تصفيات جسدية خارج القانون.. هكذا انهارت شرعية نظام السيسي في أعين المصريين

"الأوضاع تغلي وما يحدث ينذر بكارثة حتمية"
عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر، وضمن سياسة "الصدمة والترويع" التي اتبعتها أجهزة السلطة العسكرية والشرطية، لردع أي تصدّ شعبي للانقلاب، كان أسلوب "التصفية الجسدية" المباشر حاضرا بقوة بدل المحاكمات.
هذا الأسلوب جاء بتفويض كامل وموثق بالفيديو لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ولا يزال متبعا في حالات اعتقالات عديدة، وادعاء أن من قتلوا كانوا في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، ونادرا ما كان بينهم مصابون.
ووثقت منظمات حقوقية العديد من هذه الحالات منذ 2013، وسط إفلات من العقاب، منسق مع الأجهزة النيابية والقضائية، آخرها في أبريل/ نيسان 2025 بتصفية شابين في مدينة مرسى مطروح.
وتشهد محافظة مطروح تصعيدا بين الأهالي (القبائل) وقوات الأمن، بعد سلسلة من عمليات القتل والتصفية الجسدية، التي نفذتها الشرطة في أكثر من مناسبة، بحجج مختلفة.
خارج القانون
ولم تكد واقعة قتل الشرطة شابين في مرسى مطروح، تهدأ، حتى تم الكشف عن قتل شاب آخر يدعى محمود أسعد داخل قسم الخليفة بالقاهرة نتيجة التعذيب، بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، ونشر ذووه فيديو يبيّن آثار التعذيب الواضحة على جسده.
ووفقا لروايات شهود عيان ومحامين ونواب من المحافظة، تحدث بعضهم عبر فيديوهات أو تعليقات على منصات التواصل الاجتماعي، "ما جرى يتعارض تماما مع الرواية الرسمية"، التي وصفوها بـ"الكذب".
سواء في أحداث النجيلة بمرسى مطروح أو حي الوراق أو حرب الأيام الثلاثة بين الأمن المصري وعائلة "محسوب" في أسيوط، أو غيرها.
فقد بدأت الأزمة بمحاولة الشرطة القبض على شخص يدعى فايز عميرة، صادر بحقه حكم مؤبد غيابيا في قضية اتجار بالمخدرات، داخل منزل ابن عمه حميد عميرة.
وحين توجهت قوة من ضابط وخمسة أمناء شرطة إلى القرية فجرا، وتسللوا إلى منزل المتهمين، واقتحموه، وقع اشتباك مسلح، أسفر عن مقتل ثلاثة من أمناء الشرطة فيما تمكن المتهمان من الفرار إلى ليبيا التي تقع على حدود مرسى مطروح.
ولأن الواقعة هزت “هيبة” الشرطة، وهناك "تعليمات سرية" بقتل من يعتدي على الشرطة، خارج القانون وبدون محاكمة، منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وفق ما كشفته تقارير حقوقية، فقد هاجمت قوات أمن كبيرة القرية.
وحين لم تجد المتهمين بقتل منسوبي الشرطة الثلاثة، إثر هربهما نحو ليبيا، قامت باعتقال 24 سيدة من أسر عائلتي الهاربين وعائلات مجاورة، في محاولة أمنية، تتكرر في مصر، للضغط على المتهمين للعودة وتسليم أنفسهم.
وهو ما أثار استياء وغضب رجال القبائل الذين لم يعتادوا على هذه الممارسات التي تجرى في المدن، من احتجاز النساء، دون سند قانوني أو اتهام محدد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الانتهاكات؛ فقد سبق أن وقعت حادثة مشابهة في مركز شرطة النجيلة، عندما ألقت قوات الأمن القبض على سيدات من العائلات واحتجزتهن خلال مارس/ آذار 2023، في قضايا مشابهة.
ونقل موقع "زاوية ثالثة" المحلي في 11 أبريل 2025، عن شهود عيان، قولهم: إن قوات الأمن اقتحمت منازل الأهالي فجرا واحتجزت 24 سيدة من كبار السن، من أقارب المتهمين.
وسعت قيادات قبلية، ونواب ومسؤولون للتوسط مع وزارة الداخلية، لإطلاق النساء المعتقلات، واقترحوا تسليم شابين من أقارب المتهمين تشتبه الشرطة أنهما يعرفان تفاصيل عن واقعة قتل أمناء الشرطة الثلاثة.
وكان التعهد الذي أبلغه ضباط أمن الدولة (الأمن الوطني) لهؤلاء الوسطاء، هو أنه سيتم تسلم الشابين إلى الأمن الوطني لأخذ أقوالهم، وتركهما لو ثبت عدم وجود علاقة لهم بما جرى، أو تقديمهما للمحاكمة.
ولكن، بحسب شهود، فإن الشابين نقلا إلى منطقة صحراوية وأُجبرا على الجري قبل إطلاق الرصاص عليهما، في واقعة وصفتها القبائل بأنها "قتل خارج إطار القانون".
