"بيانات غزة أكثر موثوقية".. هكذا شككت صحيفة إسرائيلية بأرقام الجيش عن الإبادة

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع ظهور مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بثبات وتماسك بعد إعلان وقف إطلاق النار بغزة، شككت صحيفة عبرية في أرقام وبيانات الجيش الإسرائيلي المتعلقة بعدد شهداء كتائب القسام الذين استشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية.

وقدمت صحيفة “زمان” عددا من الأدلة التي تثبت عدم دقة أرقام جيش الكيان الإسرائيلي، حيث تحدثت عما أسمته "فجوة عددية" بين أرقام الجيش وأرقام وزارة الصحة في غزة التي عدتها "أكثر موثوقية".

بيانات مضخمة

وشدد التقرير على أهمية الأرقام في الحروب؛ إذ وصف الحرب بأنها "دائما لعبة أرقام ساخرة، أو بالأحرى مأساة تُلخَّص عادة بشكل كمي".

وتابع: "لكن من المؤكد أن هناك معنى للأرقام، ونظرا لأهميتها، فإن أطراف الحرب عادة ما يكون لديهم مصلحة في إخفائها أو تمويهها".

وضرب مثالا على الحرب في أوكرانيا، فيقول إن الجانبين "يخفيان عدد خسائرهما إلى جانب تضخيم أرقام خسائر العدو".

وعبر التقرير عن خيبة أمله من عدم صحة إحصائيات جيش الاحتلال الإسرائيلي، قائلا: "في إسرائيل كان هناك دائما اعتقاد بأننا أكثر موثوقية وأكثر شفافية، وكدليل على ذلك، تُنشر أسماء ضحايانا في يوم سقوطهم".

وأكمل: "ولكن يبدو أنه بينما كنا نعتقد أن حكومتنا، خاصة الجيش الإسرائيلي، لن يكذبوا علينا، إلا أننا في نهاية المطاف خلال الحرب الحالية، وفي إطار تسييس بيانات الجيش ولأسباب دعائية؛ فإنه يظهر أن البيانات غير صحيحة و/أو مضخمة، عندما يتعلق الأمر بخسائر حماس".

واستطرد: "كما أن الجيش الإسرائيلي لا يقدم بيانات حول عدد المدنيين الذين قتلوا في قطاع غزة".

وبالتالي، "هناك عدة أسباب تدعو إلى الشك في مصداقية البيانات التي قدّمها الجيش الإسرائيلي"، كما ذكر الموقع.

صعوبة منطقية 

فعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بعدد أعضاء حماس، ذكر التقرير أنه "قد أُفيد أخيرا أن عدد مسلحي حماس اليوم لا يقل عن العدد الذي كان موجودا في بداية الحرب، حيث يبلغ حوالي 20,000 مقاتل، لكن "منطق الأرقام" هذا يبدو غير معقول".

ويفسر ذلك الخلل قائلا: "إذا كان ادعاء الجيش الإسرائيلي صحيحا، وأن عدد أفراد حماس الذين قُتلوا يصل إلى حوالي 20 ألفا، فمن المرجح أن يكون لدى حماس أيضا بين 20 و40 ألف جريح، ناهيك عن الآلاف من المعتقلين في منطقة سجن عوفر ومراكز اعتقال أخرى".

وتابع: "من جهة، إذا أخذنا في الحسبان كل هذه الأرقام، فسيظهر أن خسائر القوة القتالية لحماس، سواء بالقتل أو الإصابة أو الاعتقال، تجاوزت بثلاثة أضعاف القوة التي كانت تمتلكها الحركة في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2023".

واستدرك: "لكن من جهة أخرى، ووفقا لما يقوله الجيش الإسرائيلي، فإن حماس لا تزال تمتلك حوالي 20 ألف مقاتل، معظمهم شباب جُندوا خلال الحرب".

"وهو ما يعني وجود صعوبة منطقية في قبول بيانات الجيش الإسرائيلي، حيث لم يكن لدى حماس وسيلة لتعويض الخسائر التي تكبدتها"، يقول التقرير.

ويضيف: "وذلك بناء على الأرقام التي نشرها الجيش، وبالنظر إلى حجم السكان البالغين في غزة (يُفترض أن هناك حوالي 80-90 ألف رجل على الأقل قاتلوا عبر صفوف حماس، من بين 250-400 ألف رجل في سن القتال قبل بداية الحرب)، وطبيعة الظروف في القطاع".

