معلومات استخباراتية.. هل يكون "الكيماوي" مفتاح رفع عقوبات أميركا عن سوريا؟

"واشنطن قدمت لدمشق قائمة شروط مقابل تخفيف جزئي للعقوبات"
يشتبه مفتشو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في أن أكثر من 100 موقع للأسلحة الكيميائية لا يزال نشطا أو غير مُدرج في السجلات في مختلف أنحاء سوريا، وذلك عقب سقوط نظام بشار الأسد.
الأمر الذي أثار القلق بشأن المخزون غير المُؤمّن، وعمليات التستر السابقة، والجهود الأميركية-السورية المتجددة لتفكيك ما تبقى من سلاح كيميائي.
وفي السياق، يشير موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي، في تقرير له، إلى أن "تفكيك سوريا للأسلحة الكيميائية الضخمة قد يكون مفتاح رفع العقوبات الأميركية".
مفتاح رفع العقوبات
وهذا أول تقدير من نوعه منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث تسعى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الآن إلى إعادة دخول سوريا وتقييم ما تبقى من برنامج الأسد العسكري الكيميائي، مع العلم أن هذا العدد يتجاوز بكثير أي رقم اعترف به النظام السابق.
ووفقا لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يستند التقدير الجديد إلى معلومات استخباراتية جُمعت من باحثين خارجيين ومنظمات غير ربحية، وتبادل معلومات استخباراتية بين الدول الأعضاء.
ويُعتقد أن المواقع المشتبه بها استُخدمت لأبحاث الأسلحة الكيميائية وتصنيعها وتخزينها.
وخلال الحرب السورية، استخدم نظام الأسد أسلحة كيميائية، بما في ذلك غاز السارين والكلور.
ويُرجّح أن تكون بعض المواقع المتبقية مخفية في كهوف أو مواقع نائية، مما يجعل الكشف عنها عبر الأقمار الصناعية صعبا، وفقا لموظفين سابقين في المنظمة وخبراء مستقلين.
وهذا يثير مخاوف بشأن احتمال عدم تأمين بعض المخزونات، وفق التقرير.
والجدير بالذكر أن سوريا انضمت إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في عهد الأسد عام 2013 كجزء من صفقة بوساطة أميركية-روسية عقب هجوم بغاز السارين أودى بحياة المئات.
ومع ذلك، واجه مفتشو المنظمة عرقلة ممتدة من قِبل المسؤولين السوريين، وظل العدد الحقيقي لمنشآت الأسلحة الكيميائية السورية ووضعها غير واضح حتى بعد سقوط الأسد.
وفي السنوات الأولى للحرب، لم تكشف حكومة الأسد سوى عن 27 موقعا للأسلحة الكيميائية، والتي فُتشت لاحقا وأُوقفت عن العمل.
ومع ذلك، استمر النظام في استخدام المواد الكيميائية حتى عام 2018 على الأقل، وتُظهر الأبحاث أنه استمر في استيراد مواد كيميائية أساسية رغم العقوبات.

