عبر تصعيد هجماتها.. هل تهدف إسرائيل لإبقاء القوات الأميركية في سوريا؟

استأنفت إسرائيل غاراتها الجوية على كل من لبنان وسوريا
رأت وكالة الأناضول التركية أن تصعيد إسرائيل عدوانها في غزة ولبنان وسوريا يهدف إلى ضمان بقاء القوات الأميركية في المنطقة واستمرار الدعم العسكري لتل أبيب.
وسلطت الوكالة في مقال للكاتب التركي "أحمد أردا شينسوي"، الضوء على الأهداف السياسية والعسكرية للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في ظل الدعم الأميركي.
سياسة التوسع
واستدرك الكاتب: تواصل إسرائيل تصعيد هجماتها على غزة رغم التوصل إلى اتفاق هدنة في يناير/كانون الثاني 2025، انسحبت منه تل أبيب لاحقا بعد تسلم عدد من أسراها.
بالإضافة إلى ذلك فقد استأنفت إسرائيل غاراتها الجوية على كل من لبنان وسوريا، مما وسّع نطاق الصراع في الشرق الأوسط.
في هذا السياق هناك عدة أسئلة يجب طرحها: لماذا تصر إسرائيل على تصعيد التوترات على هذه الجبهات الثلاث؟ وما العلاقة بين هذه الهجمات والسياسة الداخلية لتل أبيب؟
وكيف يؤثر هذا التصعيد على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان وسوريا وتركيا وإيران؟
وأخيرا، هل يمكن أن يكون الهدف من الهجمات إبقاء الولايات المتحدة في المنطقة وضمان استمرار دعمها العسكري والسياسي لإسرائيل؟
وللإجابة على هذه الأسئلة يقول الكاتب: الهجمات المكثفة على غزة هي جزء من إستراتيجيات إسرائيلية مرتبطة بالسياسة الداخلية.
فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه العديد من الأزمات السياسية الداخلية، استغل التصعيد في غزة كوسيلة لتجاوز الضغوط السياسية التي تعرض لها.
فبعد نكسة كبيرة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان نتنياهو مهددا بإمكانية فقدان حكومته بسبب أزمة التصويت على الميزانية، مما دفعه إلى تكثيف الهجمات على غزة كوسيلة لتوطيد سلطته حتى جرى إقرارها.

بالإضافة إلى ذلك تبيّن أن رفض المبادرات المختلفة للهدنة كان خطوة إستراتيجية من نتنياهو لضمان مستقبله السياسي؛ حيث يواجه تهديدا حقيقيا من خلال الدعاوى القانونية التي قد تقوده إلى السجن، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف السياسي.
واستدرك الكاتب: الهجمات على لبنان وسوريا تعكس الطموحات التوسعية لإسرائيل في المنطقة.
ففي لبنان، تهدف إسرائيل إلى تقليص قدرة حزب الله على الرد، وتحويل البلاد إلى حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية.
ومن خلال الهجمات على الجنوب اللبناني واستخدام أسلحة محرمة مثل الفسفور الأبيض، تسعى إسرائيل إلى تدمير البنية التحتية للمنطقة وإنشاء منطقة عازلة تُسهل عليها التدخل العسكري المباشر في المستقبل.
أما في سوريا فالتصعيد الإسرائيلي لا يقل شراسة. فمنذ نهاية الحرب السورية في ديسمبر/كانون الأول 2024، نفذت إسرائيل أكثر من 700 هجوم ضد المنشآت العسكرية في البلاد.
ومن خلال هذه الهجمات تسعى إسرائيل إلى تحجيم نفوذ النظام السوري واستغلال الفراغ السياسي في سوريا لتوسيع وجودها العسكري.
في هذا الإطار، يمكن القول إن إسرائيل تأمل في أن تصبح سوريا دولة مفككة وغير قادرة على مواجهة التحديات الأمنية، تماما كما حدث في لبنان.
ولفت الكاتب إلى أن إسرائيل تواجه تحديات جديدة في سوريا، حيث تَزايَدَ النفوذ التركي بعد الثورة السورية.
ومن الممكن أن يشكل التعاون العسكري والاقتصادي بين تركيا وسوريا عقبة أمام الطموحات التوسعية الإسرائيلية، وفق تقديره.
فمن خلال تحسين العلاقات مع دمشق قد تضع تركيا حواجز أمام إسرائيل، وهو ما يجعلها ترى في هذه العلاقات تهديدا لمصالحها الأمنية.
وهذا يعكس القلق الإسرائيلي المتزايد من إمكانية فقدان "حقها" في التدخل العسكري المباشر في سوريا إذا استمر التحسن في العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وأردف الكاتب: “مع احتمال توقف الدعم الأميركي لوحدات حزب العمال الكردستاني، وتزايد التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين أنقرة ودمشق، تصبح سوريا في وضع سياسي جديد قد يحد من قدرة إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكرية كما فعلت في لبنان وغزة”.
الحاجة إلى أميركا
وأضاف: تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بشكل خاص في تصعيد التوترات في المنطقة، فهذا ليس مجرد صراع عسكري عابر، بل يتضمن أهدافا إستراتيجية تتجاوز الحدود السورية.
ففي ظل الأوضاع الإقليمية الحالية، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في سوريا بهدف منع الولايات المتحدة من اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى سحب قواتها من المنطقة، وهو قرار كان متوقعا في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومع تزايد الاهتمام الأميركي بقضايا أخرى مثل المفاوضات مع إيران، تواصل إسرائيل الضغط على الساحة السورية لضمان بقاء الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
ومن الواضح أن إسرائيل تخلق أزمات جديدة بين الولايات المتحدة وتركيا في سوريا، بالإضافة إلى تقوية موقفها في السياسة الأميركية تجاه إيران، وفق الكاتب.
ففي الوقت الذي كان ترامب يتطلع فيه إلى سحب القوات الأميركية من سوريا، كانت إسرائيل تسعى إلى تعميق انخراطها العسكري، وهو ما يتضح في تصعيد هجماتها ضد الأهداف السورية.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الهجمات لم تكن تهدف فقط إلى إضعاف النظام السوري، بل كانت أيضا رسالة واضحة للولايات المتحدة وتركيا على حد سواء.