وعقب التقرير: “فأين ومتى كان يمكن تدريب عشرات الآلاف من المجندين الجدد؟ ومن أين جاءت الأسلحة اللازمة لتزويدهم بها؟”

حماس منظمة

أما المثال الثاني الذي ذكره التقرير إثباتا لخطأ بيانات الجيش وعدم دقتها، فهو يتعلق بحقيقة أن "حماس نشرت مئات الفيديوهات التي تُظهر الهجمات والكمائن التي نفذها أفرادها".

واستطرد: "تدل هذه الفيديوهات على أنه في الحالات التي بادرت فيها حماس بتنفيذ عمليات، فإن غالبية أفرادها كانوا ينجحون في الخروج من المعركة دون خسائر تُذكر".

واسترسل: "ليعودوا إلى فرق الدعاية التابعة للتنظيم، حيث يتم تسليمهم الفيديوهات والصور لتحريرها بطريقة جذابة ونشرها على الإنترنت".

وبحسب التقرير، فإن "عدد الفيديوهات الكبير ومحتواها يشير إلى أنها على الأرجح تغطي معظم الاشتباكات التي تكبد فيها الجيش الإسرائيلي خسائر بفعل نيران العدو، مما يُظهر معدل بقاء عالٍ لقوات حماس وإخفاقات في الجهود المبذولة للإضرار بهم".

كما أوضح أنه "لو كانت لدى حماس أعداد هائلة من القتلى والجرحى والمعتقلين، لكان الجيش الإسرائيلي قد استولى على عشرات الآلاف من البنادق وقاذفات الـ RPG، ولكن حتى الآن، لم يُعرض سوى جزء بسيط من ذلك".

أرقام مستديرة

وعرض الموقع دليلا آخر "يثير الشك في مصداقية الأرقام التي نشرها الجيش الإسرائيلي". وبحسبه، فإن هذا الدليل يتعلق "بكون معظم هذه الأرقام تكون (مستديرة) ومتقاربة جدا".

ويعنى بالأرقام المستديرة، أي الأرقام التي تكون عادة عبارة عن أعداد متقاربة أو مضاعفات لعشرة (مثل 50 و100 و500)، أو أرقام لا تظهر تفاصيل دقيقة.

هذه الأرقام يمكن -وفق التقرير- أن تبدو مشكوكا فيها لأنها قد تشير إلى تلاعب أو تقديرات غير دقيقة، فالأرقام الدقيقة عادة ما تكون أقل استدارة وتكون أكثر تنوعا أو محددة بشكل أكبر (مثل 47 أو 53 بدلا من 50).

وبالنظر إلى "أرقام التقارير اليومية العديدة التي أصدرها الجيش، نجد أنه تكرر ذكر مقتل 50 مقاتلا، وفي تقارير أخرى، كان العدد 40"، وفق الموقع.

وأردف: "وليس فقط أن الأرقام مستديرة -وهو ما يُفترض أن يكون إشارة تحذيرية بشأن مصداقيتها- بل إن العدد اليومي المُعلن غالبا ما يكون أكبر من عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا في ذلك اليوم، وفقا للتقارير الصادرة عن السلطات في غزة، والتي تشمل الرجال والنساء والأطفال".

ورأى التقرير أن "هذا التباين العددي يترك عدة احتمالات؛ أحد الاحتمالات هو أن وزارة الصحة في غزة تنشر فقط عدد القتلى المدنيين، ولا تشمل مقاتلي حماس في تقاريرها".

وزعم أنه "يمكن إيجاد دعم محتمل لذلك في تقديرات قُدمت أخيرا في دراسة بريطانية، أشارت إلى أن التقارير الفلسطينية عن القتلى تُظهر نقصا في البيانات".

حيث ادعت الدراسة البريطانية أنه "بينما تشير وزارة الصحة في غزة إلى أكثر من 46,000 قتيل حتى الآن، ترى الدراسة البريطانية أن العدد الحقيقي قد يتجاوز 70,000".

وعقب الموقع على هذه الدراسة قائلا: "إذا قمنا بإجراء "عملية حسابية بسيطة" بجمع بيانات وزارة الصحة في غزة (46,000 قتيل) مع بيانات الجيش الإسرائيلي الذي يزعم قتل حوالي 20,000 مقاتل، فسنصل تقريبا إلى العدد الإجمالي للقتلى الفلسطينيين الذي أشارت إليه الدراسة البريطانية".

