ترامب والمواجهة مع قادة الجيش الأميركي.. ما الأسباب والأهداف؟

“إضعاف الجيش خطوة شائعة يتخذها العديد من القادة الشعبويين”
خلال حملته الانتخابية الناجحة لإعادة انتخابه عام 2024، وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتطهير الجيش.
وبعد وقت قصير من فوزه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صاغ فريق ترامب الانتقالي أمرا تنفيذيا لإنشاء ما يسمى بـ"مجلس المحاربين"، الذي يضم ضباطا عسكريين متقاعدين من الرتب العليا، مكلفين بتحديد الجنرالات الحاليين الذين يجب إقالتهم.
وفي غضون ذلك، وفقا لتقارير إعلامية أخرى، كان فريق ترامب يُعد قائمة بالجنرالات الذين يجب عزلهم من مناصبهم وربما حتى تقديمهم للمحاكمة العسكرية.

قصيرة الأجل
ووفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة مينيسوتا الأميركية، رونالد كريبس، فإن "وضع إدارة ترامب للمؤسسة العسكرية في مرمى بصره ينبغي ألا يكون مفاجئا".
وأضاف في مقاله الذي نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن "القادة الشعبويين عندما يتولون السلطة لأول مرة، غالبا ما يحاولون كسب ود القوات المسلحة من خلال تشجيع الجمهور على تبجيل الضباط والجنود، وخاصة القتلى منهم".
واستدرك: "لكن هذه العلاقة الغرامية مع الجيش عادة ما تكون قصيرة الأجل، لأن الشعبويين لا يستطيعون تحمل المؤسسات القوية المستقلة التي قد تمنعهم من فعل ما يحلو لهم".
وفي بلدان مثل المجر والهند وبولندا، انقلب الزعماء الشعبويون في نهاية المطاف على المؤسسة العسكرية.
“فقد هاجموا كبار الضباط بصفتهم نخبا غير كفؤة أو خائنة، وطردوا أولئك الذين لا يحظون بثقتهم، وعينوا حلفاء سياسيين مكانهم، واستحوذوا على الوظائف العسكرية التي كانت تتمتع بالاستقلالية، وأعادوا تصميم هياكل القيادة العسكرية”، بحسب كريبس.
وأكد أن "هجومهم الخطابي قوض الثقة العامة في القيادات العسكرية العليا، وأسفرت محاولاتهم لتسييس الجيش عن تقليص فعاليته في مواجهة التهديدات التي تمس الأمن القومي لبلدانهم".
ولذلك، شدد كريبس على أن "أحدا ينبغي ألا يُخدع بادعاء فريق ترامب بأنه يهدف إلى تعزيز الجيش عبر إقصاء كبار الضباط"، مؤكدا أن "هدف ترامب على العكس من ذلك تماما".
وأوضح أن "إضعاف الجيش هي خطوة شائعة يتخذها العديد من القادة الشعبويين أثناء تعزيز سلطتهم".
وتابع: "إذا استغل ترامب -مثلما يفعل نظراؤه الشعبويون في مختلف أنحاء العالم- فترته الثانية لتقويض استقلالية الجيش واحترافيته، وحوّله إلى قوة أكثر تسييسا، فإن الديمقراطية الأميركية ستعاني، وستتراجع قدرة القوات المسلحة على خوض الحروب".
استهداف ممنهج
وقال كريبس: "عندما دخل ترامب المكتب البيضاوي لأول مرة عام 2017، عيّن القادة العسكريين المتقاعدين -أو مَن وصفهم بـ(جنرالاتي)- في إدارته بأعداد غير مسبوقة".
وأضاف "ومع تقدم فترة ولايته الأولى، بدأ يفقد ثقته في ضباط الجيش في إدارته عندما لم يظهروا ولاء مطلقا له، وفي النهاية خلص الحال بهم جميعا إما إلى الفصل أو الاستقالة".
واستطرد: "كانت قوة الجيش ومكانته واستقلاله تجعل الضباط الكبار في مرمى النيران، وورد أن ترامب اعتدى لفظيا خلف الكواليس بأشد العبارات فظاظة على الجنرالات، الذين عدهم تجسيدا لما يسمى بـ(الدولة العميقة)".
ولفت إلى أنه "مع قرب نهاية فترة رئاسته، أصبح ازدراء ترامب للضباط العسكريين واضحا للعلن، فخلال الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد بعد مقتل جورج فلويد في مايو/أيار 2020، انفجر ترامب غاضبا عندما رفض العسكريون إظهار الولاء الكافي بالنسبة له".
على سبيل المثال، وقَع رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميلي، في مشكلة مع ترامب عندما اعتذر علنا عن ظهوره في صورة مع الرئيس بعد إخلاء ساحة لافاييت من المتظاهرين.
كما حصل الأمر نفسه مع وزير الدفاع حينها، مارك إسبر، الذي كان ضابطا سابقا، عندما عارض تصريحات ترامب بشأن تفعيل قانون التمرد لنشر القوات الأميركية في الشوارع.
وفي سبتمبر/أيلول 2020، وخلال الحملة الرئاسية، أفادت مجلة "ذا أتلانتك" بأن ترامب وصف الجنود الأميركيين الذين لقوا حتفهم في الخدمة بـ"المغفلين" و"الخاسرين".
وفي مؤتمر صحفي في ذلك الشهر، شن ترامب هجوما عنيفا، وألقى باللوم بشكل مباشر على فساد كبار القادة في وفاة الجنود في العراق وأفغانستان، قائلا: "أنا لا أقول إن الجيش يحبني".
وأضاف حينها أن "القيادات العليا في البنتاغون ربما لا يحبونني، لأنهم يريدون فقط خوض الحروب كي تبقى تلك الشركات الرائعة، التي تصنع القنابل والطائرات، سعيدة".

