عار سيسجله التاريخ.. مصر تفتح سيناء للإسرائيليين وتغلق رفح في وجه الفلسطينيين

بدأ التدفق اليهودي برغم التوتر الظاهري في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب
مفارقة غريبة يشهدها عيد الفصح اليهودي هذا العام؛ تتمثل في فتح مصر معبر طابا وكل سيناء أمام آلاف الإسرائيليين للاحتفال في "أرض أجدادهم" كما يقولون، بينما يغلق معبر رفح في وجه المساعدات لأهل غزة، رغم التجويع والقتل.
ومع دخول عيد الفصح اليهودي (7 أيام من 13 حتى 20 أبريل/نيسان) شهدت بوابات معبر طابا للقادمين من إيلات تزاحما غير عادي لقضاء اليهود للعيد في سيناء بأرخص الأسعار، ودون معاناة تفتيش أو إهانة كما يحدث لمصريين يرغبون في الدخول لنفس المكان.
القناة 12 العبرية كشفت في 9 أبريل 2025، أن 40 ألف مستوطن سيعبرون معبر طابا باتجاه سيناء لقضاء عطلة "عيد الفصح" العبري، كعادتهم كل عام، رغم تحذيرات الأمن القومي الإسرائيلي من مخاطر محتملة.
وذلك بتقدير أن سيناء لها أهمية توراتية كما أن أسعارها رخيصة، ومنطقة إيلات السياحية لا تزال مهجورة بفعل صواريخ المقاومة والحوثيين.
وبدأ هذا التدفق اليهودي، برغم التوتر الظاهري في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب على خلفية احتلال الجيش الإسرائيلي معبر رفح وتوسيع المنطقة العازلة بين مصر وغزة وانتقاد تل أبيب نشر قوات ومعدات في سيناء.
سماح السلطات المصرية بدخول يهود إسرائيل لسيناء، في ظل المجازر التي ينفذها الاحتلال في غزة، والإبادة الجماعية، تثير غضب المصريين، خاصة أن القاهرة تستجيب أيضا لطلب تل أبيب منع دخول حبة قمح للقطاع المحاصر من معبر رفح.
ويستمر العيد أسبوعا، يتذكر فيه اليهود خروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية، بحسب معتقداتهم، لكن كثيرا منهم يحولون سيناء لمراقص وحفلات غناء وعربدة، يشكو منها أهالي جنوب شبه الجزيرة.

استفزاز كل عام
ومع اقتراب عيد الفصح اليهودي كل عام، تبدأ إجراءات أمنية مكثفة في سيناء عموما وطابا وشرم الشيخ خصوصا، في ظل اتفاق سابق مع الاحتلال منذ عام 2021 على ذلك، استعدادا لوصول آلاف الإسرائيليين للاحتفال بأعيادهم في أرض شبه الجزيرة، بحسب مصادر مصرية لـ "الاستقلال".
المصادر العاملة في سيناء، أكدت أن الاستعدادات المكثفة شملت طرفي إدارة معبر طابا في الجانب الإسرائيلي والمصري، بسبب ازدحام اليهود الذين يتدفقون ويدخلون بلا تأشيرة، وبمقابل بسيط يعادل أقل من 10 دولارات، فيما يحضرون معهم طعامهم.
ومع أن أغلب القادمين هم يهود إسرائيليون، تزعم المصادر الأمنية المصرية، أنه يذهب لطابا أيضا "عدة عائلات فلسطينية من فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948".
وهو ما تقول مجموعات "المقاطعة" إنه محاولة مصرية للتهوين من كارثة استقبال الإسرائيليين والتخفيف من حقيقة فتح مصر لهم معبر طابا مقابل غلق معبر رفح في وجه الفلسطينيين الذين يتعرضون للإبادة، وفق مصدر في إحدى حملات المقاطعة لـ "الاستقلال".
وكان مسؤول أمني مصري قال لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية 11 أبريل: إن "معظم من يأتون إلى سيناء -إن لم يكن جميعهم- هم من عرب 48، ويفضلون قضاء عطلاتهم في طابا ودهب ونويبع".
لكنه عاد ليؤكد أن "توافد السياح الإسرائيليين على سيناء لم يتوقف"، وقال: إنه "يتم التعامل معهم مثل غيرهم من السائحين القادمين من جميع الدول".
