"آلية الزناد".. هكذا هدد وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتفعيلها ضد إيران

“تركيا ترغب في تعزيز مكانتها كوسيط لا غنى عنه في أزمات المنطقة”
منذ أكثر من عقدين، يشكّل البرنامج النووي الإيراني محورا أساسيا للخلاف بين طهران والغرب، ليتحوّل في يونيو/ حزيران 2025 إلى السبب المباشر وراء اندلاع حرب استمرت 12 يوما بين إيران وإسرائيل.
وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى وجدت إيران نفسها أمام جبهة دبلوماسية جديدة، حيث سارعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وألمانيا وفرنسا المعروفة باسم إي-3) إلى دعوة طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات.
لكن تجاهل طهران هذه الدعوات دفع وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث، في 17 يوليو/ تموز 2025، إلى الاتصال بوزير خارجية إيران عباس عراقجي وتحذيره بأن رفض العودة للمسار الدبلوماسي سيؤدي إلى تفعيل "آلية الزناد"، وهي الأداة القانونية التي يمكن أن تعيد العقوبات الأممية الشاملة ضد إيران.
ورغم تمسّكها بموقفها أعلنت إيران أنها ستشارك –بتمثيل منخفض عبر نائب وزير الخارجية– في مفاوضات تُعقد في إسطنبول، وذلك في خطوة قرأها المراقبون على أنها محاولة لتفادي تفعيل الآلية أكثر مما هي رغبة في حل الخلافات.
آلية الزناد
ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب إسميت هوراسانلي، ذكر فيه أن “جذور هذه الآلية تعود إلى اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، الذي تم التوصل إليه عام 2015 بعد مفاوضات دامت عامين بين إيران وكل من الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا”.
وقد نص الاتفاق على التزام إيران بأنشطتها النووية السلمية مقابل رفع العقوبات الدولية، بما في ذلك عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
إلا أن انسحاب إدارة ترامب الأحادي من الاتفاق في 8 مايو/ أيار 2018 أعاد فرض العقوبات الأميركية، فيما بقيت العقوبات الأممية والأوربية معلّقة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231.
وبهذا فإن "آلية الزناد" هي المسار القانوني الذي إذا فُعّل يؤدي إلى إلغاء القرار 2231، وإعادة فرض جميع العقوبات الأممية بشكل تلقائي.
وتمر هذه الآلية بمراحل محددة، الأولى إذا رصدت أي دولة موقّعة (باستثناء الولايات المتحدة التي لم تعد طرفا) خرقا للاتفاق، تبلغ اللجنة المشتركة المكلفة بفض النزاعات، الثانية، أمام اللجنة 15 يوما للتوصل إلى حل.
والثالثة، إذا فشلت في ذلك ينتقل الملف إلى وزارات الخارجية، مع مهلة جديدة مدتها 15 يوما، والرابعة في حال استمرار الخلاف، يُحال الملف إلى مجلس الأمن الدولي خلال خمسة أيام.
وبمجرد إحالة النزاع إلى مجلس الأمن، يُلغى القرار 2231 تلقائيا، ويُمنح المجلس مهلة 30 يوما فقط لإصدار قرار جديد يمدد تعليق العقوبات.
غير أن هذا القرار الجديد يخضع لإمكانية الفيتو الأميركي، والأمر الذي يجعل إعادة فرض العقوبات أمرا شبه مؤكد.
ولهذا السبب أُطلق على هذه الآلية اسم "آلية الزناد"، إذ إن تفعيلها يؤدي تلقائيا إلى بدء الإجراءات دون إمكانية وقفها.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن الرهان الحالي لا يقتصر على الخلافات الدبلوماسية، بل يتصل أيضا بالمهلة الزمنية الحرجة.
فالقرار 2231، الذي أبقى العقوبات الأممية معلّقة، دخل حيّز التنفيذ في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، واقتصرت صلاحيته على عشر سنوات.
وإذا لم تُفعّل "آلية الزناد" بحلول 20 أكتوبر 2025، ستُرفع العقوبات الأممية بشكل دائم.
ولهذا، تسعى الأطراف التي ترفض رفع العقوبات - خصوصا بريطانيا وفرنسا وألمانيا- إلى تفعيل الآلية قبل 15 أغسطس/ آب 2025 لضمان عودة العقوبات، بينما تبدو روسيا والصين غير معنيتين بهذه الخطوة.
