سوريا الجديدة بين الرياض وأبوظبي.. من يمسك بخيوط التأثير الإقليمي؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تساءلت مجلة أميركية عما ستجنيه الإمارات من العلاقة مع الرئيس السوري أحمد الشرع الذي حظي بترحيب حار خلال زيارته إلى أبوظبي في 13 أبريل/نيسان 2025.

ورأت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" أن الإمارات التي دعمت نظام بشار الأسد قبل سقوطه، تحتاج إلى الشرع، بقدر حاجته إليها.

وتسعى الحكومة السورية الجديدة إلى مزيد من الاعتراف والشرعية من الدول الغربية والعربية، مما يجعل زيارة "الشرع" إلى الإمارات ذات أهمية بالغة لمستقبل بلاده التي مزقتها الحرب وتخضع لعقوبات شديدة.

وبعد السعودية، أصبحت الإمارات ثاني دولة خليجية يزورها الشرع كرئيس، مما يُظهر مدى تقدير دمشق وأبوظبي الكبير للتعاون الثنائي، على الرغم من انعدام الثقة العميق في العلاقة، وفق المجلة.

وأثناء مرافقته للشرع في أبوظبي، أعرب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن أمل الحكومة الجديدة في "تعزيز علاقات الأخوة والتعاون" بين سوريا والإمارات.

وأعرب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، عن تمنياته للشرع بالنجاح في قيادة دمشق، مؤكدا التزام أبوظبي بدعم إعادة إعمار سوريا وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية.

الأكثر قلقا

وأوضحت المجلة أن "من بين جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، كانت الإمارات الأكثر قلقا بشأن تداعيات سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024".

وأشارت إلى أن أبوظبي لعبت دورا محوريا في إعادة تأهيل نظام الأسد منذ أواخر عام 2018 حتى الإطاحة به، التي شكلت تحديا أيديولوجيا وإستراتيجيا كبيرا لقيادة الإمارات.

وقالت: "بصفتها طرفا فاعلا في الثورة المضادة، ملتزما بشكل من أشكال الاستقرار السلطوي والحفاظ على النظام الإقليمي القائم، تعارض أبوظبي بشدة الحركات الإسلامية وقضاياها، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي".

وهذا يُفسر إلى حد كبير دعم الإمارات السابق للأسد، إلى جانب مساندتها للزعماء الأقوياء المناهضين للإخوان المسلمين في مصر وليبيا والسودان، وفق المجلة.

واستطردت: "عندما أطاح تحالف الثوار بقيادة هيئة تحرير الشام بنظام البعث، ساور أبوظبي قلقٌ من أن تستلهم جماعات إسلامية/جهادية إقليمية أخرى هذا التوجه، وأن تحاول القيادة الجديدة في دمشق تصدير أيديولوجيتها إلى دول عربية أخرى، ربما منها دول مجلس التعاون الخليجي".

واستدرك: "مع ذلك، ومن خلال تعاملها مع السلطات الجديدة بعد سقوط نظام الأسد بفترة وجيزة، واستضافة الشرع والشيباني، تُبدي الإمارات موقفا براغماتيا تجاه الواقع السوري الجديد".

ووفق المجلة الأميركية، ترى أبوظبي أن تقليل نقاط الاحتكاك مع الحكومة السورية الجديدة يمنحها فرصة للتأثير عليها، بما يحد من أي توجهات قد تمس بالمصالح الإماراتية.

في الوقت ذاته، يدرك الشرع أن له مصلحة مباشرة في بناء علاقة ودية مع الإمارات؛ فحاجته المُلِحّة لاستثمارات أجنبية ضخمة لإعادة الإعمار والتنمية تفرض عليه قبول الدعم من الدول العربية الثرية، وفق المجلة.

وإدراكا منه لسجل الإمارات في إفشال الثورات العربية -وعلى رأسها دعمها لانقلاب 2013 في مصر- يفهم الشرع أن إشراك أبوظبي في دعم استقرار حكومته سيُقلل من احتمالية أن تدعم لاحقا أي زعيم عسكري أو قائد ميداني قد يشكل تهديدا لحكمه في سوريا.

