إيران تحذر تركيا والإمارات وقطر من دعم أميركا وتتجنب السعودية.. لماذا؟

"طهران بحاجة إلى الرياض أكثر من أي وقت مضى"
مع التحذيرات التي أطلقتها إيران تجاه دول عدة في المنطقة من أن أي دعم تقدمه لهجمات أميركية محتملة سيعد "عملا عدائيا" يترتب عليه "عواقب وخيمة"، غابت السعودية عن هذه البلدان بعدما كانت قد شملتها طهران في تهديدات سابقة عام 2024.
التحذير الذي جاء عبر تصريح نقلته وكالة "رويترز" عن مسؤول إيراني كبير (لم تسمه) في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، شمل "العراق وتركيا وقطر والإمارات والكويت والبحرين"، الذين يستضيفون قواعد أميركية، من عدم إتاحة مجالهم الجوي وأراضيهم للجيش الأميركي.
وقال المسؤول الإيراني: إن إيران أرسلت تحذيرات لهذه الدول من أن مثل هذا الإجراء “ستكون له عواقب وخيمة عليهم”. مضيفا أن "المرشد علي خامنئي وضع القوات المسلحة في حالة تأهب قصوى".
"دور الوسيط"
لكن التحذيرات الإيرانية، سبقها اتصال هاتفي أجراه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جرى خلاله التباحث في شؤون المنطقة، وذلك أثناء تبادل التهاني بمناسبة عيد الفطر.
وهذا الاتصال ليس الأول بين الجانبين، لكنه يتّسم بأهمية لافتة، إذا ما وضعناه في إطار المتغيّرات والتطورات السياسية والأمنية في المنطقة، خاصة أن إيران وجّهت في الآونة الأخيرة رسائل "تطمينية" إلى جيرانها، لا سيما دول الخليج العربية.
بخصوص فحوى الاتصال، فإن البيان الرسمي السعودي أشار إلى أن بزشكيان وابن سلمان بحثا تطورات الأحداث بالمنطقة، واستعرضا عددا من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
أما البيان الإيراني فكان أكثر شمولية، وتضمن تأكيدا إيرانيا على أن طهران لا تسعى لاستخدام الطاقة النووية غير السلمية، وأنها مستعدة للسماح بأن يتم التحقّق بشكل كامل من الأنشطة النووية الإيرانية، "كما حدث في كل الأعوام السابقة". وفقا للبيان.
وتحدّث البيان أيضا عن أن طهران "مستعدة للتفاعل والتفاوض من أجل حل بعض التوترات، على أساس المصالح والاحترام المتبادل"، وأنها لا تبحث عن الحرب مع أي دولة، لكنها "لن تتردّد في الدفاع عن نفسها؛ ذلك أن جاهزيتها وقدراتها في هذا الصدد في أعلى مستوى".
اللافت في البيان الإيراني أنه تطرّق إلى مواقف ولي العهد السعودي، في التعاون بين إيران والسعودية والدول الأخرى بالمنطقة، ورغبة بلاده في لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن.
وجاء على لسان ابن سلمان- وفقا للبيان الإيراني- أنه يمكن أن "يسهم بشكل فعّال في تعزيز الاستقرار وإرساء السلام، وأن الرياض مستعدة للعب دور في المساعدة على حل أي توتر وزعزعة للأمن في المنطقة".
وفي هذا الصدد، لم يستبعد الباحث في الشؤون الإيرانية، حكم أمهز، أن تلعب الرياض دور الوسيط في الملف الأميركي الإيراني، حسبما نقلت شبكة "بي بي سي" في 4 أبريل 2025.
ووفقا للباحث، فإن "طهران ترحّب بالسعودية وسيطا في هذا الملف، سواء تولته منفردة أم مع دول أخرى كقطر أو سلطنة عمان التي كانت عادة تقوم بدور الوسيط بين إيران والغرب". مؤكدا: "نحن أبعد من أن نكون على أبواب حرب، أرى أن التسوية هي الأقرب للواقع".
