مشهد إقليمي سريع التطور يعصف بمصر السيسي.. موقع إيطالي يحدد الوجهة

“مصر تقف عند مفترق طرق، وخياراتها لن تؤثر عليها فحسب بل ستؤثر على استقرار المنطقة بأسرها”
“مصر تعيش اليوم مرحلة حرجة في تاريخها المعاصر؛ إذ تواجه أزمة اقتصادية حادة وضغوطا ديمغرافية ومشهدا إقليميا سريع التطور”.
هكذا بدأ موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي تحليله للأزمات الداخلية والدبلوماسية الإقليمية التي يعيشها النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي.

أزمة مستفحلة
يشرح الموقع الإيطالي ذلك بالقول إن الاقتصاد المصري تأثر سلبا بمزيج من العوامل من سوء الإدارة الداخلية والصدمات الخارجية.
وذكر من الصدمات التي أصابت الاقتصاد في القاهرة وكشفت هشاشته، تفشي جائحة كوفيد-19 في آواخر عام 2019 واندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 وارتفاع معدلات التضخم في العالم.
ووصف الوضع بأنه بات دراماتيكيا بالنسبة لملايين المصريين نتيجة ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الدين العام إلى 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ونتيجة لذلك انهارت القدرة الشرائية واشتكى السكان أزمة نقص في مواد أساسية على غرار الأدوية التي بلغ عدد أصنافها غير المتوافرة خلال أزمة الأشهر الماضية أكثر من ألف نوع، منها أدوية حيوية.
وأكد عدم تعافي الاقتصاد رغم الدعم المالي المقدم من دول الخليج والحلفاء الغربيين، مثل الاستثمارات من صناديق الثروة السيادية والمساعدات من الاتحاد الأوروبي.
وشدد كذلك أن الإيرادات التي يوفرها قطاع السياحة وقناة السويس غير كافية لتغطية العجز المتزايد، مضيفا أن انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار تسببت في تفاقم السخط الاجتماعي.
غزة والنمو السكاني
أشار الموقع الإيطالي إلى أن الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوز رئيس النظام السيسي بولاية ثالثة بعد حصوله على 89 بالمئة من الأصوات في ديسمبر/كانون الأول 2023 ، دارت في أجواء قاتمة طغت عليها الحرب في غزة.
يزعم الموقع الإيطالي أن هذا الصراع "عزز النظام بشكل غير مباشر، حيث دعم الرأي العام المصري، خوفا من تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبت في التاريخ، (ملمحا صراحة إلى التجارب في لبنان والأردن) قرار الحكومة رفض توطين الفلسطينيين النازحين من قطاع غزة نتيجة العدوان والتهجير في سيناء".
وكان السيسي قد أكد في مؤتمر صحفي جمعه في القاهرة مع المستشار الألماني أولاف شولتس في أكتوبر 2023 أن المصريين سيرفضون أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء، مضيفا أن هذا من شأنه تحويل شبه الجزيرة إلى قاعدة تنطلق منها الهجمات ضد إسرائيل.
وقال آنذاك "غزة الآن تحت سيطرة إسرائيل… إذا كان هناك فكرة للتهجير توجد صحراء النقب في إسرائيل ممكن أوي تنقل الفلسطينيين لحين تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة حماس والجهاد الإسلامي وغيره".
وعلى الرغم من تراجع شعبيته، زعم الموقع الإيطالي أيضا أن السيسي اكتسب من خلال هذا الرفض إجماعا مؤقتا قد لا يصمد أمام تفاقم الصعوبات الاقتصادية.
إلى ذلك، أوضح أن تجاوز عدد سكان مصر عتبة 114 مليون نسمة يفرض ضغوطاً هائلة على الموارد.
وفي هذا السياق، أشار إلى انتقادات موجهة ضد مشاريع على غرار مشروع بناء العاصمة الإدارية الجديدة الهادف إلى تخفيف الازدحام في القاهرة وحل أزمة الكثافة السكانية، لأنها تشكل أولويات خاطئة في بلد يعاني من الفقر والبطالة.
كما جزم أن الجهود الرامية إلى مواجهة النمو السكاني والخفض من ارتفاعه انتهت جميعها بالفشل تاريخيا، لافتا إلى أن "التشاؤم الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة بصدد إبطاء معدل النمو ولو بشكل طفيف".

إقليم مشتعل
نوه الموقع الإيطالي بدور مصر في الوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، مؤكدا على وساطتها "البراغماتية على النقيض من قطر، التي تتحالف في كثير من الأحيان مع حماس".
وقال إن النظام المصري "يواصل الالتزام بحل الدولتين ويعده أساسيا للاستقرار الإقليمي ومصالحه الوطنية، على النقيض من الفكرة السائدة بأن مصر تستفيد من إدامة الوضع الراهن."
وفي منطقة القرن الإفريقي، أشار إلى استمرار التوترات مع أثيوبيا بشأن سد النهضة، لا سيما وأن القاهرة تعد الإجراءات الأحادية الجانب من أديس أبابا بشأن مشروع السد بمثابة تهديدات وجودية.
ورغم أن البلدين تجنبا الدخول في صراع على نطاق واسع، لا يستبعد التصعيد خاصة وأن الجهود الدبلوماسية تواجه عراقيل بسبب انعدام الثقة المتبادل والخطاب التحريضي وهو ما يعقد أي احتمال للتوصل إلى حل دائم.
وفيما يتعلق بالتقارب مع أنقرة، بيَن إنسايد أوفر أن البلدين يسعيان بعد عقد من العلاقات المتوترة، إلى إعادة تطبيع العلاقات بحذر على ضوء المصالح المشتركة في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.
إلا أنه يرى أن إرث عدم الثقة، وخاصة فيما يتعلق بملف جماعة الإخوان المسلمين، لا يزال قائما مستنتجا أن الطريق إلى التطبيع الكامل لا يزال محفوفا بالعقبات، خاصة فيما يتصل بمستقبل ليبيا، حيث تدعم الدولتان فصائل متعارضة.
وعموما، عدَ الموقع الإيطالي دبلوماسية القاهرة من إدارة تداعيات الحرب في غزة إلى علاقاتها المعقدة مع دول الخليج وإثيوبيا وتركيا، بالطموحة والمضطربة في آن واحد.
وعلى الصعيد الداخلي، جزم أن التحديات لا تقل صعوبة في ظل اقتصاد على حافة الانهيار، ونمو سكاني سريع، إلى جانب حالة من السخط الاجتماعي المتصاعد، مشددا أن مستقبل مصر سوف يعتمد على قدرتها على التكيف مع هذه الضغوط.
وبحسب تعبيره، نجح نظام السيسي في الصمود في وجه "العواصف الفورية، إلا أن المشاكل العميقة كالاستياء الشعبي والتعقيد الجيوسياسي تتطلب أكثر من مجرد حلول قصيرة الأجل".
وخلص إلى أن “مصر تقف عند مفترق طرق وخياراتها لن تؤثر عليها فحسب، بل ستؤثر أيضا على استقرار المنطقة بأسرها”.