القطاع العسكري الأكثر حيوية.. ما هي أبرز مجالات التعاون والشراكة بين فرنسا وقطر؟
استعرض موقع أميركي التعاون المتزايد بين فرنسا وقطر خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكدا أن القطاع العسكري لا يزال هو الجانب الأكثر حيوية بين الطرفين.
وأشار موقع "يوراسيا ريفيو" إلى أن "الروابط بين فرنسا وقطر هي واحدة من أقدم الروابط في الشرق الأوسط وأكثرها موثوقية بينهما، حيث يعود تاريخها إلى السبعينيات من القرن الماضي".
فبدءا من العلاقات الدبلوماسية والأمنية، ومرورا بالتعاون الرياضي، والاستثمارات العقارية، كلها مجالات تعكس القواسم المشتركة بين البلدين، ومنها التكامل التام، وتعزيز النمو الاقتصادي، مع الحفاظ على استقلال كل منهما.
وأوضح الموقع أنه "سرعان ما عُرفت قطر كواحدة من الدول العربية التي يمكن بناء علاقات بناءة ومخلصة معها، وكدولة تستحق استثمار الجهود للتقرب إليها، نظرا لاستقرارها".
شراكة حيوية
ويرى الموقع أن "قطر تمتلك هوية عربية متجذرة في كل المجالات، غير أن اتساع آفاقها وتقاليدها المنفتحة على التعاون التجاري ساعدتها في تعزيز علاقاتها مع عدة دول غربية، بما في ذلك فرنسا، التي تعد ثاني أكبر هدف للاستثمارات القطرية في أوروبا بعد بريطانيا".
وأوضح التقرير أن "قطر تتمتع بعلاقات دافئة مع الدول الغربية على الصعيد العالمي، لكنها تظل مستقلة في جوهرها، وهو أمر تشترك فيه مع فرنسا".
وقال الموقع: "لطالما تصور قطر نفسها على أنها دولة مستقلة إلى حد بعيد، حيث أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية، سلطان بن سعد المريخي، عام 2021 على حرصها على أن تكون عضوا فاعلا في حركة عدم الانحياز".
وصرح المريخي حينها بأن حركة عدم الانحياز "كان لها خلال مسيرتها الطويلة دور فاعل في السعي لإقامة نظام عالمي عادل ومنصف ومستند إلى القواعد، وتعزيز التمسك بمبادئ وأهداف ومقاصد الأمم المتحدة، سواء تعزيز السلم والأمن الدوليين أم المساواة في السيادة بين الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
"ورغم أن حركة عدم الانحياز لم تحظ بالكثير من الاهتمام من الدول المتقدمة، التي تستطيع اقتصاداتها القوية توفير ظروف جيدة للتجارة والشراكات، إلا أن فرنسا مختلفة"، حسب التقرير.
واستطرد: "حيث إنها واحدة من الدول المتقدمة النادرة التي لا تتماشى بشكل ممنهج مع حلفائها بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص".
وتابع: "فعلى سبيل المثال، عام 2003، وأثناء الغزو الأميركي للعراق اصطف كل الحلفاء خلف القوة العظمى الأميركية، لكن فرنسا اختارت عدم الانضمام إلى الصراع، ما أثار انتباه العالم العربي إلى استقلاليتها في ممارسة سياستها الخارجية".
ورأى الموقع الأميركي أن "البلدين المتشابهين في التفكير – قطر وفرنسا- لم يتركا علاقاتها تظل مجرد علاقة نظرية أو خاملة".
ففي عام 2017، وخلال زيارته لباريس، أوضح أمير قطر، تميم بن حمد، أنه يعد "باريس من بين أصدقاء الدوحة، الذين يعدون السلام والحوار والتعاون قضايا أساسية".
وألمح الأمير القطري حينها إلى أن "التعاون يجب أن يتجاوز بكثير الأمور الاقتصادية، في عالم معقد شكلته الصراعات والتناقضات، لا سيما في منطقتنا- الشرق الأوسط".
أملاك قطرية
وأكد "يوراسيا ريفيو" أن نوع وحجم وطبيعة الاستثمارات القطرية في فرنسا منذ مطلع القرن الحالي متشابكة إلى حد بعيد.
وأضاف أن "المشاركة القطرية الأبرز - بطبيعة الحال- كانت هي الاستحواذ عام 2012 على أغنى فريق كرة قدم في فرنسا، باريس سان جيرمان، والذي لا تزال تحتفظ به الدولة الخليجية حتى اليوم".
كما تمتلك قطر جزئيا أو كليا معظم الفنادق الفاخرة في فرنسا، وأقساما كبيرة جدا من العقارات عالية القيمة، مثل "معرض برنتمبس"، ومركز "إليزيه 26" التجاري.
وعلاوة على ذلك، تمتلك الدوحة حصصا صغيرة - لكن لا بأس بها- في العديد من الشركات الفرنسية، مثل شركة "إل في إم إتش" الفرنسية، التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 25 مليار يورو.
