عودة تركيا المحتملة إلى برنامج إف-35.. لماذا يثير قلق إسرائيل واليونان؟

"الطريق أمام تركيا ليس خاليا من العوائق القانونية والفنية"
وفق إستراتيجية مدروسة، يرى إعلام تركي أن عودة أنقرة إلى برنامج طائرات "إف-35" خطوة تحمل دلالات إستراتيجية بعيدة المدى على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ونشرت صحيفة "ستار" التركية مقالا للكاتب فاروق أونالان، ذكر فيه أن "هذه الخطوة بينما يُلاحظ انتشارها في الأوساط الدولية، تشعر كل من إسرائيل واليونان بقلق عميق".
ورأى أن "الأخبار التي تداولها الإعلام الألماني واليوناني والإسرائيلي تشير إلى أن مسألة إف-35 ليست مجرد قضية تتعلق بصناعة الدفاع، بل هي نقطة تحول قد تؤثر بشكل كبير على التوازنات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط وحتى على مستوى العالم".
قلق إسرائيلي
ويرى أونالان أن "تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تستفيد من هذه الفرصة التي نشأت خلال فترة الرئاسة الثانية لدونالد ترامب".
وشدد على أن "إستراتيجية تركيا المدروسة ودورها المحوري في حلف دول شمال الأطلسي (الناتو) يعطيانها مزايا كبيرة على الساحة الدولية".
وذكر الكاتب أن "العلاقات الشخصية القوية بين أردوغان وترامب قد ساعدت في تعزيز موقف تركيا، وهو الأمر الذي جعلها أكثر تأثيرا في الساحة الإقليمية".
في الوقت نفسه، وعلى إثر هذه التطورات نشهد تزايدا ملحوظا في المخاوف الإسرائيلية واليونانية، وفق أونالان.
وهذه المخاوف تُعد جزءا من التحديات التي تواجه تركيا في سعيها لتعزيز قيادتها الإقليمية؛ حيث يُنظر إليها على أنها جزء من مسار طويل نحو تحقيق هيمنة أكبر في المنطقة.
وقال الكاتب: إن "إسرائيل ترى أن عودة تركيا إلى برنامج إف-35 يشكل تهديدا إستراتيجيا لسيطرتها الجوية في الشرق الأوسط".
وأوضح أنه "من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية يتم تصوير عودة تركيا إلى برنامج إف-35 ككابوس، لا سيما أنها قد تؤثر على التفوق الجوي الذي تتمتع به إسرائيل في الشرق الأوسط؛ حيث إنه على مدار سنوات كانت إف-35 هي الأداة الرئيسة التي تستخدمها إسرائيل لتعزيز قوتها الجوية بالمنطقة".
واستدرك: "لكن، مع تزايد قدرة تركيا على امتلاك هذه الطائرات المتطورة، فإن ذلك قد يقيد حرية الحركة الجوية الإسرائيلية، سواء في سوريا أو في مجالات أخرى تتعلق بالمنافسة على الموارد والطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط".
وتابع: "التحولات في القوة العسكرية التركية تعني أيضا أن أنقرة أصبحت أكثر قدرة على التأثير في الأزمات الإقليمية، فبفضل موقعها الجغرافي الفريد تستطيع التفاعل مع كل من روسيا والولايات المتحدة في سوريا، وهو ما يجعلها لاعبا أساسيا في استقرار المنطقة".
وفي الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في تنفيذ عمليات جوية ضد المجموعات المدعومة من إيران، تصبح تركيا من خلال قوتها الجوية المتزايدة منافسا غير مباشر لهامش المناورة الإسرائيلي.
من جهة أخرى، يبدو أن تأثير أردوغان على نظيره الأميركي ترامب “قد أسهم في تسريع هذه التطورات”، يقول أونالان.
وأضاف: “فرغم أن ترامب استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عدة مناسبات، إلا أنه كان يشير دائما إلى أردوغان كـ(صديق) و(رجل ذكي)، مما دفع العديد من وسائل الإعلام العبرية إلى التساؤل حول تأثير أردوغان على سياسات ترامب”.
تنافس متجدد
وقال الكاتب: إن “التنافس التركي اليوناني شهد فصلا جديدا مع الحديث المتزايد عن عودة تركيا إلى برنامج الطائرة المقاتلة الأميركية إف-35، وهي العودة التي أثارت قلقا كبيرا في الأوساط السياسية والعسكرية في أثينا”.
ورأى أن “اليونان ترى أن هذه الخطوة التركية تمثل جبهة جديدة في صراع طويل يمتد من بحر إيجه إلى شرق البحر المتوسط، وقد تعيد رسم موازين القوى في المنطقة بشكل جذري”.
