لتضييق الخناق على روسيا والصين.. هكذا يشعل ترامب التوتر في البحار
التوترات البحرية المزمنة على مدى العامين الماضيين ليست ظاهرة حديثة
تزايدت خلال العامين الماضيين مظاهر التوتر في خطوط النقل البحري حول العالم، وهو صراع مختلف تماما عما يحدث على اليابسة.
في هذا السياق، تحدث موقع "روسيا اليوم" عن تأثير الصراعات البحرية على الاقتصاد العالمي، محذرا من أن الوضع في المياه حاليا هو "علامة على إعادة هيكلة طويلة المدى لبنية الاقتصاد العالمي".
ورصد أبرز التوترات البحرية خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى ما أسماه "قانون القوة الكلاسيكي" وتأثيره على التنافس الدولي في المياه.
ومن خلال توضيح ثلاثة ظروف رئيسة، قانونية وعسكرية واقتصادية، رسم الموقع الروسي خريطة النفوذ البحري بين الدول الكبرى خلال الفترة المقبلة.
قانون القوة الكلاسيكي
وبداية تحدث عما وصفه بـ "أزمة الكاريبي العسكرية" ضد روسيا، مبينا أن "محاولات تصعيد الوضع في بحر البلطيق، هي انعكاس لرغبة الدول الغربية الأكثر راديكالية في تضييق الخناق على موسكو".
وأضاف: "إنهم يظهرون عدم اهتمامهم الكامل، بالحفاظ على بحر البلطيق بصفته مساحة ذات أهمية اقتصادية".
ورأى أن هذا الوضع "يخلق مشاكل إضافية بعد الهجوم على نورد ستريم، الذي أظهر التحقيق فيه نفاق دول الغرب الجماعي، بما فيهم ألمانيا".
وأواخر سبتمبر/ أيلول 2022 رُصدت تفجيرات وتسربات غاز تحت البحر عند خطي أنابيب نورد ستريم1 و2، وتبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات والإيحاءات بوقوف الطرف الآخر وراءها، رغم أن التحقيقات لم تكتمل بعد.
ووقعت الانفجارات في منطقتين اقتصاديتين تابعتين للسويد والدنمارك، حيث أعلن البلدان أن التفجيرات كانت "متعمدة"، وأنهما يحققان في الحادث بمشاركة ألمانيا، لكنهما لم يحددا المسؤولين عنها بعد.
وانتقل الموقع للحديث عن مضيق تايوان، بالإشارة إلى أن "التوترات المزمنة على مدى العامين الماضيين، ليست ظاهرة حديثة".
وأوضح أن عقدة الصراع هذه "تشكلت في نهاية القرن التاسع عشر، مما يثبت أن الاتصالات البحرية هي أحد أكثر أنظمة الاقتصاد العالمي استقرارا".
وحذرت تايوان في السابق من أن الصين ستكون قادرة على شن "غزو شامل" للجزيرة بحلول عام 2025، وأن المضيق يشهد "أصعب وضع" خلال العقود الأربعة الأخيرة.
تطورات متلاحقة
ورأى الموقع أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الحاجة إلى إعادة قناة بنما لسيطرة الولايات المتحدة، "تعكس التركيز على إحياء النهج الاستعماري الكلاسيكي في منطقة أميركا اللاتينية، مع السيطرة على شريان نقل بحري بالغ الأهمية لواشنطن".
وزعم أن "تزايد عدم الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط هو نتيجة ثانوية واضحة لثورات الربيع العربي، التي نقلت الصراع العربي الإسرائيلي إلى صيغة جديدة".
وتابع الموقع الروسي: "نشأت مخاطر عسكرية ومخاطر تتعلق بالقوة فيما يتعلق بالاتصالات البحرية، بما في ذلك الوضع في قناة السويس".
في القارة السمراء، أوضح أن "القرصنة في القرن الإفريقي (خاصة الصومال)، والآن العمليات العسكرية للحوثيين في مضيق باب المندب، تمثل حقا عنصرا جديدا في الصورة".
وذلك التطور يعكس عملية ظهور "المناطق الرمادية" لسيطرة الدولة في العالم والطلب على "اقتصاد الغنائم"، وتسيطر هذه العملية بشكل مكثف على طرق التجارة البحرية.
وعلى الرغم من الاتفاقيات الدولية العديدة، استنتج الموقع من كل "هذه المواقف غير المتجانسة ظاهريا، أن المجال البحري، يظل مساحة للسيادة الظرفية، أي قانون القوة الكلاسيكي.
ورصد ما عده محاولات الغرب تأكيد ذلك المنطق، بالقول: "حاولت الولايات المتحدة إثبات ذلك عدة مرات خلال السنوات السابقة في مضيق تايوان".
وتصرف البريطانيون أيضا بنفس الأسلوب في البحر الأسود عام 2021، عندما حاولت المدمرة ديفندر المرور عبر المياه الإقليمية الروسية بالقرب من شبه جزيرة القرم.
إعادة هيكلة
ويعتقد الموقع أن تلك الحوادث تدل على وجود "فراغ قانوني في المجال البحري منذ فترة طويلة".
فقد أثار الصحفي الاستقصائي الأميركي الشهير إيان أوربينا هذه المسألة عام 2019، في كتاب بعنوان "المحيط الخارج عن القانون: تجارة الرقيق والقرصنة والتهريب في المياه الدولية".
وأوضح أن "الكتاب تلقى إشادة كبيرة، لكن العمليات الموصوفة فيه لم يُعترف بها كدليل على التحولات الجغرافية الاقتصادية العالمية".
