التنافس الأميركي الصيني بشأن باكستان.. ماذا يعني للهند؟

"يجب ألا تملك لا الصين ولا أمريكا الثقة الكافية للاستثمار في باكستان أو تزويدها بأحدث تقنياتها العسكرية"
يؤكد باحثون على أنه لا يُمكن فصل اندلاع الصراع العسكري المباشر، الذي اندلع في مايو/ أيار 2025 بين الهند وباكستان، عن التنافس والصراع الحادّ ما بين الولايات المتحدة والصين.
وفي السياق، استعرضت مؤسسة بحثية هندية ما وصفته بـ"النفوذ الإستراتيجي للهند في خضم التنافس الأميركي الصيني على باكستان"، مؤكدة على ضرورة أن تستغل نيودلهي التوترات الأميركية-الصينية بشأن باكستان، لمنع أي منهما من تسليح إسلام آباد بتقنيات عسكرية متطورة.
وقالت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF)، في تقرير لها بقلم الباحثة "أنتارا غوسال سينغ": "من المهم إيلاء اهتمام أكبر للديناميكيات المتطورة للمثلث الأميركي-الصيني-الباكستاني".
وأشارت إلى أن التصريح الأخير لنائب رئيس أركان الجيش الهندي، الفريق راهول آر. سينغ، في 4 يوليو، بشأن تقديم الصين معلومات استخبارية فورية وأسلحة لباكستان خلال عملية "السِندور" (7-10 مايو/أيار 2025)، أثار جدلا واسعا حول "تواطؤ الصين وباكستان في ساحة المعركة".

ترشيح ترامب لجائزة نوبل
وقد احتدم النقاش بين الباحثين حول سبل استعداد الهند لمواجهة هذا التلاقي الإستراتيجي المتصاعد بين الدولتين، والذي بات يتجلى بشكل ملموس في ميادين القتال.
ومن أبرز المقترحات التي طرحتها النخب الإستراتيجية في الهند: تعزيز القدرات الذاتية، وتكثيف الردع العسكري، وتطوير أدوات ضغط غير متماثلة، وتوسيع خيارات الموازنة الخارجية.
وبيّنت الباحثة أن في سياق هذا النقاش، فإنها تسعى، استنادا إلى مراجعة أدبيات باللغة الصينية، إلى استكشاف إمكانية أن توظف الهند اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين حول باكستان كأداة لتأمين جبهتها الغربية.
وقالت: "إلى جانب الهند، أبدت الصين بدورها قلقا بالغا حيال لقاء المشير الباكستاني، (عاصم) منير، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في 18 يونيو/حزيران 2025".
"وقد أثار ترشيح باكستان لترامب لنيل جائزة نوبل للسلام موجة غضب واسعة داخل الأوساط الصينية".
ففي وقت تسعى فيه بكين إلى حشد الرأي العام العالمي ضد ما تصفه بـ "استبداد الرسوم الجمركية الترامبية"، وتطلق عليه لقب "مدمّر النظام العالمي"، جاء تأييد أحد أقرب حلفائها -باكستان- لترامب بصفته "صانع سلام حقيقي" ليشكل حرجا سياسيا علنيا للصين.
وأشار عدد من المعلقين الصينيين إلى مفارقة لافتة: فقد حلّق ضباط باكستانيون بطائرات مقاتلة صينية لحماية المجال الجوي لبلادهم، لكن دبلوماسييهم قدّموا الفضل في ذلك للأميركيين.
ويأتي هذا في وقت كانت فيه الصين تعوّل على دور قيادي في التوسط لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، والعمل على إعادة تفعيل "معاهدة مياه نهر السند"، وتعزيز قنوات الاتصال العسكرية بين الجانبين، ضمن إطار منظمة شنغهاي للتعاون.
وبالمثل، فإن تأييد قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، لباكستان كـ "شريك استثنائي" (phenomenal partner) للولايات المتحدة، لم يُدق ناقوس الخطر في نيودلهي فحسب، بل وفي بكين أيضا، بحسب التقرير.
