تكتيكات زهران ممداني.. إلى أي مدى ستنجح في كسب أصوات يهود نيويورك؟

"الأهم هو الوصول إلى موقع السلطة أولا وقبل كل شيء"
"إذا كنت مرشحا لمنصب عمدة المدينة التي تضم أكبر عدد من اليهود في أميركا (نحو 1.5 مليون)، فقد يكون من الجيد ألا تُظهر كرهك علنا لمَن تسعى لكسب أصواتهم".. هذه هي الإستراتيجية الذكية للمرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك زهران ممداني. بحسب صحيفة عبرية.
وفي مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، هاجمت الكاتبة الإسرائيلية، كوكي شفيبر-إيسان، ممداني، قائلة: إنه "شوهد مئات المرات في المقابلات التلفزيونية، وهو يُطلب منه باستمرار التنديد بشعار "اجعلوها انتفاضة عالمية"، الذي شاع بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
"ولذلك بذل قصارى جهده لتجنب الموضوع، ظانا أنه يستطيع التهرب من هذا الربط المفخخ عبر الاكتفاء بالقول: "حسنا، هذه ليست كلماتي التي أستخدمها".

"حيلة جديدة"
الآن، وبعد بحث مطوّل في استطلاعات الرأي، يبدو أن فريق ممداني توصّل إلى أن من الأفضل له أن ينأى بنفسه عن العبارة المرتبطة بقتل اليهود، وفق الصحيفة الإسرائيلية.
وعللت الكاتبة ذلك بالقول: "في النهاية، إذا كان جزء كبير من قاعدتك الانتخابية تتألف من أشخاص يشكّلون هدفا لذلك الطموح، فسيكون من الخطأ تنفيرهم".
ولهذا السبب، تعهّد المرشح لعمدة الولاية “بالامتناع عن استخدام العبارة مجددا، وتشجيع الآخرين على الامتناع عن استخدامها أيضا”.
وتساءلت شفيبر-إيسان: "لكن هل هذه خطوة صادقة؟ أم مجرد حيلة جديدة تهدف إلى خداع الناخبين، خاصة أن الصراحة المفرطة قد تضرّ بحملته؟"
وزعمت قائلة: "لنكن صريحين، ما صدر عنه لا يُعدّ إدانة صريحة لحملة واضحة تتبنى شعارا بات، في نظر كثيرين، مرادفا لانتشار معاداة السامية على نطاق عالمي".
وتابعت: "إن هذه الهتافات الحاشدة، بالنسبة لمعظم اليهود، تمثل دعوة للعنف، ليس فقط ضد الدولة اليهودية، بل ضد جميع اليهود في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يجعلها خطيرة ومخيفة للغاية لشريحة كبيرة من الناخبين الديمقراطيين اليهود".
وأردفت: "كلما طُلب من ممداني توضيح موقفه من استخدام ذلك المصطلح، ازداد وضوحا أنه لا يريد إثارة غضب شريحته الأخرى من المؤيدين، والمكوّنة من التقدميين اليساريين المتشددين، والشباب الذين يملؤون جامعات نيويورك برؤوسهم المغطاة بالكوفية، وهم يرفعون لافتات كتب عليها أيضا: "من النهر إلى البحر".
وتكمن المفارقة -بحسب الكاتبة- في أن هذين المعسكرين، اليهود في نيويورك والتقدميين ذوي الميول الاشتراكية، يُطلب منهما التعايش لفترة كافية لاختيار العمدة القادم للمدينة.
"لكن، ماذا يحدث عندما يكون أحد طرفي هذا التحالف عازما على إقصاء الطرف الآخر؟ هل يُكتب لمثل هذا الزواج إلا الفشل؟"
وماذا بعد أن يُنتخب ممداني؟ فلنعتبر الآن أنه حصل على المنصب، هل سيظل معاديا للسامية متخفيا يدرك أنه ليس من المناسب له تبني شعار معادٍ لليهود؟"، وأجابت الكاتبة على التساؤل الذي طرحته بأنه: "على الأرجح لا".
وقالت: "في عالم اليوم، حيث الأكثر أهمية هو الوصول إلى موقع السلطة أولا وقبل كل شيء، فعلى المرء أن يفعل ما يلزم ليصل إلى ذلك الموقع المنشود؛ حيث يمكنه إحداث التغيير الجذري في الوضع القائم، ذلك الوضع الذي يسعى في النهاية إلى تقويضه".
"وإذا كان ذلك يعني التنازل مؤقتا عن بعض القناعات، فلا بأس؛ إذ لا يمكن دخول اللعبة من خارجها. الفوز هو كل شيء، وأحيانا يتطلب ذلك إخفاء بعض القناعات"، وفق مزاعم شفيبر-إيسان.

