شرطان للموافقة.. هل يستجيب حزب الله للضغوط الأميركية ويتخلى عن سلاحه؟

يوسف العلي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

مع مرور كل يوم بعد إعلان الهدنة بين إسرائيل ولبنان، تتزايد الضغوط الخارجية على حزب الله المدعوم إيرانيا للتخلي عن سلاحه، فهل يمكن أن يتجه نحو هذه الخطوة؟

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دخل حيز التنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، بعد شهور من عمليات عسكرية متبادلة بين الطرفين بسبب إسناد الأخير لجبهة غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية.

لكن وقف إطلاق النار، لم يمنع الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ هجمات بين الحين والآخر تستهدف قيادات من "حزب الله" اللبناني في عدد من المدن اللبنانية، لا سيما في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى منعه لعمليات إعمار في لبنان، وذلك لحين التخلي عن سلاحه.

شرطان للقبول

وفي خضم الضغوط التي يشهدها حزب الله اللبناني، نقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 9 أبريل/ نيسان 2025 عن مسؤول كبير في الحزب (لم تسمه) قوله: إن "الجماعة مستعدة لمناقشة مستقبل سلاحها مع الرئيس جوزيف عون إذا انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، وتوقفت عن ضرباتها".

وقالت ثلاثة مصادر سياسية لبنانية (لم تكشف هويتها): إن “عون ينوي بدء محادثات مع حزب الله بشأن سلاحه قريبا”؛ فقد تعهد الأخير، الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة، عند تسلمه السلطة في 9 يناير، بأن يظل السلاح حكرا على الدولة.

وقال المسؤول الكبير في حزب الله: إن الجماعة مستعدة لمناقشة مسألة سلاحها في سياق إستراتيجية دفاع وطني، لكن هذا يتوقف على انسحاب "إسرائيل" من خمس قمم تلال في جنوب لبنان.

وأضاف: "حزب الله مستعد لمناقشة مسألة سلاحه في حال انسحبت إسرائيل من خمس نقاط، وأوقفت عدوانها على اللبنانيين".

وقال مسؤول لبناني للوكالة (لم تسمه): إن قنوات الاتصال مع الجهات المعنية مفتوحة "للبدء في دراسة نقل الأسلحة" إلى سيطرة الدولة، بعد أن بسط الجيش والأجهزة الأمنية سلطة الدولة في جميع أنحاء لبنان. مشيرا إلى أن هذه الخطوة تأتي تنفيذا لسياسة عون.

وأضاف المسؤول أن "القضية كانت محل نقاش أيضا مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وهو حليف مهم لحزب الله، ويلعب دورا رئيسا في تضييق الخلافات".

ولم تصدر تقارير من قبل عن موقف الجماعة اللبنانية من محادثات محتملة بشأن سلاحها، كما لم يصرّح المكتب الإعلامي للحزب ولا الرئاسة اللبنانية على هذه المعلومات حتى 9 أبريل.

وكانت "إسرائيل" أرسلت قوات برية لها إلى جنوب لبنان خلال الحرب، قبل أن تنسحب إلى حدٍّ بعيد، لكنها قررت في فبراير/شباط 2025 عدم مغادرة المواقع الجبلية. 

وقالت: إن الهدف النهائي هو تسليمها للجيش اللبناني بمجرد التأكد على أن الوضع الأمني يسمح بذلك.

واكتسب الحديث عن نزع السلاح قوة دافعة في لبنان منذ انقلاب ميزان القوى بسبب حرب العام 2024 مع إسرائيل، والإطاحة بنظام بشار الأسد حليف جماعة حزب الله في سوريا.

وخرج حزب الله ضعيفا جدا من هذه الحرب، بعد أن قتلت "إسرائيل" كبار قادته وآلافا من مقاتليه، ودمرت جانبا كبيرا من ترسانته الصاروخية.

فهو يعد أقوى الجماعات التي تدعمها إيران في مختلف أنحاء المنطقة، لكن خطوط إمداده إلى إيران عبر سوريا انقطعت بعد الإطاحة بالأسد.

"فرصة ذهبية"

التصريحات عن نزع السلاح جاءت عقب زيارة نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت في 4 أبريل، أكدت فيها أن تركيز واشنطن حاليا ينصبّ على وقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان ونزع سلاح "حزب الله".

