الهجوم على جماعة الإخوان بفرنسا.. ما علاقته بمناورات السياسة والانتخابات؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في تقرير تحليلي نشر على موقع "أتلانتيكو" الفرنسي، سلط الضوء على ما وصفه بـ"التهديد الجاد" الذي تمثّله جماعة الإخوان المسلمين للديمقراطية الفرنسية، مقدرا أن هذا التحدي يتجاوز الحسابات الحزبية والسياسية الضيقة. 

ووفقا للتقرير، فإن موجة الجدل المتجددة في فرنسا حول نفوذ الجماعة ليست مجرد ورقة انتخابية بيد السياسيين، بل تعكس قلقا حقيقيا من "تغلغل إخواني ممنهج وهادئ" داخل المؤسسات والمجتمع المدني.

كما زعم التقرير وجود دعم شعبي واسع لاتخاذ إجراءات حازمة ضد الجماعة؛ حيث يؤيد نحو 90 بالمئة من الفرنسيين حظرها. بحسب استطلاع حديث. 

كما كشف عن وجود 139 مكانا للعبادة و280 جمعية يشتبه في ارتباطها بجماعة الإخوان، تعمل ضمن قطاعات حيوية مثل التعليم والرياضة وتستفيد من تمويلات أجنبية. 

ووفق ما أوردته مراكز بحثية وهيئات أوروبية وأمنية، فإن النشاط الإخواني لا يقتصر على فرنسا فقط، بل يمتد إلى دول أوروبية أخرى من خلال أدوات مؤسسية مثل مجلس المسلمين في أوروبا ومنتدى المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية الأوروبية (FEMYSO).

واختتم التقرير بالتأكيد على أن "المعركة لا تتعلق بالإسلام كدين، بل بمقاومة توظيفه السياسي، الذي من شأنه أن يهدّد قيم الجمهورية والتماسك الاجتماعي في فرنسا وأوروبا".

مناورة سياسية

من وجهة نظر بروكسل، قد يكون من المغري، كما أشار التقرير، "التقليل من أهمية النشاط المتجدد حول جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وعده مجرد مناورة من النخب السياسية تسعى من خلالها للحصول على مكاسب انتخابية، عبر التظاهر بالتشدد إزاء هذه المسألة".

ورغم تأكيده على وجود بعض المناورات السياسية الجارية في هذا السياق، إلا أنه يزعم -في ذات الوقت- أن "التهديد الذي يشكله (التغلغل) الإخواني هو تهديد حقيقي في فرنسا كما في أماكن أخرى".

كما يؤكد أنّ "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزم تمرير قوانين جديدة بحلول نهاية الصيف بهدف مواجهة هذا التيار، في حين يريد رئيس الوزراء السابق غابرييل أتال منع ارتداء الحجاب للفتيات دون سن الخامسة عشرة". 

من جهتها، طالبت مارين لوبان بـ"تسمية الأمور بمسمياتها". فقالت: "إنها أيديولوجيا شمولية، يجب البحث عنها وفضحها وتفكيك تمويلها وحظر منشوراتها". 

ومن الواضح، بحسب التقرير، أن "كل طرف يسعى لإظهار نفسه كمدافع عن القيم الفرنسية وحامي الجمهورية في وجه التهديد الإخواني". 

كما تظهر استطلاعات الرأي أن "الناخبين الفرنسيين يفضلون هذا التوجه المتشدد؛ إذ يوافق حوالي تسعة من كل عشرة مواطنين على حظر جماعة الإخوان المسلمين".

ورغم حضور المكاسب السياسية في المشهد، لكن التقرير يشدّد على أن "تهديد التنظيم لا يقل خطورة، وهو ما يبرر اتخاذ إجراءات حاسمة".

لافتا إلى أن "تقريرا حديثا للحكومة الفرنسية حدد 139 مكانا للعبادة تابعة لاتحاد مسلمي فرنسا (المعروف سابقا باتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا)، الذي يعد فرعا فرنسيا لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى 68 موقعا آخر يعد قريبا من هذا التيار". 

ويمثل هذا العدد -حسب الموقع الفرنسي- ما نسبته 7 بالمئة من أصل 2800 مسجد في فرنسا، تستقبل نحو 91 ألف مصل من أصل 7.5 ملايين مسلم في البلاد.

وهنا، يعقب التقرير بالقول: "هذه الأرقام متواضعة بالتأكيد، لكنها ليست جوهر المشكلة هنا".

لافتا إلى أن المشكلة الأساسية، كما حددها المركز الأوروبي للقانون والعدالة (ECLJ)، تكمن في "التبشير والقدرة المتزايدة على التأثير لدى الإخوان المسلمين". 

كما ادعى التقرير الحكومي الفرنسي أن "أيديولوجيا الجماعة تمثل تهديدا يتوسع بطريقة خفية وتدريجية، ويقوض التماسك الوطني عبر إستراتيجية تغلغل هادئة ومنهجية". 