تصفية جسدية
ما حدث كان صدمة كبيرة للقبيلة، التي فوجئت بتصفية الشابين الطالبين، يوسف عيد السرحاني وفرج رياش الفزاري، بعد تسليمهما طواعية إلى ضابط في الأمن.
وحاولت الشرطة تزوير الحقيقة، عبر بيانيين مختلفين، الأول ينفي احتجاز سيدات على خلفية مقتل أفراد من مديرية مطروح، وتهديد من يكتبون عن ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
والثاني بالزعم أنه حال ضبطهما (مع أنه تم تسليمهما سلميا) "أسفر تبادل إطلاق النيران معهما عن مصرعهما وبحوزتهما (2 بندقية آلية – كمية من الطلقات)".
وحظي البيانان بكمية تعليقات غاضبة، نفوا وكذبوا رواية الشرطة، واتهموا وزارة الداخلية بقتل العديد من المصريين خارج نطاق القانون.
واعتادت الشرطة منذ انقلاب يوليو 2013، على إصدار بيانات تتضمن عبارة "تصفية المتهمين"، وهي عبارة تشير للتشفي والقتل المباشر، لا الاشتباك والاضطرار للقتل.
وقد أكد شهود عيان من مرسى مطروح أن "رواية وزارة الداخلية في كل مراحلها كانت غير صحيحة وهو ما خلق حالة من الغليان المجتمعي تجاه خطف النساء وقتل الأبرياء للتغطية على عجزها في القبض على القاتل".
وكانت شهادة الوسيط، نصر الله جميل المعبدي، الذي قام بتسليم الشابين المغدورين في مطروح للأمن الوطني، حاسمة، حيث أكد حصوله على وعد من مدير الأمن الوطني بسلامتهما، لكنه فوجئ بنبأ تصفيتهما، دون أي اشتباك مزعوم.
وأكد، في بث فيديو، أنهم وعدوه، بإطلاق سراح الشابين، إذا ثبت عدم مسؤوليتهما عن قتل رجال الشرطة، أو محاسبتهما قانونيا حال ثبوت التهمة، لكنه فوجئ بالفاجعة، وهي قتلهما أثناء وجودهما بحوزة الشرطة.
وأيد نقيب المحامين الأسبق وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن سيدات مطروح، ممدوح دربالة، رواية التصفية، مؤكدا أن "الصدمة الكبرى كانت بعد أن قامت قوات الشرطة باصطحاب الشابين، إلى طريق السلوم وإطلاق النار عليهما وتصفيتهما".
وقال لموقع "زاوية ثالثة"، إن ذلك تم "خارج إطار القانون، رغم أنهما أبرياء والجميع يعلم ذلك، ما أشعل حالة الغضب بين الأهالي".
تداعيات خطيرة
كان من الممكن أن تمر جريمة تصفية شباب مطروح مثلما مرت غيرها من حالات التصفية الجسدية لمئات المصريين، لولا أنه يقف خلفه قبائل كبيرة، طالبت بحقهم، وبسبب أكاذيب الداخلية أعلنوا مقاطعتها وضرورة عقاب من قتلوهما.
وعلّق مجلس العمد والمشايخ بمحافظة مطروح، في 12 أبريل 2025، جميع أشكال التعامل والتعاون مع أجهزة الشرطة بالمحافظة لحين كشف حقيقة قتل شابين "خارج إطار القانون"، حسب وصف بيان القبائل.
واستنكر المجلس لجوء قوات الشرطة إلى احتجاز النساء واستخدامهن "رهائن"، مؤكدا رفضه الكامل لـ"مثل هذه الممارسات الغريبة" على الأعراف والتقاليد.
وزاد الضغط على السلطة بعد إعلان قبائل الإسكندرية والبحيرة تضامنهم مع شيوخ وعمد مطروح في أزمتهم مع الشرطة جراء مقتل شخصين من أبناء المحافظة.
وطالبت نقابة المحامين بمطروح النائب العام المستشار محمد شوقي بالتحقيق في الواقعة، وهو ما بدأ، رغم ضغوط الشرطة لمنعه التحقيق مع أفرادها، بسبب ورطة وقوف القبائل ونقابة المحامين معا ضدها، ومخاطر الانفجار الأمني.
بسبب تزايد حوادث التصفية الجسدية لمصريين من جانب أجهزة الأمن، وامتداد تأثير هذه التصفيات لتجمعات سكنية كبيرة، أو قبلية ذات قاعدة شعبية قوية ومسلحة، حذر ثلاثة حقوقيين ومحللين من تداعيات خطيرة محتملة لما جرى.
وأكدوا لـ"الاستقلال"، أن هذه الانتهاكات المتتالية تؤدي إلى خسارة شرعية أجهزة الدولة أمام المصريين، ما قد يفتح مجالا للعنف والثورة، خصوصا أن هذه الحادثة واكبها رفع أسعار الوقود للمرة الـ19 خلال 6 سنوات، وسط غضب شعبي.