وقالت أورتاغوس خلال مقابلة تلفزيونية في 6 أبريل: إنه "على السلطة والشعب الاختيار: إما التعاون معنا لنزع سلاح (حزب الله) وتطبيق وقف الأعمال العدائية وإنهاء الفساد وسنكون شريكا وصديقا، أو خيار التباطؤ من الحكومة والقادة وهنا لا يتوقعون شراكة معنا".

وأوضحت أنه "كلما استطاع الجيش اللبناني الوصول إلى أهدافه ونزع سلاح جميع المليشيات، تحرر الشعب اللبناني بشكل أسرع من النفوذ الأجنبي والإرهاب والخوف".

وشددت على أن الجيش اللبناني قادر على تنفيذ مهمة نزع سلاح حزب الله"، وترى أن هذا الأمر يندرج ضمن تنفيذ القرار 1701، إضافة إلى أنه "جزء من سياسة الضغط الأقصى التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران".

وأعربت أورتاغوس عن أملها بالتزام "جميع الأطراف بوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل"، لكنها ربطت هذا المسار بإصلاحات داخلية، مؤكدة في الوقت نفسه أن "لصبر إدارة ترامب حدودا".

وتابعت: "أنا متحمسة ومتفائلة بهذه الحكومة الجديدة ونحن نطرح دائما موضوع نزع سلاح حزب الله، وليس الحزب فقط بل جميع المليشيات في هذا البلد، ونستمر في الضغط على الحكومة لتطبيق كامل لوقف الأعمال العدائية".

وأكدت نائبة المبعوث الأميركي أن واشنطن “دعمت الجيش اللبناني لسنوات طويلة من تدريب وتمويل ومعدات”.

وأشارت إلى أن "الجيش قادر حقا الآن بقيادة الرئيس (جوزيف) عون على فرض مزيد من السلطة وسنساعده للوصول إلى هذه الأهداف".

ورأت أورتاغوس أن "هناك فرصة ذهبية للبنان للخروج من أزمته، والطريقة الوحيدة لذلك هي رفض أي دور لإيران وحلفائها"، وترى أن "حكام لبنان يجب أن يستمعوا إلى شعبهم".

وعقد جوزيف عون اجتماعا "بنّاء" في 5 أبريل، مع أورتاغوس، بحثا خلاله الوضع في جنوب لبنان، بحسب ما جاء في بيان للرئاسة.

وفي 29 مارس 2025، قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، خلال خطاب تلفزيوني: إن جماعته لم يعد لها وجود مسلح جنوب الليطاني، وإنها ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار، بينما تنتهكه "إسرائيل يوميا".

مقترح للتجربة

وفي ظل الضغوطات الخارجية، أكد وزير الصناعة اللبناني جو عيسى الخوري، أن كل الرسائل الآتية من المجتمع الدولي تربط بند إعادة الإعمار بنزع سلاح جميع المجموعات المسلّحة غير الشرعية وتطبيق القرارات الدولية.

وقال الخوري خلال مقابلة تلفزيونية في 31 مارس، إنه "مهما أنجزنا من إصلاحات إدارية، اقتصادية وإنمائية، إذا لم تكن حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، فهذا الأمر سيدفع الدول إلى التريّث أو حتى إلى التراجع عن مساعدة لبنان".

ورأى أن لبنان أمام تقاطع دولي وعربي يأتي مرة كل 20 عاما، ويجب أن نستفيد منه لنتمكّن من بناء دولة، فإما أن تجتمع كل المكوّنات وتسلّم سلاحها للدولة اللبنانية وإلاّ فنحن أمام إشكاليّة.

وأردف: فلنبدأ بتسليم سلاح باقي المنظمات غير الشرعيّة اللبنانية وغيرها في مدّة 6 أشهر وحتى سنة، ضمن روزنامة (تقويم) تضعها الدولة تكون رسالة للخارج بأننا جادّون في نزع السلاح.

