يشوهون السياحة.. لماذا يصمت نظام السيسي على خيّالة وجمّالة الأهرامات؟

داود علي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حالة شغب وفوضى شهدتها منطقة الأهرام الأثرية بمحافظة الجيزة المصرية، في 8 أبريل/نيسان 2025 على يد "الخيالة والجمالة" بعدما هاجموا حافلات سياحية واعتدوا بالضرب على السائقين والمرشدين السياحيين، تحت نظر الضباط وأفراد الأمن المعنيين بحراسة المكان. 

ويعد "الخيالة والجمالة" الفئة المسؤولة عن تأجير الخيل والجمال للسياح، وهم أيضا الذين يتولون الجولة السياحية داخل هضبة الهرم عن طريق العربات المجرورة بالخيل، أو ما يطلق عليه باللهجة الشعبية المصرية "الحنطور".

وتلك المجموعة برُمّتها تنتمي إلى منطقة "نزلة السمان" الشعبية بالهرم، التي تمثل محيط الأهرامات، وكثيرا ما كانت تجرى مداولات ومطالبات برلمانية بإعادة ترميمها وفصلها عن الأهرام. 

خاصة أن الأهرام أهم معلم أثري مصري على الإطلاق، ويبلغ عدد زوارها سنويا من جميع أنحاء العالم نحو 2.5 مليون سائح، بحسب تصريح وزير السياحة المصري أحمد عيسى، خلال عام 2024.

لذلك فإن وجود أعمال شغب وفوضى هناك، يترك أثرا سلبيا على السياحة في عموم البلاد، خاصة مع تواصل الشكاوى منذ سنوات عن مضايقة “الخيالة والجمالة” للسياح واستغلالهم، بالتواطؤ مع بعض عناصر الأجهزة الأمنية مثل أمناء الشرطة.

فشل اليوم التجريبي

بدأت الأزمة خلال اليوم الأول للتشغيل التجريبي لمشروع تطوير منطقة هضبة الهرم، الذي تشرف عليه شركة "أوراسكوم بيراميدز" التابعة لرجل الأعمال نجيب ساويرس.

وهو مشروع تجريه الشركة بالتعاون مع الحكومة المصرية؛ بهدف تحسين البنية التحتية للموقع وتقديم تجربة سياحية تحافظ على البيئة وتعزز صورة مصر الحضارية.

الملامح الأولى للمشروع تتمثل في غلق المدخل الحالي (بجوار فندق مينا هاوس)، وإدخال السياح والزائرين من مدخل جديد عبر بوابة الفيوم.

وسيكون الدخول بواسطة حافلات كهربائية، تمر على سبع محطات، لزيارة جميع الأماكن الأثرية بالمنطقة بطريقة منظمة. 

وستكون أسعار الحافلات موحدة، مع تخصيص منطقة خاصة للجمال والخيل، وإخضاع الجمالة لدورات تدريبية حول كيفية التعامل مع السياح. 

وفي صباح 8 أبريل، ومع بداية دخول الحافلات إلى هضبة الهرم، تجمهر الخيالة والهجانة أمام المدخل الجديد على طريق الفيوم وقطعوا الطريق، وعطلوا حركة الحافلات الكهربائية والزائرين، وسط هتافات احتجاجية، بالتزامن مع الاعتداء على الموظفين والمرشدين الموجودين.

غضب واستياء

حينها أصدرت شركة "أوراسكوم بيراميدز" بيانا، عبرت فيه عن غضبها مما جرى، وأكدت تعرض موظفيها للاعتداء اللفظي والجسدي.

وذكرت أنه جرت محاولات لتخريب السيارات الخاصة بهم "أمام أعين الجهات الأمنية دون تدخل حاسم"، ما عدته تهديدا مباشرا للمشروع برُمّته، وللسياحة في مصر بشكل عام. 

وغرد عبر حسابه بموقع “إكس” رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، قائلا: “إن رفضهم الذهاب لمنطقة التريض وتعطيل خط سير أتوبيسات السياحة المستمر وروث الخيل والجمال ومخلفاتهم بروائح كريهة التي تسيء وتلوث أهم معلم أثري في العالم تجعل الزيارة تجربة سيئة للغاية”. 

وأوضح: “الحل أنهم يجب أن يذهبوا إلى منطقة التريض كما خططت الدولة ويبتعدوا عن المسار الإسفلتي للأتوبيسات لعدم تعطيل السياح وفي حالة الرفض يمنعون تماما حفاظا على هذه المنطقة التاريخية، الصالح العام أهم من 2000 شخص ظلوا سنين يسيئون لبلدهم”.

وعلق المرشد السياحي عبد الرحيم ريحان، في تدوينة عبر "فيسبوك"، قال فيها: "لم يؤخذ رأي الزائرين المحليين والأجانب أو المرشدين السياحيين أو الآثاريين في طريقة إدارة المنطقة الأثرية". 

