تجاوزات كبيرة.. كيف كشف مؤتمر "حزب أتاتورك" مشاكل الفساد الداخلي؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

شهد المؤتمر الـ21 لحزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، “حدثا ذا طابع مثير للجدل”، حيث تم إعادة انتخاب الرئيس العام أوزغور أوزيل، والذي قام بتشكيل المجلس الحزبي وفقا لرؤيته الخاصة متجنبا أي تدخلات أو معارضة داخلية. 

ونشرت صحيفة "صباح" التركية مقالا للكاتب، محمود أوفور، سلط فيه الضوء على “شبهات الفساد وتورط بعض الأفراد في صفقات مشبوهة” خلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الشعب الجمهوري بالعاصمة أنقرة في 6 أبريل/ نيسان 2025

أزمة الشفافية

وقال أوفور: إن “خطوة إعادة انتخاب أوزيل وتركيزه على تجنب أي معارضة داخلية قد لاقت ترحيبا داخل الحزب، بينما رآها البعض خطوة لإقصاء منافسيه، وهو ما ألقى بظلال من الشك على نزاهة العملية”. 

وأشار الكاتب إلى أن "هذا النوع من الإستراتيجيات قد ينجح على المدى القصير، لكن الصورة المستقبلية قد تكون أكثر تعقيدا وفوضوية". 

ورأى أن "أحد الجوانب المثيرة للقلق هو عقد هذا المؤتمر بشكل مستعجل دون انتظار التحقيقات القضائية الجارية، وهو ما ترك العديد من الأسئلة دون إجابة".

ففي حين يمكن أن يُنظر للمؤتمر على أنه حدث تنظيمي داخلي، إلا أن هناك العديد من الادعاءات والشهادات التي تشير إلى وجود "شُبهات" خطيرة تتعلق بعمليات مالية مشبوهة داخل الحزب، وهو ما يهدد سمعة الحزب برمته"، وفق أوفور.

وشدد على أن "الأبحاث والتحقيقات التي تجرى حاليا تحت إشراف الجهات القضائية ليست مجرد ادعاءات معزولة من بعض أفراد الحزب، بل هي مبنية على دلائل قد تفضح حقيقة تجاوزات مالية كبيرة". 

وتتمثل إحدى النقاط المركزية في الادعاءات حول "تبادل الأموال من خلال مكاتب الصرافة، وهو ما يستدعي الانتباه العميق". 

بالإضافة إلى ذلك، كشفت التقارير عن سعي حثيث للكشف عن حركات مالية مشبوهة تشمل الحسابات البنكية، والحسابات المشفرة، وشراء العقارات في السنوات الأخيرة. 

كما أن التحقيقات تتعدى الأفراد إلى جهات أخرى قد تكون على علاقة بتغيير نتائج المؤتمر، مثل مالكي وسائل الإعلام والصحفيين وشركات استطلاعات الرأي.

ولفت الكاتب النظر إلى أن "التحقيقات التي تشمل شخصيات معروفة مثل جعفر ماهر أوغلو وجان كاكشيم وإسماعيل سايماز قد تكشف عن أرقام مالية ضخمة أحاطت بمؤتمر الحزب، ما يعزز الشكوك حول إمكانية تأثير هذه الحركات المالية على تغيير مواقف بعض المندوبين خلال عملية التصويت". 

ويرى أن “خطورة هذه المزاعم تزداد عندما نأخذ في الحسبان ما يُعرف بظاهرة (زعامة المندوبين)، حيث اتضح أن هناك أشخاصا نافذين داخل الحزب قاموا بتعيين أعضاء جدد من أجل التأثير على نتائج التصويت في منطقة أسنيورت في إسطنبول”. 

مزيد من الغموض

وأشارت المعلومات إلى أن بعض هؤلاء "الزعماء" كانوا يتلقون أموالا نيابة عن المندوبين، أو يوزعونها بشكل انتقائي، ما يضفي مزيدا من الغموض على شفافية العملية، ويطرح علامات استفهام كبيرة حول شرعية نتائج المؤتمر.

وأضاف أوفور: "من الواضح أن هذه التحقيقات قد تفتح الباب أمام تداعيات كبيرة على حزب الشعب الجمهوري وعلى الساحة السياسية التركية بشكل عام".

واستطرد: "رغم أن بعض المراقبين يعتقدون أن التحقيقات قد تؤدي إلى تقوية قواعد الحزب في المستقبل، إلا أن التشابك الواضح بين السياسة والمال يهدد بتقويض مصداقية الحزب في نظر الجمهور".