والمفارقة أنه رغم أن تقديرات إسرائيلية أظهرت أن عدد من زاروا سيناء وطابا في عيد الفصح لعام 2024، كانوا قرابة 20 ألفا، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن عددهم المقدر هذا العام تضاعف إلى 40 ألفا.
وأكدت القناة الإسرائيلية في لقاءات مع بعض المسافرين الإسرائيليين إلى مصر، أنهم عبروا عن شعورهم بالاستمتاع لقضاء تلك العطلة السنوية في سيناء على وجه الخصوص التي يرون أن “لها خصوصية (دينية) كبيرة لديهم”.
وتقول صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية 3 أبريل 2025: إن "الاحتفال بعيد الفصح هو احتفاء بخروج اليهود من مصر، حين تركوا عبوديتهم في مصر ووصولهم في النهاية إلى صحراء سيناء؛ حيث بدأوا رحلتهم التي استمرت أربعين عاما إلى أرض إسرائيل".
وهو ما يجعل رحلات الكثير منهم لسيناء للاحتفال بالعيد دينية أكثر منها مناسبة اجتماعية.
وأكدت صحيفة "إسرائيل هيوم"، 8 أبريل، أن آلاف الإسرائيليين لا يزالون يعدون سيناء وجهة مفضلة لقضاء الإجازات، رغم الحرب في غزة ورفع مستويات التحذير من السفر.
وشددت على أن سيناء استقبلت خلال مارس/آذار 2025 فقط نحو 25 ألف إسرائيلي لقضاء العيد (بخلاف من تدفقوا لاحقا في أبريل).
وقالت “رابطة المصريين في إسرائيل” (حساب يُعتقد أنه يديره جهاز الموساد- الاستخبارات الإسرائيلي) على فيسبوك: إن تدفق الإسرائيليين جاء "رغم تحذير السفر الصارم من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي".
وأوضحت أنه "يحق للإسرائيلي دخول جنوب سيناء دون فيزا، وكذلك المواطن المصري دخول إيلات بدون فيزا طبقا لاتفاقية السلام بين الدولتين".
ولا يحتاج الإسرائيليون إلى تأشيرة لدخول مصر إذا وصلوا عبر معبر طابا، وعليهم فقط دفع رسوم دخول تعادل قرابة 9 دولارات فقط تشمل دخولهم سيناء ثم عودتهم إلى إيلات.
بينما يحتاج المصري الراغب في دخول نفس المناطق للمرور من قرابة 10 كمائن أمنية وعمليات تفتيش وربما عدم السماح بالمرور، وفق ما يشكو مصريون على مواقع التواصل.
ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، يدخل السياح الإسرائيليون إلى سيناء بدون تأشيرة سفر، وكثيرا ما يصلون إلى مصر عبر المنافذ الحدودية البرية، وبالأخص معبر طابا.
ويُغضب ذلك المصريين الذين يشتكون من صعوبة الوصول لسيناء بسبب القيود الأمنية وإعادتهم أو اعتقال بعض من يحاولون دخولها بحجة "أسباب أمنية".
رحلات مستمرة
وغالبا ما تنظم شركات السياحة الإسرائيلية رحلات لهؤلاء الصهاينة يصاحبها احتفالات فنية ودخول فرق موسيقية.
وسبق أن أقيمت في أعوام سابقة مهرجانات رقص وغناء لقيت رواجا بين الإسرائيليين وأثارت غضب المصريين، لكنها تراجعت نسبيا بعد حرب غزة.
وتتزامن احتفالات اليهود في سيناء بعيدهم في أبريل من كل عام مع احتفال المصريين في 25 من نفس الشهر، بذكرى استرداد طابا وقلعة صلاح الدين.
وخلال أعوام 2021 و2022 و2023، نظمت شركتان إسرائيليتان هما "وي غراوندد" We Grounded و"نابيا" وNabia Festival مهرجانين موسيقيين في مدينتي طابا ونويبع جنوبي سيناء، بالتزامن مع عيد الفصح اليهودي، لكن في 2024، تراجعت الحفلات نسبيا.
وتصف حركة مقاطعة إسرائيل، المهرجانات الإسرائيلية التي تُنظم في سيناء بأنها تندرج تحت "باب التطبيع الثقافي الذي يستغله الاحتلال في غسيل صورته أمام العالم تحت عناوين جذابة مثل التعايش والموسيقى وغيرها".