وبينما تستخدم العواصم الأوروبية التهديد بتفعيل الآلية كوسيلة للضغط على طهران لتقديم تنازلات، تجد إيران نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في مفاوضات إسطنبول لتفادي السيناريو الأسوأ، أو مواجهة عودة العقوبات الأممية الشاملة خلال أسابيع قليلة.
محطة مركزية
وقال الكاتب هوراسانلي: إنه “في سياقٍ إقليمي متوتر، تحوّلت إسطنبول إلى محطة مركزية في مسار المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الدولية”.
ورغم أن المحادثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني عُقدت تاريخيا في عواصم أوروبية، مثل فيينا التي شهدت توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، فإن الظروف الراهنة دفعت طهران إلى تفضيل الأراضي التركية لاستضافة جولة جديدة من الحوار.
فالحرب الإيرانية–الإسرائيلية الأخيرة، التي شهدت هجوما إسرائيليا استمر 12 يوما واستهدافا أميركيا لمنشآت نووية إيرانية، قد غيّرت قواعد اللعبة.
بالإضافة إلى ذلك فإن المواقف الأوروبية التي اتسمت بالفتور حيال هذه الهجمات دفعت إيران إلى اختيار تركيا كأرض تفاوضية، كونها شريكا إقليميا أكثر موثوقية من الناحية الدبلوماسية.
ورأى هوراسانلي أن “هذا الاختيار لا ينفصل عن السياسة الخارجية التي تنتهجها أنقرة، والقائمة على التوازن والانخراط النشط في النزاعات الإقليمية”.
وأوضح أنه “خلال الحرب الروسية–الأوكرانية لعبت تركيا دورا بارزا في استضافة مفاوضات متكررة بين الطرفين في إسطنبول، بما في ذلك الجولة الجديدة التي وقعت في 23 و24 يوليو 2025، أي قبيل المفاوضات النووية مباشرة”.
وشدد هوراسانلي على أن “هذا النمط من الوساطات يعكس رغبة تركيا في تعزيز مكانتها كوسيط لا غنى عنه في أزمات المنطقة، وهو ما ظهر جليا من خلال التنسيق المباشر بين وزير الخارجية هاكان فيدان ونظيره الإيراني عراقجي لترتيب انعقاد الجولة في إسطنبول”.
وأضاف أن "أهمية هذه الجولة من المحادثات تكمن في كونها لا تتعلق فقط بخفض التوتر المرتبط بالبرنامج النووي الإيراني، بل ترتبط بشكل مباشر بمصير العقوبات الأممية ومستقبل العلاقات الإيرانية–الغربية.
إذ إن إيران على مقربة من فترة حاسمة وهي 20 أكتوبر 2025، موعد انتهاء العمل بقرار مجلس الأمن رقم 2231، والذي أبقى العقوبات الأممية معلّقة، وفق هوراسانلي.
فإذا لم تُفعَّل "آلية الزناد" قبل هذا التاريخ، سترفع العقوبات بشكل دائم، ما يدفع الأطراف الغربية –خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا– إلى ممارسة ضغوط مكثفة على طهران.
في المقابل، تدرك إيران أن المشاركة في مفاوضات إسطنبول قد تكون الفرصة الأخيرة لتفادي إعادة فرض العقوبات الشاملة، في ظل سباق دبلوماسي مع الزمن.
وقال هوراسانلي: إن “عقد المفاوضات النووية الإيرانية في إسطنبول يجسّد تبدل موازين الدبلوماسية الدولية، حيث لم تعد العواصم الأوروبية وحدها مركز القرار في القضايا الإستراتيجية”.
وأضاف أن “تركيا، بسياساتها التوازنية وانخراطها الفاعل في أزمات المنطقة، تعيد صياغة موقعها كوسيط إقليمي ودولي”.
ولفت هوراسانلي إلى أن “هذه المفاوضات، التي قد تحدد مستقبل العلاقات بين إيران والغرب، تمثل أيضا اختبارا لمكانة أنقرة كفاعل رئيسي في بناء الاستقرار والسلام الإقليميين، وذلك في مرحلة تشهد سباقا مع الوقت وحسابات سياسية متشابكة”.