تقدر بـ14 مليار دولار.. ما تفاصيل قانون يسمح بنهب أوقاف المسلمين في الهند؟

"قانون حكومة مودي يمثل استيلاء هائلا على الأراضي"
رغم إطلاق مسلمي الهند حملة وطنية ضد قانون جديد يستهدف نهب أوقاف المسلمين في 24 مارس/ آذار 2025، وافق البرلمان بغرفتيه عليه في 3 أبريل/نيسان 2025.
ليفتح بذلك الباب أمام نهب آلاف الأوقاف الإسلامية، التي يقدر ثمنها بـ14 مليار دولار، فيما لا تُقدر قيمتها التاريخية بثمن.
وذلك وسط تأكيد زعماء المسلمين أن المستهدف ليس الأوقاف بحد ذاتها، ولكن ما تعنيه لهوية الهند وتاريخها الإسلامي القديم، الذي يسعى الحزب الحاكم لمحوه، ضمن خطة تحويل الهند "دولة هندوسية خالصة".
وسيسمح القانون بفرض سيطرة حكومة الحزب الهندوسي الحاكم "بهاراتيا جاناتا" على الآلاف من الأوقاف والمواقع الإسلامية.
ويشكل مبررا آخر لتصعيد حملة الهجوم الموسعة ضد المساجد التاريخية التي يزعم هندوس أن أصلها معابد بنيت فوقها مساجد، والتعدي عليها.
ويهدف القانون المُعدل إلى إضافة "غير المسلمين" إلى المجالس التي تدير أوقاف الأراضي، ومنح الحكومة دورا أكبر في التحقق من ملكيتهم للأراضي.
ردود واسعة
ضمن حملته المستمرة لدعم الأيدولوجية الهندوسية المتطرفة، التي تستهدف المسلمين ومقدساتهم وممتلكاتهم، وتحويل الهند دولة هندوسية خالصة، سن رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي، قانونا لتأميم أوقاف المسلمين، التي تشرف على مساجد ومقابر ومواقع إسلامية.
وفي عام 2023، أعلنت الحكومة عن نيتها الاستيلاء على 123 من هذه الأوقاف، بما في ذلك مسجد شارع البرلمان، الذي يستخدمه البرلمانيون المسلمون منذ عام 1947، وتطمع فيه الحكومة الهندوسية، مع العديد من الممتلكات لإخضاعها لسيطرتها.
وبسبب فقدانه أغلبيته في البرلمان، أحال مودي مشروع قانون الأوقاف (DMK) إلى لجنة برلمانية مشتركة في أغسطس/آب 2024.
واستهدف القانون الذي أعلن عنه في 8 مارس 2025، فرض سيطرة الحكومة الهندوسية على الآلاف من هذه الأوقاف والمواقع الإسلامية، وتعيين هندوس وغير مسلمين ضمن هيئة الوقف، بما يحوله عمليا إلى ملكية الدولة.
فبموجب هذا القانون، ستتمكن الحكومة من الاستيلاء على آلاف الممتلكات الوقفية من الأراضي والمساجد والمباني، وإلغاء تصنيف "الوقف الإسلامي" عن العديد من المواقع التاريخية، لتبرير الاستيلاء عليها وهدمها.
وقد تم حشد النواب للتصويت عليه في 3 أبريل 2025، ووافق مجلس النواب (لوك سابها) بأغلبية 288 صوتا مقابل 232، على القانون، وهي الخطوة الأهم لتمريره.
ثم تم إقراره في اليوم التالي، بمجلس الشيوخ (راجيا سابها) بأغلبية 128 صوتا مقابل 95 صوتا معارضا، ما أثار ردود فعل سياسية واسعة النطاق وانتقادات حيث وُصف القانون بأنه "معادٍ للمسلمين" و"غير دستوري".
ولكي يصبح قانونا نافذا، لم يتبق سوى تقديمه إلى الرئيسة دروبادي مورمو، للموافقة عليه، وهي خطوة من المتوقع أن تمر أيضا.
ويرى مسلمون ومعارضون للقانون، أنه يمثل جبهة حرب جديدة في جهود حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم للاستيلاء على حقوق المسلمين في الهند، فمنذ توليه السلطة عام 2014، منح مودي الجنسية السريعة للاجئين غير المسلمين من الدول المجاورة.
