الصين تبني أكبر سد في العالم.. لماذا تشعر الهند وبنغلاديش بالقلق؟

"الاحتجاجات قد قمعت بشدة"
شرعت الصين في تنفيذ أحد أكثر مشاريعها الطموحة في مجال الطاقة، من خلال بدء بناء أكبر سد كهرومائي في العالم على نهر يارلونغ تسانغبو في إقليم التبت، وهو ما أثار موجة من القلق الإقليمي، خاصة في الهند وبنغلاديش.
التقرير الذي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) باللغة البرتغالية، سلط الضوء على هذا المشروع الضخم، والذي يفوق في حجمه وقدرته الإنتاجية سد "الممرات الثلاثة" الشهير، إذ من المتوقع أن يولد طاقة تفوقه بثلاثة أضعاف.
ورصد التقرير التوترات الجيوسياسية المصاحبة لهذا المشروع، إذ تخشى الهند من أن يؤدي السد إلى تقليص منسوب المياه في أنهار حيوية مثل السيانغ والبراهمابوترا، ويمنح الصين سلاحا مائيا إستراتيجيا.
كما أبرز المخاوف من التداعيات البيئية والإنسانية، خاصة في مناطق التبت ذات الخصوصية البيئية والثقافية. ويطرح تساؤلات حول الشفافية في إدارة المياه العابرة للحدود، داعيا إلى حوار إقليمي لحماية المصالح المشتركة وضمان أمن المياه في جنوب آسيا.
الأكبر في العالم
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن "السلطات الصينية شرعت في بناء ما سيصبح أكبر سد كهرومائي في العالم، وذلك على أراض تبتية".
وأوضحت أن "رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، ترأس في 19 يوليو/ تموز 2025، مراسم افتتاح أعمال البناء في سد نهر يارلونغ تسانغبو"، وفقا لما نقلته وسائل الإعلام المحلية.
وأوضحت أن "النهر يمر عبر هضبة التبت، وقد أثار المشروع انتقادات لما قد يسببه من تأثيرات على ملايين الهنود والبنغاليين الذين يعيشون في المناطق الواقعة أسفل مجرى النهر، فضلا عن تأثيره المحتمل على البيئة والسكان التبتيين المحليين".
وأضافت "بي بي سي" أن "بكين أكدت أن المشروع، الذي تقدر تكلفته بـ1.2 تريليون يوان (نحو 928 مليار ريال برازيلي)، سيركز على حماية البيئة وتعزيز الازدهار المحلي".
وأشار التقرير إلى أن "المشروع سيتجاوز عند اكتماله سد (الخوانق الثلاثة) -أو الممرات الثلاثة- ليصبح الأكبر في العالم، مع قدرة على توليد طاقة تفوق بثلاثة أضعاف".
وحذر خبراء ومسؤولون، بحسب الهيئة الإذاعية- من أن "السد الجديد قد يمنح الصين القدرة على التحكم في نهر يارلونغ تسانغبو أو تحويل مجراه، وهو ما يؤثر على ولايات أروناتشال براديش وآسام الهنديتين، بالإضافة إلى بنغلاديش، حيث يصب النهر في أنهار براهمابوترا ويامونا والغانج".
كما أشار تقرير نشره "معهد لوي" الأسترالي عام 2020 إلى أن "التحكم في هذه الأنهار الواقعة في هضبة التبت يمنح الصين عمليا قدرة على خنق الاقتصاد الهندي"، على حد تعبير التقرير.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء "بريس تروست" الهندية، مطلع يوليو 2025، عبر رئيس وزراء ولاية أروناتشال براديش، بيما خاندو، عن قلقه من أن نهري الغانج وبراهمابوترا قد "يجفان بشكل ملحوظ عند اكتمال بناء السد".
وأضاف خاندو قائلا: إن "السد يشكل تهديدا وجوديا لقبائلنا وسبل عيشنا"، محذرا من أن "الأمر خطير للغاية، إذ يمكن أن تستخدمه الصين كسلاح مائي".
وتابع: "تخيل لو بني السد، وأطلقت الصين المياه فجأة، فستدمر منطقة سيانغ بالكامل"، مشيرا إلى أن "قبائل مثل آدي وغيرها، ستخسر ممتلكاتها وأراضيها وحياتها البشرية بشكل كارثي".
