من الدعم المطلق إلى التحفظ.. لماذا تغيّرت مواقف الجمهوريين من إسرائيل؟

منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

بشكل مفاجئ، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 22 يوليو/ تموز 2025، أن الولايات المتحدة ستنسحب للمرة الثالثة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بحلول نهاية عام 2026، مبررة القرار بما وصفته بـ"التحيز ضد إسرائيل" داخل المنظمة.

ومع أن هذا البيان يمثل استمرارا لنهج "أميركا أولا" في السياسة الخارجية، لكنه في ذات الوقت يكشف لأول مرة عن الثمن الحقيقي للدعم غير المشروط لإسرائيل.

في السياق، تحدث موقع "سوهو" الصيني عما وصفه بـ"الانقلاب الكبير في السياسة الأميركية، وتخلي الجمهوريين بشكل جماعي عن إسرائيل".

تصدع العلاقات 

وأشار الموقع إلى أن هذا الانسحاب "يعد تكرارا لسيناريوهات سابقة، لكنه يحمل طابعا مختلفا، ففي عام 1984، انسحب الرئيس رونالد ريغان من اليونسكو بذريعة (سوء الإدارة)، وفي عام 2017، انسحب الرئيس دونالد ترامب بسبب نزاعات حول التراث الثقافي".

أما هذه المرة، فإن "القرار يكشف عن قلق عميق تشعر به الولايات المتحدة بشأن إستراتيجيتها في الشرق الأوسط، فقد أصبحت التوترات في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية واضحة للعيان".

"فحينما يصف مسؤولون في البيت الأبيض سياسة القصف التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ(المجنونة)، فإن تصدع العلاقات الأميركية-الإسرائيلية لم يعد سرا يمكن إخفاؤه عبر التصريحات الدبلوماسية"، على حد قول الموقع.

وأوضح أن "هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع تصعيد إسرائيل لعملياتها العسكرية بشكل مفاجئ في غزة وسوريا، إذ استهدفت محيط القصر الرئاسي السوري، ولم تكد آثار الدخان تتبدد، حتى انهارت الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة تحت القصف الإسرائيلي، ما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين".

وادعى الموقع أن "هذه العمليات العسكرية فاجأت واشنطن، حيث اضطرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين كلير ليفات، إلى الاعتراف علنا بأن الرئيس ترامب فوجئ تماما بالهجومين"، وكشفت أنه أجرى فورا اتصالا بنتنياهو، مطالبا بـ"تغيير الواقع على الأرض".

وأضاف: "الغضب داخل الإدارة الأميركية بلغ ذروته، حيث صرح أحد المسؤولين -طلب عدم الكشف عن اسمه- لوسائل الإعلام قائلا: نتنياهو يتصرف كالمجنون، ويثير أزمة جديدة كل يوم".

واستدرك: “بل إن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ديفيد ويتكوف، أبلغ ترامب صراحة أن مغامرات نتنياهو العسكرية تدمر بشكل منهجي عملية السلام في المنطقة”.

زلزال سياسي 

في غضون ذلك، شهد مجلس النواب الأميركي، في يوليو/ تموز 2025، لحظة تاريخية خلال التصويت على تعديل قانون تفويض الدفاع الوطني.

فقد تحالفت النائبة الجمهورية المتشددة مارجوري تايلور غرين مع الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي لتقديم اقتراح بإلغاء تمويل بقيمة 500 مليون دولار مخصص للدفاع الصاروخي الإسرائيلي. 

ويعتقد الموقع أنه "رغم أن المقترح لم يحظ سوى بدعم ستة نواب فقط، فإن مجرد قيام عضو جمهوري بالمبادرة إلى تقليص الدعم العسكري لإسرائيل شكل زلزالا سياسيا بكل المقاييس".

اللافت أكثر "أن غرين -الحليفة المقربة من ترامب- قد تخلت عن نهج الولاء التقليدي لإسرائيل".

في المقابل، "لم يسلم المعسكر التقدمي من الانقسامات، إذ تعرضت النائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، المعروفة بدفاعها عن حقوق الفلسطينيين، لهجوم عنيف بعد تصويتها ضد التعديل المذكور".

فقد لُطخ مكتب دائرتها الانتخابية بالطلاء الأحمر، وكُتبت شعارات على الجدران تتهمها بـ"تمويل الإبادة الجماعية في غزة"، كما تلقت تهديدات بالقتل.

ووفق الموقع، "يظهر هذا الهجوم الشرس من أقصى اليسار مدى الانقسام داخل التيار التقدمي، إذ إن كورتيز -رغم سجلها في دعم القضية الفلسطينية- صُنفت (خائنة) فقط لأنها لم تؤيد اقتطاع بند معين من المساعدات العسكرية".

