بالأرقام.. هكذا أدخل “طوفان الأقصى” الإسرائيليين في موجة إدمان

“ارتفاع بنسبة 307 بالمئة في تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة”
يؤكد خبراء أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تواجه أزمة إدمان صامتة، مع ارتفاع معدلات تعاطي المهدئات إلى مستويات تقارب تعاطي مخدر الحشيش والكحول.
وأشارت أبحاث جديدة صادرة عن "المركز الإسرائيلي للإدمان والصحة النفسية" التابع للجامعة العبرية إلى أن الإسرائيليين قد يصبحون عرضة لاعتماد خطير على المهدئات الموصوفة طبيا وأنواع أخرى من المخدرات، في أعقاب عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
الدراسة التي حملت عنوان "انتشار إدمان المواد والإدمان السلوكي واضطرابات الصحة النفسية الشائعة في إسرائيل، 2022–2025"، استندت إلى عينات جُمعت قبل الأزمة الحالية وبعدها.
وتحديدا في أبريل/نيسان 2022 (قبل العدوان)، وديسمبر/كانون الأول 2023 (بعد الهجوم)، وفبراير/شباط 2025 (بعد نحو عام).

تأثير الصدمات
وتُقدم النتائج نظرة نادرة وطويلة المدى على كيفية تأثير الصدمات والحروب على الصحة النفسية للإسرائيليين؛ إذ أظهرت ارتفاعا حادا ومطردا في استخدام المهدئات الموصوفة طبيا.
ففي عام 2022 أفاد نحو 3.8 بالمئة من الإسرائيليين بإساءة استخدام المهدئات، وبحلول ديسمبر 2023، قفزت النسبة إلى 10.6 بالمئة، وفي أحدث البيانات المجمعة في فبراير 2025، بقي المعدل مرتفعا عند 10.2 بالمئة.
وتشمل المهدئات أدوية النوم والبنزوديازيبينات واسعة الاستخدام مثل زاناكس وفاليوم، إضافة إلى أدوية منوّمة مثل أمبين.
وقالت عضو قسم علم النفس في الجامعة العبرية، البروفيسورة دفورا شموليفيتس، لموقع "ذا ميديا لاين": إن "هذه ليست نتيجة مفاجئة، الناس يعيشون تحت ضغط نفسي ويستخدمون آليات التأقلم التي اعتادوا عليها".
وأضافت "قد يرى البعض أن استخدام المهدئات الموصوفة أمر طبيعي، لكن المشكلة تبدأ عندما يقرر الشخص بنفسه كمية الدواء وتوقيت استخدامه، وهو ما قد يتحول إلى سلوك ضار وخطِر".
ورأى شموليفيتس أن "ارتفاع استخدام المهدئات مباشرة بعد 7 أكتوبر كان متوقعا، لكن المقلق أكثر أن نحو 10 بالمئة من السكان لا يزالون يبلّغون عن استخدام مرتفع لها بعد أكثر من عام، وهو ما يشير من جهة إلى أن الاستخدام تحوّل لعادة، ومن جهة أخرى لاستمرار الضغوط النفسية".
وقالت: "الحرب لم تنتهِ بعد، وعندما يكون الناس تحت ضغط نفسي شديد، فإنهم غالبا ما يلجؤون إلى الأدوية لمواجهته".
جولة جديدة
ويخطط فريق البحث لإجراء جولة جديدة من الاستطلاعات في فبراير 2026، وتأمل شموليفيتس أن "تكون إسرائيل قد بدأت بالعودة إلى طبيعتها بحلول ذلك الوقت".
وبحسب التقرير، ستساعد تلك البيانات المستقبلية في تحديد ما إذا كان استخدام المهدئات سيبدأ في التراجع.
واستطرد: “حاليا، تشير نسبة إساءة استخدام المهدئات، التي تبلغ 10 بالمئة، إلى أنها باتت في نفس مستوى المواد الأخرى الشائعة في إساءة الاستخدام، مثل مخدر الحشيش والكحول، وتُظهر البيانات أن الرجال والنساء يسيئون استخدام المهدئات بنسب متقاربة”.
وتسجّل أعلى معدلات الاستخدام الخاطئ بين الفئة العمرية الأكبر سنا (50 إلى 70 عاما)؛ إذ ارتفعت نسبة استخدام المهدئات من 7 بالمئة عام 2022 إلى 14 بالمئة في 2025، ومع ذلك، أشارت شموليفيتس إلى أن الزيادة سُجلت في مختلف الفئات العمرية.
كما ارتفعت معدلات إساءة استخدام أدوية أخرى موصوفة، مثل المنبهات والمسكّنات الأفيونية، وإن كانت الزيادة أقل حدّة من المهدئات.
وارتفع استخدام المنبهات الموصوفة من 3.8 بالمئة عام 2022 إلى 6.2 بالمئة في 2025، في حين ارتفع تعاطي المواد الأفيونية من 2.6 إلى 4.7 بالمئة خلال الفترة ذاتها.
