لقاء الشرع مع رئيس أذربيجان في تركيا.. ماذا يعني سياسيا واقتصاديا؟

مصعب المجبل | منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تسعى أذربيجان التي تتمتع بعلاقات قوية مع تركيا وإسرائيل إلى التعاون في مجالات متنوعة مع سوريا ومساعدتها في النهوض من جديد عقب سقوط نظام بشار الأسد.

وفي هذا السياق بحث الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف، سبل التعاون لأجل استعادة قطاع النفط والغاز السوري عافيته من جديد.

وجاء ذلك في أول اجتماع لهما على الإطلاق جرى في "منتدى أنطاليا الدبلوماسي الدولي" بتركيا في 11 أبريل/ نيسان 2025 حسبما ذكرت مصادر مطلعة لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

أذربيجان وسوريا

وقال المصدر: إن الحكومة السورية مهتمة بالحصول على مساعدة من شركة النفط الحكومية الأذربيجانية، "سوكار"، لتطوير حقول النفط والغاز في شمال شرق سوريا.

وهي التي يتركز فيها 90 بالمئة من نفط وغاز البلاد، والتي تسيطر عليها حاليا إلى حد كبير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة.

فيما قال مصدر ثانٍ مطلع على تفكير الحكومة السورية: “تريد سوريا موازنة جميع القوى الإقليمية. ومشاركة تركيا وأذربيجان في تشغيل حقول النفط والغاز من شأنه أن يوفر شعورا بالاطمئنان تجاه إسرائيل”، لا سيما أن إسرائيل لم تتوقف عن قصف مواقع عسكرية بسوريا منذ اليوم الأول لسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، في محاولة لمنع الدولة الجديدة من النهوض وبناء قدراتها العسكرية.

وقامت إسرائيل عقب سقوط الأسد بإلغاء اتفاقية "فض الاشتباك"، المُوقعة مع نظام حافظ الأسد (الأب) عام 1974، وبدأت في مهاجمة وقصف وتدمير القدرات العسكرية السورية كافة، عبر غارات جوية مكثفة وتوغلات برية.

كما احتلت إسرائيل جبل الشيخ وأراضي وقرى بعمق يزيد عن 25 كم داخل سوريا، لتضاف إلى هضبة الجولان المُحتلة.

وجبل الشيخ أو "جبل حرمون" هو جبل يقع بين سوريا ولبنان يطل على الجولان المحتل ويمكن رؤيته من الأردن.

اللافت أن إسرائيل نفذت في 2 أبريل/ نيسان 2025 سلسلة غارات نالت خمس نقاط مختلفة، بما في ذلك العاصمة دمشق وحماة وحمص.

وأفادت لوكالة رويترز حينها بأن فرقا عسكرية تركية تفقدت ما لا يقل عن ثلاث قواعد جوية بريف حمص، والتي يمكنها نشر قوات فيها في إطار اتفاق دفاع مشترك مزمع مع دمشق، وذلك قبل أن تشن إسرائيل غارات جوية على المواقع المذكورة.

 وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في 3 أبريل 2025: إن إسرائيل قلقة من "الدور السلبي" الذي تلعبه تركيا في سوريا ولبنان ومناطق أخرى.

وأضاف ساعر خلال مؤتمر صحفي في باريس "يبذلون قصارى جهدهم لجعل سوريا محمية تركية.. من الواضح أن هذه هي نيتهم".

ولتجنب التصعيد على الأراضي السورية، فقد أفادت مصادر بوزارة تركية ومصدر سياسي إسرائيلي لوكالة رويترز في 10 أبريل بأن مسؤولين أتراكا وإسرائيليين بدأوا محادثات في التاسع من الشهر المذكور في أذربيجان تهدف إلى تفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها في سوريا حيث ينشط جيشا الجانبين.