وشدد أوفور على أنه “إذا ما تم التحقيق في هذه القضايا بشكل شفاف، فقد يكون لهذا الأمر تأثير كبير على عملية الإصلاح داخل الحزب، مما يعزز من الدعوات لتحقيق (سياسة نظيفة) والتأكيد على ضرورة القضاء على الفساد”. 

وتابع: "مع ذلك، فإن التأثير على المدى الطويل قد يكون أكثر تعقيدا، حيث إن هذه القضايا قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والضغوط داخل الحزب".

وقال الكاتب التركي: "في وقت يشهد فيه العالم تحولات كبيرة، من حروب تجارية إلى صراعات جيوسياسية مهمة، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري لا يعير أي اهتمام لما يحدث على الساحة الدولية، بل يواصل التركيز على صراعاته الداخلية". 

وأوضح أنه "منذ وصول أوزغور أوزيل وفريقه، لم يظهر الحزب أي اجتهاد ملموس في تقديم حلول للمشاكل الأساسية التي تواجه تركيا، على العكس من ذلك، كانت معظم النقاشات تدور حول الحسابات السياسية والمناورات داخل الحزب، بينما تم تغليب الصراعات الداخلية على الأولويات الوطنية".

واستطرد: “رغم أن العالم يشهد تحولات حاسمة في الاقتصاد والجغرافيا السياسية، كان حزب الشعب الجمهوري غارقاً في قضية واحدة فقط: رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، وتهم الفساد التي طالته”. 

ولفت إلى أن “هذه القضية كانت هي محور الحديث اليومي في الحزب، بما في ذلك النقاشات المتواصلة حول معركته السياسية، حتى أصبح التركيز على مصيره أكثر أهمية من الأزمات الحقيقية التي تؤثر على البلاد".

غياب الإرادة

وفي هذا السياق، أعربت أسلي بايكال، ابنة الراحل دينيز بايكال، عن استيائها العميق من الوضع القائم. 

فقد انتقدت هذا النهج في تصريحاتها الأخيرة قائلة: "العالم يهتز، وكل دولة، بما فيها تركيا، في خضم صراع من أجل الحصول على حصتها، ولكن لا أحد يهتم، لا أحد يعرف ماذا يقدم المعارضون لتركيا في هذه القضايا.. كل ما يهمهم هو مصالح مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين اغتصبوا حقوق الشعب".

وعلق الكاتب بالقول: إن "هذه الكلمات تعكس إحباطا متزايدا حيال انشغال حزب الشعب الجمهوري بقضايا داخلية ضيقة على حساب القضايا الكبرى التي تشغل العالم". 

وأضاف “بدلا من أن يكون الحزب في طليعة المعارضين الذين يقدمون حلولا حقيقية لمشاكل الشعب، أصبح محاصرا في دائرة من الصراعات على السلطة والمناصب، مما أفقده القدرة على تقديم أي رؤية أو إستراتيجية واضحة”. 

ورأى أوفور أن “الأكثر إزعاجا هو تصريحات شخصية داخل الحزب، التي تدعو الناس إلى (مقاطعة من لا يدعمني)، في محاولة لإرضاء الآراء المتناقضة”. 

وذكر أن “هذا التوجه، الذي يقوم على سياسة الخوف، يبدو أنه يتناقض بشكل كبير مع المبادئ الأساسية التي قام عليها حزب الشعب الجمهوري، خاصة فيما يتعلق بالحرية الفكرية والتنوع السياسي”. 

وتابع: "من المؤسف أن هذه التصرفات تأتي في وقت حساس، حيث إن العالم كله في حالة حركة. فبينما تتصاعد التحديات الدولية، يُظهر الحزب غيابا ملحوظا في تقديم أي حلول تتعلق بتلك القضايا، ليقتصر اهتمامه على مصالح أفراد وجماعات صغيرة داخلية". 

ويرى أوفور أن “ما يثير الاستفهام بشكل كبير هو استخدام اسم (أتاتورك) بشكل متكرر من قبل هذه الشخصيات، وذلك في وقت يتصرفون فيه بما يتناقض مع المبادئ التي كان يؤمن بها مؤسس الجمهورية التركية”.

وختم الكاتب مقاله قائلا: "إذا استمر حزب الشعب الجمهوري في تجاهل القضايا الأساسية التي تهم الشعب والعالم، فسيظل بعيدا عن الساحة السياسية، ليس بسبب نقص في الإمكانيات، بل بسبب غياب الرؤية والإرادة للتغيير".