وأجرى الاستطلاع فريق متعدد التخصصات من علماء النفس وباحثي الصحة النفسية في "المركز الإسرائيلي للإدمان والصحة النفسية" التابع للجامعة العبرية.
واستندت الدراسة إلى مسح مقطعي مكرر شمل بالغين يهود في إسرائيل، تضمن شريحة طولية ضمن العينة نفسها.
وأشار الفريق إلى أن تصميم البحث يتيح تقدير معدلات الانتشار على مستوى السكان وتتبع التغيرات لدى الأفراد مع مرور الوقت، وهي منهجية نادرا ما تُستخدم في دراسات الصحة النفسية بعد الصراعات.
وتُجرى الاستطلاعات عبر الإنترنت وتستغرق نحو 40 دقيقة لإكمالها.
ويشارك في كل دورة من الاستطلاع ما يزيد عن ألفي شخص، وقد تصل إلى أربعة آلاف.
ورغم أن العينة ليست ممثلة بالكامل للسكان اليهود في إسرائيل من الناحية الفنية، فإن شموليفيتس أكَّدت أن “تركيبتها تتماشى إلى حدّ كبير مع التركيبة الاجتماعية والديموغرافية الأساسية لإسرائيل”.
اكتئاب وقلق
وإلى جانب المهدئات، رصدت الدراسة ارتفاعات مقلقة في مجالات أخرى مثل الاستخدام المفرط للإنترنت، وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق.
ووفقا للاستطلاع، أبلغ أكثر من 15 بالمئة من المشاركين عن سوء استخدام لمادة أو سلوك واحد على الأقل بحلول مطلع عام 2025.
وسُجّلت أشد الارتفاعات في الفترة بين أبريل 2022 وديسمبر 2023، بالتزامن مع تداعيات 7 أكتوبر و"بداية التعبئة العسكرية".
وقد شهدت بعض أنواع الإدمان، مثل الاستخدام المفرط للإنترنت أو المواد الإباحية، قفزات حادة مباشرة بعد العملية، قبل أن تعود لمستويات أقل، فيما استمرت أنماط أخرى في التصاعد حتى عام 2025.
كما أبرز التقرير اختلافات اجتماعية وديموغرافية كبيرة، فقد سجل الشباب بين 18 و34 عاما أعلى معدلات الإدمان والاضطرابات النفسية بشكل متواصل.
كما كان الرجال أكثر ميلا من النساء للإبلاغ عن حالات إدمان سلوكي أو تعاطي مواد، خصوصا فيما يتعلق باستخدام مخدر الحشيش، أو المواد الإباحية، أو السلوك الجنسي القهري، ما يُعرف أيضا بـ"فرط الرغبة الجنسية".
وبيّن التقرير أن اليهود العلمانيين والتقليديين سجّلوا معدلات إدمان أعلى مقارنة بنظرائهم من المتدينين الأرثوذكس والحريديم.
وركزت الدراسة على ست مواد تُساء استخدامها على نطاق واسع، وهي التبغ، والحشيش، والكحول، والمهدئات الموصوفة طبيا، والمنشطات الطبية، ومسكنات الألم الأفيونية الموصوفة طبيا.
اتجاه تصاعدي
أما التدخين، والذي أشارت إليه شموليفيتس بصفته يُعامل عادة كفئة مستقلة، فقد بقي مستقرا عند أكثر من 30 بالمئة من السكان.
كما حافظ استخدام الكحول والحشيش على معدلاته نسبيا، إذ بلغ نحو 12 بالمئة و11.5 بالمئة على التوالي.
وبحسب "ذا ميديا لاين"، فإن هذه الدراسة عزّزت ما أكّدته تقارير سابقة من أن بعض مؤشرات الصحة النفسية لم تعد إلى مستوياتها الطبيعية، رغم مرور أكثر من عام على اندلاع العدوان على قطاع غزة.
فعلى سبيل المثال، شهدت حالات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ارتفاعا حادا بعد 7 أكتوبر، ولا تزال عند مستويات مرتفعة عام 2025.
وسارت أعراض الاكتئاب والقلق في مسار مشابه، مع استمرارها فوق المعدلات المعتادة.
وفي سياق متصل، كشفت خدمات "مكابي" الصحية، إحدى أكبر المنظمات الصحية في إسرائيل، عن بيانات جديدة في يوليو/تموز 2025، تُظهر ارتفاعا بنسبة 307 بالمئة في تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال والمراهقين دون سن 18 ممن يتلقون رعاية نفسية.
وبين عامي 2016 و2022، سجّلت خدمات "مكابي" معدلا سنويا يبلغ 126 حالة تشخيص باضطراب ما بعد الصدمة في هذه الفئة العمرية.
لكن هذا الرقم قفز إلى 500 حالة عام 2023، وارتفع إلى 526 عام 2024، بمتوسط سنوي بلغ 513 حالة.
وأشارت البيانات إلى أن هذا الاتجاه التصاعدي مستمر عام 2025؛ حيث سُجّل نحو 170 حالة خلال الربع الأول فقط من العام.