ضغوط أم إجراء روتيني.. لماذا أعلنت أميركا عدم اعترافها بنظام الشرع؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تشير إلى عدم اعترافها بحكومة دمشق الجديدة، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية مذكرة إلى البعثة السورية في نيويورك عبر الأمم المتحدة، تنص على تغيير وضعها القانوني.

بدلا من كونها "بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة"، أصبحت "بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة"، ما يعني تغييرا في تأشيرات أميركا للدبلوماسيين السوريين الجدد لدخول نيويورك ومقر المنظمة الأممية.

المذكرة تعني إلغاء تأشيرات أعضاء البعثة من فئة G1 المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة وتعترف أميركا بحكومتهم.

كما نصت المذكرة على تحويل تأشيراتهم إلى فئة G3، وهي خاصة بمن يعملون بالمنظمة دون اعتراف أميركا بحكوماتهم، في خطوة مفاجئة.

طرحت تساؤلات حول موقف واشنطن من النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، خاصة أنها لا تزال ترفض رفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام بشار الأسد البائد، وقدمت لسوريا قائمة من الشروط لتنفيذها مقابل تخفيف جزئي لها.

أم أن هذا الإجراء "دبلوماسي روتيني" ولا يُعد موقفا جديدا من واشنطن تجاه النظام الجديد، ولا يترتب عليه أي تداعيات؟

ما القصة؟

لم تعلن الولايات المتحدة أي شيء رسميا بخصوص هذا الأمر، واكتفت وكالة الأنباء السورية بتأكيد "مصدر دبلوماسي" أن ما جرى إجراء روتيني لا يعني شيئا.

ولكن صحيفة "النهار" اللبنانية، التي لفتت الأنظار للقصة، ذكرت في 6 أبريل/نيسان 2025، أنها حصلت على نص برقية أرسلتها البعثة السورية لوزارة الخارجية في دمشق، حول هذا التطور الجديد.

قالت: إن البعثة أبلغت الخارجية بمضمون المذكرة الأميركية، التي تضمنت إلغاء التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة من فئة G1 المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة والمعترف بحكوماتهم في البلد المضيف.

وتحويلهم إلى فئة G3 التي تُمنح للأجانب المؤهلين أمميا للحصول على تأشيرة، دون أن تكون الولايات المتحدة معترفة بحكوماتهم.

وجاء في البرقية: "وافتنا البعثة الدائمة الأميركية لدى الأمم المتحدة 3 أبريل بالمذكرة رقم 41-2025، أنه بناء على توجيهات من وزارة الخارجية الأميركية، تقرر تغيير الوضع القانوني للوفد الدائم وأعضائه".

ويعني الانتقال من “فئة G1” إلى “فئة G3” أن واشنطن لا تعترف رسميا بحكومة سوريا الجديدة، وتعد بعثتها لدى الأمم المتحدة غير مُعترف بها.

وقد أشارت برقية البعثة السورية إلى أن "البت بقرار منح السمات الجديدة يعود للهيئة الأميركية لخدمات المواطنة والهجرة USCIS، وذلك بعد إجراء عدد من الخطوات والإجراءات الرامية لتغيير الوضع القانوني للوفد وأعضائه".

وهو ما يعني، وفق الفقرة الأخيرة من نص البرقية أن "المذكرة الأميركية تتضمن إعلانا صريحا ومباشرا بعدم اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة الانتقالية السورية الحالية".

والأخطر وفق المذكرة السورية أنه "قد تتبعها (أي الخطوة الأميركية) خطوات مماثلة لجهة عدم الاعتراف من قبل دول أخرى، تشاطر الإدارة الأميركية بعض سياساتها".

وقال مصدر بوزارة الخارجية السورية لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، 7 أبريل 2025: إن إجراء الولايات المتحدة المتعلق بتعديل الوضع القانوني لبعثة دمشق في نيويورك "هو إجراء تقني وإداري بحت يرتبط بموفدي الحكومة السابقة، وبالتالي، "لا يعكس أي تغيير في الموقف".

وأكد المصدر، أنه يجرى العمل حاليا على مراجعة شاملة لوضع البعثات السورية في الخارج، لإعادة ترتيبها وتنظيمها.

وكان أول قرار في هذا الصدد إعادة سفيري سوريا في روسيا والسعودية للعمل في ديوان الوزارة بدمشق.

لكن محللين سوريين قالوا: إن الأمر مرتبط بخطوات دولية وإقليمية لإعادة تشكيل العلاقة مع الدولة السورية، بما في ذلك قضايا الاعتراف الدبلوماسي والتمثيل الرسمي في الهيئات الدولية.

دلالات القرار

البرقية تخلق مفارقة مزدوجة، فمن جهة، تتعامل أميركا مع النظام الجديد كأنها تعترف به وتبارك خطواته مثل ترحيبها باتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بحكومة دمشق، واستمرار البلاد دولة عضوا بالأمم المتحدة بموافقة أميركية ضمنية.

