حسابات دقيقة.. هل تصمد حكومة نتنياهو بعد الاستقالات ووقف إطلاق النار في غزة؟

"القوى اليمينية الإسرائيلية تنظر إلى الموقف الراهن على أنه معادلة بين خسارة محدودة أو خسارة فادحة"
تزامنا مع بدء وقف إطلاق النار في غزة، استقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ووزير النقب والجليل والصمود الوطني يتسحاق فاسرلوف، ووزير التراث عميحاي إلياهو، من حكومة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
كما قام ثلاثة مشرعين آخرون بتقديم خطابات استقالتهم من مناصبهم في اللجان المختلفة في الكنيست، وجميعهم من حزب عوتسما يهوديت الذي يتزعمه بن غفير.
وقبل ذلك كان ائتلاف نتنياهو، يشغل 68 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي بعد أن انضم إلى الائتلاف الحكومي حزب "الأمل الجديد"، بزعامة جدعون ساعر، والذي يشغل أربعة مقاعد.
ويتكون الائتلاف الحكومي حاليا من 62 مقعدا من أحزاب اليمين واليمين المتشدد والأحزاب الحريدية (المتدينين)، ما يكفيه للبقاء.
وحتى مع هذا الاستقرار النسبي، لا تزال الخلافات الداخلية قائمة، وخاصة مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والجدل المتواصل عن قوانين التجنيد الجديدة للرجال الأرثوذكس المتطرفين، والسيطرة على النفقات في ميزانية إسرائيل.
وفي هذا السياق، تساءل موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي إذا ما كانت حكومة نتنياهو ستصمد بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
خلافات متواصلة
وذكر الموقع أنه في ديسمبر/كانون الأول 2024، مُررت الميزانية في تصويتها الأولي في الكنيست بهامش ضيق، 59 إلى 57 صوتا، ما يشير إلى خلافات داخل الائتلاف الحاكم.
والجدير بالذكر، أن حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتطرف، الذي يتزعمه بن غفير، عارض الميزانية، مما يؤكد التوترات المستمرة بين شركاء الائتلاف.
وفي الوقت نفسه، كانت العديد من أحزاب المعارضة قد أعربت عن استعدادها لدعم حكومة نتنياهو، في جهودها الرامية إلى تأمين إطلاق سراح المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومنها حزب "الوحدة الوطنية"، الذي يتزعمه بيني غانتس.
وفي ضوء الصفقة التي قادت إلى وقف لإطلاق النار في غزة، أوضح رئيس معهد القدس للإستراتيجية والأمن، البروفيسور إفرايم إنبار، أن احتمال انهيار الحكومة الإسرائيلية بسبب عدم الرضا عن الصفقة هو احتمال ضئيل.
وقال: "غادر حزب واحد فقط، "عوتسما يهوديت"، الائتلاف، فحتى (وزير المالية الإسرائيلي، بتسليل) سموتريتش صوت لصالح الصفقة ولن يترك الحكومة، أما البقية فيصدرون ضجيجا فحسب".
ويرى الخبير أن بعض القوى اليمينية في الائتلاف السياسي تعتمد على حسابات إستراتيجية أوسع، حيث تنظر إلى الموقف على أنه معادلة بين خسارة محدودة أو خسارة فادحة.
وفي إطار نهج براغماتي، اختار "سموتريتش" تقليل الخسائر وقبول الخيار الأقل كلفة، مع تأجيل قرار الانسحاب من الحكومة إلى وقت آخر، وفق تقييم إنبار.

