يحاول تدمير سدها الحيوي.. لماذا يسعى "الدعم السريع" لاحتلال مروي؟

داود علي | منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصرا من يوم 8 أبريل/ نيسان 2025، عندما شاهد سكان محليون أعمدة الدخان تتصاعد في سماء مدينة مروي بالولاية الشمالية السودانية. 

صدر بعدها بيان عسكري من الفرقة "19 مشاة" التابعة للجيش السوداني، ذكرت خلاله أن المضادات الأرضية تصدت لمسيرات تابعة لمليشيا الدعم السريع المتمردة، استهدفت سد مروي.

وأورد الجيش أن الهجوم تسبب في بعض الأضرار (دون تفصيل)، مشيرا إلى استهدافات المليشيا المتزايدة لتخريب البنية التحتية للمواطن. وأكد على استعداده التام للتصدي لأي تهديدات في سماء مروي والولاية الشمالية عامة. 

وكان عبدالرحيم دقلو (شقيق محمد حميدتي قائد الدعم السريع) قد أعلن في دارفور، يوم 2 أبريل، خلال خطابه إلى دفعة جديدة من مقاتلي المليشيا أن "المعركة المقبلة ستكون في شمال السودان".

فما أسباب استهداف الدعم السريع لـ مدينة مروي؟ وما خطورة قصف سدّها؟ وكيف سيقابل الجيش تلك التحديات؟ 

الهجوم على مروي

ولم يكن الهجوم الأخير على مروي هو الأول في إطار عزم الدعم السريع استهداف المدينة الحيوية.

ففي 4 أبريل حاولت مسيرات تابعة للقوات المتمردة ضرب السد، لكن المضادات الأرضية منعتها. 

لذا، فالهجوم الثاني كان الأكثر خطورة وتأثيرا؛ لأنه استطاع إصابة سد مروي، وأحدث أضرارا لم تحدد معالمها. 

ويبدو أن الدعم السريع يتخذ من ضرب سد مروي إستراتيجية لها ما بعدها من أهداف وتحركات. 

ففي 13 يناير/ كانون الثاني 2025، استهدفت مسيراتهم السد، ما أدى إلى اشتعال الحرائق في محطات الكهرباء، وتسبب في إظلام شبه تام في أجزاء واسعة من البلاد، تحديدا الشمال. 

وبحسب تقرير صدر عن البنك الدولي، يعد سد مروي من أهم المشاريع التي أسهمت في رفع معدل إنتاج الكهرباء بنسبة 30 بالمئة، وتحسين استدامة الموارد المائية في السودان. 

أهمية السد

ويمثل استهداف سد مروي خطورة كبيرة على السودان وما حولها، في حال انهياره.

فسد "مروي" الذي يقع على نهر النيل، يعد أقرب السدود السودانية إلى السد العالي في مصر، والمسافة بينهما 671 كيلومترا فقط.

وكان السد قد صمم خصيصا لتوليد الكهرباء وتوفير المياه، كما يسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات السودان من الطاقة المتجددة. 

وتبلغ طاقته الإنتاجية حوالي 1200 ميغاواط، ما يجعله المصدر الأكبر لتوليد الكهرباء في البلاد، بحسب تقارير وزارة الكهرباء السودانية.

كذلك يجرى توزيع إنتاج السد على مختلف المناطق لتلبية احتياجات المدن الصناعية والزراعية والمناطق الحضرية بشكل متوازن. 

ولطالما وصفت صحف محلية "سد مروي" بأنه "صمام الأمان لكهرباء السودان". 

وبحسب الحكومة السودانية، فإن السد يسهم في إنتاج الطاقة وتعزيز قدرات السودان الزراعية من خلال توفير الري لمئات الآلاف من الأفدنة، خاصة في المناطق الشمالية.

وتسبب تعرض السد للاستهداف المتكرر من الدعم السريع إلى قطع الكهرباء عن أجزاء واسعة شملت بورتسودان وأم درمان وعطبرة.

الصراع في مروي

وانطلقت المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع في مروي، منذ بداية الحرب نفسها، وشهدت المدينة معارك حاسمة. 

ففي 12 أبريل 2023، وقبل 3 أيام من بداية الحرب، أعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة السودانية، أن الدعم السريع حركت قوات ضخمة في مدينة "مروي" دون إخطار الجيش.

 وذكر أنه جرى استدعاء قوات من مناطق أخرى لمواجهة الموقف، وتمت مطالبة الدعم السريع بالانسحاب من منطقة تمركزها في مروي في غضون 24 ساعة، و"إن لم تفعل فسيتم إجبارها على ذلك".

في نفس اليوم أظهرت لقطات وصول تعزيزات من الجيش السوداني إلى مروي.

فيما أفادت وسائل إعلام سودانية، بأن حكومة الولاية الشمالية، فوجئت بانتشار 100 سيارة نقل عسكرية تابعة للدعم السريع بالقرب من مطار مروي، دون أي تنسيق مسبق مع سلطات الولاية.

ومع إطلاق الرصاصة الأولى للحرب السودانية، أعلنت الدعم السريع أنها استولت على مطار مروي، وأنها احتجزت عددا من الضباط والجنود المصريين في المطار، بالإضافة إلى طائرة تحمل علامات سلاح الجو المصري. 

وفي 16 أبريل 2023، أعلنت القوات المسلحة السودانية إنقاذ عميد وعقيد، بالإضافة إلى عدد من الجنود المصريين، عددهم 204. 

