النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود للواجهة.. ما إمكانية تنفيذه؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد عقود من الجمود والدراسات المتعثرة، تتجدد الآمال بتحقيق حلم طال انتظاره: نفق تحت مضيق جبل طارق، قد يغير خريطة التجارة والهجرة والجغرافيا السياسية في المنطقة.

لكن هل تكفي الإرادة السياسية والتقنيات المتطورة لتجاوز العوائق البيئية والمالية؟ وهل يسير المشروع بثبات نحو عام 2040؟ أم أن مصيره لا يزال معلقاً بخيوط الانتخابات والتحالفات؟

وأعادت منابر إعلامية إسبانية عدة الحديث عن مشروع الربط القاري البحري بين بلادهم والمغرب، وأهميته الاقتصادية والسياسية للجانبين.

اهتمام إسباني

وكشفت صحيفة "لاراثون" الإسبانية في 30 مارس/آذار 2025، أن "تكلفة مشروع الربط القاري بين إسبانيا والمغرب عن طريق نفق بحري بطول 28 كيلومترا وعمق 300 متر قد يصل إلى 15 مليار يورو".

وقالت الصحيفة: إن هذا المشروع سيربط مدينة طنجة، بمدينة طريفة جنوبي إسبانيا، ويتطلب إنجازه وقتا طويلا قد يصل إلى عام 2040، وسيتم تمويله بشكل مشترك، بين مدريد والرباط والاتحاد الأوروبي.

وأشارت إلى أن "الشركة الإسبانية المكلفة بالمشروع أطلقت أخيرا دراستين تقنيتين لتحديد الجدوى والتفاصيل الهندسية، والتي ستمتد إلى سبتمبر/أيلول 2025".

وأبرزت أن المشروع ينعش الحلم القديم بتوحيد أوروبا وإفريقيا بقوة، إذ تسعى إسبانيا والمغرب إلى بناء نفق للسكك الحديدية.

ويمكن أن يصبح هذا المشروع أطول نفق تحت البحر في العالم، بطول 60 كيلومترا، منها 28 كيلومترا أسفل الماء بالكامل.

وذكرت الصحيفة أنه "بعد عقود من الدراسات والعقبات السياسية والتحديات التقنية، حصل مشروع النفق تحت الماء الذي سيربط إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق على زخم جديد".

وشددت على أن "ما كان يبدو حتى الآن وكأنه حلم فاضل بدأ يتحول إلى حقيقة مستقبلية، وذلك بفضل دراسات الجدوى الجديدة، والاستثمار الأوروبي، والاهتمام الجيوستراتيجي المتجدد بتقريب أوروبا من إفريقيا".

ورأت الصحيفة أن "النفق بين إسبانيا والمغرب ليس إنجازا هندسيا فحسب، بل أيضا خطوة أساسية على رقعة الشطرنج الجيوستراتيجية العالمية".

إذ يعمل المشروع على تعزيز الارتباط بين أوروبا وإفريقيا، وتسهيل التجارة، ونقل البضائع، والسياحة.

واسترسلت: "كما أنه يعمل على تسريع تكامل السكك الحديدية عبر القارات، على الرغم من أن الشبكة المغربية لم تصلها الكهرباء بالكامل بعد".

وذكرت أن المغرب حاليا يعمل على توسيع شبكته للسكك الحديدية ويهدف إلى ربط طنجة بأوروبا كمركز لوجستي لشمال إفريقيا.

وقد أدى تزايد الضغوط الهجرية وتدفقات التجارة بين القارتين إلى تعزيز الاهتمام الإستراتيجي بالبنية الأساسية المستقرة والآمنة والدائمة.

وخلص إلى أن هذا السيناريو الجديد يقدم لأول مرة، مزيجا واقعيا من الإرادة السياسية والتمويل والجدوى الفنية، مما يقرب النفق من مرحلة لم يسبق الوصول إليها من قبل على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود من التخطيط.

من جانبه، رأى موقع "إسبانيا بالعربي"، مطلع أبريل 2025، أن إعادة إحياء ملف النفق البحري ليست صدفة، فهو يتزامن مع تطور تكنولوجي يتيح مواجهة تحديات مثل الحفر على أعماق كبيرة أو العزل الزلزالي في المناطق غير المستقرة.