وقد حدّد التقرير 280 جمعية مرتبطة بالإخوان تنشط في قطاعات متعددة من حياة المسلمين اليومية في فرنسا.

وأردف: "ويبرز التأثير الإخواني بشكل خاص، بحسب ما ورد، في قطاعي التعليم والرياضة؛ حيث رُصدت 21 مؤسسة تعليمية تضم نحو 4200 طالب ترتبط بالحركة". 

وفي هذا السياق، أورد التقرير تصريح عمار الأصفر، رئيس اتحاد مسلمي فرنسا ومؤسس مدرسة "ابن رشد" الإسلامية في ليل، في عام 2017، الذي قال فيه: "نحن لسنا جزءا من جماعة الإخوان المسلمين، ولكننا نتفق مع مدرستهم الفكرية". 

وأردف: "وفي عام 2020، تم التعرف على 127 جمعية رياضية لها صلات بحركات انفصالية، من بينها 18 جماعة سلفية و5 مرتبطة بالإخوان". 

"وفي هذه الجمعيات، التي تضم أكثر من 65 ألف منتسب، يركز المدربون والمسؤولون على الهوية العربية الإسلامية، ويشجعون الممارسات الدينية"، وفق "أتلانتيكو" الفرنسي.

“التمويل الأجنبي”

كما يزعم التقرير أن "التمويل الأجنبي يشكل محركا رئيسا لنشاط الجماعة في فرنسا". 

وقد استخدمت هذه الأموال، بشكل غير مباشر، في تمويل المساجد والمراكز التعليمية والمعاهد الدينية، خاصة المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH). 

مدعيا أن هذه الأموال "تدعم إستراتيجية دولية تشمل التعليم الديني ومبادرات الضغط وإنشاء شبكات مالية وتعليمية موازية". 

وأردف: "ورغم أن هذه المعاملات قانونية من الناحية التقنية، إلا أن التساؤل الجوهري يتمحور حول التأثير الأيديولوجي على المدى الطويل وإنشاء مؤسسات خارجة عن الإطار الروحي". 

مشددا على أن "المشكلة لا تكمن في قانونية التمويل، بل في انحيازه الأيديولوجي".

ووفق ما أورده التقرير، تملك بروكسل معلومات إضافية حول إستراتيجية التأثير والتغلغل الطويلة المدى للجماعة. 

زاعما أن "مجلس مسلمي أوروبا (CEM)، ومقرّه بروكسل منذ عام 2007، يشرف على هذه الإستراتيجية داخل الدول والمؤسسات الأوروبية". 

وأفاد بأن "من أبرز أدواته منتدى المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية الأوروبية (FEMYSO)، المسجل في سجل الشفافية التابع للاتحاد الأوروبي. 

ويضيف التقرير أنّ هؤلاء ينشطون علنا في قلب أوروبا، دون مواجهة مساءلة أو رقابة فعالة.

وفي جميع أنحاء أوروبا، كما ينقل التقرير، تعبر الأجهزة الأمنية عن قلقها العميق من نفوذ الجماعة، وفق ما ورد في تقرير من برنامج "التطرف" في جامعة جورج واشنطن الأميركية.

مضيفا أن "السلطات البلجيكية تراقب عن كثب عدة جمعيات يشتبه في ارتباطها بالإخوان".

كما أشار إلى تقرير سري للمخابرات، صدر بتاريخ أواخر أبريل/ نيسان 2025، ونقلته صحيفة "لا درنيير يور" البلجيكية الناطقة بالفرنسية في عددها الصادر يوم الأربعاء 9 يوليو/ تموز 2025، وورد فيه أن "التجمع من أجل الإدماج ومناهضة الإسلاموفوبيا في بلجيكا (CIIB)" يعد "جماعة ضغط ذات ميول إخوانية". 

كما خلص تقرير بريطاني صدر عام 2015 بإشراف السير جون جينكينز، إلى أن "أيديولوجيا الجماعة وأساليبها تتعارض مع القيم والمصالح الوطنية البريطانية، وأنها تتمتع بتأثير لا يتناسب مع حجمها العددي". 

وقد أكّدت الحكومة البريطانية حينها عزمها على "مواصلة مراقبة أنشطة وتصريحات الجماعة، وتشديد الرقابة على عمليات تمويلها داخل أراضيها".

واختتم التقرير بالقول: "المسألة لا تتعلق بحظر الإسلام، بل بمقاومة الاستغلال السياسي للدين الإسلامي؛ حيث إن هذا التسييس يهدد بشكل مباشر أسس ديمقراطيتنا". 

ويخلص التقرير إلى أن "فرنسا، إذا أرادت حماية الغالبية العظمى من مسلميها البالغ عددهم 7.5 ملايين نسمة، وحماية المبادئ الجمهورية، فعليها أن تتعامل مع هذا التهديد بجدية".