وفي يناير/ كانون الثاني 2025، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الهندية: إن بلاده أعربت للصين عن قلقها إزاء آثار مشاريع السدود العملاقة، وطالبت بكين بـ"ضمان عدم المساس بمصالح الدول الواقعة أسفل مجرى النهر"، مؤكدا على "ضرورة الشفافية والتشاور مع هذه الدول".
درع وقائي
في المقابل، أفاد التقرير بأن "الهند تعتزم بناء سد كهرومائي خاص بها على نهر الغانج ليعمل كدرع وقائي ضد أي إطلاق مفاجئ للمياه من السد الصيني، ولتجنب الفيضانات في أراضيها".
من جانبها، كانت وزارة الخارجية الصينية قد ردت سابقا، في عام 2020، بأن "للصين حقا مشروعا في بناء السد على النهر"، مشيرة إلى أنها "تأخذ في الحسبان تأثيراته على الدول المجاورة".
كما أوردت الهيئة الإذاعية أن "بنغلاديش عبرت هي الأخرى عن قلقها من المشروع، وأرسلت في فبراير/ شباط 2025، رسالة إلى بكين تطلب فيها معلومات إضافية حول السد".
وأضافت "بي بي سي" أن "السلطات الصينية لطالما أبدت اهتماما بإمكانيات الطاقة الكهرومائية في موقع السد بمنطقة التبت ذاتية الحكم".
وأوضحت أن "السد يقع في واد عميق يعتبر الأطول والأعمق في العالم، في منطقة ينحني فيها نهر يارلونغ تسانغبو -وهو أطول أنهار التبت- بشكل حاد حول جبل نامتشا باروا".
وتابع التقرير موضحا أن هذه الانحناءة، المعروفة باسم "المنعطف الكبير"، تشهد انخفاضا حادا في ارتفاع النهر بمئات الأمتار.
وسجلت تقارير سابقة أن "السلطات الصينية تخطط لحفر عدة أنفاق بطول 20 كيلومترا في جبل نامتشا باروا لتحويل جزء من مجرى النهر".
وأخيرا، نقلت وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" عن زيارتها لموقع المشروع أن المهندسين سيقومون بـ"إعادة توجيه" المياه عبر أنفاق لبناء خمس محطات توليد طاقة.
قمع شديد
كما أفادت "شينخوا" بأن "الكهرباء المنتجة من السد ستنقل بشكل رئيس إلى خارج المنطقة لاستخدامها في مناطق أخرى، مع تلبية الاحتياجات المحلية في التبت".
كذلك أوضح التقرير أن "الصين تركز على الوديان العميقة والأنهار المتدفقة في غرب البلاد، حيث تقع أراضي التبت، لبناء سدود ضخمة ومحطات كهرومائية قادرة على تلبية احتياجات المدن الشرقية الكبيرة التي تعاني من شح الكهرباء".
وأشار إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يرعى شخصيا هذه المبادرة ضمن سياسة تعرف باسم "نقل الكهرباء من الغرب إلى الشرق".
بدورها، قدمت كل من الحكومة الصينية والإعلام الرسمي هذه السدود بوصفها "حلا مثاليا يقلل التلوث ويوفر طاقة نظيفة، إضافة إلى تحسين حياة التبتيين في المناطق الريفية".
غير أن نشطاء حقوقيين يؤكدون، بحسب "بي بي سي"، أن “هذه السدود تمثل أحدث الأمثلة على استغلال بكين للأراضي والسكان التبتيين”.
وأشاروا إلى أن "احتجاجات سابقة قد قمعت بشدة".
ولفت التقرير إلى أن “الحكومة الصينية اعتقلت عام 2024، المئات من التبتيين الذين احتجوا على سد كهرومائي آخر”.
وأوضح أن "التظاهرات انتهت باعتقالات واعتداءات، وأسفرت عن إصابة بعض الأشخاص بجروح خطيرة".
كما خلص التقرير إلى "وجود مخاوف بيئية أخرى تتعلق بغمر وديان تبتية معروفة بتنوعها البيولوجي، إضافة إلى المخاطر الجيولوجية المرتبطة ببناء السدود في منطقة مليئة بالصدوع الأرضية التي قد تؤدي إلى زلازل".