ومع هذا لا تعترف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة التي تتعامل معها واقعيا.

المحلل السياسي "محمود علوش" يرى أن الموقف الأميركي الأخير غير رافض للحكم الجديد في دمشق، ومن ثم يبقى "موقفا إيجابيا جزئيا طالما أنه ليس سلبيا للغاية"؛ وذلك لأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تُبدي انفتاحا على النظام الجديد بشروط لكنها لم تعده غير شرعي، وفق ما قال عبر منصة إكس.

وأضاف أن واشنطن تتعامل فعليا مع هذا الحكم (رعاية اتفاقية دمج قسد، اللقاءات مع المسؤولين السوريين، عدم التشكيك بشرعية الحكومة الجديدة). 

أيضا لا يوجد ما يُشير إلى أن إدارة ترامب تُمارس أي ضغوط على حلفاء واشنطن الذين اعترفوا بالشرع لتغيير موقفهم منه.

ويرى علوش أن الاعتراف الأميركي بالحكم الجديد من عدمه "يتجاوز في أهميته، القبول القياسي الذي حققه حتى الآن النظام الجديد في سوريا على المستوى الدولي.

إلا أنه أوضح أن القبول الذي حققه حتى الآن الحكم الجديد في سوريا، مقارنة بفترته (4 أشهر) وبطبيعته (الخلفية الإسلامية) والظروف التي تشكل بها (الإطاحة بالقوة بالحكم السابق) وبإرث المخلوع (العزلة الدولية والعقوبات) أمر مهم.

وتوقع أن يستغرق الاعتراف الأميركي بالشرع "فترة من الوقت وتُشكله عوامل مُعقدة للغاية وليس مضمونا بالضرورة، لكنه ليس مُستبعدا أبدا والمؤشرات بهذا الخصوص إيجابية بقدر أكبر من كونها سلبية".

وبدوره، يقول الباحث السوري والخبير في الشؤون الدولية "مالك الحافظ": إن هذا الإجراء يدخل في إطار أدوات الضغط الدبلوماسي التي تستخدمها واشنطن لحث الأطراف الفاعلة على تعديل سلوكها أو هندسة خطابها السياسي.

كما أن "مؤشراته العميقة، تُنبئ بتحول أكثر جوهرية في السياسة الأميركية تجاه سوريا"، في مرحلة ما بعد الاعتراف، وفق ما أوضح الحافظ لصحيفة "النهار" اللبنانية.

فقد تتجه الولايات المتحدة إلى تجميد العلاقة مع أي سلطة لا تنسجم مع رؤيتها لمستقبل سوريا، حتى وإن لم تكن البدائل جاهزة.

كما "يُمكن عدّه إعلانا ضمنيا بأن واشنطن لن تتورط في إعادة إنتاج شرعية لأنظمة أو سلطات جديدة تُعيد شكل الاستبداد أو العسكرة أو الإقصاء تحت لافتات دينية، خصوصا في ظل تصاعد المراجعة الداخلية لسياستها في الشرق الأوسط"، وفق وصفه.

وقال: إن الخطوة الأميركية "إشارة بالغة الوضوح" مفادها أن واشنطن لا تعترف بالسلطة الحالية كحكومة شرعية تمثل الدولة السورية، رغم كونها تسيطر على المؤسسات الرسمية وبعض الممثليات الدبلوماسية.

وتعني أيضا أن واشنطن ترفض أن تُمنح هذه السلطة مظلة الاعتراف الدولي التلقائي الذي عادة ما يلي مرحلة انتقال الحكم في الدول الخارجة من النزاعات، ربما لتحفظ الولايات المتحدة على كيان انتقالي "ذي مرجعية سلفية جهادية".

تغيير نمط التأشيرة

ورأى أن تغيير واشنطن فئة التأشيرة الممنوحة لأعضاء البعثة السورية من G1 إلى G3، "يحمل طابعا رمزيا حادا" ويُترجم دبلوماسيا لتفسيرات سلبية.

منها تقييد صلاحيات البعثة على مستوى التنقل والامتيازات القانونية والدبلوماسية، بما يتجاوز الرمز إلى التضييق الوظيفي.

وأيضا سحب الاعتراف الفعلي بالحكومة التي تمثلها البعثة، من دون المساس بعضوية سوريا في الأمم المتحدة.

وهو ما يخلق مفارقة مزدوجة، فمن جهة تستمر سوريا دولة عضوا، لكن دون حكومة معترف بها أميركيا.

وهذا يضع تصنيف البعثة السورية ضمن فئة الحكومات غير المعترف بها أميركا، مثل فنزويلا تحت حكم نيكولاس مادورو، أو طالبان قبل عام 2021.

أيضا رأى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في واشنطن رضوان زيادة، أن تغيير نمط التأشيرة الأميركية للبعثة السورية “هو رسالة سياسية للحكومة في دمشق”.