وبحسب التقرير، فقد حذّر المفتشون من أن هذه الأسلحة تُشكّل مخاطر جسيمة، لا سيما في المناطق المكتظة بالسكان.
فغاز السارين، وهو غاز أعصاب، يُمكن أن يُؤدي إلى الوفاة في غضون دقائق، أما غاز الكلور وغاز الخردل، وكلاهما استُخدم في الحرب العالمية الأولى، فيمكن أن يُسببا حروقا بالغة، وعمًى، وفشل الجهاز التنفسي.
وفي زيارة مفاجئة لمقر المنظمة في لاهاي في مارس/آذار 2025، أعلن وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، أن الحكومة الحالية تعتزم تدمير أي بقايا من برنامج الأسلحة الكيميائية الذي طُوّر في عهد نظام الأسد، وأنها ستلتزم التزاما كاملا بالقانون الدولي.
وقد سمحت الحكومة بالفعل لفرق المنظمة بدخول البلاد في الشهر نفسه لبدء توثيق المواقع، وفقا لمصادر مطلعة على الأمر.
هذا على الرغم من أن سوريا لم تُعيّن بعد سفيرا لها لدى المنظمة، وهي خطوة دبلوماسية جوهرية تدلل على التزامها بحل هذه القضية، وفق "ذا ميديا لاين".
وبينما تحث واشنطن سوريا على تسهيل مهمة المنظمة، صرّح مسؤول كبير في وزارة الخارجية السورية للموقع الأميركي بأن واشنطن قدمت لدمشق قائمة شروط مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، بما في ذلك التعاون في مجال نزع الأسلحة الكيميائية.
وبحسب ما ورد، سلّمت نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام وسوريا، ناتاشا فرانشيسكي، القائمة إلى الشيباني خلال اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس/آذار.
ويمثل هذا الاجتماع الذي لم يُكشف عنه سابقا، أول اتصال رفيع المستوى بين دمشق وواشنطن منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وقال النائب السوري السابق، محمد الحمصي لـ "ذا ميديا لاين"، إن "الولايات المتحدة بدأت بالفعل العمل على تفكيك الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا"، تزامنا مع غارات جوية إسرائيلية على مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلاد.
كما تُنسّق واشنطن مع عدد من دول الشرق الأوسط لمنع وقوع بقايا الأسلحة الكيميائية للنظام السابق في الأيدي الخطأ، وفق التقرير.
بدوره، قال المحلل السياسي السوري المقيم في واشنطن، أيمن عبد النور، "إن الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون بالقلق من أن انهيار البنية التحتية العسكرية والأمنية للنظام والفوضى المتزايدة قد يؤدي إلى استيلاء جهات غير مخوَّلة على أسلحة خطيرة، مما يتطلب تحركا دوليا سريعا".
ويقول الموقع: "لا تزال التساؤلات تدور حول تاريخ برنامج الأسلحة الكيميائية السوري".
تاريخ "كيماوي" سوريا
وأفاد العقيد المتقاعد في سلاح الجو السوري، خالد منصور، بأن سوريا بدأت في السعي لتطوير الأسلحة الكيميائية عام 1971.
في ذلك العام، أسس الدكتور عبد الله واثق شهيد، وهو فيزيائي نووي ومستشار رفيع المستوى للرئيس حافظ الأسد، "مركز البحوث والدراسات العلمية"، الذي ركز على أنظمة الدفاع الكيميائي بدعم سوفيتي، بما في ذلك الحصول على 11 ألف قناع واقٍ من الغاز من الصين.
وتشير مصادر أميركية إلى أن سوريا حصلت على مخزون صغير من الأسلحة الكيميائية من مصر قبل حرب أكتوبر عام 1973. ومع ذلك، لم ينشر الجيش السوري هذه الأسلحة قط ضد إسرائيل أو أعداء آخرين، بحسب التقرير.
وقال الموقع: "يبدو أن هذه الأسلحة كانت مخصصة لأسوأ السيناريوهات التي تنطوي على انهيار عسكري".
"ولكن بعد توقيع مصر على اتفاقيات كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في أواخر السبعينيات، خاصة بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها سوريا أمام إسرائيل في لبنان عام 1982.
بالإضافة إلى التوترات مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الإيرانية-العراقية، شعرت دمشق بعزلة متزايدة".
وهذا الشعور دفع نظام الأسد إلى زيادة الاستثمار في الأسلحة الكيميائية كرادع إستراتيجي، وفق التقرير.
وبحلول منتصف الثمانينات بدأت سوريا في إنتاج العوامل الكيميائية. وفي عام 1983، حددت تقديرات الاستخبارات الأميركية لأول مرة منشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا.

وأكدت وثائق حكومية بريطانية نُشرت عام 2014 أن سوريا، بحلول عام 1986، كانت قد حصلت على مئات الأطنان من المواد الأولية الكيميائية.
بما في ذلك ثلاثي ميثيل الفوسفيت وثنائي ميثيل الفوسفيت وفلوريد الهيدروجين، من المملكة المتحدة، وبدأت في تطوير عوامل أعصاب مثل السارين.
وبحلول عام 1990، أفادت تقارير مسؤولين أميركيين ووسائل الإعلام بأن سوريا حوّلت العديد من مصانع المواد الكيميائية الزراعية إلى منشآت لإنتاج السارين.
وفي عام 1997، زعمت مصادر أميركية وإسرائيلية أن برنامج سوريا كان يتضمن منشآت في دمشق وحمص وحلب قادرة على إنتاج السارين وغاز الخردل، وربما غاز (VX)، وهو أخطر غاز أعصاب معروف.
نتيجةً لذلك، حظرت الولايات المتحدة مبيعات غاز السارين والخردل إلى سوريا في ثمانينيات القرن الماضي، مما دفع دمشق نحو السوق السوداء.
وفي عام 1996، اتهمت السلطات الروسية الجنرال المتقاعد أناتولي كونتسيفيتش بشحن 800 كيلوغرام من هذه المواد إلى سوريا.
ورغم إسقاط التهم لاحقا، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن كونتسيفيتش اعترف في النهاية بنقل هذه المواد.
وبين عامي 2002 و2006، أكدت تقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية مرارا وتكرارا امتلاك سوريا غاز السارين وجهودها لتطوير غازات أعصاب أكثر سمية وثباتا.
وخلص تقرير استخباراتي صدر عام 2009 إلى أن الجيش السوري قادر على شن هجمات كيميائية عبر الطائرات والصواريخ بعيدة المدى والمدفعية.
وفي يونيو/حزيران 2012، أعلن نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، يائير نافيه، أن سوريا تمتلك أكبر مخزون للأسلحة الكيميائية في العالم، تراكم على مدى أربعة عقود، بما في ذلك غاز السارين وغاز الخردل وغازات أعصاب أخرى.
وفي الشهر التالي، قدمت الحكومة السورية أول اعتراف ضمني لها بوجود هذه الأسلحة، ليس من خلال تصريحات رسمية، بل من خلال استخدامها في ساحة المعركة، والذي ترك أدلة دامغة على جثث الضحايا.