كما أولت بكين اهتماما بالغا للزيارة التاريخية التي قام بها قائد القوات الجوية الباكستانية، المارشال ظهير أحمد بابر سيدو، إلى الولايات المتحدة، لذلك سارعت إلى إرسال وفد عسكري رفيع المستوى إلى إسلام آباد في أعقابها مباشرة.
وبحسب العديد من المحللين الصينيين، تتمثل المخاوف الرئيسة للصين إزاء التقارب المفاجئ في العلاقات الباكستانية-الأميركية في عهد الرئيس ترامب فيما يلي:
هل سيُخترق الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، الذي تُقدّر قيمته بـ 62 مليار دولار، بسبب تحسن العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد؟
ويرى البعض أن المشروع قد يواجه خطر التخريب، رغم ما استثمرته الصين من مئات المليارات في تطوير ميناء جوادر، الذي جرى ربطه في مايو/أيار 2025 بممر خيبر الأفغاني، في خطوة تجاوزت مضيق ملقا وربطت الصين مباشرة بالمحيط الهندي، ما قلّص المسافة التجارية بنحو 2,600 كيلومتر.

تخريب التعاون
والآن، ومع مصافحة ترامب ومنير، هل سيتسنى رأس المال الأميركي أن يتسلل إلى هذا المشروع الحيوي ويخرّب ما تعده بكين "شريان حياة"؟
وتابع التقرير في إيراد الأسئلة التي طرحها محللون صينيون، ومنها أيضا: هل كان اللقاء السري بين ترامب ومنير يهدف فقط إلى منع باكستان من مساعدة إيران، أم كان يهدف أيضا إلى الحصول على معلومات استخباراتية عسكرية صينية؟
وهل أراد ترامب التجسس على أحدث المعلومات العسكرية الداخلية حول أسلحة الصين وأنظمة القتال المستخدمة خلال الحرب الجوية بين الهند وباكستان، لمعرفة الحد الأدنى للقوة العسكرية الصينية وتمهيد الطريق للانتشار الإستراتيجي للجيش الأميركي؟
وهل كانت الولايات المتحدة تسعى لاستمالة باكستان من أجل تقويض خطط الصين في الشرق الأوسط؟
وأضاف التقرير أنه "إذا قررت الدولة الإسلامية الوحيدة المسلحة نوويا أن تدير ظهرها لإيران، فإن الموقف الأخلاقي الذي تتبناه الصين في إدانة الهجمات الإسرائيلية سيتعرض لتآكل تدريجي، وعلى يد أقرب شريك لها".
حتى إن بعض المراقبين الصينيين اعترضوا على تحالف العملات المشفرة بين الولايات المتحدة وباكستان. وفق التقرير.
فقد رأوا أن خطط الولايات المتحدة لتحويل إسلام آباد إلى مركز تشفير جنوب آسيوي قد تُضعف مكانة اليوان الصيني في التسويات العابرة للحدود داخل باكستان، وتُعرقل جهود الصين في نشر عملتها الرقمية بالمنطقة، وتُحوّل الموارد بعيدا عن مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، مما يُهدد مجمل المخطط الإستراتيجي الشامل للصين في باكستان.
وأضيف إلى ذلك أن الصين ضخت عشرات مليارات الدولارات في مشروع الممر الاقتصادي، على أمل أن تتمكن باكستان من التطور تدريجيا بالتركيز أولا على التصنيع.
إلا أن باكستان، وفقا لهؤلاء المراقبين، تريد الآن أن تحذو حذو الولايات المتحدة وتسلك طرقا مختصرة لتطوير رأس المال المالي، مما يُعرّض استثمارات الصين السابقة في "الاقتصاد الحقيقي" الباكستاني للضغوط.