وجرد كشمير ذات الأغلبية المسلمة من استقلالها، وتعهد بإلغاء أحكام قانون الأسرة المسلمة.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، افتتح معبدا هندوسيا جديدا بمدينة أيوديا، في موقع مسجد قديم دمره القوميون الهندوس عام 1992.
معالم شهيرة
ويهدف "قانون مودي" الجديد للاستيلاء على الأوقاف كلها بما فيها المساجد والآثار التاريخية، بحجة عدم الحصول على تراخيص بناء، أو للحاجة إلى استخدام بعض هذه المباني الإسلامية التاريخية من جانب الحكومة.
وتسعى حكومة مودي للاستيلاء على مسجد شارع البرلمان في مدينة دلهي، والقصر المكون من 27 طابقا في مومباي، الذي يعد المنزل الخاص لموكيش أمباني، أغنى شخص في الهند، وهي من أشهر هذه الأوقاف.
والمسجد مبني على الطراز المغولي وهو مكان للعبادة الإسلامية منذ حوالي 300 عام ويضم منزل أمباني، الذي يُصنف باعتباره "نموذجا أوليا لمباني المستقبل"، ويدخل ضمن النزاع حول ممتلكات الوقف في الهند.
وسيسمح القانون للحكومة بالاستيلاء على آلاف العقارات الوقفية التي تستخدمها بالفعل، بعد أن احتلتها جزئيا أو كليا، وإلغاء تصنيف "الوقف من قبل المستخدم" للعديد من المواقع القديمة، التي تفتقر إلى دليل وثائقي على وضعها.
والأخطر في هذا القانون أنه قد يشمل معالم إسلامية وطنية شهيرة مثل "تاج محل".
ففي عام 2005، منعت المحكمة العليا عملية تسجيل تاج محل، الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان في القرن السابع عشر، ضمن الممتلكات الوقفية.
وللسخرية طلبت المحكمة الاطلاع على توقيع الإمبراطور (المتوفي منذ قرون) على سند الملكية.
وتزعم هيئة المسح الأثري في الهند، التي تسيطر على هذا النصب التذكاري، أن 256 عقارا آخر تديرها هي عقارات وقفية، مما يعقد عملها، لتبرير هذا النهب للأوقاف.
حجم الوقف
ويقدر حجم الوقف الإسلامي في الهند، الذي يضم الأراضي أو المباني التي يمنحها المسلمون كأوقاف للاستخدام الديني أو الخيري، وغالبا ما تكون مساجد أو مقابر، نحو 872 ألف عقار، بقيمة 14.22 مليار دولار.
ويعود تاريخ بعض هذه الأوقاف إلى قرون مضت، ويُستخدم الكثير منها للمساجد والمعاهد الدينية والمقابر ودور الأيتام.
وتُدار ممتلكات الوقف من قبل مجالس شبه رسمية، واحدة لكل ولاية من ولايات البلاد والأقاليم الاتحادية.
ويشترط القانون تعيين غير المسلمين في هذه المجالس، وفي الوقت الحالي، تتكون مجالس الأوقاف من مسلمين فقط.
وبسبب حجم ملكيتها الذي يفوق الـ14 مليار دولار، يجعل هذا "مجالس الأوقاف" التي تسيطر عليها "ثالث أكبر مالك للأراضي في الهند، بعد الجيش والسكك الحديدية"، وفقا لموقع "ذا برينت" المحلي في 10 مارس 2023.
ويوجد في ولاية أوتار براديش، وحدها أكثر من 232 ألف عقار وقف، أكثر من أي ولاية أخرى، كما يوجد عقارات أوقاف في دلهي العاصمة، تحتل الوكالات الحكومية العديد منها رغم أنها من ممتلكات الوقف.
وتزعم الحكومة أن مشروع قانون الأوقاف الجديد "يحسن التشريعات القديمة التي سمحت بانتهاكات واسعة النطاق في إدارة ممتلكات الأوقاف".
وادعى رئيس الوزراء مودي، وهو يبرر القانون، أن حزب المؤتمر (المعارض)، منح مجالس الأوقاف قدرا كبيرا من الاستقلالية "لاسترضاء" الناخبين المسلمين، وذلك لإعطاء الأمر طابعا سياسيا ودينيا.
وبسبب تمرير الحزب الهندوسي هذا القانون، استقال اثنان من كبار القادة المسلمين في حزب "جاناتا دال" (المتحد) العلماني، المتحالف مع الحزب الحاكم، بحسب موقع "مكتوب ميديا" الهندي في 3 أبريل 2025.
