وسط أزمة متصاعدة مع الجزائر.. ما سر زيارة وزير داخلية فرنسا إلى المغرب؟

منذ ٢٢ دقيقة

12

طباعة

مشاركة

أجرى وزير الداخلية الفرنسي المثير للجدل برونو ريتايو، زيارة لافتة إلى العاصمة المغربية الرباط في 14 أبريل/ نيسان 2025.

وجاءت هذه الزيارة، بحسب صحيفة "جون أفريك" الفرنسية"، في سياق جهود مستمرة لتطبيع العلاقات الثنائية التي شهدت توترات خلال السنوات الماضية، لا سيما بسبب الخلافات حول ملف الهجرة. 

وعلى حد قول الصحيفة، تمثل هذه الزيارة محطة جديدة في مسار تقارب البلدين، وتهدف إلى بحث ملفات حساسة مثل الهجرة غير النظامية وتبادل المعلومات الأمنية ومحاربة الجريمة المنظمة. 

كما تكتسب بعدا إستراتيجيا أيضا في ظل التنافس الجيوسياسي الإقليمي، خصوصا مع استمرار التوتر بين باريس والجزائر على خلفية ملفات دبلوماسية وأمنية معقدة.

ترسيخ المكاسب 

تستهل الصحيفة الفرنسية تقريرها بالإشارة إلى بدء مرحلة جديدة في تحسن العلاقات بين المغرب وفرنسا منذ صيف 2024، في وقت تعيش فيه باريس أزمة دبلوماسية عاصفة مع الجزائر. 

إذ وصل وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو إلى الرباط ليلتقي نظيره المغربي، عبد الوافي لفتيت، في 14 إبريل 2025. 

ووفقا للحكومة الفرنسية، فإن المناقشات تمحورت حول التعاون الثنائي في مجال الهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات.

جدير بالذكر أن برونو ريتايو أعلن عن هذه الزيارة يوم 12 أبريل 2025، خلال مؤتمر صحفي نظمه بمناسبة مرور ستة أشهر على توليه منصبه الوزاري. 

وفي هذا المؤتمر، أوضح وزير الداخلية الفرنسي أن الهدف من الزيارة هو "ترسيخ المكاسب المحققة مع هذا البلد، لا سيما فيما يتعلق بتصاريح المرور القنصلية".

وفي هذا الصدد، تؤكد الصحيفة على أن مسألة إصدار تصاريح المرور القنصلية والمدة الزمنية للحصول عليها، والتي تتيح ترحيل الأجانب الصادرة بحقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية "OQTF"، تُعد من بين أولويات وزير الداخلية.

وتضيف الصحيفة أن "عمليات إعادة المواطنين المغاربة المقيمين -بشكل غير قانوني- كانت في صلب المناقشات التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 بين عبد الوافي لفتيت ونظيره الفرنسي، واللذان كانا قد التقيا بالفعل خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب، حيث استُقبل من قِبل الملك محمد السادس".

وتجدر الإشارة إلى أن "فرنسا دائما كانت ترغب في ترحيل المواطنين المغاربة، لكنها غالبا ما تُواجه بعوائق بسبب عدم إصدار تصاريح المرور القنصلية من قبل الرباط".

شهر عسل سياسي

وبالحديث عن زيارة أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تصفها "جون أفريك" بأنها كانت بمثابة خطوة نحو المصالحة، عقب اعتراف إيمانويل ماكرون خلال صيف عام 2024 بخطة الحكم الذاتي المغربية، وبالتالي بسيادة المملكة على الصحراء الغربية، التي تصفها الرباط بـ "الأقاليم الجنوبية". 

وبحسب ما توضحه الصحيفة الفرنسية، فإن هذا الإعلان قد أنهى سنوات من التوتر، خاصة تلك المرتبطة بملف الهجرة. 

إذ قلصت باريس، في عامي 2021-2022، عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، في محاولة للضغط على الرباط من أجل قبول إعادة مزيد من مواطنيها الذين رُحلوا من قبل السلطات الفرنسية، مما أدى إلى توتر دبلوماسي كبير بين البلدين.

ولكن من جهة أخرى، تشير الصحيفة إلى أن "هذا الاعتراف من جانب فرنسا، الذي يُعد انتصارا دبلوماسيا للحكومة المغربية، أدى في المقابل إلى تدهور العلاقات مع الجزائر، لدرجة عده إحدى أسوأ الأزمات بين البلدين في العقود الأخيرة". 

وتابعت: "ورغم أن مسار تطبيع العلاقات بين باريس والجزائر بدا وكأنه بدأ بعد الاتصال الهاتفي بين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في نهاية مارس/ آذار 2025، إلا أن النظام الجزائري وجه في الأيام الأخيرة انتقادات للحكومة الفرنسية بسبب اعتقال وتوجيه تهم لثلاثة مواطنين جزائريين، من بينهم موظف قنصلي". 

وكرد فعل، في صباح الإثنين 14 أبريل 2025، أعلنت الدبلوماسية الفرنسية أن الجزائر طلبت من 12 دبلوماسيا فرنسيا مغادرة أراضيها في غضون 48 ساعة.

"مجموعة عمل مشتركة"

وبالعودة إلى زيارة وزير الداخلية الفرنسي، توضح "جون أفريك" أنه أعلن عن إنشاء فريق فرنسي مغربي مكلف بالمساعدة في تحديد جنسية المهاجرين غير النظاميين في فرنسا، بهدف تسهيل إعادة قبولهم في بلدهم الأصلي. 

وأثناء وجود برونو ريتايو في الرباط، تقول الصحيفة إن "الوزير تحدث عن اتفاق يهدف إلى تحسين التعاون في مجال إعادة قبول المهاجرين المرحلين، لا سيما من خلال إنشاء "مجموعة عمل مشتركة" مسؤولة عن تحديد حمل الجنسية المغربية لعدد معين من المهاجرين غير النظاميين".

وبهذا الشأن، قال ريتايو: "أعتقد أن وجود فرق عمل مشتركة فرنسية ومغربية للقيام بهذه المهمة لتحديد الهوية، من شأنه أن يغير الأمور بشكل كبير".

من جهتها، جددت وزارة الداخلية المغربية، في بيان لها، تأكيدها على "التزام الطرف المغربي التام بالعمل على بلورة إطار مشترك"، مضيفة أن "خارطة طريق للتعاون الثنائي اعتمدت لتحقيق الطموحات المشتركة للبلدين".

ومن ناحية أخرى، تبرز الصحيفة أن روتايو ينوي من وراء زيارته هذه "تقييم النتائج التي حُققت" و"محاولة تعزيز التنسيق بشكل أكبر في التعاون بشأن الهجرة".

وعلى الصعيد الأمني، خاصة فيما يتعلق بالهجرة، فقد أدت الشراكة بين باريس والرباط إلى زيادة عدد التصاريح القنصلية اللازمة لتطبيق قرارات الطرد من الأراضي الفرنسية "OQTF". 

ومقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، تشير الصحيفة إلى أن إصدار هذه التصاريح ارتفع بنسبة 93 بالمئة بين شهري يناير/ كانون الثاني 2024 وفبراير/ شباط 2025.

وفي هذا الإطار، علق رافائيل ديلفولفي، المحلل السياسي في إذاعة فرنسا الدولية "RFI"، بأن هذه "الأرقام المذهلة دفعت وزير الداخلية للإشادة بها حتى قبل بدء الزيارة".

وفي النهاية، تعكس الصحيفة أن "العلاقات الثنائية تشهد تحسنا ملحوظا بعد فترة طويلة شهدت نزاعا دبلوماسيا بين باريس والرباط".