تجنب إيران ذكر السعودية، يأتي خلافا لما أقدمت عليه في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حين حذرتها خلال اجتماعات بين وزير خارجيتها عباس عراقجي ومسؤولين سعوديين في الرياض، من أن بلاده لا تستطيع ضمان سلامة منشآت النفط في المملكة إذا حصلت إسرائيل على أي مساعدة لتنفيذ هجوم على أراضيها.

"حاجة إيرانية"
من جهته، قال الباحث العراقي، مؤيد الدوري: إن غياب السعودية عن الدول التي بعثت لها تحذيرات، يعزز الحديث عن أن طهران بحاجة إلى الرياض أكثر من أي وقت مضى، من أجل التوسط لدى الولايات المتحدة، وتجنب أي ضربة عسكرية محتملة عليها.
وأوضح الدوري لـ"الاستقلال" أن "إيران تعرف من أين تؤكل الكتف؛ فهي لاحظت جيدا كيف لعبت السعودية دور الوسيط في الحرب الأوكرانية الروسية، وجمعت المسؤولين الروس والأميركيين على طاولة واحدة لإنهاء هذه الحرب التي بدأت منذ 24 فبراير/ شباط 2022، بالتالي الرياض باتت خيارا أفضل لطهران من مسقط أو الدوحة".
من هنا يرتدي الاتصال الأخير الذي أجراه بزشكيان مع ابن سلمان أهميته الخاصة، فالرئيس الإيراني يعرف تماما أهمية دور الرياض في ترتيب أكبر تحول في السياسة العالمية منذ مطلع القرن، وبلاده تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مساعدة دول الخليج وفي مقدمتها السعودية؛ لتجنب العزلة والضربات المحتملة، وفقا للكاتب اللبناني طوني فرنسيس.
وأضاف فرنسيس خلال مقال نشرته صحيفة "إندبندنت عربية" في 7 أبريل، أن "إيران ترى في السعودية الآن طرفا يمكن الاعتماد عليه في التوصل إلى مخارج، خصوصا مع تنامي الدور الكبير الذي تضطلع به الرياض في ترتيب الحوار الأميركي- الروسي".
وتابع: "وكذلك عشية استضافتها المرتقبة لترامب، وربما للقاء الأبرز بينه وبوتين، لكن الأمور في خواتيمها ومصير الاشتباك الأميركي- الإيراني لن تكون معزولة عن حصيلة المفاوضات الأميركية– الروسية".
وفي الأول من أبريل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه زيارة السعودية في وقت قريب قد يكون في مايو/ أيار لتوقيع اتفاقية استثمارية، وذلك في أول زيارة خارجية له خلال ولايته الثانية، مع وجود خطط لزيارة قطر والإمارات.
وقال ترامب لصحفيين في المكتب البيضاوي: "قد تكون الزيارة الشهر المقبل، أو ربما بعد ذلك بقليل".
وأكد ترامب، مرارا خلال تصريحات أدلى بها في أوائل مارس 2025، أن زيارته إلى السعودية تستهدف إبرام اتفاقية تستثمر بموجبها الرياض ما يزيد عن تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك شراء معدات عسكرية.
وفي الأول من أبريل رجح مصدر مطلع في حديث لوكالة "فرانس برس" (لم تسمه) أن "تشمل موضوعات النقاش في الرياض حرب روسيا المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا والحرب في غزة".

"تجنب التداعيات"
وعن الأسباب التي تدفع الرياض للعب دور الوساطة، والمصلحة التي يمكن أن تحققها من وراء ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري: إن "السعودية في سياستها الخارجية لا تتعامل مع الخصم بشكل عدواني وهجومي".
وأضاف الجبوري خلال حديث سابق مع "الاستقلال" نشر في 26 فبراير، أنه "لو افترضنا أن هناك شيئا في هذا الاتجاه (وساطة سعودية بين الولايات المتحدة وإيران)، فإنه كما هو معلوم أن السياسة الخارجية للمملكة غالبا ما تتسم بالهدوء؛ إذ إنها تفضل المصلحة العامة للمنطقة بشكل عام".