وانسحب كبار القادة في الحزب، وهم محمد قاسم أنصاري ومحمد نواز مالك من جميع مناصبهم، منتقدين دعم الحزب لمشروع قانون تعديل الأوقاف، الذي تم تمريره في مجلس النواب (لوك سابها) رغم المعارضة واسعة النطاق.
وفي رسالة إلى رئيس حزب جاناتا دال (يونايتد) ورئيس وزراء ولاية بيهار نيتيش كومار، قال أنصاري: إن هذا الأمر "أدى إلى كسر ثقة العديد من المسلمين الهنود الذين رأوا في حزب جاناتا دال (يونايتد) مدافعا عن القيم العلمانية"، وحرية العقيدة.
وقال نواز مالك، في خطاب استقالته إن "مشروع قانون الوقف مُعادٍ للمسلمين الهنود، ولا يُمكننا قبوله تحت أي ظرف لأنه ينتهك العديد من الحقوق الأساسية بالدستور".
هدف القانون
يتهم حزب المؤتمر الوطني المعارض وأحزاب المعارضة مشروع قانون حكومة مودي بأنه "يمثل استيلاء هائلا على الأراضي، وهو أحدث ضربة في حملة مودي للترويج لأيديولوجيته القومية الهندوسية".
ويقول أسد الدين عويسي، وهو عضو برلماني مسلم، إن "هذا القانون لا علاقة له بحماية العقارات الوقفية أو زيادة عائداتها، لقد تم سن هذا القانون بهدف الاستيلاء على ممتلكات المسلمين، وفرض سيطرة حكومية أكبر عليها".
ويخشى سيد سعدات الله حسيني، رئيس الجماعة الإسلامية الهندية، إحدى أكبر المنظمات الاجتماعية الإسلامية بالبلاد، أن يؤدي هذا القانون أيضا إلى تدمير العديد من هذه العقارات الوقفية والاستيلاء عليها.
ويعترف علماء ومسلمون، بأن مجالس الأوقاف تحتاج إلى الإصلاح، لكنهم يقولون إن القانون الجديد يفرض أعباء يطالبون بها الأوقاف الإسلامية فقط لا "الهندوسية" وغيرها من الديانات، وقد تم وضعه دون التشاور بشكل صحيح مع زعماء المجتمع المسلم.
ويأتي هذا القانون بعد حملة تحريض ضد المساجد والمدارس الدينية ومقابر المسلمين وأراضي موقوفة تُستخدم للأعمال الخيرية، بحيث تستولي الحكومة بموجبه على ما تشاء من هذه الأراضي والممتلكات.
لذا سيوسع القانون المعدل سيطرة الحكومة المركزية على ممتلكات الأوقاف المملوكة للمسلمين، ووصفه مسلمون ومعارضون هنود بأنه "سلاح يهدف إلى تهميش المسلمين وغصب حقوقهم الشخصية وحقوقهم الملكية".
وتحاول الحكومة المركزية من خلال تعديل قانون الأوقاف لعام 1995 توسيع سيطرتها على ممتلكات الأوقاف المملوكة للمسلمين.
ويمنحها مشروع القانون المذكور الحق في إجراء التفتيش والتدخل في ممتلكات وأراضي الأوقاف الإسلامية الناشطة في شؤون دينية أو تعليمية أو خيرية.
غير دستوري
وأجمعت أحزاب المعارضة على رفض القانون، ووصفت معظمها المشروع بأنه "غير دستوري".
وعارض حزب المؤتمر الوطني، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، مشروع القانون، مؤكدا أنه غير دستوري وينطوي على تمييز ضد المسلمين.
وقال رئيس حزب المؤتمر الوطني، مالليكارجون خارغه، خلال مداخلته في مجلس الشيوخ: إن "هذا القانون ليس جيدا لا للمسلمين ولا لدستورنا".
وتتمثل إحدى أبرز التعديلات المثيرة للجدل في منح غير المسلمين مناصب رئيسية في مجالس الوقف، وهي خطوة لاقت رفضا كبيرا.
ووصف الرئيس السابق والعضو البارز في حزب المؤتمر الوطني، راهول غاندي، في منشور عبر حسابه على منصة "إكس"، مشروع (تعديل) قانون الأوقاف بأنه "سلاح يهدف إلى تهميش المسلمين والاستيلاء على حقوق الملكية الخاصة بهم".