مشكلة حقيقية
وبعد هزيمة ترامب في الانتخابات خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عمل هو وأنصاره بشكل أكثر علنية لتشويه سمعة الجيش الأميركي.
وألقى الساسة والخبراء المحافظون باللوم مرارا وتكرارا على الجيش في خسارته في ساحة المعركة على مدى العقدين الماضيين؛ وأعطى الانسحاب الكارثي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021 هذا الخط من الهجوم قوة.
"وتحوّلت الاتهامات بتقصير قيادة الجيش وبأن برامج التنوع والمساواة والشمول قد أضعفت القدرة القتالية للجيش وتسببت في أزمة تجنيد، إلى جزء أساسي من الخطاب الجمهوري"، وفق كريبس.
ويرى الكاتب أن "مع مرور الوقت، أصبح تقديم مثل هذه الادعاءات بمثابة اختبار للحصول على دور في مجال الأمن القومي في إدارة ترامب الثانية".
على سبيل المثال، قدّم النائب عن ولاية فلوريدا، مايكل والتز، الذي اختاره ترامب ليكون مستشاره للأمن القومي، مشروع قانون في 2023 لمراجعة برامج التنوع والمساواة والشمول في الجيش وإنهاء تدريس "النظرية العرقية النقدية" في الأكاديمية العسكرية الأميركية.
وخلال مقابلة بودكاست في نوفمبر 2024، صرح بيت هيغسيث، مرشح ترامب لوزارة الدفاع، قائلا إن “أغبى عبارة في الجيش هي (تنوعنا سر قوتنا)”.
وأضاف أن "أي جنرال متورط في أي من هراء (النظرية العرقية النقدية) يجب أن يرحل، هذا هو المعيار الوحيد الذي يهمنا".
وخلال حملة 2024، دفع ترامب بنفس الخطاب، حيث قال في يونيو/حزيران 2024 إن “التركيز على الخطاب الهوياتي في الجيش يمثل مشكلة حقيقية، وأنه يجب أن يكون هدفهم هو الفوز بالحروب، لا أن يركزوا على القضايا التقدمية".
انخفاض الثقة
هذه الهجمات تسببت في أضرار حقيقية للقوات المسلحة الأميركية، فوفقا للعديد من الاستطلاعات، انخفضت الثقة التي كانت مرتفعة للغاية لدى المواطنين في القوات المسلحة بشكل كبير.
ففي يوليو/تموز 2023، قال 60 بالمئة فقط من المشاركين في استطلاع "غالوب" إن لديهم "قدرا كبيرا" أو "ثقة كبيرة" في الجيش، مقارنة بـ74 بالمئة عام 2018.
وكان الانخفاض ملحوظا بشكل خاص بين الجمهوريين، ففي حين عبر 90 بالمئة منهم عن ثقتهم في الجيش عام 2018، انخفضت النسبة إلى 68 بالمئة في 2023.
وقال كريبس: "قد تكون إدارة ترامب القادمة على صواب في أن ناخبيها الأساسيين لن يعترضوا على إقالة القادة العسكريين الذين يعدونهم يساريين لا يتمتعون بالكفاءة".
وأضاف أنه "إذا نجح ترامب ومؤيدوه في تصوير كبار الضباط الأميركيين كمجموعة من النشطاء السياسيين غير المنتخبين وغير المسؤولين، فإنه يحق له معاملتهم كما يعامل أي موظفين حكوميين آخرين، ما يعني إبقاءهم في مناصبهم طالما كانوا مفيدين ومخلصين، وفصلهم عندما لا يكونون كذلك".
ورأى كريبس أن "تطهير الرئيس للقوات المسلحة سيكون قانونيا، لكنه لا يجعل الأمر أقل فظاعة".
وأوضح أن "تحويل الجيش الأميركي الاحترافي إلى قوة قائمة على المحسوبية، مرتبطة بالولاء للرئيس واختبارات الأيديولوجية، بدلا من الولاء للدستور والمؤسسة، لن يجعل الولايات المتحدة أكثر أمانا أو ديمقراطيتها أقوى".
وشدد كريبس على أن "التدخل المدني الكبير في نظام العدالة العسكرية سيقوض الانضباط الذي يشكل أساس فعالية الجيش في الميدان".