وأشار إلى أنه في أبريل 2023، أعاد وزراء النقل من البلدين إطلاق المشروع رسميا بعد توقف دام 14 عاما. وأكد أنه "جرى إدراجه في خطط آلية التعافي والمرونة التابعة للاتحاد الأوروبي، مما يضمن الدعم المالي من بروكسل".

ونبه المصدر ذاته إلى أنه، ورغم تحمس الحكومة الحالية بقيادة بيدرو سانشيز لإنجاز المشروع، فإنها حكومة أقلية ودعمها هش في البرلمان الإسباني في حال احتاجت إلى التصويت على أي قرار متعلق بالتمويل مثلا.

وأضاف أن أحزاب اليمين عموما سواء الحزب الشعبي المحافظ أو حزب فوكس تعارض المشروع وترى أنه استثمار بغير جدوى.

وأردف: "بما أن أقرب آجال الإنجاز تمتد إلى عام 2040 فإن القرار يعتمد على نتيجة الانتخابات المقبلة، ما يعني أن المشروع لا يزال في الهواء وقد يتعرض للإجهاض ككثير من مشاريع الربط القارية سواء داخل أوروبا أو خارجها".

مشروع القرن

وأكد المغرب اهتمامه الكبير بإنجاز هذا المشروع، وفق ما ورد على لسان وزير التجهيز والماء نزار بركة، خلال لقاء جمعه مع وزير النقل الإسباني أوسكار بوينت.

وقال بركة في منشور عبر منصة إكس، في مارس 2024، إن "من المشاريع الكبرى التي جرى التطرق إليها، المشروع المتعلق بالربط القاري بين البلدين، الذي يكرس العلاقات الثنائية بينهما، لتسهيل حركة الأفراد والتجارة".

وصادقت الحكومة المغربية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على تعيين عبد الكبير زهود، مديرا عاما للشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق المختصة بمتابعة المشروع.

وكلفت الشركة المغربية بالتنسيق مع نظيرتها الشركة الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق SECEGSA لدراسة مشروع النفق البحري الرابط بين البلدين.

ويرى الخبير الاقتصادي المغربي عبد النبي أبو العرب، أن النفق البحري هو مشروع القرن بالنظر إلى تأثيراته الجيوستراتيجية والجغرافية والثقافية والحضارية الكبيرة، وأيضا أهميته في مضاعفة مستويات التبادل التجاري والاقتصادي والسياحي.

وأوضح أبو العرب لـ "الاستقلال"، أنه بالنظر إلى حجمه وما يعنيه من رغبة في الاندماج والتقارب بين البلدين فهو مشروع سياسي ويتطلب تنفيذه قرارا من البلدين، خاصة أن العلاقة بينهما في أفضل حالاتها.

ويعتقد الخبير الاقتصادي أن إنجاز المشروع قبل مونديال 2030 المشترك بين البلدين إلى جانب البرتغال، مرهون بـ "القرار السياسي بين البلدين"، و"إيجاد التركيبة المالية الضرورية لإنشاء هذا النفق".

وأشار أبو العرب إلى أن التكلفة ستكون كبيرة إلى جانب التعقيدات التقنية واللوجستية والجغرافية.

وقال "إذا جرى التغلب على التعقيدات التقنية وتوفير التركيبة المالية لهذا المشروع، فأعتقد أنه سينجز في 2030 رغم أن الأمر يبقى مستبعدا".

إرادة مشتركة

وأكد الأستاذ بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير في سطات يونس بومعاز، أن مشروع الربط القاري أطلق رسميا عام 1979 بمبادرة من ملك المغرب السابق الحسن الثاني وملك إسبانيا وقتها خوان كارلوس الأول، حيث أُدرج ضمن اتفاقيات ثنائية تهدف إلى إنشاء رابط ثابت بين القارتين.

وأوضح بومعاز في مقال رأي بالمناسبة نشره موقع "هسبريس"، مطلع أبريل 2025، أنه من أجل دراسة جدواه، أنشأ البلدان لجنة مشتركة، وأسس كل منهما شركة متخصصة لمتابعة الأبحاث الفنية والهندسية المتعلقة بالمشروع.

ونبه إلى أن "من شأن هذا النفق أن يوفر وسيلة نقل أسرع من العبارات البحرية وأقل تكلفة من الرحلات الجوية، مما يسهل الربط المباشر بين شمال إفريقيا وأوروبا".