ووصف الكثيرون في الصين التحول المفاجئ "الانتهازي" لباكستان بأنه طعنة في ظهر الصين، وهو أمر أضرّ بالركيزة الأساسية للعلاقات الصينية-الباكستانية، وهي الثقة الإستراتيجية المتبادلة.
ورأى هؤلاء أن ما حدث يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار للصين، مؤكدين أن "المصالح تسبق الصداقة… وحتى أكثر الأصدقاء موثوقية قد يترددون عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية… وأن الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني لا يمكن أن يتقدم دون وجود ثقة سياسية متبادلة".
ويرى آخرون، مع ذلك، أن على الصين ألا تُبالغ في القلق من احتمال لجوء ترامب إلى استخدام إعفاءات جمركية -إذ تخضع باكستان حاليا لتعريفة عقابية بنسبة 29 بالمئة- أو صفقات السلاح، مثل بيع طائرات "إف-35"، كطُعم للإضرار بـ "الصداقة الحديدية" بين الصين وباكستان.
ويحاجج هؤلاء بأن أساس "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين الصين وباكستان متين ولا يمكن أن تزعزعه بعض الإشارات الإيجابية من واشنطن. فالصداقة الصينية-الباكستانية لا تقتصر على الخطاب الدبلوماسي، بل تتجذّر بعمق في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية للطرفين.
من جهة أخرى، يشير هؤلاء إلى أن الولايات المتحدة تواجه خيارات صعبة فيما يخص التعامل مع باكستان، وبالتالي، وبغض النظر عن شكل هذا التعامل، فإن النتيجة النهائية تصب في مصلحة الصين.

أميركا ستدفع الثمن
فبحسب التقييم الصيني، تستخدم باكستان حاليا طائرة "J-35" الصينية كورقة ضغط للحصول على صواريخ "AIM-120D" الأميركية المتقدمة جو-جو متوسطة المدى، وأنه إذا وافقت الولايات المتحدة على مطلب باكستان بالفوز مؤقتا على "حليفتها السابقة"، فسيتعين عليها دفع ثمن باهظ.
هذا الثمن يتمثل في عدة نقاط:
أولا، ستُثير هذه الخطوة استياءً في نيودلهي وتُعطّل تماما "إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ" الأميركية، وهو تطورٌ سترحب به الصين.
ثانيا، من خلال المضي في هذا الاتجاه، سيتعين على الولايات المتحدة مواجهة مستوى غير مسبوق من التعاون الدفاعي بين الصين وباكستان، مع احتمال كبير أن تنتهي تقنياتها المتقدمة بيد الصين، مما يهدد مباشرة تفوقها الجوي العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى العكس، إذا رفضت الولايات المتحدة إتمام الصفقة، فإن ذلك سيدفع باكستان أكثر نحو أحضان الصين، وفق التقرير.
في هذه الأثناء، فإن استمرار الولايات المتحدة في إنقاذ الاقتصاد الباكستاني من خلال قروض صندوق النقد الدولي يصب أيضا في مصلحة الصين؛ لأنه سيساعد باكستان على إعطاء أولوية لسداد ديونها للصين.
وقالت المؤسسة البحثية الهندية: "صحيح أن باكستان أدارت علاقاتها مع كل من الصين والولايات المتحدة بمهارة طوال فترة طويلة، دون أن تواجه الكثير من تضارب المصالح".
واستدركت: "لكن مع تصاعد التنافس بين القوتين العظميين، أصبحت مهمة الحفاظ على هذا التوازن تزداد صعوبة يوما بعد يوم، في ظل التنافس الحاد، وانعدام الأمن، وانعدام الثقة، والارتباك، كصفات غالبة على هذه العلاقة الثلاثية".
"وهو أمر ينبغي للمجتمع الإستراتيجي الهندي أن يستغله بذكاء، بحيث لا تملك لا الصين ولا الولايات المتحدة الثقة الكافية للاستثمار في باكستان أو تزويدها بأحدث تقنياتها العسكرية"، وفق توصية المؤسسة.