وأشار إلى أنه "رغم أن إيران اليوم وضعت في زاوية حرجة وتلقت ضربة موجعة في سوريا ولبنان، وأن مشروعها الطائفي بالمنطقة أصبح في حالة تقلص؛ فإنه ليس من فلسفة الرياض أن تستغل الفرصة وتزيد الهجوم عليها؛ لأنه قطعا ستكون هناك ردة فعل، وبالتالي لن تستقر المنطقة".
وبحسب الجبوري، فإن "السعودية تفضل الذهاب باتجاهين؛ الأول التهدئة وإيجاد الحلول، وأيضا أن تترك الأمر إلى الشأن الداخلي، إن كان هناك شيء داخل الشارع الإيراني لا تتدخل فيه المملكة".
ولفت إلى أن "السعودية اتخذت مسارا في سياستها الخارجية التي اتبعها ولي العهد محمد بن سلمان، يتمثل في الاتجاه نحو العولمة، ومن هنا يأتي التقارب الذي جرى مع روسيا والصين والهند والبرازيل، والدخول في عضوية بريكس"، التكتل السياسي الاقتصادي الدولي.
وخلص الجبوري إلى أن "كل هذه مؤشرات تشير إلى أن الرياض لا تريد أن تدخل في نزاعات جانبية وإن كانت تؤذي المنطقة، وأنها تفضل الذهاب إلى الاستقرار الدائم لصالح شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وتنعكس على المناخ الدولي".
وتعد السعودية اليوم منفتحة على التوسط بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإيران؛ سعيا للتوصل إلى اتفاق جديد للحد من برنامج طهران النووي، حسبما نشرت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 16 فبراير 2025.
وتشعر السعودية بالقلق من أن إيران قد تكون أكثر ميلا إلى السعي للحصول على سلاح نووي الآن بعد أن جرى إضعاف وكلائها الإقليميين- الذين كان ينظر إليهم منذ فترة طويلة على أنهم رادع ضد الهجمات الإسرائيلية- بشكل كبير، وفقا للشبكة الأميركية.
وتأمل المملكة في الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع ترامب لتزويد إيران بجسر دبلوماسي إلى البيت الأبيض.

ويرى المسؤولون السعوديون أن المشهد الإقليمي الحالي يمثل فرصة تاريخية لتهدئة التوترات مع إيران وتحسين العلاقات، ويصرون على أنهم لا يريدون أي دور في أي مواجهة أميركية أو إسرائيلية مع الجانب الإيراني، وفق الشبكة.
وأردفت أنهم يشعرون بالقلق من أن طهران المحاصرة قد تكون أكثر استعدادا لتطوير قنبلة نووية وينظرون إلى اتفاق نووي جديد كوسيلة لمنع ذلك. وأكدت أنهم "لا يعتقدون أن إيران الضعيفة بشدة تخدم مصالح السعودية".
وفي عام 2015 رحّبت السعودية علنا بالاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، لكنها كانت غاضبة سرا من إدارة باراك أوباما وقتها؛ وذلك بسبب فشلها في معالجة مخاوفها بشأن أنشطة طهران الإقليمية- خاصة برنامجها الصاروخي ومجموعاتها الوكيلة من اليمن إلى العراق ولبنان، والتي عدتها الرياض تهديدا للاستقرار الإقليمي.
لكن الرياض عادت ورحّبت لاحقا بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وبعدها بعام تعرضت منشآت النفط السعودية لهجوم كبير بطائرات بدون طيار وصاروخ أدى إلى خفض إنتاجها إلى النصف مؤقتا.
وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية في حينها مسؤوليتها عن الهجوم على منشآت المملكة النفطية، ردا على الهجمات السعودية الإماراتية ضد مناطق سيطرة الحوثي حينها.