لماذا تخطط الإمارات لإنشاء مواقع عسكرية في إفريقيا الوسطى؟

الإمارات تريد تحويل إفريقيا الوسطى إلى مركز أمني إقليمي فرعي
يخطط رئيس إفريقيا الوسطى "فوستان أركانج تواديرا" لتعزيز تحالفاته مع الإمارات، من خلال السماح لها بنشر قوات عسكرية على أراضيه، خاصة في المنطقة الحدودية مع السودان.
فمن أبو ظبي إلى بانغي، يسعى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد إلى تعزيز تحالفاته وشراكاته العسكرية، كما يعتزم الاستفادة من الموقع الجغرافي الإستراتيجي لإفريقيا الوسطى.
ويهدف ابن زايد من هذه الخطوة إلى تسهيل إنشاء مواقع عسكرية إماراتية، وكذلك استغلال ثروات هذا البلد الإفريقي، خاصة الذهب.
وقالت مجلة "إفريقيا إنتليجنس" الفرنسية في 31 مارس/آذار 2025: إن الإمارات تهدف إلى جمع ومعالجة المعلومات الاستخبارية على نطاق إقليمي.
كما تهدف إلى تسهيل نشر القوات والأسلحة في مسارح العمليات بالسودان، التي تعد أبوظبي طرفا رئيسا في الصراع الدائر فيها، حيث تدعم قوات الدعم السريع المتمردة بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وقالت: إن هذه الدبلوماسية العسكرية الإماراتية، التي تمليها التقديرات المالية والرغبة في تحويل إفريقيا الوسطى إلى مركز أمني إقليمي فرعي، تتلاقى مع رغبات الرئيس تواديرا.
وذكرت أن الأخير يخوض بتحالفه مع الإمارات مغامرة، ويحاول إخفاء أخطائه العديدة والحد من أنشطة الجماعات المسلحة المعادية داخليا.

لماذا إفريقيا الوسطى؟
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يختار محمد بن زايد تلك النقطة من القارة السمراء، ليؤسس نشاطا عسكريا واستخباراتيا جديدا؟
وأجابت مجلة "إفريقيا إنتليجنس" عن هذا السؤال بالقول: إن الإمارات تولي اهتماما خاصا بشمال جمهورية إفريقيا الوسطى، تحديدا منطقة "فاكاغا" على الحدود مع تشاد والسودان.
ويعود ذلك إلى تنفيذ قوات الدعم السريع عمليات متقطعة بالقرب من تلك المنطقة منذ عامين، عندما بدأت الحرب في السودان.
وتواجه الإمارات اتهامات بدعم مليشيات الدعم السريع وتزويدهم بالمال والسلاح وعلاج جرحاهم، ما دفع الخرطوم إلى محاكمتها في محكمة العدل الدولية.
وفي 15 يونيو/ حزيران 2024، أشار تقرير لخبراء في الأمم المتحدة إلى أن الدعم السريع السودانية تستخدم منطقة أم دافوق على الحدود مع إفريقيا الوسطى كـ"مركز لوجستي رئيس" و"خط إمداد" لتجنيد مقاتلين جدد.
وتشهد مدينة "بيراو" عاصمة مقاطعة "فاكاغا"، مفاوضات بين الإمارات وإفريقيا الوسطى، بشأن الوصول إلى مطار صغير لتعزيز انتشار لوجستياتها العسكرية على الجبهة السودانية، لإمداد تمرد الدعم السريع.
وذكرت أنه منذ عدة أسابيع، يجرى العمل لتمكين الطائرات الصغيرة من الهبوط في الموقع الذي يسيطر عليه جزئيا أفراد من مجموعة "فاغنر" الروسية، الذين يشرفون على عمل وزيارات مهندسي المسح الإماراتيين.
ويرى الإستراتيجيون الإماراتيون هذا الموقع الجديد وسيلة لتنويع حضورهم في المنطقة وتقليل اعتمادهم على مطار "أم جراس"، الذي يسيطرون عليه في شمال شرق تشاد.
من أم جراس إلى فاكاغا؟
وتحول هذا الموقع الأخير في إفريقيا الوسطى، الذي استخدم لإيصال المعدات العسكرية إلى قوات الدعم السريع هدفا ذا أولوية للجيش السوداني.
حتى إن الجنرال السوداني ياسر العطا وصفه في 23 مارس 2025 بأنه "هدف مشروع" تماما مثل مطار نجامينا.