“تردد الجالية اليهودية”
وأضافت الكاتبة الإسرائيلية أن "هذه هي الإستراتيجية الفعّالة التي يعتمدها المرشح المُعلن عن ميوله الاشتراكية، في مسعاه لكسب تأييد المجتمع اليهودي".
وأوضحت أن الجمهور اليهودي في نيويورك اعتاد التصويت للديمقراطيين، لكنه يبدو الآن مترددا في فعل ذلك، في ظل تردّد ممداني أن يتنصل من تعبير لا يمكن تفسيره إلا على أنه معادٍ للسامية.
وقالت: "نظرا لانحيازه إلى المعسكر المؤيد للفلسطينيين، يواجه مرشح رئاسة الولاية عقبة كبيرة في محاولته كسب أصوات اليهود، إذ عليه أن يسلك طريقا دقيقا للغاية في سعيه لكسب ود كلتا المجموعتين المتعارضتين، في وقت تتزايد فيه التهديدات التي تواجه الجالية اليهودية".
وادّعت أن "الطلاب اليهود وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال أصبحوا عرضة للهجمات، واضطروا لتحمّل الإهانات التي تُوجَّه إليهم لمجرد أنهم ينتمون إلى جماعة عرقية لم تعد تحظى بالقبول".
"وبسبب خشيتهم من أن يُستهدفوا، اضطر كثيرون منهم إلى التخلّي عن أي مظهر خارجي يدل على هويته، خوفا من أن يكون الضحية التالية"، بحسب زعم المقال.
وتابع: "هذه ليست حياة يمكن للناس أن يعيشوها؛ فالمجتمع الذي يُفترض أن يدافع عن الحرية والتنوع، لم يعد يضمن لليهود نفس هذه الحقوق".
وأشار إلى أنه "رغم وعد ممداني بعدم استخدام العبارة التي تُثير الكراهية ضد اليهود، إلا أن ذلك لا يعد التزاما حقيقيا بالوقوف إلى جانب الجالية اليهودية في نيويورك والدفاع عنها".
"ولكن عندما يكون نصف مؤيديك لن يتقبلوا تعهّدا كهذا، فكيف يمكن إرضاء الطرفين في آنٍ واحد؟ هذه هي المعضلة التي يجد زهران ممداني نفسه فيها"، وفق المقال.
"ولكي يسير على هذا الحبل المشدود، لا يسعه إلا أن يُهدئ الجالية اليهودية قليلا، فقط بما يكفي ليبدو وكأنه أخذ مخاوفهم في الحسبان".
لكن، في جميع الأحوال، يظل زهران ممداني متهما بمعاداة السامية المُبطّنة، بحسب الكاتبة الإسرائيلية.
وأوضحت أنه "بالنظر إلى معتقداته الأساسية، الموثقة جيدا والمعروفة على نطاق واسع، فإن أي محاولة للتعتيم على مواقفه الراسخة لا يمكن عدها أكثر من مناورة سياسية ضعيفة؛ لأن معظم الناس سيَرَون فيها مجرد وسيلة للفوز بمنصب عمدة الولاية".
لذا، ترى شفيبر-إيسان أن "تعاطفه المزعوم ليس سوى محاولة باهتة لإخفاء صورة المرشح الحقيقي، الذي عُرف بمناصرته القوية للقضية الفلسطينية، كما يتضح في المقال الذي شارك في كتابته عام 2014 خلال دراسته الجامعية في كلية بودوين، حيث أسّس فرعا لـ "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP).
ومما جاء في ذلك المقال:
"يهدف هذا الحظر الأكاديمي والثقافي (الذي تبنّته جمعية الدراسات الأمريكية) إلى تسليط الضوء على ممارسات الحكومة الإسرائيلية، والضغط على المؤسسات الإسرائيلية لإنهاء الاحتلال القمعي والسياسات العنصرية داخل إسرائيل وفي فلسطين المحتلة".
وقالت الكاتبة: "ولا شك في أن هذا التصريح يعكس اقتناع ممداني التام بأن إسرائيل تحتل أرضًا فلسطينية، وبالتالي لا تملك حق الوجود. فهل يستطيع فعلاً إخفاء موقف بهذا القدر من الجدل لمجرد تخلّيه عن عبارة معادية للسامية؟"
وختمت مزاعمها بالقول: "الخلاصة هي أن ممداني يتخفّى خلف مواقف مصطنعة، وربما يكون هذا سببا كافيا لفضح ما يحاول إخفاءه".