وتابع: "سيسهم هذا المشروع في تسهيل المبادلات بين أوروبا وإفريقيا، مما يجعل منه جسرا جيواقتصاديا وبشريا بين قارتين ظلّ يفصل بينهما مضيق طبيعي لآلاف السنين".

وأبرز أن "القدرة الاستيعابية المتوقعة لهذا الممر تعكس حجم المشروع الضخم؛ حيث يُتوقع أن يعبر من خلاله أكثر من 12 مليون مسافر ونقل حوالي 13 مليون طن من البضائع سنويا، مما يجعله رابطا إستراتيجيا بين أوروبا وإفريقيا".

وذكر بومعاز أن "السنوات القادمة ستكون حاسمة في تحديد الخيارات التقنية الأنسب، مثل اختيار آلات الحفر، وأساليب البناء، وتدابير السلامة".

كما "سيكون من الضروري تأمين التمويل اللازم لضمان إطلاق المشروع فعليا".

وقال الأستاذ الجامعي: إن هذا المشروع يحظى كذلك بإجماع دولي متزايد؛ حيث أعربت عدة قوى عالمية عن دعمها له، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والصين، والولايات المتحدة.

وكلها ترى في المشروع فرصة لتعزيز علاقاتها الإستراتيجية مع كل من إفريقيا وأوروبا، وفق تقديره.

وأردف: "كما أبدت دول الخليج وآسيا، مثل اليابان، والإمارات والسعودية، اهتمامها بالمشاركة في هذا المشروع الطموح، بالنظر إلى تأثيره المحتمل على إعادة تشكيل خريطة المبادلات التجارية الدولية".

وشدد على أن تأثير النفق لا يقتصر على تحسين التجارة الثنائية بين المغرب وإسبانيا، بل يمتد إلى التعاون الأوروبي-المتوسطي وتعزيز المبادلات الأوروبية-الإفريقية. 

وهذا ما يفسر الاهتمام المتزايد من المؤسسات الدولية والمستثمرين العالميين الذين يرون فيه أداة لتسريع التكامل الاقتصادي بين الشمال والجنوب.

حسابات اقتصادية

وبدوره، توقف موقع "اقتصادكم" المحلي عند إشكالية تمويل المشروع، مشددا على أنه من المتوقع أن تكون هناك تمويلات كبيرة مطلوبة لتغطية كلفته.

وأردف في 4 أبريل 2025 أن "تنفيذه سيحتاج إلى تعاون دولي وتمويل مشترك من البنوك الدولية والاتحاد الأوروبي".

وتحدث عن "نية دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات، التي تمتلك احتياطيات مالية ضخمة تمكنها من الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الكبرى في الخارج، للعب دور أساسي في تمويل هذا المشروع".

خاصة في إطار المبادرات الاستثمارية الكبرى التي تروج لها هذه الدول، مثل "رؤية السعودية 2030" و"مبادرة الحزام والطريق" الصينية التي تسعى لتعزيز البنية التحتية في المنطقة.

وشدد الموقع على أن "دول الخليج، التي تسعى إلى تنويع اقتصادها وتنمية استثماراتها في المشاريع الكبرى حول العالم، قد ترى في هذا المشروع فرصة استثمارية إستراتيجية".

فمن خلال تفعيل دورها في مشاريع مثل هذا النفق البحري، يمكن لدول الخليج أن تسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاديات الإفريقية والأوروبية، مما يعزز مكانتها على الساحة الدولية.

وقال: إنه "يمكن للمشاركة الخليجية أن تكون عبر استثمارات مباشرة من صناديق الثروة السيادية أو شراكات تقنية في مراحل البناء والتنفيذ، أو تمويلات طويلة الأجل لدعم استمرارية المشروع".

وذكر أن من بين التحديات الكبرى التي يواجهها المشروع، التكاليف الباهظة التي يتطلبها بناء نفق بحري تحت البحر، والذي يتطلب تقنيات متقدمة ومعدات ضخمة.

وهناك أيضا تحديات بيئية يجب أخذها في الحسبان لضمان أن لا يسبب المشروع تأثيرات سلبية على البيئة البحرية.

وخلص إلى أنه، وعلى الرغم من أهمية المشروع، فإن تأمين التمويل اللازم له سيكون التحدي الأكبر بالنظر إلى تكلفته المرتفعة.

 ومن المحتمل أن يجرى تمويل المشروع عبر شراكات متعددة الأطراف تشمل حكومات الدول المعنية، والقطاع الخاص، ودول الخليج العربي.