تيار "كلنا إسرائيليون" بالمغرب.. لماذا انزعج من اتفاق الهدنة في غزة؟
“المقاومة صمدت وقدمت أرواح قادتها فداء للقضية”
مع بدء الحديث عن اتفاق الهدنة، وإلى حين المصادقة عليها ودخولها حيز التنفيذ، وبدلا من إدانة الجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، خرجت أصوات في المغرب تسعى لتبخيس جهود المقاومة في صد عدوان الكيان المحتل.
ولجأت تلك الأصوات من جديد لترديد شعار "تازة قبل غزة"، مما دفع ذلك إلى رد المناهضين للتطبيع على هذه "الأسطوانة المشروخة"، وفي مقدمتهم أمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران الذي وصفهم بـ"الخونة".
وفي 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار تضمنه تبادل للأسرى، يستمر في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة.
تغاضٍ عن الإبادة
ومع الوصول لاتفاق الهدنة وبدلا من إدانة الإرهاب الإسرائيلي، كتب المختار لغزيوي، مدير نشر جريدة "الأحداث المغربية" لمالكها أحمد الشرعي صاحب العنوان الشهير "كلنا إسرائيليون"، مقال رأي ينتقد فيه هو الآخر المقاومة الفلسطينية.
وقال لغزيوي في المقال الذي نشره في يناير/كانون الثاني 2025: إن “هذه الهدنة أنهت أشهرا من القتل والدمار والخراب والترهيب والرعب والموت، تسبب فيها من قرروا ذات سابع أكتوبر حزين أن ينتحروا، وأن يجروا معهم المكان كله إلى الانتحار”.
وأضاف: “لحسن الحظ انتخب الأميركيون دونالد ترامب، فقال لمن يحركون حماس، ومن يمولونها ومن يساعدونها على جر الفلسطينيين كل مرة إلى الدمار، كفى”، وفق زعمه.
وتابع: "قالها بطريقته، وأخبرهم جميعا أنه غير مستعد لدخول البيت الأبيض مجددا وهذا الموت مستمر.. قال لهم: إنه سيحطم كل شيء فوق رؤوسهم إذا لم يعد الرهائن قبل العشرين من يناير، يوم تنصيبه، هددهم، فسمعوا التهديد وانصاعوا له، وتوقفوا".
جدير بالذكر، أن الشرعي كتب مقالا تحت عنوان "كلنا إسرائيليون" بموقع "جيروزاليم بوست" في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يدافع فيه عن إسرائيل ويهاجم المقاومة، ويحرض عليها الدول العربية والغربية.
وعُرف الشرعي بأنه عراب التطبيع مع إسرائيل من الناحية الإعلامية بالمغرب، خاصة أنه يملك العديد من وسائل الإعلام، ومنها جريدة "الأحداث المغربية"، وموقع “كيفاش”، وإذاعة “ميد راديو”، كما أنه كاتب مقالات بعدد من المنابر الإعلامية على الصعيد الدولي، خاصة بأميركا وإسرائيل.
وفي مقاله "كلنا إسرائيليون"، أعلن الشرعي تضمانه مع إسرائيل عقب عملية "طوفان الأقصى"، التي قادتها المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، فيما انبرى الرافضون للمقال لنشر تدوينات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "كلنا فلسطينيون".
وتطابق الغزيوي مع الشرعي وشخصيات مقربة منهم في لوم المقاومة الفلسطينية والتغاضي عن كل الدمار والإبادة الإسرائيلية المتوحشة.
وجه قبيح
وإلى جانب تيار انتقاد المقاومة، هناك فئة لطالما رفعت شعار "تازة قبل غزة" أمام كل موجة تضامن وتعاطف مع الفلسطينيين.
وشعار "تازة قبل غزة"، مفاده الدعوة إلى الانشغال بالشأن المحلي الوطني وأن له الأولوية، حيث يشار إلى "تازة" وهي من مدن الداخل المغربي، وتعاني من تهميش تنموي واقتصادي، ما يوحي بأن الاهتمام يجب أن يكون للشأن المحلي لا الدولي.
ووصف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذين يرفعون شعار "تازة قبل غزة" بـ"الخونة".
وخلال كلمة ألقاها على هامش ندوة للحزب في 12 يناير، قال بنكيران: "لا فرق بين تازة وغزة، إلا أن تازة مستريحة وغزة تُقتل ولا يتحركون".
من جهته، قال الكاتب المرتضى إعمراشا: "في خضم المأساة الفلسطينية التي تكشف عن وجه الاحتلال القبيح، وفي قلب حرب الإبادة التي تُشن بلا هوادة على غزة، يطفو على السطح خطاب مستفز يُرفع في بعض الأوساط: تازة قبل غزة”.
وأضاف إعمراشا في مقال نشره عبر موقع “لكم” المحلي في 14 يناير، أن "هذا الشعار، الذي يبدو في ظاهره بريئا ومناديا بالعناية بالشأن المحلي، يكشف في جوهره عن أزمة وعي سياسي وأخلاقي".
وأشار إلى أنه “شعار يحمل في طياته أكثر من مجرد انحياز للأولويات الوطنية، بل يعكس تواطؤا خفيا مع مسارات التطبيع والاستبداد”.
وأوضح إعمراشا أن “تازة، المدينة التي يُتخذ اسمها ذريعة، تعاني على الأصعدة كافة من مشكلات تنموية حقيقية، تنخر المنطقة، والبطالة أزمة نفسية يوميا لشبابها”.
