بصمة تاريخية.. لماذا يعترف ماكرون الآن بالدولة الفلسطينية؟

“هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في تقليص الفجوة المتزايدة”
أثار إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نية بلاده الاعتراف رسميا بدولة فلسطينية في سبتمبر/ أيلول 2025، موجة من الجدل على الساحة الدولية.
في هذا السياق، استعرض موقع "واللا" العبري الدوافع الداخلية والخارجية التي دفعت ماكرون للتصريح بعزمه الاعتراف بدولة فلسطين.
وسلط الضوء على الضغوط غير المسبوقة التي تمارسها إسرائيل على باريس لثنيها عن اتخاذ هذه الخطوة.
كما تحدث عن ردود الفعل في الشارع الفرنسي بشأن الاعتراف المرتقب، متناولا في الوقت ذاته تأثير هذه الخطوة على فرص مسار السلام بين فلسطين وإسرائيل.
تهدئة المسلمين
وأشار الموقع إلى أن ماكرون "يقدم هذه المبادرة بوصفها امتدادا لالتزامه بحل الدولتين؛ حيث تخطط فرنسا لعقد مؤتمر دولي بالتعاون مع السعودية بهدف رسم خارطة طريق جديدة للسلام".
وهو مؤتمر كان من المقرر عقده في يونيو/ حزيران 2025، لكن أُجل بسبب الحرب الإسرائيلية على إيران.
ويرى الموقع أنه "منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تذبذب موقف ماكرون بين انتقاد إسرائيل ودعمها، ليجد نفسه اليوم أمام لحظة حاسمة مشحونة عاطفيا وسياسيا في آن واحد".
ويقدر أن "إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية لا يُعد مسألة جيوسياسية فحسب، بل هو سلسلة من التفاعلات التي تتأثر بالواقع الداخلي المعقد في فرنسا".
حيث أشار تقرير رسمي نشر أخيرا عن وزارة الداخلية الفرنسية، إلى أن "هذا الاعتراف قد يُستخدم كأداة لـ(تهدئة) المسلمين في فرنسا، الذين يعبرون بشكل متكرر عن شعورهم بالتهميش نتيجة الدعم التقليدي الفرنسي لإسرائيل".
ووفقا للتقرير، فإن هذه الخطوة من شأنها أن "تسهم في تقليص الفجوة المتزايدة بين الجاليتين المسلمة واليهودية في فرنسا، وهما الأكبر من نوعهما في أوروبا".
مع ذلك، يعتقد الموقع أنه "بين السطور تبرز قصة أعمق حول اعتراف ماكرون بفلسطين؛ إذ يبدو أن الرئيس الفرنسي يحاول ترك بصمة تاريخية في ولايته الرئاسية الأخيرة".
وأضاف: "فالاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى لو كان رمزيا، قد يُعَدّ حدثا محوريا في المشهد الدبلوماسي الأوروبي".
في المقابل، نقل الموقع العبري عن كبار الدبلوماسيين في كل من أوروبا والولايات المتحدة، تحذيرهم من أن "هذه الخطوة قد تقوض فرص تحقيق السلام".
ويزعمون أن "الاعتراف المبكر جدا، قد يفقد الفلسطينيين الحافز للانخراط في مفاوضات جادة، كما يمكن أن يضعف الإجماع الغربي ويعمق شعور إسرائيل بالعزلة، ما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد بدلا من التهدئة".
ضغوط غير مسبوقة
من جهة أخرى، كشف الموقع أنه "من خلف الكواليس تمارس إسرائيل ضغوطا غير مسبوقة على فرنسا لمنع الاعتراف، مدعومة في ذلك من الولايات المتحدة التي تواصل دعمها الثابت لتل أبيب".
وبحسبه "تشمل أدوات الضغط الإسرائيلية، التلويح بوقف بعض أوجه التعاون، بما في ذلك التعاون الأمني، إلى جانب تلميحات صريحة نحو خطوات أحادية مثل ضم أراضٍ وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية".
وفي هذا الإطار، "يأتي (إعلان السيادة) الذي أقره الكنيست أخيرا بأغلبية الأصوات، والذي، رغم طابعه الرمزي، يحمل رسالة إسرائيلية واضحة لا تحتمل التأويل، وقد وصلت بلا شك إلى باريس وغيرها من العواصم الأوروبية".
الجدير بالذكر أن إعلان السيادة هو اقتراح غير ملزم بشأن إعلان السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن.
واستدرك الموقع: "لكن يبدو أن ماكرون لا يتأثر بهذه الضغوط أو التهديدات، فبالنسبة له، يمثل هذا الإعلان لحظة تاريخية حاسمة، وإذا كانت هناك فرصة سانحة لإحداث تأثير حقيقي، فهي الآن".
وقال الموقع: "يبدو أن الرأي العام الفرنسي نفسه منقسم حول هذه الخطوة".
وتابع: "فمن جهة، يرى البعض أنها خطوة تاريخية وإيجابية، تمثل إنصافا تاريخيا للفلسطينيين".
ومن جهة أخرى، "يحذر آخرون من ردود فعل داخلية سلبية، قد تؤدي إلى توتر العلاقات مع إسرائيل، بل وربما تفاقم ظاهرة معاداة السامية".
وهكذا، يرى الموقع أن "النقاش حول الاعتراف بفلسطين تحول منذ زمن طويل من مجرد قضية دبلوماسية إلى مرآة تعكس الهوية الوطنية الفرنسية".
أما بالنسبة لماكرون، فإن هذه الخطوة "تمثل محاولة للجمع بين القيم الفرنسية التقليدية، مثل المساواة وحرية المعتقد، وبين مقاربة إستراتيجية جديدة تجاه قضايا الشرق الأوسط".
ومع ذلك، تساءل الموقع: “هل تُعد هذه الخطوة فعلا نابعة من دوافع أخلاقية؟ أم أنها مناورة سياسية؟ أم مجرد تحرك درامي من رئيس يسعى لترك بصمة تاريخية في سنواته الأخيرة في الحكم؟”
واختتم قائلا: "في حال تنفيذ الخطوة، يأمل ماكرون أن يُعيد تشكيل دور باريس ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في تعريف فرنسا لنفسها كدولة تسعى إلى التوازن بين تقاليدها الراسخة والتغيير، وبين الواقعية السياسية والأمل".