وبين أن الكاتب وصف الوضع الحالي ببساطة، فقال: "على خلفية تآكل سيادة الدول ودمجها إلى عالم العولمة (الذي كان يعد تقدميا)، فإنها تفقد السيطرة بسرعة أكبر في البحر على وجه التحديد".
وبذلك "أصبح من الواضح أن التغيير في وضع البحار، هو علامة على إعادة هيكلة طويلة المدى لبنية الاقتصاد العالمي بأكملها"، يقول الموقع.
ويضيف: "تصاعد التوترات في شبكات النقل البحري حاليا بالإضافة إلى الاتجاهات طويلة الأجل، مرتبط باللحظات التي تشكلت أمام أعيننا".
ويعكس جزئيا إدراك الولايات المتحدة ضرورة إعادة النظر في إستراتيجيتها، في ظل هزيمتها الواضحة في أوكرانيا، وفق الموقع.
الصورة الكبرى
وسلط الضوء على ثلاثة ظروف رئيسة متعلقة بقضية الصراعات في البحار. أولا، أن أزمة المؤسسات الدولية الأمنية هي انعكاس للأزمة العامة في نظام القانون الدولي، وهذا ينطبق بشكل خاص على الوضع في البحار.
وأضاف: "فقد سبق الحديث عن انهيار نظام التعاون في مجال الأمن في بحر البلطيق، لكن يجب الإشارة أيضا إلى التصعيد الكبير في نشاط الولايات المتحدة تجاه منطقة القطب الشمالي".
ورأى أن "خطط ترامب المتعلقة بغرينلاند ليست سوى عنصر واحد من الصورة الكبرى، وهو أمر يتصل أيضا بالتغيرات المناخية، ويؤثر على الطرق البحرية ذات الأهمية العالمية".
ففي 23 ديسمبر/ كانون الأول 2024، جدد ترامب قبل توليه الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، تصريحاته حول ضرورة أن تكون جزيرة غرينلاند تحت سيطرة الولايات المتحدة.
وهذه الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي تتمتع بحكم ذاتي تحت سيادة الدنمارك.
وقال رئيس وزراء غرينلاند موتي بوروب إيجيدي: إن "القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين تحاول الاستفادة من بلادنا، وهو أمر مقلق".
وفي ظل هذا السياق، “يحدث تصعيد حاد في العمليات السياسية في القطب الشمالي”، وفق الموقع.
ويأتي ذلك بالتوازي مع عمل دول الغرب الموحد فعليا على خصخصة مجلس القطب الشمالي".
ميزة كبيرة
وأشار الموقع في البند الثاني إلى أن "التجارة البحرية تمثل حوالي 80 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية للسلع، وفقا لتقديرات مختلفة، رغم كل الجهود لتطوير الطرق البرية".
وأكمل: "يجرى تسهيل ذلك من خلال السياسة الغربية القائمة على الفوضى واستبعاد العديد من المساحات القارية المهمة من النظام اللوجستي العالمي، من غرب أوراسيا إلى الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط".
وبهذا يعتقد الموقع أن "القوة التي تستطيع السيطرة على المفاصل الرئيسة للطرق البحرية، مثل المضائق والقنوات والموانئ ذات الأهمية العالمية، تحصل على ميزة جيو-اقتصادية كبيرة".
وتابع: "علاوة على ذلك، أدرك الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا، أن هناك ضعفا هاما لدى منافسيه الجيو-اقتصاديين، الذين يتشكلون، خاصة بعد قمة قازان (أكتوبر/تشرين الأول 2024)، في دول مجموعة بريكس".
فهذه الدول (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا، مصر، الإمارات، السعودية، إيران، إثيوبيا”، في أساسها قارية، لكن قدراتها التصديرية، باستثناء موسكو، تعتمد على التجارة البحرية.
و"هذا يمنح الولايات المتحدة فرصة على الأقل، لمحاولة استغلال إمكاناتها كقوة بحرية عسكرية عالمية رائدة"، وفق الموقع.
ورغم ذلك، قدّر أن "الأوضاع تتغير بسرعة نسبية في بعض مسارح العمليات الإقليمية، مثل شرق آسيا، بما لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة".
واستدرك: "لكن هذا يعني فقط أن الولايات المتحدة، بحاجة إلى الإسراع في تحركاتها".
شرطة بحرية خاصة
ويتعلق الظرف الثالث بوجود "محاولات لتوسيع أدوات التنظيم العسكري للقوة، فيما يرتبط بالتجارة البحرية".
في هذا السياق، ذكر الموقع أنه "في ظل محاولات تصعيد المواجهة مع روسيا في بحر البلطيق، طرحت بريطانيا مفهوم تقنين القرصنة".
وهذا يتضمن إنشاء شركات أمنية بحرية خاصة لمواجهة الشحن البحري للدول غير الصديقة للغرب.
ومن الواضح أنه خلف أفكار مواجهة "أسطول الظل" الروسي، هناك فكرة أكثر عالمية، وهي إنشاء "شرطة بحرية خاصة" رسمية تكون قادرة على قمع التجارة البحرية لأي بلد يعلن الغرب أنه غير ودي.
واسترسل الموقع: “سيعلن ذلك ليس بناء على قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بل على أساس آراء تحالفات معينة من الدول أو حتى الحكومات الوطنية الفردية، بمعنى آخر، دون أي إجراء قانوني دولي".
واختتم قائلا: "نتيجة لذلك، ومع الأخذ في الحسبان الاتجاهات العسكرية والسياسية والفهم الناشئ لحتمية الهزيمة في أوكرانيا، يمكن الافتراض بدرجة عالية أن الغرب قرر نقل المواجهة مع روسيا وشركائها إلى البحر".