صحيفة تركية: هكذا يمكن قراءة المعادلة السياسية بسوريا وتقاطعاتها مع إسرائيل
"التحولات في سوريا وتزايد الدور التركي في المنطقة قد يجبران إسرائيل على تعديل سياستها"
تتابع تركيا عن قرب مساعي الكيان الإسرائيلي لتوسيع رقعة المناطق التي يحتلها في سوريا، مستغلا الفراغ الإداري بعد سقوط نظام بشار الأسد البائد.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "ستار" مقالا للكاتب التركي “جنغيز غول”، سلط فيه الضوء على المعادلة السياسية بسوريا وتقاطعاتها مع إسرائيل.
أجندة توسعية
وفي مطلع مقاله، قال الكاتب التركي إن الكيان الصهيوني كان منذ بداية تشكله يحمل أهدافا عنصرية استعمارية توسعية، وقد تجسد ذلك في سعيه المستمر للهيمنة على الأراضي العربية.
ومع انهيار نظام البعث في سوريا استغل الاحتلال الإسرائيلي هذه الفرصة لتعزيز عملياته التوسعية في المنطقة العازلة في هضبة الجولان السورية المحتلة.
وهو ما أكده رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، الذي زعم أن اتفاقية "فصل القوات" الموقعة عام 1974 قد انتهت بعد سقوط النظام السوري، ليشرع بعد ذلك في توسيع مناطق الاحتلال.
ويواجه نتنياهو حالياً دعوى إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، إلى جانب أمر اعتقال صادر عن المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة.
وبالرغم من هذه الضغوط الدولية، يسعى نتنياهو إلى استغلال الفوضى الناجمة عن التغيير في سوريا لتعزيز أهداف الاحتلال متجاوزا الجولان في اتجاه مناطق أقرب إلى دمشق.
لكن محاولات إسرائيل تبريرَ هذه العمليات بأنها "إستراتيجية مؤقتة" تفتقر إلى المصداقية، خاصة أن تاريخ إسرائيل مليء بالانتهاكات المستمرة، بحسب الكاتب التركي.
فلم يقتصر الاحتلال الإسرائيلي على غزة فقط، بل ارتكب مجازر في لبنان أسفرت عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص، مع استمرار الانتهاكات لاتفاقات وقف إطلاق النار وتدميرها لمناطق واسعة.
غير أن إسرائيل لم تظهر أي نية للتخلي طوعا عن الأراضي التي احتلتها.
حرب محتملة مع تركيا
وفي السياق، لفت الكاتب إلى أنه بعد انهيار نظام الأسد، وبالتوازي مع إدراكها لدور تركيا المحوري في هذا التغيير، فقد كثف الاحتلال دعم التنظيمات الإرهابية مثل وحدات حماية الشعب / حزب العمال الكردستاني / قوات سوريا الديمقراطية في سوريا.
وهذا الأمر يعكس استمرارية نهج الولايات المتحدة في استخدام الجماعات الإرهابية كوكلاء ضد تركيا.
وعلى إثر التطورات الأخيرة والتقارب الشديد بين سوريا وتركيا، عقد مجلس الأمن الإسرائيلي في 9 يناير/ كانون الثاني 2025 اجتماعا طارئا لمناقشة احتمالات نشوب حرب مع تركيا.
وهو ما يعكس حالة الذعر التي يعيشها الكيان الصهيوني، خاصة مع تصاعد الدور التركي في القضاء على تنظيمات وحدات حماية الشعب / حزب العمال الكردستاني في سوريا.
في هذا السياق، شهدت إسطنبول في الأول من يناير 2025 مظاهرات حاشدة دعما لغزة وفلسطين، حيث شارك أكثر من 250 ألف شخص في إسطنبول.
وقد لاقت هذه المظاهرات اهتماما إعلاميا واسعا في الصحافة الإسرائيلية، خصوصا مع الشعار الذي ردده المتظاهرون: “أمس كانت آيا صوفيا، اليوم الجامع الأموي، وغدا المسجد الأقصى”.
وهو شعار يتجاوز كونه مجرد هتاف بسيط، ليحمل دلالات إستراتيجية تشير إلى الهدف النهائي في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
وأشار الكاتب التركي إلى أن إسرائيل التي طالما سعت لتحقيق أهدافها الاستعمارية تحت مسمى "أرض الميعاد"، بدأت تشعر بقلق عميق من هذه الحركة الشعبية التي تهدد مشاريعها التوسعية في المنطقة.
حيث إن هذا الشعار، الذي يمثل رؤية نهائية للمقاومة ضد الاحتلال، قد يشكل تهديدا كبيرا لأطماع إسرائيل في الأراضي العربية ويقوض إستراتيجياتها الاستعمارية.
البعث وإسرائيل
وأكد الكاتب أن الكيان لم يتوقف عند فلسطين فقط، بل يريد التمدد ليشمل جنوب وشرق لبنان وهضبة الجولان السورية ثم التوسع نحو الأردن أيضا.