فإسرائيل كانت تضع نفسها في موقف يجعلها لاعبا رئيسا في أي سياسة أميركية بشأن الشرق الأوسط.
وتابع: تظهر تصريحات أميركية أخيرا على لسان المسؤولين مثل جويل ريبورن، نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، مواقف إيجابية تجاه الحكومة السورية الجديدة، ما يشير إلى تحولات محتملة في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا.
وبين أن هذه التصريحات قد تكون مؤشرا على إمكانية انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وهو ما يهدد الطموحات الإسرائيلية في المنطقة.
فبينما يسعى ترامب إلى تجنب المزيد من التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة تحديات جديدة تتمثل في تعزيز العلاقات بين دمشق وأنقرة، وهو ما قد يضعف إمكانية تنفيذ تل أبيب لخططها التوسعية في سوريا.
وأضاف الكاتب: إن إسرائيل اليوم في موقف لا يسمح لها بالتحرك بحرية دون الحصول على الدعم السياسي والعسكري الأميركي.
فمنذ تصعيد الهجمات على غزة في 7 أكتوبر، وتوسيع نطاق الهجمات في لبنان وسوريا، تسعى إسرائيل إلى إدامة حالة من عدم الاستقرار الإقليمي لضمان استمرار الدعم الأميركي.
ومن خلال دفع الولايات المتحدة إلى تبني سياسات لا تنسجم مع مصالح إيران أو تركيا في سوريا، تسعى إسرائيل إلى إبقاء القوات الأميركية في المنطقة.
وذكر الكاتب أن إسرائيل اليوم محاصرة في دائرة من الحروب المستمرة التي تشمل جبهات متعددة في غزة ولبنان وسوريا.
ورأى أن تصعيد الهجمات في هذه المناطق ليس مجرد انعكاس لحاجة إسرائيل إلى تأكيد قوتها، بل هو أيضا جزء من إستراتيجيتها في التأثير على السياسة الأميركية لضمان مصالحها الإقليمية.
وختم الكاتب مقاله قائلا: إسرائيل لن تتردد في إشعال المزيد من الأزمات في المنطقة لضمان استمرار هذا الدعم الأميركي حتى وإن كان ذلك يعني إطالة أمد الصراعات أو خلق المزيد من التوترات الإقليمية.
ففي النهاية، يبقى الدعم الأميركي العامل الحاسم في سياسة إسرائيل الأمنية والإقليمية، وفق قوله.