شيعة سوريا بعد الأسد.. بين فك الارتباط مع إيران والتقرب من الدولة الجديدة

مصعب المجبل | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

تسعى الطائفة الشيعية في سوريا إلى إدامة العلاقات الإيجابية مع قيادة الدولة الجديدة، عقب سقوط نظام بشار الأسد بعد أن شهدت السنوات الأخيرة من حكمه تقربها من إيران "دينيا وعسكريا".

فعقب اندلاع الثورة السورية عام 2011 وتدخل إيران وحزب الله اللبناني عسكريا في هذا البلد، لعبت شخصيات شيعية سورية دورا بارزا في الترويج للمذهب الشيعي في البلاد بدعم من طهران.

حماية الطائفة الشيعية

ولم يقتصر الأمر على الجانب الديني، بل استطاعت إيران تشكيل مليشيات شيعية محلية لمساندة قوات الأسد في معاركه آنذاك ضد المعارضة.

ومع سقوط الأسد، بدأت الطائفة الشيعية تعيد حساباتها بشأن العلاقة مع إيران، والتبرؤ من أي محاولة لزعزعة استقرار سوريا عبر استخدام أبناء الطائفة كوقود لعمليات أمنية تستهدف أجهزة الأمن السورية الجديدة.

وقد أعلنت الرئاسة السورية أن الرئيس أحمد الشرع، التقى في 28 مارس/آذار 2025 وفدا من وجهاء وأعيان الطائفة الشيعية في سوريا.

وأفادت مصادر حكومية بأن اللقاء استمر لأكثر من ساعتين، وجرى خلاله مناقشة القضايا التي تخص الطائفية الشيعية ومستقبلها في البلاد، في حين قدم الوفد الشيعي رؤيته الخاصة للمرحلة، وطرح مخاوفه وما يتعرض له الشيعة في سوريا من تحديات.

وأكد الرئيس السوري على "حق الطائفة الشيعية في ممارسة شعائرها بحرية، شرط ألا تسيء إلى أي من مكونات الشعب الأخرى، وكذلك، حرية الطائفة في التصرف بكل الأموال والواردات التي تأتي على المراقد المقدسة".

كما شدد الشرع على "قدسية مرقد السيدة زينب لدى الرئاسة السورية"، موضحا أنه شخصيا متعلق به منذ صغره، وسيزوره عما قريب، مؤكدا أنه ترك إدارة المراقد الشيعية لأبناء الطائفة.

وفي سوريا مقامات مقدسة لدى الشيعة وأبرزها مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب جنوب دمشق.

وعندما تدخلت إيران عسكريا بسوريا عام 2012 لمساندة الأسد في قتل السوريين وقمع الثورة التي اندلعت في 18 مارس 2011، رفعت طهران شعار "لن تسبى زينب مرتين".

وكان هذا الشعار كافيا لتحفيز عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" هذا المقام.

وهناك كذلك مقام "السيدة رقية" في حي العمارة الدمشقي، الذي يبعد نحو مئة متر عن الجامع الأموي الكبير.

إضافة إلى مقام السيدة سكينة بنت علي بن أبي طالب أيضا، ومقبرة باب الصغير في دمشق، ومشهد الحسين في مدينة حلب، ومزار علي في دير الزور.

ووفق الشيخ أدهم الخطيب، ممثل مراجع الطائفة الشيعية في سوريا، ورئيس "الهيئة العلمائية الإسلامية لمذهب أهل البيت في سوريا"، فإن اللقاء مع الشرع “كان إيجابيا”.

وقدم الشرع من خلاله "وعودا بحل كل الأمور التي تشكل هاجسا للشيعة، وخصص خط تواصل مع قادة الدولة لحل أي إشكال قد يحدث مستقبلا بالسرعة الكلية".

وفي بيان له، قال الشيخ الخطيب: إن اللقاء مع الشرع تم "رغم محاولات كثيرة من البعض لمنع عقده وحجب صوت الشيعة ومنع إيصاله إلى السلطة الانتقالية ومحاولات البعض الآخر ترشيح أسماء لا ترضي الشارع الشيعي، للقاء القيادة السورية".

