عالم مختلف تماما.. ماذا تعرف عن مشروع "المجنون" الذي يتبناه ترامب؟

"سينتهي الأمر بسقوط الاتحاد الأوروبي كمنظمة، مثلما كانت فرنسا تقترح عبثا لمدة 60 سنة"
في خطوة هزت الأسواق المالية العالمية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مطلع أبريل/ نيسان 2025، ما أطلق عليه "يوم التحرير"، حيث بدأ تطبيق سلسلة من التعريفات الجمركية الكبيرة التي ستؤثر على التجارة الدولية.
وتفاعلا مع هذا التطور غير المسبوق، يقول المحلل الإستراتيجي الفرنسي باسكال بونيفاس، إن "ترامب وضع نهاية للعالم الغربي، تماما مثلما وضع جورباتشوف نهاية للكتلة السوفييتية"
ثورة إستراتيجية
ويعدّ باسكال بونيفاس مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي، وهو أحد أبرز المحللين الإستراتيجيين الفرنسيين، وكان مستشارا لوزراء اشتراكيين في الثمانينيات والتسعينيات.
وقد دُعي لإلقاء محاضرة في المدرسة الفرنسية في مدريد، وانتهز الفرصة لمشاركة أفكاره حول الوضع الراهن في العالم مع صحيفة الدياريو.
ويصف الحالة الراهنة للعلاقات الدولية بأنها "ثورة إستراتيجية"، ويقارنها بالبيريسترويكا، "وتعني إعادة الهيكلة".
وفي مرحلة أصيب فيها العالم بحالة من الذهول، خاصة بعد فوز ترامب، وكأن شيئا لم يعد قابلا للتنبؤ به بعد الآن؛ أشار العالم السياسي، باسكال بونيفاس، إلى أنه "عادة ما تراوده شكوك عند حديث محللين آخرين عن الثورات الإستراتيجية.
ففي الحقيقة، هناك عدد قليل جدا من الثورات الإستراتيجية في التاريخ. لكن في الواقع يعيش العالم الآن على وقع واحدة من هذه الثورات؛ لأن ترامب وضع نهاية للعالم الغربي، تماما مثلما وضع جورباتشوف نهاية للكتلة السوفييتية".
وواصل: “في الوقت الراهن، يدمر ترامب الكتلة الغربية من خلال خلق صدع بين الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى؛ تماما مثلما كان هناك انقسام بين العالم الغربي وروسيا”.
وأضاف: "الآن أصبح هناك انقسام بين أوروبا وكندا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى. وفي الأثناء، ظهر محور موسكو وواشنطن. نحن إذن في عالم مختلف تماما".