وحسب الموقع الأميركي، فإن "الدولة الخليجية تمتلك 42 شركة في فرنسا، من خلال حيازات مباشرة أو شركات يديرها في الغالب صندوق الثروة السيادية وهيئة الاستثمار القطرية".
في المقابل، نشطت فرنسا أيضا في قطر، ففي عام 2017، عُهد لشركة "إس إن سي في" لتطوير نظام النقل العام في الدوحة، بينما مُنحت شركة "ينشي" تطوير بعض الطرق الرئيسة.
وعلاوة على ذلك، تتولى شركتا "سويز" و"بويغ" الفرنسيتان العديد من العقود البيئية مثل مشروع "IDRIS" الكبير.
وأشار الموقع الأميركي إلى أنه "نظرا لتركيز قطر الكبير على مجال التعليم، فقد شهد عام 2016 افتتاح فروع قطرية من كلية (إتش إي سي) للأعمال".
ومنذ ذلك الحين، وقعت الدولتان – فرنسا وقطر- العديد من الاتفاقيات الجامعية، خاصة في مجال تطوير مهارات الأمن السيبراني.
ووفق صحيفة "الخليج تايمز" الإماراتية، فإن "إجمالي الاستثمارات الفرنسية المباشرة في قطر، حسب بيانات بنك فرنسا آخذة في الازدياد منذ عام 2008".
وتابعت: "حيث وصلت إلى 1.16 مليار دولار في عام 2021، وحتى الربع الأول من 2023، سُجلت أكثر من 120 شركة فرنسية و80 وكالة امتياز في قطر".
وأضافت الصحيفة أن فرنسا تقوم بإجراء استثمارات كبيرة في قطر في قطاعات الغاز والنفط، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والطيران والأمني بين الجانبين.
ورغم ذلك، يبقى القطاع العسكري هو الجانب الأكثر أهمية في العلاقات الفرنسية-القطرية، وفق "يوراسيا ريفيو".
وكان آخر ذلك، التدريبات المشتركة الأخيرة بين القوات البحرية في كلا البلدين، والتي أشرف عليها وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، في فبراير/ شباط 2023.
التعاون العسكري
وتعد قطر وفرنسا من الدول التي تعتمد على قطاع الدفاع كجزء أساسي من إستراتيجيتهما، حسب الموقع الأميركي.
"ورغم أن قطر تعد واحدة من أصغر الدول في المنطقة، إلا أنها تتجاور مع الحكومة الإيرانية الشيعية، وتعاني من جيران سنة لم تكن نواياهم ودية على الدوام"، وفق التقرير.
"ولذا، فإنها بحاجة إلى الحفاظ على تفوق كبير في قدراتها العسكرية، وهو أمر ساعدتها فيه باريس إلى حد بعيد على مدار عقود"، يضيف "يوراسيا ريفيو".
وتابع: "ويمثل التعاون في القطاعات الأمنية والدفاعية عمودا أساسيا في العلاقات الثنائية بين قطر وفرنسا، إذ اشترت قطر عددا من طائرات "رافال" الفرنسية، مما أسهم في تعزيز العلاقات الوثيقة بين البلدين".
أضف إلى ذلك أن الجانبين ينظمان تدريبات ومناورات عسكرية منتظمة لتعزيز قدراتهما الدفاعية.
وأفاد التقرير بأن "سلاح البحرية القطري، الضئيل حتى الآن، يوظف 1000 فرد فقط، ويعتمد على قوارب سريعة وقوية للدفاع عن المياه الإقليمية لقطر وأصولها الثمينة".
في المقابل، يتألف سلاح الجو القطري في الغالب من طائرات فرنسية (ميراج 2000، حلت محلها مقاتلات رافال تدريجيا)، مع عدد قليل من المعدات البريطانية والأميركية.
وتُعد قطر - إلى جانب مصر وإندونيسيا والهند- من بين أكبر مستوردي مقاتلات رافال حيث طلبت 36 مقاتلة.
كما يجرى تسليم الدوحة طائرات هليكوبتر فرنسية من الجيل الجديد (طراز NH-90 ) في طلبية قوامها 28 طائرة، مع وجود خيار طلب 12 طائرة إضافية.
"علاوة على ذلك، نجد أن معظم المركبات البرية المدرعة من الجيل الأول في قطر من تصميم فرنسي"، وفق التقرير.
ولفت إلى أن "الثقة بين البلدين وصلت إلى مستويات عالية للدرجة التي تسعى فيها قطر إلى تطوير قدراتها في إدارة برامج الدفاع الخاصة بها بمساعدة فرنسية".
وأكد الموقع الأميركي أن "العلاقة بين البلدين مثل أي علاقة أخرى طويلة الأمد شهدت تقلبات، لكن لدى قادة الدولتين القدرة السياسية على التعامل مع هذه الأزمات".