ورأوا، مفضلين عدم ذكر أسمائهم، أن "كذب" الشرطة والنظام المستمر في وقائع مثبتة ولا تحتاج إلى دليل، مثل واقعة تصفية الشابين في مطروح، يُفقد المواطنين في مناطق عديدة ثقتهم في النظام الحاكم، فيصبح بلا شرعية في نظرهم.
ووصفوا تزايد الإجراءات الأمنية القمعية العشوائية، من أخذ نساء رهائن واغتيال شباب وتصفية مرضى داخل السجون بالإهمال الطبي، يؤشر على غياب القانون والشرعية ويدفع البعض للبحث عن العدالة بطرق أخرى.
وشددوا على أن الخطورة تنبع من أن ما يحدث يجري في المناطق الحدودية كمرسى مطروح، والنجيلة، وبراني، ومحيط رأس الحكمة، وهي مناطق تشهد توترات حادة وصدامات مع الجيش والشرطة باستمرار.
وجزء منها بسبب طردهم من منازلهم وبيع أراضيهم للإمارات لإقامة مشاريع سياحية للأثرياء هناك، واستمرار الضغط عليهم أمنيا بقضايا تهريب واعتقال وبطش وفساد، ما يعجل بانفجار داخلي.
انتهاكات جسيمة
ووصف الباحث في الدراسات الأمنية، أحمد مولانا، عبر منصة “إكس” في 12 أبريل، تصاعد الغضب ضد الشرطة في مرسى مطروح، وتكرار اشتباكها مع المواطنين في جزيرة الوراق، بأنه "يجسد حالة انهيار شرعية النظام في حس شرائح متنوعة من المواطنين".
فيما طالبت رئيسة حزب الدستور الليبرالي، جميلة إسماعيل، بـ"وقف فوري للتعامل الأمني الخشن"، وبدء حوار جاد وشفاف مع أهالي المناطق المتوترة مثل الوراق، والنجيلة والضبعة ورأس الحكمة، احتراما لحقوق المواطنين، وضمانا للاستقرار.
نقيب المحامين وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن سيدات مطروح، ممدوح دربالة، أكد لموقع "زاوية ثالثة"، أن "الأوضاع تغلي وما يحدث ينذر بكارثة حتمية".
وأوضح أنه "بينما رغب بعض الأهالي في سلك مسلك القانون والتقدم ببلاغ رسمي للنائب العام، أصر آخرون على الذهاب للقاء قائد المنطقة العسكرية، وحذر من عواقب ما سماه "قتل الوطن في نفوس أبنائه"، وثمار ذلك السلبية.
وتساءل موقع "الموقف المصري" اليساري: “هل تحولت الشرطة المصرية إلى عصابة بعد تصفية شابين في مطروح على يد الداخلية؟”
وذكر في مقال رأي أن "سمعة الشرطة والقضاء المصري لا يبشران بخير"؛ لأن كل المصادر غير الحكومية في مطروح من مؤسسات المجتمع الأهلي وشهادات الأهالي أكدت أن الشرطة "اختطفت" الشابين بدون مبرر قانوني، وقامت بتصفيتهما.
وأكد أن "الرئيس الحالي ونظامه يستخدم الشرطة، منذ صعودهم (للحكم) كأداة لإرهاب المجتمع وتخويفه؛ لأنه (الرئيس) تسكنه طول الوقت هواجس غياب الشرعية ورفض مكونات اجتماعية واسعة لنظامه".
وعلى مدار العقد الماضي، واجهت وزارة داخلية النظام اتهامات متكررة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفقا لتقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية.
ومن أبرز الانتهاكات، استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وقتل المئات منهم، وممارسة التعذيب داخل مقرات الأمن الوطني، والإخفاء القسري الذي طال آلاف المصريين.
كما شهدت البلاد تنفيذ أحكام إعدام جماعية بحق معتقلين سياسيين بعد محاكمات غير عادلة، وتدهور أوضاع السجون، التي يعاني المعتقلون داخلها من الاكتظاظ وسوء الرعاية الصحية والإهمال الطبي.
وتؤكد المنظمات الحقوقية أن هذه التجاوزات أصبحت منهجية وشاملة، في ظل غياب المساءلة الفعالة للجهات الأمنية.
وفي 7 سبتمبر/ أيلول 2021، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قوات الأمن المصرية، بالتورط في عمليات قتل مشبوهة، وإعدامات خارج القضاء، وطالبت دول العالم بوقف تصدير الأسلحة إليها وفرض عقوبات.
وقالت المنظمة: "بذریعة مكافحة الإرھاب، سمحت حكومة السیسي فعلیا، لشرطة وزارة الداخلیة، وقطاع الأمن الوطني، بإطلاق عنانھا لقمع جمیع أشكال المعارضة، بما في ذلك المعارضة السلمیة".
وأكدت في تقريرها، أن عناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني التابعين لوزارة الداخلية قتلوا في السنوات الأخيرة، العشرات "في إعدامات غير قانونية خارج نطاق القضاء".