وتابع: "هذه أوليات مادة إدارة المواقع الأثرية التي تدرس لطلاب الآثار بالجامعات وتقارن ذلك بخطة إدارة وادي الملوك التي نفذت منذ 15 عاما ولم تشهد في بداية تطبيقها ما شهدته منطقة الهرم أمس (8 أبريل)".

وأكمل متهما الحكومة المصرية بالتقصير وعدم التخطيط، قائلا: "هذا هو الفرق بين خطة إدارة الموقع الأثري التي تحترم ثقافة المتعاملين مع الموقع (استشهد بعالمة المصريات مونيكا حنا) وخطة تمت بدون مراعاة لهذه الجوانب". 

وقال: إن “مشكلة الخيالة والجمالة قائمة منذ 110 أعوام”، مبينا أن هضبة الجيزة هي واحدة من سبل العيش الرئيسة لأفراد المجتمع بنزلة السمان وبسبب سلوكهم وغياب خطط إدارة الموقع الأثري تحدث المشاكل بالمنطقة".

وأضاف: "السور الذي بني للحماية الأمنية تحول إلى جدار نفسي يفصل بين المجتمع المحلي وصناع القرار". 

وأوضح أنه "بالرغم من الافتقار إلى التواصل مع المجتمع لا تزال محافظة الجيزة تصدر التصاريح للإسطبلات وفرسان الخيول والجمال بنفس المعدل دون إشراف". 

مطالبة بالإزالة 

وبدوره، طالب عمرو جزارين، رئيس مجلس إدارة شركة "أوراسكوم بيراميدز"، بإزالة منطقة الخيالة والجمالة من هضبة الهرم. 

وقال وفي حديث مع قناة "إم بي سي مصر" السعودية: "المشكلة معروفة للجميع ومعقدة نظرا لاستمرارها لسنوات طويلة ولتشابك المصالح"، دون تفاصيل.

وأكمل أن: "الدولة المصرية قوية، والتغيير يحتاج شجاعة، وتطوير ورفع الأداء سيستمر كل يوم للوصول للحل الأمثل".

فيما علق أستاذ المصريات بقسم الآثار كلية الآداب جامعة دمنهور “مجدي تراب”، على الواقعة، قائلا: "بلطجية نزلة السمان، وخفافيش الأهرامات.. لن تستقيم السياحة في مصر بوجودهم".

ونوقشت أزمة الخيالة والجمالة ونزلة السمان عموما، في طلبات برلمانية سابقة. ففي 24 فبراير/ شباط 2019، تقدمت البرلمانية المصرية غادة عجمي، بطلب إحاطة عن المشكلة.

وكان الطلب موجها إلى وزير الآثار آنذاك خالد العناني، ووزيرة السياحة وقتها رانيا المشاط، وجاء فيه أن "منطقة الأهرامات الأثرية تشهد حالة من الإهمال الملحوظ، والسلوك غير اللائق، والذي من شأنه إثارة الذعر والريبة في نفس الزائر، سواء كان مصريا أو أجنبيا". 

ورأت أن "المنطقة أصبحت مرتعا لأعمال البلطجة والتحرش، نتيجة عدم تدخل أفراد الأمن رغم وجودهم".

وأضافت البرلمانية المصرية في طلبها، أن "منطقة الأهرامات تعد من أبرز المزارات السياحية في البلاد، لكنها تحولت إلى مكان يؤوي البلطجية، ومعتادي السرقات، ما تسبب في انتشار وقائع التعدي على السائحين".

وبينت أن "أصحاب الجمال والخيول يتصرفون بشكل مؤذٍ وغير لائق مع الأجانب في منطقة نزلة السمان، ويحاولون إجبارهم على ركوبها، وتقاضي الأموال نظير ذلك".

وفي رد فعل حكومي على الأزمة أقر وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، في 10 أبريل 2025، بالخطأ، مؤكدا أن تلك الواقعة لن تتكرر مستقبلا.

وقال في تصريحات لوسائل الإعلام: إن المشكلة وقعت خلال عملية التشغيل التجريبي لخط النقل في تلك المنطقة الأثرية، وأن الحكومة عازمة على تنفيذ عملية التطوير وفق رؤية متعددة الأبعاد، منها جزء خاص بتحركات السائحين داخل الأهرامات".

أصحاب موقعة الجمل

 ومرت منطقة نزلة السمان بأحداث كثيرة تتعلق بمحاولة تنظيمهم والحد من سطوتهم ونفوذهم داخل هضبة الهرم السياحية. 

ففي عام 1999، اتخذ المجلس الأعلى للآثار إجراءات قانونية ضد جميع سكان نزلة السمان عبر المحكمة. 

وكان الإجراء أن جميع الأراضي الواقعة شرق الهضبة والتي تبلغ مساحتها 3 كيلومترات مربعة تابعة للمجلس الأعلى للآثار وفقا للقانون 18 لسنة 1999. 