وذكر الخطيب أن الرئيس الشرع "شدد على ضرورة اندماج الشيعة في محيطهم من القرى والبلدات، لنسيان الماضي وبدء صفحة جديدة مع الجوار من مختلف الطوائف"، متعهدا بتمثيل الكفاءات الشيعية في الحكومات المقبلة.

وأضاف أن الوفد طرح خلال الاجتماع مسألة عودة المهجرين الشيعة إلى قراهم في كفريا والفوعة وبصرى وريف حمص.

وأشار الشيخ الخطيب في بيانه إلى أنه "تمت الإشادة بالتزام أبناء الطائفة بالهدوء وعدم حدوث أي خروقات أمنية في مناطق الشيعة في سوريا خلال الفترة الماضية، وضرورة تعاون الطائفة مع السلطات الأمنية لتسليم المطلوبين وعدم التستر عليهم".

دعم إيراني

ويشكل المذهب السني الأكثرية العددية تاريخيا في سوريا ويعكس كذلك الهوية الدينية للبلاد التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة.

وتشير تقارير إحصائية إلى أن أعداد الشيعة في سوريا حتى عام 2011 تتراوح تقريبا ما بين 200 إلى 300 ألف نسمة، وهذا الرقم لا يشمل أعداد الطائفة العلوية.

واعترف نظام الأسد المخلوع عام 2011 بالطوائف الشيعية كمرجعيات دينية في البلاد وأدخلهم فيما بعد في "مجلس الإفتاء" قبل إلغاء الأخير عام 2022.

ودفع هذا الاعتراف الشيعة لتشكيل فصائل عسكرية عقب اندلاع الثورة لمساندة قوات الأسد في قمعها، لا سيما شيعة حمص ومدينتي نبل والزهراء بريف حلب اللتين تحولتا إلى معقل رئيس لنفوذ إيراني دام لسنوات بعدما تولت طهران تسليحهم ودعمهم بالمساعدات والرواتب ونقلت إلى قراهم مليشيات شيعية أجنبية وعناصر من الحرس الثوري الإيراني.

وقد لعب المعممون الشيعة السوريون دورا في دعم آلة الأسد العسكرية قبل سقوط حكمه.

ومنهم المعمم محمد علي المسكي الذي كان مرشحا لكي يصبح زعيما لشيعة سوريا، ونفذ جولات في حمص وطرطوس لتأبين المقاتلين الشيعة الذين سقطوا بمعارك ضد قوات الثورة السورية.

وأسس المسكي الذي يطلق عليه لقب "آية الله"، المجلس الجعفري الأعلى بسوريا، عام 2012، بدعم من إيران، أي بعد سنة من اندلاع الثورة على نظام الأسد المخلوع.

وقد اتخذ المجلس الجعفري الأعلى المذكور، حي "السيدة زينب" في دمشق مقرا له، وهي منطقة تحولت إلى مكان خاص بإيران منفصلة بشكل كامل عن محيط العاصمة السورية منذ عام 2012 وحتى سقوط الأسد.

وتوصف علاقة المسكي بإيران بالوثيقة؛ إذ غالبا ما ينقل المواقف الإيرانية السياسية المعلنة، في خطاباته، ويهاجم في مواقفه، الأشخاص والدول التي تهاجمها طهران.

وتعمل وسائل الإعلام الإيرانية على تسليط الضوء عليه، بشكل دائم، وهو ضيف على جميع الفضائيات ووسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية.

ولهذا وفق الخبراء فإن ضبط الخطاب من رموز الشيعة السوريين بما يتوافق مع المصالح السورية، هو أحد الأهداف التي تسعى لها دمشق في هذه المرحلة لقطع الطريق أمام التدخلات الإيرانية والتأثير عليهم كما في السابق.