وشدد على أن “من يرفعون شعار (تازة قبل غزة) يغفلون أن الأولويات لا تعني بالضرورة التضاد، فالعدالة التي تنقص تازة هي نفسها التي تُنتهك في فلسطين، والاستبداد الذي همّش تازة هو جزء من منظومة عالمية تستبيح فلسطين”،
ورأى إعمراشا أن “منطق الأولويات الزائفة هذا يُراد به فصل القضايا الوطنية عن القضايا الإنسانية الكبرى، كأن المظلومية تتجزأ، وكأن التضامن مع غزة يُعيق النهوض بتازة”.
من جانبه، قال الناشط المدني جلال اعويطا: "مرارا تصلني مثل هذه التدوينات التي تحمل مغالطات كارثية (عن تازة قبل غزة)، ويُسيء أصحابها للمغرب من حيث لا يعلمون، يظنون أنهم يقدمون نقدا أو تحليلا، لكنهم في الواقع يُسهمون بقصد أو بدونه، في خدمة أجندات تُحاول تقزيم المغرب والإساءة لتاريخه ومكانته.".
وأضاف في مقال نشره عبر موقع "هوية بريس" المحلي في 14 يناير أن "من يُفكر بمنطق (تازة قبل غزة) يُضيق واسعا وكأن الدفاع عن القضايا الداخلية والخارجية متناقض، المملكة قيادة وشعبا أثبتوا مرارا أن قضايا الأمة الإسلامية لا تتعارض مع المصالح الوطنية..".
وتابع: "وهنا أذكر فقط كلمات لآخر ثلاثة ملوك؛ محمد الخامس رحمه الله (لا يمكن للمغرب أن ينسى إخوانه المسلمين في كل بقاع العالم، وقضية فلسطين ستظل أمانة في أعناقنا ندافع عنها في كل المحافل الدولية، لأنها جزء من عقيدتنا وهويتنا).".
موازين مختلة
ومع دخول الهدنة وتبادل الأسرى حيز التنفيذ، شهدت عدة مدن مغربية، احتفالات حاشدة ابتهاجا بوقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية لقطاع غزة.
واحتشد آلاف المغاربة في وقفات ومسيرات احتفالية، مرددين شعارات داعمة للقضية الفلسطينية، وأخرى لمباركة النصر.
وبرز المغرب منذ بداية حرب الإبادة على غزة، في 7 أكتوبر 2023، كأكثر الدول التي تشهد تظاهرات شبه يومية في مدن عديدة تضامنا مع الفلسطينيين.
وبدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وحوّلت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن بالعالم؛ إذ تحاصرها للعام الـ18، وأجبرت حرب الإبادة نحو مليونين من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.
إلا أن ذلك لم يمنع أصواتا من انتقاد حركة حماس وفصائل المقاومة على عملية “طوفان الأقصى” دون اعتبار لأسباب شنها ومنها الحصار الإسرائيلي الخانق على غزة منذ أكثر من 18 عاما، وتصعيد الكيان المحتل لانتهاكاته بحق المسجد الأقصى المبارك،
وقال الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي: “في اعتقادي البسيط… لو عاد التاريخ بحماس إلى ما قبل 7 أكتوبر واطلعت على ما سيقع بسبب مغامراتها وأجندتها الإيرانية، لما قامت بما قامت به”.
وأضاف الشرقاوي عبر فيسبوك في 16 يناير: "لكن اليوم، ومع الدمار والإبادة الإجرامية لشعب أعزل لا تملك حماس سوى الاختباء وراء حيلة إنكار الواقع وأن تنتج خطابا يحاول تحويل الدمار إلى انتصار".
غير أن المحامية أمينة ماء العينين، شددت على أن "الميزان الذي يزن به الناس الانتصارات والاندحارات ليس واحدا موحدا، هو ميزان يتشكل مما يحمله كل منا من قيم ومبادئ ومعايير دينية وأخلاقية؛ لذلك لا نلتفت لمن حكموا على المقاومة المستبسلة منذ البداية بالهزيمة، ينطقون بما تهفو إليه أفئدتهم".
ورأت ماء العينين في تدوينة على "فيسبوك" في 15 يناير، أن "المقاومة صمدت وقدمت أرواح قادتها فداء للقضية، وصمدت حاضنتها الشعبية حتى استكثر عليها المتساقطون صمودها وراودوها عليه فأبت واستعصمت بالله رغم الدم والجوع والبرد والألم وغصة الخذلان".
وأكدت أن “المقاومة انتصرت؛ لأنها توقع اليوم على (صفقة)، هل تعلمون ما الصفقة؟ إنها كلمة تستلزم طرفين نِدَّيْنِ رأسا برأس وقد صفقت بها المهرولون وفضحت صفاقتهم وانهزامهم النفسي وإفلاسهم الأخلاقي”.
واستطردت: “نعم، نحن فرحون مبتهجون؛ لأن دماء طاهرة روت أرضا طاهرة تنتصف اليوم، والقادم أجمل… هنيئا للشعب الفلسطيني البطل، هنيئا للمقاومة الأسطورية، هنيئا للمؤمنين بالحق والداعمين له، هنيئا لكل الذين تحركت إنسانيتهم”.
وختمت ماء العينين بالقول: "لن تفسدوا علينا فرحتنا وأنتم تشهرون موازينكم المختلة التي تقيسون بها النصر بغير ما نقيسه به، فلا تتعبوا أنفسكم لأننا مطمئنون متوكلون على رب عزيز حكيم منتقم وإننا لمنتظرون”.