وهذا العام، وعقب انتشار أنباء تدفق اليهود على سيناء للاحتفال فيها بعيد الفضح، انتقد مصريون حكومتهم لسماحها بدخولهم، بينما تُغلق أبواب معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، وتتكدس الشاحنات على الجانب المصري.
قالوا: "يُفتح معبر طابا على مصراعيه لاستقبال عشرات الآلاف من السياح الصهاينة، بينما يُمنع دخول المساعدات الحيوية إلى غزة، ويُحاصر أكثر من 2.2 مليون فلسطيني في ظروف معيشية كارثية".
وانتقدوا "السماح لمواطني الدولة التي تفرض هذا الحصار وتمارس حرب الإبادة بالاستمتاع بشواطئ سيناء".
وأكدوا، في شهادات عبر مواقع التواصل، أن طابا، التي لم يعد يزورها كثير من المصريين، أصبحت من كثرة توافد الإسرائيليين عليها كأنها لا تزال مُحتلة.
ولتسهيل عبور الإسرائيليين لسيناء من طابا، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، 10 أبريل أن السلطات الإسرائيلية قررت إعادة فتح الطريق السريع رقم 10، الممتد بمحاذاة الحدود المصرية، أمام حركة المرور، خلال عيد الفصح، وذلك لأول مرة منذ حرب غزة، 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وزاد الغضب هذا العام، بعد انتشار فيديو لضابط إسرائيلي يتحدث قرب الحدود المصرية قائلا: “سنحتفل مع المخطوفين (أسرى الاحتلال في غزة) في سيناء التي كنا فيها قبل ثلاثة آلاف سنة”.
قال: "نحن في ليلة عيد الفصح على حدود مصر، وسفر التكوين (أول أسفار الكتاب المقدس العبري والعهد القديم المسيحي) غيّر اسم مصر، من مصرايم إلى مصرايما، ومصرايم الحرف الأول مفتوح والحرف الأخير مغلق فهذا يعني لا يمكن الخروج، فمن يدخل لا يستطيع الخروج"!
زعم: "يقول الله من مصرايما، لم يكتف الرب بتغيير الزمن بل وضع حرف الألف في نهايته وله فتحتان ليخبرك، خذ الألف وهو الاسم وضعه في صلبه وافتحه وعندها جميع الأبواب تفتح لك بعون الله كما فعلنا قبل 3335 سنة".
وأشار الضابط الإسرائيلي إلى أنه: "سنفعل ذلك من المختطفين وسنحتفل بعيد الفصح".
ويُحتفل بالفصح لمدة سبعة أيام تخليدا لما تعده الرواية التوراتية "خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى"، قبل نحو 1300 عام قبل الميلاد.
وتشير تلك الروايات إلى أن بني إسرائيل صنعوا خلال رحلة الخروج فطيرا بلا خميرة بأمر إلهي، وهو ما يجعل أكل الخبز والمعجنات المختمرة محرمًا على اليهود خلال فترة العيد، لكنهم يحلون شرب الخمور (النبيذ) فيه.
ورغم تأكيد صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مطلع أبريل 2025، أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي حذر من السفر إلى سيناء، التي تُعد "وجهة سياحية مفضلة لدى الكثير من الإسرائيليين"، توافد آلاف منهم عليها عبر معبر طابا.
وفي أعياد سابقة، سخر مصريون عبر مواقع التواصل من دخول الإسرائيليين سيناء بأكلهم وحملهم أواني الطبخ معهم وأطلقوا على سياحتهم اسم "سياحة الحلل!!".
وهناك اتفاقات أمنية وقعتها إسرائيل مع مصر قبل بدء تدفق السياح الإسرائيليين لتعويض السياحة الروسية والأوكرانية التي تراجعت بسبب الحرب، لحماية السياح الإسرائيليين وتوفير الخدمات لهم.
كما جرى فتح مصر خط طيران مباشرا مع إسرائيل (مطار بن غوريون - إيلات) إلى شرم الشيخ لتخفيف ازدحام معبر طابا وهو ما زاد من كثافة الأعداد التي تدخل سيناء من الإسرائيليين.
وظلت سيناء محتلة من الإسرائيليين لمدة 15 عامًا، عقب حرب عام 1967، وبعد اتفاق السلام 1979 جرى فتحها مجانا لهم للسياحة مقابل سياحة المصريين في إسرائيل.