تشكيك جماعي

في سياق متصل، قدر الموقع أن "القصف الإسرائيلي لكنيسة العائلة المقدسة، الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير داخل صفوف اليمين الأميركي المؤيد تقليديا لإسرائيل".

فقد أدى القصف إلى انهيار جزئي في الكنيسة ومقتل ثلاثة مدنيين كانوا يحتمون بداخلها.

ونوه الموقع إلى أنه "رغم زعم الجيش الإسرائيلي أن ما حدث كان (قصفا بالخطأ)، فإن الإعلام المحافظ، وللمرة الأولى، أبدى تشكيكا جماعيا نادرا في الرواية الرسمية".

فقد صرح المعلق المحافظ الشهير مايكل نولز في برنامجه: "أنتم تفقدون دعمي"، مضيفا أن "الحكومة الإسرائيلية أخطأت بشكل فادح، ويجب أن تنتهي هذه الحرب المروعة".

من جانبه، وجه السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام تحذيرا مباشرا لإسرائيل قائلا: "السماح بتدنيس الأماكن المقدسة المسيحية لن يساعد قضيتكم، هذا يقوض قدرتكم على الحفاظ على الدعم في أميركا". 

وفي الوقت ذاته، تعرضت كنيسة القديس جورج (كنيسة الخضر) في الضفة الغربية، وهي كنيسة تعود إلى القرن الخامس، لهجوم بالحرق من قبل مستوطنين يهود.

لكن السلطات الإسرائيلية بررت الحادث زاعمة أن "المستوطنين كانوا يحاولون إخماد النيران"، وهو تبرير "لاقى استنكارا واسعا"، وفق الموقع.

وفي خطوة وصفها الموقع الصيني بـ"غير المعتادة"، خرج السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكابي، عن صمته ليدين الحادث قائلا: إن "تدنيس دور العبادة سلوك غير مقبول".

وهذا التصريح -بحسب الموقع- "له دلالات كبيرة، خاصة أن هاكابي، الذي دافع سابقا عن إسرائيل وسط تدمير ما يقرب من ألف مسجد، اختار هذه المرة التعبير عن استيائه، مما يعكس تصاعد التوترات داخل الجبهة المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة".

بالتوازي مع ذلك، أثارت فضيحة جيفري إبستين الجدل داخل الحزب الجمهوري، لتتحول إلى عامل خفي يهدد استقرار الجبهة المؤيدة لإسرائيل داخل الحزب.

واستطرد الموقع: "فمع تسليط الضوء على تفاصيل ارتباط الرئيس دونالد ترامب بإبستين، بدأت الأوساط اليمينية تتساءل عن الخلفية الإسرائيلية لإبستين".

خسارة مزدوجة

وقال الموقع: إنه “في خضم هذه الأزمات، يواجه نتنياهو انهيارا مستمرا في قاعدته الحاكمة”.

وأضاف: "فقد انسحبت أحزاب يمينية متطرفة من الائتلاف الحكومي، تاركة إياه متمسكا بأغلبية برلمانية هشة بالكاد تمكنه من الاستمرار".

وتابع: "من جانب آخر، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بعودة الرهائن، فيما تزداد مستويات الغضب الشعبي بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع أعداد القتلى".

وسط هذه التطورات، يعتقد الموقع أن "النهج العسكري المتشدد أصبح هو حبل النجاة الأخير الذي يتمسك به نتنياهو للبقاء في الحكم، لكنه في الوقت نفسه يسرع من وتيرة فقدان الدعم الدولي".

ووفقه، فقد كشف فشل مفاوضات وقف إبادة غزة "حجم المأزق الإستراتيجي، ففي 24 يوليو 2025، أعلن المبعوث الأميركي الخاص  ويتكوف وقف المفاوضات، متهما حركة حماس بـ"انعدام الجدية".

لكن وبحسب وجهة نظر الموقع، فإن "استمرار القصف الإسرائيلي جعل استئناف المفاوضات شبه مستحيل، حيث تصر حماس على الانسحاب الكامل للجيش، بينما تطالب إسرائيل بنزع سلاح الحركة، وهي شروط متعارضة تماما".

وخلص "سوهو" إلى أن "رهان نتنياهو على تحالفه الوثيق بالحزب الجمهوري كوسيلة لتحصين نفسه من الإدانات الدولية؛ كان رهانا خاسرا".

وأضاف: "فمع تراجع شعبية ترامب إثر العاصفة التي أثارتها قضية إبستين، واهتزاز دعم القيادات الإنجيلية بعد استهداف الكنائس، وتحول شعار (أميركا أولا) إلى نهج انعزالي؛ باتت إستراتيجية نتنياهو تنهار".

واختتم الموقع حديثه باقتباس من صحيفة "هآرتس" العبرية، التي لخصت المأساة السياسية الإسرائيلية بقولها: "لقد خسرنا أميركا، وخسرنا الحزبين معا".