العلاقات الدولية.. إلى أين؟
وأورد الخبير أن "العالم يعيش نوعا من الفوضى الآن. إنها نهاية التحالفات. عموما، لا يوجد تحالف حقيقي بين ترامب وروسيا؛ بل إنه مجرد تقارب في حالات معينة. فضلا عن ذلك، لم يعد هناك تحالف سوفيتي أو غربي.
وفيما يتعلق بالصين، لا يمكن عد مجموعة البريكس تحالفا على الإطلاق. ومن خلال تجريد المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي من معناها، يضع ترامب نهاية للتحالف الأطلسي.
عموما، يعد انتخاب ترامب لولاية ثانية هو الدافع الرئيس للتغيير؛ حيث كانت قراراته الأولى السبب وراء حالة الصدمة التي يعيش العالم على وقعها.
وفي هذا الصدد، قال بونيفاس: “إن ترامب حذر بالفعل قبل اتخاذ أي خطوة. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية، ظهرت ثلاثة انقسامات رئيسة في العالم”.
وهي “انقسام بين روسيا والعالم الغربي، وانقسام بين العالم الغربي والجنوب العالمي، وانقسام بين الصين والولايات المتحدة”.
وفي وقتنا الراهن، تلاشى الشق الأول ولم يعد موجودا؛ لقد تم استبداله باتفاق بين روسيا والولايات المتحدة وانقسام بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ حيث يصف ترامب الاتحاد الأوروبي بالعدو.
هل يعد ترامب قابلا للتنبؤ؟
في هذا السياق، أورد الخبير أن “ترامب أعلن عن نواياه، لكننا لم نرغب في تصديقه. إنه مثل عندما تكون في السادسة أو السابعة من عمرك ويخبرك أحدهم أن أحد أبطال الرسوم المتحركة غير موجود. في هذا الموقف ستكون مرعوبا جدا من هذا الفراغ لدرجة أنك لا تريد أن تصدقه”.
فخلال حملته الانتخابية، قال ترامب: إنه إذا لم تَزِد الدول الأوروبية إنفاقها العسكري، فسوف يطلب من روسيا مهاجمتها. وبينما اعتقد الجميع أن هذا استفزاز، في النهاية وفى بوعوده.
وفي الحديث عن إستراتيجية ترامب، التي وصفت "بإستراتيجية المجنون" خلال أول شهرين من ولايته، نقل الخبير أن "ترامب عقلاني تماما. ويعد إستراتيجيته أبعد من كونها إستراتيجية "المجنون"، وتتعدى ذلك، حيث يمكن عدها إستراتيجية ترهيب وضغط".
ويفسر الخبير قائلا: "يقدم ترامب مطالب تعجيزية للغاية لتخويف الناس، مما يسمح له بالحصول على نتيجة أقل أهمية من تلك التي طلبها، ولكنها أكثر أهمية من النتيجة التي كان من الممكن أن يحصل عليها دون القيام بذلك. على الرغم من أن هذه الإستراتيجية القائمة على الخوف لها حدودها، وذلك لأسباب من بينها أنها تهاجم الجميع في نفس الوقت".
وواصل: “في النهاية، يبدو من المرجح أن إستراتيجية ترامب تفشل. قد تستسلم بنما من خلال الابتعاد قليلا عن الصين، ولكن كندا لن تستسلم، وهو الحال بالنسبة للمكسيك والدنمارك”.
"وسينتهي الأمر بسقوط الاتحاد الأوروبي كمنظمة، مثلما كانت فرنسا تقترح عبثا لمدة 60 سنة. وستفقد الولايات المتحدة نفوذها في أوروبا الذي كان مفيدا للغاية لها. ومن خلال اللعب الدائم بالقوة الصلبة ونسيان القوة الناعمة، سينتهي الأمر بترامب إلى إضعاف الولايات المتحدة".

عائق القانون الدولي
وحول تقارب ترامب من روسيا لإبعادها عن محور الصين، أشار الخبير إلى أن "هناك أيضا تحالفا من القوى الكبرى التي تعتقد أن القانون الدولي يشكل عائقا أمام سيادتها وقوتها وأنها لا تحتاج إليه.
وأكد أن هذا الاستهتار بالقانون الدولي هو ما يوحد ترامب وبوتين. وهناك أيضا تحالف حضاري، خاصة ضد الإسلام. ولا أعتقد أن روسيا ستتخلى عن الخيار الصيني، ولكنها قد تسعى إلى تخفيف اعتمادها على الصين.
وفي بيئة أصبح فيها من الصعب الحفاظ على نقاش هادئ وعقلاني بشأن الشرق الأوسط أو الحرب في أوكرانيا بين المجتمع الفرنسي، أشار بونيفاس إلى أن "البعض يتهمه بأنه مؤيد لحماس".
ويرى أنه "كلما أصبح سلوك إسرائيل غير مقبول، أصبح المدافعون عنها أكثر عدوانية. ويتم استخدام تهمة معاداة السامية بشكل متزايد كسلاح لحماية الحكومة الإسرائيلية".
وحول التقارب بين ترامب وإيلون ماسك، أورد الخبير أن “الاثنين يتفقان على أنه لا ينبغي محاربة عدم المساواة”.
وأوضح أن هناك أيضا نبرة عنصرية لدى ماسك، ومعارضة للأقليات العرقية. وأخيرا، يوحدهم تفوق العرق الأبيض. وفي نهاية المطاف، هناك رؤية للذكر الأبيض التي توحدهم.