كما أعلن الجيش استيلاءه على المطار، مع عرض مقاطع فيديو تظهر مركبات عسكرية تقتحم القاعدة. ثم ذكر أن عددا من قادة الدعم السريع هربوا بقواتهم وجزء آخر استسلم. 

ورغم أن الجيش وقتها كان يتعرض لخسائر فادحة، وسقط العديد من الولايات بما فيها أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم في يد الدعم السريع، لكنه كان عازما على تحرير مروي ومنع سقوطها، ليعلن في 18 أبريل 2023 السيطرة الكاملة على المدينة. 

أهمية المدينة

وتمثل مروي ثقلا أمنيا بالغ الأهمية؛ حيث تضم مطارا عسكريا وآخر مدنيا، وتوجد فيها قاعدة جوية. 

ويغطي مطارها العسكري العمليات الجوية في شمال السودان وشرقه وغربه، ويعد قاعدة جوية مساندة بديلة للقواعد العسكرية الأخرى في السودان.

ويعد مطار مروي العسكري الأول في الخرطوم من حيث المساحة والسعة، ويستقبل الطائرات العسكرية المقاتلة وطائرات النقل الجوي.

لذلك في مارس/ آذار 2017 احتضنت القاعدة الجوية بمطار مروي تدريبات عسكرية ومناورات مشتركة بين الجيشين السوداني والمصري.

ومن ميزات المطار أنه يسمح بحركة جوية طيلة أيام السنة حتى في حالة انعدام الرؤيا، فهو مزود بأنظمة هبوط آلي حديثة.

ويستقبل الطائرات الضخمة على شاكلة طراز "إيرباص"، ويمكنه كذلك أن يستقبل نحو 9 طائرات دفعة واحدة في ميزة لا تتوفر ببقية مطارات السودان.

وقد استخدمه سلاح الجو السوداني في قصف تمركزات الدعم السريع في العديد من المواقع المهمة والولايات، بداية من الخرطوم وأم درمان إلى ولاية الجزيرة.

وتتمركز في مروي الفرقة الـ19 التابعة للجيش السوداني، المعنية بحماية المرافق الإستراتيجية في المنطقة، والحيلولة دون سقوطها. 

أهداف "حميدتي" 

وعن مساعي الدعم السريع بقيادة حميدتي للسيطرة على "مروي" وجعلها منطقة اضطراب مستمرة، يقول الصحفي السوداني محمد نصر: إن هذه المنطقة “ذات قيمة جيوعسكرية إستراتيجية عالية؛ حيث تقع على خط يربط الوسط بالشمال”.

وأردف لـ"الاستقلال": "كما أنها تضم سدا مائيا حيويا يمكن أن يستخدم كورقة ضغط داخلية وخارجية، إلى جانب مطار عسكري جاهز لعمليات التموين والهبوط والإقلاع للطائرات دون طيار". 

وذكر نقلا عن مصادر وصفها بـ "الاستخباراتية"، أن التقديرات تفيد بأن قوات الدعم السريع تسعى إلى تحويل مروي إلى مركز قيادة أمامي يسمح بإدارة العمليات في الشمال. 

وسيضمن ذلك المركز تأمين طريق إمداد جديد عبر الصحراء نحو ليبيا، ما يوفر خطوط إسناد بديلة بعيدة عن سيطرة الجيش.

وتابع أن ما يحدث من هجمات متكررة هو إستراتيجية لاختبار قدرات الدفاع الجوي للجيش في الشمال عبر هجمات بالطائرات المسيرة.

وشدد نصر على أن هجمات مروي تظهر نمطا متصاعدا في الفترة الأخيرة، وتؤكد وجود دعم تقني وعسكري خارجي مصدره الإمارات.

ويتهم السودان الإمارات بمساندة قوات الدعم السريع، لا سيما عبر تزويدها بالأسلحة، وهي رواية نفتها أبوظبي ولكن أقر بمصداقيتها خبراء بالأمم المتحدة ومشرعون أميركيون.

وهو ما دفع السودان لتقديم دعوى في محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات، تتهمها فيها بمساندة مليشيات الدعم السريع (الجنجويد) المتورطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، خاصة في إقليم غرب دارفور. وبدأت أولى المداولات العلنية في 10 أبريل 2025.

وذهب الصحفي السوداني إلى أن حميدتي أو من يديره في أبو ظبي، لديهم منظور عسكري واضح، يتمثل في نقل القتال من دارفور ومراكز ثقل الدعم السريع إلى مناطق ثقل الجيش في الشمال.

ولفت إلى أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى مفاجأة الجيش وخلق حالة تشتيت في صفوفه، من خلال، فتح جبهة جديدة في شمال السودان، مع استفزاز القاهرة بتمركز عسكري قرب الحدود المصرية، ما قد يجر مصر إلى موقف أكثر وضوحا من الصراع.

ويسعى حميدتي إلى تحقيق توازن “وهمي” في ميدان المعركة بإظهار أن الدعم السريع قادر على الانتقال من وضع الدفاع إلى الهجوم المنظم، بدعم خارجي نوعي، وفق الصحفي السوداني.

وتابع: "في المقابل، قد يكون هذا التحرك رهانا خاسرا عسكريا إذا ما أحسن الجيش السوداني تعزيز دفاعاته الجوية، وتكثيف الضربات الاستباقية، إلى جانب تأمين حواضنه الشعبية في مروي التي ترفض أي وجود لقوات التمرد".