وأوضحت المصادر التركية أن المحادثات الفنية التي جرت في أذربيجان مثلت البداية للجهود الرامية إلى فتح قناة اتصال لتجنب صدامات أو سوء فهم محتمل بخصوص العمليات العسكرية في المنطقة.

وقال أحد المصادر التركية: "ستستمر الجهود لوضع هذه الآلية" دون تقديم مزيد من التفاصيل بشأن نطاق المحادثات أو جدولها الزمني.

وأكد مصدر سياسي إسرائيلي عقد الاجتماع وقال: إن "إسرائيل أوضحت بشكل لا لبس فيه أن أي تغيير في نشر القوات الأجنبية في سوريا، لا سيما إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر، هو خط أحمر وسيعد خرقا للقواعد".

وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان أن وفدا إسرائيليا برئاسة مستشار الأمن القومي تساحي هنجبي أجرى محادثات مع مسؤولين أتراك في أذربيجان.

من جانبه، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في 9 نيسان 2025 أن محادثات فنية تجرى في أذربيجان، وشدد على أن مثل هذه الآليات ضرورية لمنع حدوث أي سوء تفاهم بين الجانبين.

وأضاف لـ "سي.إن.إن تورك" أن المحادثات تشبه آليات تجنب الصدامات التي توصلت إليها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا.

وسيط مقبول

ودخول أذربيجان على الملف السوري لم يكن مستغربا بحكم علاقة أنقرة الجيدة مع القيادة السورية الجديدة؛ حيث إن الرئيس أحمد الشرع التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتين الأولى في أنقرة في 4 فبراير/ شباط 2025، والثانية في مؤتمر أنطاليا الأخير.

كما أن أذربيجان لها علاقة قوية مع إسرائيل حيث تعد الأخيرة هي المورد الرئيس للأسلحة إلى باكو.

ولهذا وفق الخبراء فإن أذربيجان ينظر لها من قبل سوريا وإسرائيل وتركيا على أنها “وسيط مقبول”، للتوصل إلى تفاهمات بشأن سوريا في هذه المرحلة الحساسة من إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد وتحسين واقع المواطن السوري الذي ما يزال نصف سكانه البالغ 24 مليون نسمة نازح داخليا ولاجئ في الخارج.

وسبق أن أعلن مكتب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 6 مارس 2025، وفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست"، أن بلاده منخرطة في مناقشات مع الولايات المتحدة "لإقامة أساس قوي للتعاون الثلاثي بين تل أبيب وباكو وواشنطن".

ومدت أذربيجان يدها إلى سوريا الجديدة بعد يومين من سقوط الأسد؛ حيث أعربت أذربيجان عن استعدادها "للتعاون مع  تركيا وشركائها الآخرين ذوي التوجهات المماثلة، للمساهمة في حل المشاكل الإنسانية التي يواجهها الشعب السوري".

كما أرسلت أذربيجان بنهاية ديسمبر 2024، 200 طن من المساعدات الغذائية إلى سوريا.

وحينها زار نائب وزير الخارجية الأذربيجاني يالتشين رفييف، العاصمة دمشق التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وقال: إن قضية استئناف أنشطة سفارة أذربيجان في دمشق بعد انقطاع دام 12 عاما تمت مناقشتها خلال هذا الاجتماع.

ووقتها قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية أيهان حاجي زاده للصحفيين خلال إعلانه عن توجه القافلة من بلاده إلى سوريا :"تعتزم أذربيجان دعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها. ويجرى تنفيذ هذه القضايا بالتنسيق مع تركيا. وستستمر مساعداتنا الإنسانية لسوريا".

يؤكد المراقبون أن لدى تركيا رغبة كبيرة في استقرار الأوضاع في الجارة سوريا، ومن هنا كان دخول أذربيجان على المشهد؛ إذ تعد تركيا من أكبر الداعمين للمعارضة السورية سابقا وللقيادة الجديدة في دمشق؛ حيث يثير هذا النفوذ الجديد لأنقرة في سوريا قلق إسرائيل.