ووصف ما يجري بأنه "هجوم على الدستور من قبل منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ وحزب بهاراتيا جاناتا وحلفائهما يستهدف المسلمين اليوم، ولكنه يشكل سابقة لاستهداف مجتمعات أخرى في المستقبل".
وأكد معارضة الحزب هذا التشريع "لأنه يهاجم فكرة الهند ذاتها وينتهك المادة 25، بشأن الحق في حرية الدين".
وحسب وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 4 أبريل 2025، تهدف تعديلات القانون إلى منح الحكومة سلطات أوسع في إدارة ممتلكات الوقف، من أراض أو عقارات خصصها مسلمون لأغراض دينية أو خيرية أو تعليمية.
ويُحظر استخدامها أو بيعها لأغراض أخرى، وقد تم التبرع بالعديد منها شفهيا ما قد يسهل استيلاء الحكومة عليها.
فحسب القانون الجديد، يتوجب على مجالس الوقف تقديم وثائق قانونية رسمية تثبت ملكيتها لتلك العقارات أثناء عمليات المسح، وإلا فإنها قد تنتقل ملكيتها إلى الحكومة.
كما يسمح القانون الجديد باسترداد الأراضي المملوكة للدولة التي كانت قد خصصت سابقا للوقف، ويوسع من صلاحيات الحكومة الفيدرالية في عمليات تسجيل هذه الممتلكات وتدقيقها.
وقد حاول وزير شؤون الأقليات، كيرين ريجيجو، نفي "الادعاءات القائلة بأن مشروع قانون الأوقاف المُعدل لعام 2025 سيضر بمصالح المسلمين".
وأكد أنه "لا يجوز لغير المسلمين التدخل في شؤون مجلس الأوقاف، لأن إدارته والمستفيدين منه سيكونون من المسلمين فقط"، بحسب موقع "خدمة الأخبار الهندية" في 3 أبريل 2025، رغم أن القانون يسمح بتعيين غير مسلمين.
وفي خطوة أخيرة لمنع تمرير وتنفيذ هذا القانون، قرر حزبا "المؤتمر" و"درافيدا مونيترا كازاجام" الطعن عليه أمام المحكمة العليا باعتباره يتعارض مع دستور البلاد والحرية الدينية فيه.
ووصف الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني، جيرم راميش، قانون الوقف (التعديل) بأنه غير دستوري؛ لأنه يعادي القيم الديمقراطية، والمبادئ والأحكام والممارسات الواردة في دستور الهند.
وأثارت العديد من أحزاب المعارضة، منها رابطة المسلمين الهندية، وترينامول كونغرس، وعام آدمي، وساماجوادي، وجاناتا دال، والأحزاب اليسارية، عن مخاوف جدية من القانون وطالبوا الحكومة بسحبه.
وانتقدت صحف هندية، منها "ساوث فيرست" أو "الجنوب أولا" في 5 أبريل 2025، القانون، مؤكدة أنه من الخطأ اعتبار إقرار مشروع قانون الوقف "قضية إسلامية" فقط؛ لأنه يؤثر على كل أنحاء الهند، وسيجعل الحكومة تطبق هذا الاستثناء تدريجيا، وتنقلب على كل مبادئ الهند.
وأوضحت صحيفة "ساوث فيرست" أن "أي شيء يؤثر على 14.2 بالمئة من الهنود (عدد المسلمين المفترض منذ 14 عاما، لأنه لم يجر تعداد منذ ذلك الحين) يهم الهند بأكملها".
وأكدت أن “تهميش المسلمين -الذي يتضح جليا في تغيير أسمائهم، وتهميشهم ثقافيا، وغيابهم سياسيا- يُسهم إسهاما كبيرا في جعل الهند كأنها الأرض المقدسة التي يسكنها الهندوس وحدهم، وليس المسلمين والمسيحيين والشيوعيين، الذين لا يرونها بهذه الطريقة تماما”.
المصادر
- India’s parliament set to debate controversial law on Muslim endowments
- India's Waqf Bill: Modernization or Muslim Rights Violation?
- India Parliament Passes Controversial Muslim Property Law
- “All trust lost”: 2 senior Muslim leaders of JDU resign over party’s support to Waqf Bill
- No Non-Muslim Can Interfere In Waqf Board, Says Kiren Rijiju
- Why the Waqf Bill passage is not a ‘Muslim’ issue, it affects all of India