ولعل السبب الرئيس الذي دفع الإمارات لاختيار "فاكاغا" بدلا من "أم جراس"، يعود إلى وجود خلافات قوية داخل تشاد.
فقد أثارت مسألة استخدام الإمارات لأراضي ومطارات الدولة الإفريقية، حفيظة شخصيات تشادية بارزة وبعض الجنرالات من قبيلة الزغاوة.
وينتقد هؤلاء الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لتحالفه مع أبو ظبي وتورطه الفعلي في الحرب في السودان.
ورغم الاعتراضات القوية من داخل قبيلته، لا يزال ديبي معتمدا عسكريا وماليا على الإمارات.
وازداد الأمر تعقيدا بعد مقتل عقيدين في الجيش التشادي أثناء تواجدهما في دارفور في 22 مارس 2025، بطائرة مسيرة؛ حيث كشف عن موقعهما قرب الفاشر بعد اختراق هواتفهما المتصلة بالأقمار الصناعية.
وفي الصباح، استهدفت طائرة إماراتية مسيرة أقلعت فجرا من مدرج مطار "أم جراس" موكبهما المكون من سيارات دفع رباعي.
هذه الحادثة تسببت في أزمة قوية داخل المكون العسكري في تشاد، ويبدو أنها من العوامل الرئيسة التي دفعت أبوظبي للتوغل في إفريقيا الوسطى كبديل.

دور شخبوط
وتعتزم أبو ظبي تعزيز وجودها تدريجيا في إفريقيا الوسطى واختبار هذه الشراكة العسكرية الجديدة في مطار بيراو.
ولا يراد تحويل هذا المطار إلى قاعدة عسكرية فحسب، بل موقعا لنقل المعدات إلى السودان وتمركزات الدعم السريع.
ويتعرض الأخير إلى هزائم ثقيلة، وقد خسر العديد من الولايات الإستراتيجية أخيرا على رأسها أم درمان بالخرطوم وولاية الجزيرة.
وناقش رئيس إفريقيا الوسطى "فوستان أركانج تواديرا"، هذه الصفقة السرية التي لا تزال قيد التفاوض مع وزير الدولة الإماراتي شخبوط بن نهيان، الذي زار بانغي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
ويعد شخبوط بن زايد مهندس الصفقة بين أبوظبي وبانغي وهو الذي دشنها وعمل على صياغة خيوطها.
واستمرت المناقشات في بداية مارس 2025 في أبو ظبي مع الرئيس الإماراتي وبين وزيري دفاع البلدين، ووقعت اتفاقية عسكرية إستراتيجية خلال هذه الزيارة الرسمية.
حسابات أبوظبي
ولا تستبعد الإمارات نقل قاعدتها في أم جراس إلى بيراو على المدى البعيد مع إمكانية الوصول إلى مطار بانغي.
لكن هذه الخطة لإنشاء موقع لوجستي عسكري في إفريقيا الوسطى، تظل قيد البحث والحذر؛ لأن للإمارات في إشعال المنطقة حسابات خاصة.
فمثل هذه الخطوة تهدد بتقويض سلطة الرئيس التشادي، وقد تهدد بتطورات غير مؤكدة في حرب الوكالة التي تخوضها الإمارات في السودان. وهناك أيضا حسابات متعلقة بإفريقيا الوسطى نفسها والوضع الداخلي فيها.
ورغم استياء شركاء "تواديرا" والخلاف مع بعض كبار قادته العسكريين والأمنيين الذين يميلون إلى تفضيل حميدتي على الجيش السوداني، يظل رئيس إفريقيا الوسطى حتى الآن محافظا على علاقته مع المعسكر الرسمي في الخرطوم، خاصة أن الجيش السوداني، الذي يتلقى أسلحة من موسكو والقاهرة وطهران، أصبحت له اليد العليا بالبلاد في ضوء تقدمه العسكري المتواصل.
وفي 25 مارس 2025، أعرب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان المطلع على خطط الإمارات في إفريقيا الوسطى عن مخاوفه لتواديرا.
وجاء ذلك في اتصال سعى من خلاله البرهان إلى محاولة تسهيل لقاء بين تواديرا ومحمد ديبي على أمل إقناع أبوظبي بتقليص دعمها لحميدتي، ولكن دون جدوى حتى الآن.