حيث يتجه نحو مزيد من نشر نفوذه في المنطقة. وهذا التوسع لن يتوقف إلا عندما يجد خصما قادرا على محاسبته.
ومع سقوط نظام البعث في سوريا المدعوم من إسرائيل، وصعود حكومة جديدة مدعومة من تركيا أصبح هناك تهديد حقيقي لمخططات الاحتلال الصهيوني.
وتطور الأحداث في سوريا أدى إلى تغييرات جذرية في موازين القوى، وفتح المجال أمام إمكانية عرقلة التوجهات التوسعية للكيان الصهيوني.
حيث قامت إسرائيل بمواجهة هذا التغيير بقصف مراكز الأمن والجيش في دمشق، محاولةً تدمير الوثائق التي تكشف تعاون النظام السوري مع الاحتلال.
ففي إطار سعيها لإضعاف سوريا عملت إسرائيل على تدمير المعلومات والبيانات الرسمية المتعلقة بالتركيبة السكانية لسوريا، بل واستهدفت تحفيز الصراعات الطائفية والعرقية، بهدف تجزئة الشعب السوري وخلق كيانات ضعيفة تسهل لها السيطرة عليها.
لكن مع تطور الوضع في سوريا، ومع التأثير المتزايد لتركيا في دعم الحكومة السورية الجديدة يبدو أن إسرائيل ستواجه تحديات كبيرة في تنفيذ سياستها الاحتلالية.
فالهجوم الذي شنته إسرائيل في غزة في 7 أكتوبر 2023 كان جزءا من خطة موسعة لتوسيع نطاق الاحتلال في لبنان وسوريا.
ولكن مع تزايد تأثير تركيا في المنطقة، ستكون إسرائيل مضطرة للتعامل مع واقع جديد يتمثل في مواجهة مباشرة مع تركيا، مما يعني أنها لن تتمكن من تنفيذ سياساتها الاحتلالية في سوريا دون أن تواجه عواقب حقيقية.
وبذلك، أصبح من الواضح أن إسرائيل لن تكون قادرة على تنفيذ سياسات الاحتلال في سوريا بحرية تامة ودون حساب بعد الآن.
هل سيستمر الدعم الأميركي؟
وهنا يشير الكاتب إلى أن إسرائيل تواجه تحديات كبيرة في سعيها لتنفيذ أهدافها التوسعية في المنطقة، خصوصا في ظل الدعم المتزايد من قبل تركيا للجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب في شمال سوريا والعراق.
وهذا الموقف القوي من قبل تركيا في دعمها للقيادة الجديدة في سوريا يضع عائقاً أمام محاولات إسرائيل في تنفيذ سياساتها دون حساب.
وبهذا يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مع الواقع الذي فرضه الدور التركي المتزايد في المنطقة.
فإسرائيل التي كانت تستفيد من الدعم الأميركي في تحقيق أهدافها الاستعمارية، قد تجد أن ذلك الدعم لم يعد كافيا لمساعدتها في تحقيق "أرض الميعاد" التي تسعى لتحقيقها.
وهذا يدفعها إلى تعزيز دعمها للمجموعات الإرهابية التي تستخدمها كأدوات بالوكالة، بهدف إشغال تركيا بمشاكل داخلية.
من جهة أخرى، فإن تزايد دعم الولايات المتحدة للمجموعات الكردية مثل وحدات حماية الشعب / حزب العمال الكردستاني / قوات سوريا الديمقراطية في سوريا يواجه تحديات متزايدة.
ففي ظل التعاون المتزايد بين تركيا والحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق لمكافحة الإرهاب، بدأ تراجع الدعم الأميركي لهذه الجماعات يصبح أكثر وضوحاً.
كما أن تركيا تسعى إلى تحقيق هدف أن تكون "تركيا خالية من الإرهاب"، مما يعكس تصميمها على تقويض الأنظمة الإرهابية في المنطقة.
وقد ازدادت المخاوف الإسرائيلية بعد الزيارة التي قام بها شيخ المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، إلى تركيا في يناير 2025، حيث حذر من محاولات السيطرة على المسجد الأقصى والقدس من قبل الإسرائيليين بدعم من الإدارة الأمريكية الجديدة.
وختم الكاتب مقاله قائلا: تواصل تركيا تعزيز دورها في دعم حقوق الفلسطينيين، في محاولة لكسر الحصار على غزة وحماية المسجد الأقصى.
وإسرائيل، التي بدأت تدرك أن الأوضاع قد تغيرت، تواجه الآن تحديات جديدة لا يمكن التغاضي عنها.
فالتحولات في سوريا وتزايد الدور التركي في المنطقة قد يجبران إسرائيل على تعديل سياستها، ولن تستطيع متابعة أهدافها التوسعية دون أن تواجه تحديات حقيقية من قوىً جديدة.