ونص القانون على وجوب وجود مساحة تساوي 3 كيلومترات كنصف قطر للدائرة المحيطة بأي موقع أثري في مصر، إلا أن أعضاء مجلس النواب من نزلة السمان نجحوا في وقف تنفيذ القرار القانوني.

وفي السنوات التي تلت ذلك، رفع سكان نزلة السمان أكثر من 700 دعوى قضائية ضد المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة لإبطال القرار القانوني المستند إلى قرار تراخيص البناء لعام 1984 في المنطقة.

وخلال عام 2002 شيدت الهيئة العليا للآثار جدارا لفصل زحف نزلة السمان وتنظيم دخول راكبي الخيول والحمير والجمال وأيضا لحماية المركز الأميركي للبحوث في مصر (ARCE)، الذي يقع على تخوم مدخل هضبة الهرم، ويعمل في التنقيب وبحث آثار تلك المنطقة وما حولها.

حينها اعترض منظمو الخيالة والجمالة، لكن مجلس النواب أيّد حماية الموقع الأثري آنذاك فتمّ تشييد الجدار الذي وفر الحماية للمنطقة الأثرية. 

لكنه مع ذلك لم يعمل على تنمية مجتمع نزلة السمان مما أدى إلى ازدياد السلوكيات العدوانية وارتفاع معدلات الجريمة ضد زوار هضبة الهرم في ذلك الوقت.

ومع ذلك فلا ينسى التاريخ المصري الحديث، دور خيالة وجمالة نزلة السمان في موقعة الجمل الشهيرة خلال أحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

ففي يوم 2 فبراير انطلقت مجموعات الخيالة والجمالة من الأهرامات إلى ميدان التحرير؛ لأن أعضاء مجلس الشعب أقنعوهم بأنهم إذا تخلصوا من المتظاهرين فسيجبرون الحكومة على هدم الجدار، ليكون لهم التجول بحرية في هضبة الهرم.

وبالفعل اقتحموا الميدان على ظهور الخيل والجمال محملين بالأسلحة، ما أدى إلى وقوع قتلى وإصابات في ذلك اليوم. 

وقد جسد فيلم "بعد الموقعة" الذي صدر في 19 سبتمبر/ أيلول 2012، للمخرج الشهير يسري نصر الله، وعرض في مهرجان كان السينمائي معضلة هذا المجتمع، بداية من أزمته المتعلقة بشرعية وجوده ونفوذه في منطقة الهرم، وصولا إلى استغلاله سياسيا على يد الحكومة والأجهزة الأمنية.

جرائم متعددة

وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت منطقة هضبة الهرم جرائم متنوعة تعرض لها السياح على يد بعض الخيالة والجمالة. 

وصل الأمر أنه في 11 يونيو/ حزيران 2013، أصدرت السفارة الأميركية في القاهرة بيانا تحذر فيه مواطنيها ورعاياها داخل مصر من الاقتراب من منطقة الأهرامات بالجيزة.

واتخذت السفارة الإجراء، بعد وقوع عدة حوادث عنف غير مبررة لبعض الأفواج السياحية، مضيفة أنها لاحظت وجود "أفراد غاضبين" يحيطون بسيارات الأفواج السياحية الأميركية بمنطقة الأهرام.

بل ووصل الأمر بحسب بيان السفارة، إلى محاولة فتح أبواب تلك السيارات بالقوة وإجبار السياح على النزول وركوب الجمال. 

وفي عام 2018، تعرضت سائحة لبنانية للتحرش الجنسي، في شوارع مصر عموما، وفي منطقة الهرم بشكل خاص، ووثقت ذلك عبر مقطع مصور، وذكرت فيه أصحاب عربات الخيول.

لكن بدلا من أن تحقق السلطات في الأمر، جرت إحالتها لمحاكمة عاجلة بتهمة الإساءة لمصر، قبل أن تتدخل السلطات اللبنانية لحل المشكلة ويجرى ترحيل السائحة.

وقد أثار مقطع فيديو وثقه مواطن مصري في الثاني من مايو/أيار 2022، في منطقة هضبة الهرم، هزة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأظهر المقطع تحرش عشرات من الشباب (غير معلوم لأي مكان ينتمون) بسائحات أجنبيات ومضايقتهن.

ورصد الفيديو الذي جرى تداوله على نطاق واسع، لحظة محاولة فتيات أجنبيات الفرار إثر تعرض عدد من الأشخاص لهن ومحاولة ملامسة أجسادهن وتصويرهن دون إرادتهن. 

تلك الحوادث دفعت برلمانيين وقائمين على السياحة للمطالبة بإعادة هيكلة المنظومة في منطقة الأهرام التي يفد إليها قطاع كبير من السياح، ومنهم من يرسم صورة عامة لمصر من خلالها.