ماذا يحدث بالأقصى؟
وفي الوقت الذي يحتفل فيه اليهود بعيدهم بحرية في سيناء بالصخب والرقص، يلجأ نظراؤهم من المستوطنين المتطرفين دينيا من جماعات الهيكل، لتكثيف اقتحامهم المسجد الأقصى في أيام العيد ضمن محاولات فرض أمر واقع وتهويد الحرم القدسي.
وفي كل عام تتزايد المخاوف الفلسطينية في عيد الفصح اليهودي، بسبب ارتفاع مستوى جرائم جيش الاحتلال والمستوطنين، والتضييق على المصلين، وتصاعد محاولات اقتحام المسجد الأقصى وذبح قرابين لـ "الهيكل" داخله.
وقد دعا "اتحاد منظمات الهيكل" أنصاره لاقتحام المسجد الأقصى بدءا من 13 أبريل وحتى 17 من نفس الشهر، بالتزامن مع عيد الفصح العبري.
ونشر الاتحاد صورة قربان ضمن دعوته الإلكترونية، في تحريض مباشر لتنفيذ طقوس ذبح الفصح داخل الأقصى، في وقت كشفت مصادر عن محاولة 4 مستوطنين تهريب قرابين إلى داخله.
فيما نشرت جماعات "كهنة الهيكل" المتطرفة صورا ومجسمات متخيلة لمذبح القربان داخل المسجد الأقصى، وتحديدًا في موقع قبة السلسلة شرق قبة الصخرة، وذلك في إطار استعداداتها السنوية لتقديم ما تسميه "قربان الفصح".
وتُظهر إحدى الصور المتداولة مذبحًا توراتيًا محاطًا بطقوس إشعال النار وخروفا صغيرا معدّا للذبح، في محاكاة مباشرة لما يسمى بسردية "الهيكل".
ودعت منظمة "عائدون إلى الجبل" أنصارها إلى الاستعداد لمحاولة ذبح قربان عيد الفصح داخل الأقصى أو على أبوابه قبل حلول العيد، من أجل "تحقيق وصايا التوراة في الوقت المناسب".
وكانت مجموعات يهودية متطرفة نشرت صورة متخيلة لوزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير وهو يحمل القربان، ومن خلفه صورة متخيلة للهيكل اليهودي.
وقد وصفت محافظة القدس "نية جماعات الهيكل المتطرفة لذبح قربان الفصح داخل المسجد الأقصى ومحيطه، بأنه تصعيد خطير، في سياق المحاولات الحثيثة والمحمومة لاستهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية".
ويصر بعض اليهود المتدينين المتطرفين على أن "ذبيحة الفصح" لا يمكن أن تجرى إلا هناك في باحة المسجد الأقصى حيث الهيكل المزعوم.
ويزعمون أن جبل الهيكل، ومعبد هيرود الذي يقول اليهود إنه بُنِيَ على أنقاض هيكل سليمان، موجود مكان مسجد قبة الصخرة، وهناك يريدون بناء معبد جديد فوقه بعد هدمه.
وفي السنوات الأخيرة، صعدت منظمات يهودية متطرفة مثل "عائدون إلى جبل الهيكل" و"كهنة المعبد" من دعواتها العلنية لتقديم هذه القرابين داخل المسجد الأقصى، غير آبهة بمكانته الدينية عند المسلمين.
وتسعى هذه الجماعات لفرض واقع جديد داخل الأقصى، من خلال استغلال الأعياد الدينية وبدعم مباشر من شرطة الاحتلال، التي تُؤمّن الاقتحامات اليومية للمستوطنين، وتسمح لهم بأداء طقوس تلمودية كالسجود الملحمي ورفع شعارات تدعو لهدم المسجد وبناء الهيكل على أنقاضه.
المصادر
- Israel warns Hamas will attempt attacks during Passover holiday
- Passover 2025: What you need to know about the Jewish holiday – explainer
- إسرائيل تسمح لمواطنيها بالسياحة في سيناء رغم حرب غزة... ما موقف القاهرة؟
- ضابط إسرائيلي قرب حدود مصر: سنحتفل مع المخطوفين في سيناء
- ماذا ينتظر الأقصى في "عيد الفصح اليهودي"؟