استنزاف مالي.. إلى متى تستمر الولايات المتحدة في شن هجماتها ضد الحوثيين؟

"مليار دولار كلفت الهجمات الأميركية على الحوثيين خلال 3 أسابيع"
رغم مرور أقل من شهر على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الحرب على الحوثيين في اليمن وشن هجمات مكثفة ضدها، لكن تكلفة الحرب وصلت إلى نحو مليار دولار مقابل تأثير "محدود"، الأمر الذي طرح تساؤلا ملحا عن مدى استمرارها في ظل الاستنزاف المالي الكبير.
وأصدر ترامب -الذي بدأ عهده الجديد بتصنيف الحوثيين على لوائح الإرهاب- أمرا في 15 مارس/ آذار 2025 بشن هجمات عسكرية على هذه الجماعة؛ ردا على هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر "دعما للفلسطينيين"، محذرا إياها من مغبة عدم توقفها عن ذلك.
وكتب الرئيس الأميركي حينها منشورا عبر منصته "تروث سوشيال" خاطب فيه الحوثيين، بالقول: "لقد انتهى وقتكم ويجب أن تتوقف هجماتكم بدءا من اليوم.. إن لم تفعلوا فستشهدون جحيما لم تروا مثله من قبل".
تأثير محدود
وكشفت شبكة "سي أن أن" الأميركية، نقلا عن مسؤولين (لم تسمهم) في 5 أبريل، أن التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية تقترب من مليار دولار في أقل من 3 أسابيع، رغم أن تأثير الهجمات كان محدودا في تدمير قدرات الحوثي.
وأفادت مصادر الشبكة الأميركية بأن الهجوم العسكري، استخدم بالفعل ذخائر بمئات الملايين من الدولارات لشن ضربات ضد الحوثيين، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع (البنتاغون) ستحتاج على الأرجح إلى طلب تمويل إضافي من الكونغرس لمواصلة العملية.
وبحسب المصادر، فإن وزارة الدفاع “قد لا تحصل عليه” لأن الهجوم قد تعرض بالفعل إلى انتقادات من كلا الحزبين، حتى إن نائب الرئيس جيه دي فانس صرّح بأنه يعتقد أن العملية (كانت خطأً) في محادثة عبر تطبيق "سيغنال" نشرتها صحيفة “ذا أتلانتيك” نهاية مارس 2025.
ولم يكشف "البنتاغون" علنا عن التأثير الفعلي للضربات العسكرية الأميركية اليومية على الحوثيين.
وأبلغ مسؤولون من هيئة الأركان المشتركة، والقيادة المركزية، والقيادة في المحيطين الهندي والهادئ، ومكتب وكيل وزارة الدفاع للسياسات، ووزارة الخارجية، الكونغرس في الأيام الأخيرة أن الضربات قضت على عدد من أعضاء القيادات الحوثية ودمرت بعض المواقع العسكرية لهم.
ولكنهم أقروا بأن الجماعة “لا تزال قادرة على تحصين مخابئها والحفاظ على مخزونات الأسلحة تحت الأرض، تماما كما فعلت خلال الضربات التي نفذتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن لأكثر من عام”، وفقا للمصادر.
وذكر مسؤول دفاعي أنه “من الصعب تحديد كمية الأسلحة التي لا يزال الحوثيون يحتفظون بها بدقة”.
وأوضح أحد المصادر المطلعة على العملية: "دمرنا بعض المواقع، لكن ذلك لم يؤثر على قدرة الحوثيين على مواصلة إطلاق النار على السفن في البحر الأحمر أو إسقاط الطائرات الأميركية المسيرة. في الوقت نفسه، نستنفد كل طاقتنا وكذلك الذخائر والوقود والوقت".
ومع ذلك، تؤكد “سي أن أن” أنه لا يزال من غير الواضح إلى متى تخطط إدارة ترامب لمواصلة الهجوم، الذي وصفته القيادة المركزية الأميركية بأنها عملية "متواصلة على مدار الساعة".
وفي السياق ذاته، أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مسؤولين في البنتاغون لديهم مخاوف من استنزاف ذخائر بملايين الدولارات لإحراز "نجاح محدود" في تدمير ترسانة الحوثي المتحالفة مع إيران.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن ترامب قال إن الحوثيين "قُضي عليهم نتيجة الغارات المتواصلة"، التي أمر بشنها بدءا من 15 مارس؛ لكن هذا ليس ما تُبلغ به سرا وزارة الدفاع ومسؤولون عسكريون الكونغرس ودولا حليفة.
ونقلت عن مساعدين في الكونغرس، ومسؤولين في دول حليفة قولهم إن مسؤولي البنتاغون (لم تسمهم) أقرّوا، خلال جلسات إحاطة مغلقة في الأيام الأخيرة، بأنه "لم يُحرز سوى نجاح محدود في تدمير ترسانة الحوثيين الضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة وقاذفات الصواريخ، الموجودة في معظمها تحت الأرض".
غارات عمياء
وبخصوص مصير الحرب وجدواها، قال المحلل السياسي اليمني، كمال الفهد، إن "القصف الأميركي على اليمن لا يستند إلى معرفة ووفرة معلوماتية، وإنما يراهن ترامب على تراجع الحوثيين باستهداف عمق كيان الاحتلال الإسرائيلي سواء تحت وقع حربه النفسية أو تحت وقع تواتر الغارات الجوية اليومية".