وأوضح أن “اليونان، التي وطدت علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة وقدّمت طلبا لاقتناء طائرات إف-35، تخشى من أن تترجم عودة تركيا إلى البرنامج تفوقا جويا قد يُربك مواقفها في ملفات حساسة مثل السيادة على المجال الجوي في بحر إيجه وقضية جزيرة قبرص”.
ولفت أونالان إلى إن “الإعلام اليوناني لا يخفي قلقه من أن أسطولا تركيا حديثا قد يقلب الموازين لصالح أنقرة في هذه القضايا المزمنة”.
واستدرك: “لكن النفوذ التركي في المنطقة لا يُختزل فقط في القوة العسكرية، فأنقرة تُدير لعبة متعددة الأبعاد، تتجاوز المجال الجوي إلى ملفات الطاقة الجيوسياسية”.
وأمام هذا الزخم يبدو أن التحالف الثلاثي بين اليونان وقبرص الرومية وإسرائيل “يفتقد لمرونة الرؤية التركية الشاملة”، بحسب أونالان.
وبينما تنشغل أثينا بأنشطة الضغط في واشنطن، تتحرك تركيا بقيادة وزير خارجيتها هاكان فيدان نحو خطة أوسع.
فالتفاوض مع واشنطن لم يعد يتعلق فقط بالحصول على الطائرات، بل يشمل أيضا حزمة ضخمة تقدَّر بـ20 مليار دولار تشمل قطع غيار ومعدات عسكرية.
وذكر الكاتب التركي أن “هذا التحرك يُظهر كيف أن أنقرة تسعى لاستخدام ثقلها الاقتصادي إلى جانب الإستراتيجي لتأمين موطئ قدم قوي في المشهد الدفاعي العالمي”.
قوة ناعمة
وقال: إن “ما يميز الدور التركي اليوم أنه لا يقوم فقط على صفقات السلاح أو العلاقات الشخصية مع زعماء دوليين كترامب، بل يرتكز على موقع إستراتيجي وقدرة فريدة على تحقيق توازن بين الشرق والغرب، وهو ما يجعل أنقرة لاعبا محوريا في لعبة التوازنات الدولية”.
وأبرزت وسائل الإعلام الألمانية من خلال تعليقها بأن "أنقرة تعرف جيدا كيف تقنع ترامب" براعة تركيا في إدارة الملفات المعقدة، ملخّصة بذلك دقة إستراتيجيتها ورؤيتها الواسعة.
ورغم ذلك، فإن الطريق أمام تركيا ليس خاليا من العوائق القانونية والفنية.
وأوضح أونالان أن “العقوبات المفروضة بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات تتطلب موافقة من الكونغرس، بينما يُنظر إلى استمرار وجود منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 كتهديد أمني لا يمكن تجاهله”.
ومع ذلك، فإن تركيا ترى أن “لديها القدرة على تجاوز هذه العقبات، مستندة في ذلك إلى موقعها الحيوي كأقوى عضو في الجناح الجنوبي لحلف الناتو في مواجهة قوى كبرى مثل روسيا والصين وإيران”.
وأشار الكاتب إلى أن "تحديث سلاح الجو التركي من خلال طائرات إف-35 سيُضاف إلى القوة الرادعة التي بنتها أنقرة عبر طائراتها المسيّرة وتكنولوجيتها المحلية المتقدمة".
وشدَّد على أن "هذا التطور يجعل من مخاوف إسرائيل واليونان مفهومة، إذ إن تركيا لم تعد مجرّد خصم إقليمي، بل تحولت إلى قوة قادرة على التأثير في موازين القوى على نطاق عالمي".
واستطرد: “في حين يثير تحرك تركيا نحو العودة إلى برنامج إف-35 قلقا عميقا في كل من إسرائيل واليونان، فإنه في الوقت ذاته يعزز من وزن أنقرة الجيوسياسي ويُعيد التأكيد على موقعها المركزي”.
ويرى أونالان أن “التفوّق الجوي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ومساعي اليونان للحفاظ على التوازن في بحر إيجه وشرق المتوسط، قد تتعرض لاختبار حقيقي إذا ما حصلت تركيا على طائرات إف-35”.
واستدرك: “غير أن هذا الملف لا يتوقف عند حدود تسلم الطائرات، بل هو انعكاس أوسع لدور تركيا الفريد داخل حلف الناتو، وطموحها للقيادة الإقليمية، وقدرتها المتنامية على الوساطة في الأزمات العالمية”.
وتابع أونالان: “فبدمجها الذكي بين القوة العسكرية والدبلوماسية، تواصل أنقرة تعزيز موقعها كلاعب لا يمكن تجاهله بل كقوة مرشحة لإعادة كتابة قواعد اللعبة في المنطقة”.