ففي نهاية المطاف، يدرك الشرع أن قبضته على السلطة ما تزال ضعيفة، ويسعى لضمان ألّا تنظر الإمارات إلى هذا الضعف كفرصة لإجهاض الصعود السريع لهيئة تحرير الشام، من خلال انقلاب أو تمرد مدعوم إماراتيا.

بدورها، قالت ميريسا خورما مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون الأميركي للأبحاث، إن "الإمارات دأبت على معارضة الأحزاب الإسلامية، ورفضت بشدة أي نشاط سياسي أو تغيير ثوري في المنطقة".

وأوضحت أن "امتداد النفوذ الإماراتي من مصر إلى السودان وليبيا يعكس هذا النهج بوضوح"، قائلة: إن "الإمارات تتعامل اليوم مع الشرع بقدر كبير من البراغماتية، وربما تميل إلى ذلك استجابة لبراغماتية الشرع".

وأضافت أن "الشرع أكد علنا أنه ومَن معه لا ينوون تصدير الثورة إلى دول أخرى بالمنطقة، في خطوة تهدف إلى طمأنة القادة العرب الذين ساورهم القلق بالتأكيد عندما أطاحت هيئة تحرير الشام بنظام الأسد في 8 ديسمبر".

نفوذ الإمارات بالغرب

وتظل عقوبات قانون قيصر الأميركية المفروضة على نظام الأسد العائق الرئيس أمام إعادة إعمار سوريا وتنميتها.

ومع استمرار تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد السوري، فإن الإمارات ودولا أخرى لا يمكنها الاستثمار في سوريا ما بعد الأسد دون المخاطرة بفقدان وصولها إلى السوق الأميركية.

وقد دعت الإمارات ودول مجلس التعاون الأخرى وتركيا إلى رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا.

وقالت المجلة: "يمثل نفوذ الإمارات في واشنطن والعواصم الأوروبية سببا قويا وراء جهود الشرع لكسب ود الدولة الخليجية"؛ إذ تتمتع بعلاقة وثيقة مع الرئيس دونالد ترامب وقادة غربيين آخرين. وتريد حكومة سوريا ما بعد البعث من الإمارات إقناع الإدارة الأميركية برفع العقوبات أو على الأقل تخفيفها عن دمشق.

ووفقا للزميلة في مركز الوليد بجامعة إدنبرة، ميرا حسين، فإنه "نظرا لدور الإمارات البارز في المنطقة ونفوذها الكبير في كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي، يمكنها أن تصبح شريكا جيوستراتيجيا بالغ الأهمية للحكومة السورية الجديدة".

وأردفت: "السعودية تظل لاعبا إقليميا أساسيا لا غنى عنه، ووسيطا رئيسا في إعادة دمج سوريا بالمنظومة العربية، لكن قدرة الإمارات الفريدة على التأثير في سياسات الغرب، خاصة فيما يتعلق برفع العقوبات، تجعلها حليفا أساسيا لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والاستقرار طويل الأمد في دمشق".

ومع ذلك، فإن الباحثة الإماراتية غير مقتنعة بأن بلادها مستعدة للدفاع عن سوريا ما بعد الأسد في واشنطن.

 ويرجع ذلك أساسا إلى شكوك أبوظبي المستمرة في حكومة سورية تهيمن عليها هيئة تحرير الشام.

وقالت: "بينما تتبنى الإمارات علنا موقف سوريا بشأن ضرورة رفع العقوبات الأميركية، فمن غير المرجح أن تكون مدافعا صريحا عن مثل هذا التحول في واشنطن خلال هذه المرحلة".

وأكدت: "تبقى أبوظبي حذرة للغاية من الإسلام السياسي بأي شكل من الأشكال، والقيادة السورية الجديدة، رغم تغيير صورتها، تحمل توجهات أيديولوجية لطالما نظرت إليها القيادة الإماراتية بريبة وعداء شديدين".