نهج براغماتي
هذا النهج البراغماتي هو المفتاح لفهم سبب صمود الحكومة رغم الخلافات الداخلية، بحسب التقرير.
“فعلى الرغم من تعبير أعضاء الائتلاف عن استيائهم، فإن المعادلة السياسية لا تدعم حدوث اضطراب”، وكما أشار إنبار، فإن "الأرقام ببساطة لا تدعم سردية أن الحكومة ستسقط".
بدورها، عبّرت المحاضرة البارزة في قسم الدراسات السياسية بجامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، إيلانا شبايزمان، عن وجهة نظر مشابهة، مشيرة إلى أن "سموتريتش يدرك أن لهذه الهدنة مرحلتين".
وأضافت أن "من المرجح أن يؤدي الضغط على الحكومة إلى المرحلة الثانية، والتي تتمثل في انسحاب جميع قوات الجيش الإسرائيلي من غزة وإنهاء الحرب".
واستطردت قائلة: إن "إنهاء الحرب يعني غياب المستوطنات اليهودية والسيطرة العسكرية في غزة، وهو السيناريو الذي سعى سموتريتش لتجنبه؛ ولهذا يعارض اتفاق الهدنة".
وأفادت بأن "الأحزاب الدينية اليمينية تمتلك رؤية خاصة لليوم التالي للحرب، تشمل إقامة مستوطنات يهودية في غزة وفرض السيادة العسكرية الإسرائيلية عليها، على غرار النموذج القائم في الضفة الغربية".
وسلّطت "شبايزمان" الضوء على الدوافع الحقيقية وراء مواقف هؤلاء الوزراء، موضحة أنهم "يختبئون وراء ستار المخاوف الأمنية، بينما الهدف الحقيقي هو تحقيق رؤيتهم بالبقاء في غزة واستمرار الحرب".
وأضافت أنه "بالنسبة لهم، هذا الوضع يعد فرصة ذهبية -أو كما وصفه أحد الوزراء بـ "المعجزة"- لفتح الباب أمام تحويل غزة إلى جزء من إسرائيل وإقامة مستوطنات إسرائيلية فيها".
ونوهت "شبايزمان" على السبب وراء استعداد بن غفير للانسحاب من الائتلاف بينما يبقى سموتريتش متمسكا بحكومة نتنياهو.
ووفقا لها، يدرك بن غفير أنه إذا اتجه إلى انتخابات جديدة، "سيحظى بعدد كبير من المقاعد، إذ تشير جميع استطلاعات الرأي إلى ذلك، فالنتائج تؤكد أنه سيُعاد انتخابه وسيحصل على عدد مقاعد مشابه لما لديه حاليا".
أما بالنسبة لسموتريتش، فحساباته السياسية أكثر قتامة؛ "لأنه يعلم أنه لن يكون في الكنيست المقبل، فجميع استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن الناخبين لا يريدونه".
وأردفت: "من غير المحتمل أن يُعاد انتخاب سموتريتش في الكنيست القادم؛ لذلك فهو أكثر التزاما بالحفاظ على استمرار هذه الحكومة والمضي قدما".
وبحسب الموقع الأميركي، يبدو -في الوقت الراهن- أن نتنياهو مستعد لمواجهة عاصفة سياسية أخرى.
“ومع استمرار التحديات الأمنية في إسرائيل وتزايد الضغوط السياسية، يبقى السؤال قائما: إلى متى يمكن لهذا التوازن أن يستمر؟”

قانون التجنيد
وبدلا من النقاش الحالي حول وقف إطلاق النار، يرى خبراء تحدثوا لموقع "ذا ميديا لاين" أن قانون التجنيد الجديد لإلحاق المتدينين المتشددين بالجيش الإسرائيلي هو العقبة الحقيقية.
"ففي الوقت الراهن، سيكون على حكومة نتنياهو أن تشهد انسحاب بن غفير وسموتريتش من الائتلاف، ولا شيء سوى قانون تجنيد المتدينين المتشددين قادر على تحقيق ذلك".
وقال إنبار: "إذا فشل وقف إطلاق النار، فمن المؤكد أن هذا من شأنه أن يرضي العناصر اليمينية الأكثر تطرفا في الحكومة، لكن الأرثوذكس المتطرفين أكثر قلقا بشأن قانون الخدمة العسكرية، لكنهم لا يربطون دعمهم للاتفاق بهذه القضية".
وتاريخيا، كان اليهود الأرثوذكس المتطرفون يكرسون أنفسهم للدراسة الدينية بدوام كامل، وبذلك فهم معفيون من الخدمة العسكرية الإلزامية.
لكن هذه السياسة واجهت تدقيقا متزايدا، وتحديات قانونية، ووضعت حكومة نتنياهو في مسار تصادمي مع المحكمة العليا الإسرائيلية.
ومن جهتها، تعتقد "شبايزمان" أن مشروع قانون التجنيد لا يزال يشكل التهديد الأكبر لحكومة نتنياهو، حتى أكثر من اتفاق وقف إطلاق النار.
وأضافت أن "سموتريتش يدعمه، لكن دائرته الانتخابية -التي يخدم العديد منها في الجيش وتكبدت خسائر في الحرب- غير راضية عنه، وهذه هي النقطة التي يفتقد فيها دعمهم".
وأشارت إلى أن "حزب الليكود منقسم بشأن مشروع قانون التجنيد، مما يزيد من التوترات".
وأثار فرض التجنيد الاحتجاجات والعصيان المدني بين اليهود الأرثوذكس المتطرفين، واندلعت المظاهرات بالقرب من قاعدة تجنيد "تل هشومير"، حيث اشتبك المتظاهرون مع قوات الشرطة.
وتؤكد هذه الاحتجاجات -بحسب التقرير- على المعارضة الراسخة التي تبديها هذه الفئة حيال الخدمة العسكرية الإلزامية، والتي يعتقدون أنها تنتهك التزاماتهم الدينية.
وفي الوقت نفسه، استأنف الكنيست الإسرائيلي مداولاته بشأن الإصلاحات القضائية التي اقترحتها الحكومة، والتي قد تمكّن نتنياهو من وقف تجنيد الرجال الأرثوذكس المتطرفين وإرضاء قاعدته.