وأوضح الفهد لوكالة "المهرية نت" المحلية في 5 أبريل، أن "الغارات الأميركية على الحوثيين عمياء، أي لا تستند إلى رؤية واضحة في الغالب، وإلا لكانت قد حققت نتائج ملموسة بعد مئات الغارات منذ الجولة الجديدة التي بدأت في 15 مارس".
ويرى أن "أول مؤشر على فشل التصعيد الجديد (الأميركي)، هو عدم توقف القصف الصاروخي للحوثيين سواء الذي يستهدف السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر، أو إطلاق الصواريخ إلى عمق الاحتلال الإسرائيلي".
وبحسب الفهد، فإن "قصف الولايات المتحدة على اليمن لم يحقق أي نتائج كما تحقق لإسرائيل ضد حزب الله في لبنان، فلا زال الحوثيون يسقطون الطائرات المسيرة الأميركية، ويستهدفون قطعا بحرية أميركية، وصفارات الإنذار تدوي في سماء تل أبيب".
وتابع: "لذلك، يتضح المشهد بأن الضربات الأميركية تنطلق من فقر معلوماتي، وعجز استخباراتي أميركي غير مسبوق، بالرغم من التطور التكنولوجي المتقدم لدى الولايات المتحدة".
وفي 4 أبريل، قال زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، إن استمرار عملياتهم "في البحر وإلى عمق العدو شاهد على الفشل الأميركي" في غاراته على اليمن، مشيرا إلى أن "الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها رغم تكثيف العدوان".
ولفت في كلمة إلى أن "العدوان الأميركي لم يتمكن من إيقاف العمليات العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني ولا هو تمكن من توفير الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي".
في المقابل، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إن بلاده تتخذ إجراءات عسكرية ضد الحوثيين بسبب امتلاكهم أسلحة متطورة قادرة على استهداف السفن، مؤكدا أن الغارات الأميركية ضدهم تصب في مصلحة الأمن البحري العالمي.
وأضاف روبيو خلال تصريحات صحفية في 4 أبريل، أن “الحوثيين نفذوا 174 هجوما على القوات البحرية الأميركية”.
وادعى أن دولا عدة “عبّرت عن امتنانها” للضربات التي تنفذها الولايات المتحدة، وتستهدف مواقع الجماعة في اليمن.
وشدد الوزير الأميركي على أن استمرار العمليات العسكرية ضد الحوثيين “ضروري لمنعهم من تهديد” الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
"تعزيز الموقف"
لكن موقف "فرانس 24" خلص في تقرير نشره في 19 مارس، إلى أن "التدخلات الخارجية السابقة" لم تؤد إلى نتائج ملموسة في إضعاف الحوثيين، “بل قد تكون أسهمت في تعزيز موقفهم”.
وأشار الموقع الفرنسي إلى أن الحوثيين، الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من اليمن منذ عام 2014، “يتمتعون بدعم إيراني مستمر، مما يعزز من قدراتهم العسكرية والسياسية”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن "التعقيدات الجغرافية والقبلية في اليمن تجعل من الصعب تحقيق انتصار حاسم ضدهم"، مبينا أن "أي محاولة جديدة لإضعافهم قد تواجه تحديات كبيرة تتطلب إستراتيجيات مختلفة وأكثر شمولية، بعد الفشل المتكرر في تحييدهم".
ويأتي تحليل الموقف الفرنسي، منسجما مع ما طرحه الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني، محمد الكميم، من أن "الحوثي يتلقى الهجمات الأميركية منذ العام 2024، لكنها كانت غير إستراتيجية وليست ذات قيمة كبيرة، ولم تكن تستهدف قيادتهم".
وأضاف الكميم في حديث سابق مع "الاستقلال" في 20 مارس، أن "الضربات الحالية التي تشنها الولايات المتحدة بقرار من ترامب، أكثر تركيزا رغم أن نتائجها لم تظهر بعد، لكن هناك تغيرا في بنك الأهداف هذه المرة، ومع هذا لن يحد من القدرات الحوثية".
وأوضح أن "الحوثي استفاد كثيرا من الجغرافيا والتضاريس اليمنية، وقد خزن فيها الكثير من أسلحته وصواريخه، إضافة إلى أنهم يجيدون الاختباء، لأنه في السابق استخدم الجبال اليمنية كهوفا ومساكن لهم ولقياداتهم".
وأشار الكميم إلى أن “الحوثي يستخدم أسلوب العصابات في الحرب، بمعنى أنه ليس لديه جيش منظم أو مواقع عسكرية، فهم عبارة عن مليشيا تجيد الاختباء وسط المدنيين وتخزن بعض أسلحتها بين الأحياء السكنية”.
وتابع: "لذلك هذه الضربات رغم أنها قد تكون مؤثرة إلى حد ما، لكنها لن تؤدي في الأخير إلى الحد من قدرات الحوثيين أو إنهائهم".
المصادر
- مصادر تكشف لـCNN تكلفة الضربات الأمريكية ضد الحوثيين.. وحجم تأثيرها
- مع تكثيف القصف الأمريكي على اليمن.. هل حققت واشنطن أهدافها؟
- "انتهى وقتكم".. هل تفضي هجمات ترامب إلى إنهاء الحوثيين في اليمن؟
- Yémen : pourquoi Donald Trump aura du mal à affaiblir les Houthis
- اعتراف أمريكي مفاجئ: الضربات ضد الحوثيين تكلف مليار دولار رغم محدودية تأثيرها
- مسؤولون بالبنتاجون: نجاح محدود للقصف الأميركي في تدمير ترسانة الحوثيين