وأكد الوزير أنه "عندما طرَحَ في مجلس الوزراء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع من أجل وضع روزنامة لسحب سلاح حزب الله مع جدول زمني، كان جواب رئيس الجمهورية جوزيف عون: أنه طبعا يجب النظر بهذا الأمر"، ولكن التوقيت "تركلنا ياه" فهو يعلم متى التوقيت الأفضل.

وردا على سؤال عمّا إذا كان رئيس الجمهوريّة لا يريد استخدام القوّة مع حزب الله، أجاب الخوري: "وأنا أيضا لا أريد هذا في الوقت الحالي وعلينا كسلطة سياسية ومجلس وزراء، أن نتجنّب المواجهة".

واقترح الخوري أن "تكون بيروت الكبرى منزوعة السلاح من الجميع، كاختبار أوّلي، إذا كنّا غير مستعدين لبناء إستراتيجية أمنيّة وطنيّة، فيكون لدينا منطقة محايدة".

وعدّ كل من يصرّح أن القوى الأمنية اللبنانية غير جاهزة حتى الآن لتسلم الأمن أو نزع السلاح، بأنه "يتحدّث بما تريد إسرائيل أن يسمعه الغرب".

ولفت إلى أنه "في لبنان مجموعة مجروحة، شئنا أم أبينا، وهي لبنانية، ويجب أن نمدّ لها اليد لتأتي إلينا، وبعد أن نجلس معا، نأمل أن نتمكن من إقناع المجموعة الشيعية وحزب الله أن يبادروا نحو الدولة اللبنانية ويسلّموا سلاحهم، ويقولوا نريد أن نبني الدولة معا".

وفي المقابل، قلل المحلل السياسي اللبناني آلان سركيس، من جدوى الحوار مع "حزب الله" بخصوص نزع سلاحه.

وقال: إن ذلك "مضيعة للوقت؛ لأنه لا يحمل مهلة زمنية محددة مع تصريحات متكررة لكوادر من الحزب بعدم تسليم السلاح".

ورأى سركيس، خلال تصريح نقلته وكالة "الأناضول" في 9 أبريل، أن مواقف المبعوثة الأميركية كانت واضحة خلال لقائها المسؤولين اللبنانيين "إذ أكدت أنها تريد سحب سلاح حزب الله في أقرب وقت ودون تباطؤ".

وقال الكاتب اللبناني: إن الدولة اللبنانية "في موقف لا تحسد عليه، فهي من جهة لا تستطيع سحب سلاح الحزب بالسرعة التي تريدها واشنطن، ومن جهة أخرى تخاف منه خاصة أنه مازال مسيطرا على الرغم من تدمير إسرائيل معظمَ ترسانته من الأسلحة".

ولفت سركيس إلى أن "لبنان يمر بأزمة؛ لأنه غير قادر على تلبية مطالب المجتمع الدولي لكنه في الوقت نفسه مطالب بحلول".

وبشأن حديث الرئيس عون عن أن سحب سلاح "حزب الله" يحتاج إلى حوار، قال سركيس: إن "تجارب الحوار مع الحزب بهذا الخصوص كانت فاشلة في 2006 و2008 إلى 2012، وكانت بمثابة تذاكٍ من الحزب على المجتمع الدولي والأميركيين خاصة".

وتساءل المحلل اللبناني عن مدى جدوى الحوار "ما دام المطلوب واضحا وهو تسليم السلاح وحصره بيد الدولة فقط"، لافتا إلى أن مبعوثة واشنطن "لا تحمل موقفا أميركيا فحسب، بل إن موقفها يمثل الجانبين العربي والأوروبي".

وخلص إلى أن المجتمع الدولي لن يسهم ماليا في إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل خلال الأشهر الماضية؛ إذا لم تنزع الدولة اللبنانية السلاح وتقدم على إصلاحات اقتصادية وإدارية في المؤسسات الحكومية.

ويرى مراقبون للشأن اللبناني، أن قرار نزع سلاح "حزب الله" اللبناني لا ينحصر في جغرافيا لبنان فحسب، وإنما مرتبط بنظام ولاية الفقيه في إيران الذي يأتمر الأخير بتوجيهاته.

لذلك فإن الضغط الخارجي على الحكومة اللبنانية يدفع للصدام الحتمي مع هذه الجماعة في حال رفضت التخلي عن سلاحها امتثالا لأوامر إيرانية.