وعلى الأرض، تكافح مليشيا الدعم السريع بدعم إماراتي، للحفاظ على توازن قواتها بعد أن منيت بهزائم ساحقة في الخرطوم، التي حررها الجيش السوداني في 26 مارس.
فيما يبدو أن نفوذها بات يقتصر مجددا على دارفور، وهو ما يزعج الإمارات، التي تعلم أن دحر التمرد يعني نهاية مشروعها في السودان.

لعبة تواديرا
ويلعب محمد بن زايد على وتر التذبذبات في علاقة رئيس إفريقيا الوسطى بالجيش السوداني والبرهان.
وقالت مجلة "موند أفريك" الفرنسية: إن "تواديرا متقلب في علاقاته داخل السودان؛ حيث عقد اتفاقا مع قوات الدعم السريع بعيد إعلان استقلالها عن القوات المسلحة السودانية في ديسمبر/ كانون الأول 2022".
وسعى وقتها تواديرا للحصول على مساعدة حميدتي في التصدي لــ"الجبهة الشعبية لنهضة إفريقيا الوسطى" المعارضة المسلحة، وفق ما نشرت المجلة في 11 يونيو/ حزيران 2024.
لكن مع الوقت ومنذ بداية عام 2024، عاد وأظهر نوعا من الحياد بشأن الحرب في السودان، بل إنه سعى خلال اتصال مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لإقناعه بالتوسط في حل الصراع السوداني.
وحسب "موند أفريك"، تبدو رغبة إفريقيا الوسطى في تعزيز تحالفاتها، التي تفتقر أحيانا إلى أي اتساق حقيقي، مبالغا فيها، لا سيما أن القوى غير الإفريقية المعنية بالسودان مثل الإمارات وروسيا، لا تزال تنظر إلى بانغي كلاعب ذي قدرات دبلوماسية محدودة للغاية.
ومع ذلك، تثبت إفريقيا الوسطى دائما جاذبيتها كمركز لوجستي عسكري محتمل.
قلق أوروبي
وعلى جانب آخر يثير تعزيز شراكات إفريقيا الوسطى مع الإمارات، والذي قد يؤدي إلى إنشاء مواقع عسكرية واستخباراتية على أراضيها، مخاوف جدية لدى شركاء البلاد والجهات المانحة الأوروبية.
فمن جانبها، تشعر الأمم المتحدة وبعثتها في إفريقيا الوسطى بقلق بالغ من احتمال امتداد الصراع الدائر في السودان إليها على نطاق أوسع بكثير، بسبب سياسة الإمارات وروسيا التوسعية في تلك المنطقة.
وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 24 ديسمبر 2024: إن الإمارات ومستشاريها العسكريين يرون أن حدود إفريقيا الوسطى ذات أهمية اقتصادية إستراتيجية، مع وجود مخزون كبير جدا من المعادن في باطن الأرض.
وبينما تدرس أبوظبي إنشاء مركز استخبارات وتحليل عسكري في إفريقيا الوسطى، فإن لها مصالح عسكرية واقتصادية مؤثرة أيضا إلى جانب الرغبة في استغلال المعادن الإستراتيجية على المدى المتوسط، خاصة الذهب.
واستشهدت الصحيفة بارتفاع كمية الذهب المهرب بشكل غير قانوني من إفريقيا إلى دبي.
ووجدت منظمة "سويس إيد" غير الحكومية فارقا قدره 2569 طنا بين الصادرات الرسمية من الدول الإفريقية إلى الإمارات ووارداتها من إفريقيا من عام 2012 إلى عام 2022، بقيمة 115.3 مليار دولار.
ويقول كين أوبالو، الأستاذ المساعد بجامعة جورج تاون للغارديان: "إن الدول الإفريقية تحتاج إلى كل التمويل والتجارة التي يمكنها الحصول عليها، ولكن هناك أيضا فرصة لإثارة الاهتمام بالجريمة الإماراتية كما نرى في قطاع الذهب".
المصادر
- Faustin-Archange Touadéra paves the way for Emirati and Russian military sites
- تقرير أممي يتهم قوات الدعم السريع السودانية بتجنيد مقاتلين من أفريقيا الوسطى
- محمد بن زايد: اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وإفريقيا الوسطى تفتح آفاقا جديدة للتعاون
- لعبة غموض يمارسها رئيس أفريقيا الوسطى في تعامله مع السودان
- UAE becomes Africa’s biggest investor amid rights concerns