لا سيما أن إيران لعبت دورا في دعم ودفع فلول نظام الأسد البائد من أبناء الطائفة العلوية للتمرد ضد الدولة السورية الجديدة، في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وكذلك في 6 مارس/آذار 2025؛ حيث أحبطت دمشق هاتين المحاولتين لزعزعة استقرار البلاد.

وأمام ذلك، فإن زيارة الوفد الشيعي السوري للرئيس أحمد الشرع، والمكون من 17 شخصية تمثل أطياف الشيعة في البلاد، كان هدفها "المزيد من ضبط الأوضاع على الأرض"، بحسب مصدر سوري شيعي وقريب من الوفد، تحدث لموقع "جنوبية" اللبناني.  

ونقل الموقع عن بشير بعلبكي وهو طبيب مقيم في محيط مقام "السيدة زينب"، قوله: إن الأجواء في مناطق وجود الشيعة في دمشق في السيدة زينب وحي الأمين، وفي الشمال في نبل والزهراء وفي الجنوب في بصرى الشام، في تحسن دائم.

فجزء من الذين نزحوا بعد سقوط نظام الأسد يعودون إلى بيوتهم، والمشاكل التي تقع أحيانا لها طابع فردي وهناك تجاوب من السلطات لمعالجة أي خلل أمني أو مشكلة.

ويلفت بعلبكي إلى أن مقام "السيدة زينب" يوجد فيه حراس من الدولة السورية، ولكن الأخيرة لا تتدخل في إدارة المكان الذي يقصده "الحجاج الشيعة" من سوريا ومن خارجها للزيارة.

ويشير إلى وجود تنسيق مسبق خلال المداهمات التي تنفذها قوات الأمن السوري لبعض البيوت بحثا عن متعاملين مع حزب الله أو جهات إيرانية.

"صلة قاتلة"

ويتولى الشيخ أدهم الخطيب والذي ترأس الوفد الشيعي السوري للقاء الشرع، بشكل غير رسمي إدارة الوضع الشيعي والتنسيق مع الجهات السورية الرسمية.

وقد تولى هذه المهام بعد مغادرة المعمم الشيعي الدمشقي “عبدالله نظام” إلى لبنان فور سقوط نظام الأسد.

وعبد الله نظام واحد من أبرز رجال إيران في سوريا، وأسهم بشكل علني في نشر المذهب الشيعي؛ إذ كان وكيلا للمرشد الإيراني علي خامنئي في دمشق قبل عام 2011.

وبحسب ما قال بعلبكي لموقع "جنوبية" فإن الممتلكات من بيوت ومراكز التي كانت باسم جهات إيرانية في سوريا جرت مصادرتها من قبل الأمن السوري الجديد.

وقال المتحدث ذاته: إن "السوريين الشيعة اليوم يدركون أن كلفة العلاقة أو الصلة مع حزب الله والإيرانيين قاتلة، ومن بقي في سوريا يعلم أن المرحلة الماضية انتهت ولا عودة إليها".

وأردف: "لهذا فإن الشيعة في سوريا يسعون إلى ترتيب أوضاعهم على ما هو قائم من سلطة جديدة، ويتجهون إلى تحسين علاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي ومع السلطة القائمة ويرفضون أي عمل أو موقف معادٍ لها".

ومنذ سقوط الأسد عمل عدد من المعممين الشيعة السوريين على نشر بيانات طمأنة للإدارة الجديدة، ودعوا لنبذ الاقتتال الطائفي.

فقد نشر "شيعة أهل البيت في سوريا" بيانا قالوا فيه: إن "أي تصريح أو بيان أو موقف سياسي أو إعلامي يصدر عن أي جهة داخلية أو خارجية سابقا أو لاحقا يتعارض مع مصلحتنا الوطنية ويثير النعرات والأحقاد ويسيء إلى بلدنا وشعبنا، فنحن غير مَعْنِيّين به وندينه ونشجبه".

وأضاف البيان في 26 ديسمبر 2024 "نرفض أي دعوة إلى الاقتتال وسفك الدماء والتناحر بين أفراد المجتمع السوري تحت أي مسمى".