وأشار في مقابلة تلفزيونية إلى أن هذا يعني أن الولايات المتحدة بمراسلاتها الداخلية لا تعترف بالحكومة الحالية وتطلق عليها "سلطات أمر واقع ".

أما السياسي السوري المقيم في واشنطن، محمد علاء غانم، فيرى أن تعديل نوع التأشيرات إجراء قانوني بحت، لا ينطوي على طرد الدبلوماسيين أو فرض قيود إضافية على تحركاتهم.

قال عبر حسابه على فيس بوك": "الولايات المتحدة لم تعترف بعد بالحكومة السورية الجديدة، ومازالت تشير إليها داخليا بعبارة السلطات التابعة لهيئة تحرير الشام".

وأكد أن هذا الوضع سيبقى قائما إلى حين الاعتراف الرسمي، وعندها يمكن للبعثة العودة إلى استخدام تأشيرات من الفئة G1.

ونفى غانم ما ورد في تقارير صحفية عن تضييق وظيفي أو تقييد للصلاحيات، مشددا على أن ما جرى "ليس عقوبة سياسية، بل تطبيق للأنظمة الخاصة بالتأشيرات".

وأضاف: "هذا القرار لا يعني أن الولايات المتحدة تريد من الدبلوماسيين السوريين المغادرة، ولا يعني فرض أي قيود جديدة على حركتهم في نيويورك".

وواصل أن "هذا التغيير إجراء قانوني تماشيا مع اللوائح الناظمة لإصدار التأشيرات، وليس عقابا على أي شيء، ولا هو مرتبط بأي حدث سياسي جرى أخيرا".

وتابع بالقول: "حين يتحقق الاعتراف الأميركي بالإدارة السورية الجديدة، سيعود الدبلوماسيون السوريون للتقدم بطلبات تأشيرات G1 والحصول عليها كما كان الحال في السابق".

إجراء قانوني

ويقول الباحث والمحلل السوري "محمد هويدي": إن قرار الولايات المتحدة بتغيير الوضع القانوني لبعثة سوريا الدبلوماسية في نيويورك، وإعلانها أنها لم تعد تمثل دولة معترفا بها، بل حكومة غير معترف بها "ليس مجرد إجراء شكلي".

أوضح، عبر "إكس"، أن هذا القرار "يحمل أبعادا سياسية عميقة تتعلّق بمستقبل التعاطي الدولي مع الملف السوري".

أشار إلى أن هذا التحول يعكس، بوضوح، موقفا أميركيا حاسما من طبيعة القوى المسيطرة لا سيما بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على مؤسسات الحكومة الانتقالية، ما يعني رفض واشنطن القبول بسلطة أمر واقع.

وأوضح أن الولايات المتحدة ربما "تنظر بعين القلق إلى أي سيناريو يعيد إنتاج تجارب ماضية، كما حدث في أفغانستان مع طالبان؛ حيث انتهى الأمر بتثبيت سلطات أمر واقع خارج الإطار الشرعي والدولي".

"ورغم اختلاف السياقات، فإن المخاوف واحدة بشأن الاعتراف الضمني بكيانات تحمل مشاريع أيديولوجية لا تزال مغلقة، تهدد الاستقرار وتربك الحسابات الإقليمية والدولية".

عُدّ الموقف الأميركي "رسالة مزدوجة"، ترفض التعامل مع أي كيان يحمل ملامح تحرير الشام في بنيته في الحكومة، وترفض الاعتراف بالكيان الذي انبثق عن هذا الواقع.

ولا يخضع اعتماد الدبلوماسيين لدى المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، حصريا لموقف الدولة المضيفة (الولايات المتحدة)، بل لكون البعثة تمثل دولة عضوا في المنظمة الأممية، وفقا لاتفاقية فيينا 1961.

وهناك تمايز جوهري في العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والبعثة الأجنبية؛ حيث تبقى مسألة الاعتراف بالحكومة شأنا سياديا للدولة المضيفة.

ونقل موقع "تلفزيون سوريا" 7 أبريل 2025 عن الدبلوماسي السوري السابق "جهاد مقدسي" قوله: إن لجنة أوراق الاعتماد في الأمم المتحدة شككت بشرعية وفد النظام المخلوع بعد سقوطه قانونيا.

وهو ما دفع السلطات الأميركية لاتخاذ إجراء قنصلي يقضي بتعديل نوعية إقامات دبلوماسييه المعتمدين، وسحب الحصانة منهم مؤقتا إلى حين اعتماد ممثلين جدد من قبل الدولة السورية الجديدة.

وأوضح "مقدسي" أن الإجراء يستهدف أفراد الوفد السابق فقط، وليس السلطة السورية الجديدة التي تحظى باعتراف دولي، ولا تواجه أي تمرد دبلوماسي.

قال: إنه "رغم الطابع التقني للإجراء، فإنه يحمل دلالة سياسية مهمة، تتمثل في اعتراف أميركي عملي بسقوط نظام بشار الأسد، من خلال تغيير الوضع القنصلي لوفده".