وأضافت حسين: "بدلا من أن يشير الانخراط الإماراتي إلى تبنٍّ سياسي كامل أو استعداد لاستخدام نفوذها في الولايات المتحدة لصالح سوريا، فإنه على الأرجح يعكس تقديرات براغماتية، في مقدمتها الرغبة في عدم التهميش وسط نظام إقليمي سريع التشكل بفعل الدورين التركي والسعودي".

"ومن خلال الحفاظ على مقعدها على الطاولة، تضمن الإمارات قدرتها على التأثير في ملامح إعادة دمج سوريا مستقبلا، وفي توازن القوى الإقليمي بشكل أوسع".

من جانبه، يُشير قتيبة إدلبي الزميل البارز في مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلسي، إلى أن السعودية -وليست الإمارات- تُعد اللاعب العربي الرئيس الذي يدعم حكومة دمشق في واشنطن.

وقال: إن "السعودية تدفع باتجاه ضمان مشاركة سوريا في اجتماعات الربيع الخاصة بالبنك الدولي في واشنطن".

عدوانية إسرائيلية

ووفق المجلة، فإن الإجراءات الإسرائيلية العدوانية تجاه سوريا ما بعد تغيير النظام تُضعف بشدة فرص البلاد في استعادة وحدتها واستقرارها.

وإدراكا لعلاقة الإمارات الطبيعية مع إسرائيل، كانت القضايا الأمنية المهمة المتعلقة بسلوك تل أبيب حاضرة أيضا خلال زيارة الشرع.

وبالنظر إلى "العلاقات الأمنية والسياسية المثمرة" للإمارات مع الإسرائيليين، يُمكن لأبوظبي أن تلعب دورا "بناءً" في مساعدة دمشق على التواصل مع تل أبيب بطرق تحدّ من الوجود الإسرائيلي في سوريا، بحسب "خورما".

وأضافت: “لا يُمكن لأي دولة أخرى في المنطقة أن تُساعد في إيصال هذه الرسائل إلى إسرائيل سوى الإمارات”؛ فقد "استمرت علاقاتها الدبلوماسية مع الإسرائيليين رغم الضغوط الناجمة عن الحرب الوحشية في غزة وتصاعد موجات الغضب والمشاعر المعادية لإسرائيل في جميع أنحاء المنطقة".

مع ذلك ترى "حسين" أن الإمارات لا تملك النفوذ الكافي للحد من التمدد الإسرائيلي داخل سوريا.

وقالت: "رغم أن للإمارات وإسرائيل أهدافا متباينة تجاه مرحلة ما بعد الأسد، وإن كانت لأسباب مختلفة، فلا توجد مؤشرات تُذكر على أن الإمارات ستُناقش هذه القضية كوسيط محتمل"؛ فالفكرة القائلة إن عاصمة عربية، بما في ذلك أبوظبي، قد تمارس ضغوطا على إسرائيل في هذا الشأن تبدو بعيدة جدا عن الواقع، وفق الباحثة الإماراتية.

ولا تزال هناك تحديات قائمة، فمخاوف الإمارات من هيئة تحرير الشام، والدعم الذي تحظى به من تركيا وقطر، قد تؤدي إلى مشكلات جدية في العلاقات السورية-الإماراتية مستقبلا، وفق المجلة.

أما الشرع فقد تصرف بذكاء حتى الآن، متجنبا الاصطفاف مع أي دولة أو تكتل إقليمي قد يثير نفور أطراف أخرى، بحسب تقييم المجلة.

وأوضحت أنه "بهذا المعنى، يُثبت الشرع أنه أكثر حكمة من الأسد، الذي أدى تحالفه مع إيران إلى نفور السعودية ودول عربية سنية أخرى".

وأشارت إلى أنه "من خلال إشراك جميع الدول العربية الكبرى، وتركيا، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، يتجنب الشرع الوقوع في خطأ مماثل".

وختم إدلبي بالإشارة إلى أن زيارة الشرع لأبوظبي جاءت "متسقة مع إستراتيجية دمشق القائمة على تصفير المشكلات في سياستها الخارجية".