ولهذا قد تلعب أذربيجان أدوارا "إيجابية" في سوريا من الناحية الاقتصادية والسياسية في هذه المرحلة وفق المراقبين، فسوريا في هذه المرحلة الانتقالية تسارع الخطى لتحسين واقع المواطنين المعيشي وتحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي يسهم في إعادة إعمار البلاد المدمرة، وجلب الدعم من الدول.

وتجتهد دمشق لاستيراد شحنات النفط الخام والمحروقات إلى البلاد لتخفيف أزمة الطاقة القاسية الناجمة عن العقوبات الغربية.

"حليف مؤهل"

وأذربيجان واحد من موردي الطاقة الرئيسين في العالم؛ حيث إن 12 دولة بما في ذلك عشرة في أوروبا، تتلقى الغاز الأذربيجاني.

منذ استقلالها عام 1991، اكتشفت أذربيجان حقولا جديدة للنفط والغاز الطبيعي تحت بحر قزوين، وبمساعدة شركات عالمية، ركزت اقتصادها بشكل أكبر على الهيدروكربونات، التي تُمثل اليوم جزءا كبيرا من الناتج الاقتصادي للبلاد ونسبة كبيرة من إيرادات الدولة.

وفي هذا السياق، قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان: "هناك دور كبير جدا يمكن أن تقوم به دولة أذربيجان على مستويين في سوريا، الأول على مستوى الريادة في قطاعي النفط والغاز وهي بشكل رئيس حليف مؤهل في بناء الدولة السورية والاستثمار في قطاع الطاقة في لخدمة الشعب السوري". 

وأضاف علوان  لـ "الاستقلال" "الجانب الثاني هو الاستثمار السياسي حيث يمكن الاستفادة الكبرى من العلاقات الأذربيجانية المميزة والمتينة مع تركيا بحكم أن أنقرة داعمة للاستقرار في سوريا".

"وبالتالي سيكون لباكو دور مهم في إقناع إسرائيل وهي حليفة لأذربيجان في أن يتم الوصول إلى وقف إطلاق نار من جديد في سوريا والالتزام بالاتفاقيات السابقة التي انتهكتها إسرائيل عقب سقوط الأسد وتحديدا اتفاقية فض الاشتباك أو صياغة اتفاقيات جديدة تضمن عدم اعتداء إسرائيل على سيادة سوريا والأراضي السورية".

وأوضح علوان أن "الوسيط لبناء علاقة إستراتيجية بين أذربيجان وسوريا هو تركيا التي يجمعها تحالف مميز مع باكو".

وهناك تعاون في مجال الطاقة بين تركيا وأذربيجان والذي يعد حجر الزاوية في العلاقات الثنائية.

وفي خطوة تدل على التزام أعمق بتكامل الطاقة فقد دخلت اتفاقية تعاون تاريخية في مجال الغاز الطبيعي حيز التنفيذ في 5 مارس 2025 بين تركيا وأذربيجان والتي تسهل هذه الاتفاقية نقل كميات إضافية من الغاز الأذربيجاني من منطقة بحر قزوين إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب موسعة.

بينما تُعد أذربيجان المورد الرئيس للنفط إلى إسرائيل؛ حيث تؤمّن ما يصل إلى 40 بالمئة من إجمالي وارداتها النفطية، ولم توقف شحناتها حتى خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي مؤشر على تعميق العلاقات، استحوذت شركة النفط الوطنية الأذرية "سوكار" أخيرا على حصة بنسبة 10 بالمئة في حقل "تمار" الإسرائيلي للغاز البحري.

ولهذا بحسب ما نقل موقع ميدل إيست آي عن مسؤول تركي قوله: إنه "إذا تطورت علاقة عمل أوثق بين أذربيجان وسوريا، فقد يساعد ذلك دمشق على تخفيف المخاوف الإسرائيلية بشأن الحكومة الانتقالية الجديدة".