى العالمية التي تسعى إلى تحريك المياه في بحر السياسة الدولية”.