وهنا عقب الموقع: "وإذا كان هذا هو الوضع بالفعل، فهذا يعني أننا قتلنا حوالي 50 ألف شخص بريء".

وأشار إلى احتمال آخر، وهو أن "الجيش الإسرائيلي أحصى كل رجل من غزة قُتل، كواحد من حوالي 20 ألف عضو في حماس قتلوا".

وأكمل: "أو أن وحدات الجيش الإسرائيلي ضخمت عدد أعضاء حماس الذين قُتلوا بالفعل، وليس من الواضح أي من هذه الاحتمالات هو الأسوأ".

أكثر موثوقية

في هذا السياق، شدد الموقع على أن "الأسئلة المتعلقة بمصداقية البيانات التي يقدمها الجيش الإسرائيلي لها أهمية خاصة".

وعزا ذلك لوجود "جدل ساخن حول مصداقية أعداد الضحايا في قطاع غزة، التي نشرتها وزارة الصحة بالقطاع".

حيث أشار إلى أنه "لا يمكن عدّ البيانات المتوفرة لدى الجيش الإسرائيلي بشأن الضحايا من حماس موثوقة، إلا إذا كانت بيانات وزارة الصحة في غزة عن الضحايا المدنيين موثوقة أيضا".

وعبر التقرير عن توجسه من بيانات الجيش قائلا: "ومن المقلق للغاية أن الجيش الإسرائيلي لا ينشر حاليا بيانات واضحة وموثقة فيما يتعلق بعدد المواطنين الغزيين الذين أصيبوا".

في المقابل، قدّر التقرير أن "هناك فرصة معقولة؛ لأن تكون الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة في غزة موثوقة".

وفسر هذا التضارب مصرحا: "نحن جميعا نتفهم الظروف التي يعمل في ظلها المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي، سواء بسبب وتيرة الأحداث أو بسبب نظام الضغط الذي يمارس عليهم".

وتابع: "وصحيح أيضا أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لديه هدفان دعائيان؛ تمثيل الدولة أمام الهيئات الخارجية، وتمثيل الجيش الإسرائيلي، المنظمة التي يخدمها، تجاه الجمهور في إسرائيل".

مع ذلك، أكد التقرير على ضرورة "وجود فحص أكثر دقة ونقدية للمعلومات التي يقدمها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، كما نتعامل عادة مع المتحدثين باسم الكيانات والمنظمات الأخرى".

معايير نقدية

وشكك التقرير في مهنية المعلقين العسكريين، فقال: "من المؤسف أن غالبية أولئك الذين يفتخرون بهالة "المراسلين" و"المعلقين" العسكريين، لا يستخدمون معايير نقدية لفحص البيانات الصادرة عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي".

مضيفا: "بدلا من ذلك، فإنهم يعملون بمثابة الناطق باسم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أو بالأحرى بصفتهم متحدثين (مدنيين) باسم الجيش الإسرائيلي".

وأكد أن "الانحياز للنظام خطيئة، ليس فقط في حق مهنة الصحافة، بل في حق جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين".

وأكمل: "الآن فقط، وبعد أكثر من 400 يوم، (يجرؤ) المحلل العسكري يوآف زيتون على انتقاد الحرب، لكنه فعل ذلك في عمود رأي دون أن يذكر أنه المراسل العسكري للصحيفة".

واستطرد: "دعونا نأمل أن يستمر في انتقاداته، ولكن لماذا تذكّر الآن فقط أن يشير إلى أن الحرب (انتهت بالفعل قبل نحو عام في الجنوب)".

واسترسل: "ألم تجبره وظيفته على قول ذلك منذ أشهر عديدة، وعدم الانتظار حتى يأمر دونالد ترامب بوقف الأعمال العدائية؟".

وتساءل التقرير: “هل إزالة قبعة المراسل العسكري لأغراض المراجعة لمرة واحدة تبرؤه هو وغيره من المراسلين من جميع التقارير السابقة؟”

واختتم قائلا: "لماذا مازلنا لا نرى انتقادات للبيانات التي قدمها الجيش الإسرائيلي؟". وأردف: "وهنا يتبين أن معظم المراسلين العسكريين خدم مخلصون للنظام فقط وليس للجمهور العام".