بالتزامن مع تهجير غزة.. كيف تسعى إسرائيل لتفريغ أراضي 1948 من الفلسطينيين؟

“لطالما عانى المواطنون الفلسطينيون من التمييز، قانونيا وفعليا”
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استحوذت محنة الفلسطينيين في قطاع غزة على اهتمام المراقبين في الشرق الأوسط وخارجه، وهو أمرٌ مُستحق، إلا أن هذه النقاشات تغفل مصير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.
ويشكل الفلسطينيون في أراضي 1948 حوالي 16 بالمئة من إجمالي الفلسطينيين، وحوالي 20 بالمئة من سكان دولة الاحتلال الإسرائيلي.
درجة ثانية
وفي مقال مشترك لأستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا، أسعد غانم، وطالب الدراسات العليا في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر، باسل خليلي، سلط الكاتبان الضوء على ما وصفاه بـ"موجة اضطهاد" تُمارس ضد فلسطينيي 1948.
وأفاد المقال، الذي نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أن هؤلاء الفلسطينيين يحتلون مكانة فريدة في دولة الاحتلال، فبحكم جنسيتهم الإسرائيلية، يتمتعون بحقوق أكثر من الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
واستدرك: "لكن بسبب هويتهم الفلسطينية، يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية بموجب قوانين تُكرس الطابع اليهودي للدولة، وممارسات تمييزية تهدف إلى منعهم من تحقيق المساواة مع اليهود الإسرائيليين".
وجاء في المقال أنه "لطالما عانى المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل من التمييز، قانونيا وفعليا؛ حيث يعيشون في مجتمعات معزولة إلى حد كبير، مع وصول محدود لموارد الدولة".
واستدرك: "لكن منذ اندلاع حرب غزة، أصبحت مكانتهم في المجتمع الإسرائيلي ضعيفة باضطراد، فمع تصاعد ميل اليهود نحو اليمين، واجه الفلسطينيون مستويات غير مسبوقة من الاضطهاد والانتهاكات من حكومة تضمّ يهودا متطرفين".
ووفق المقال، فإن رفض الإسرائيليين اليهود للتعايش المضطرب -الذي ساد المجتمع قبل 7 أكتوبر- في ازدياد، الأمر الذي أدى إلى دعوات أكثر صراحة لسحب جنسية المواطنين الفلسطينيين وطردهم من البلاد.
وشنت الحكومة الإسرائيلية حملة غير مسبوقة من الاضطهاد والترهيب ضد المواطنين الفلسطينيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم "طابور خامس" من الأعداء الداخليين الذين يهددون سلامة الإسرائيليين اليهود.
وأطلقت شخصيات سياسية، مثل وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، وأعضاء في الكنيست، ومسؤولين حكوميين آخرين، دعوات لمراقبة المواطنين الفلسطينيين، وفي بعض الحالات، طردهم.
وأعلن مفوض الشرطة آنذاك، يعقوب شبتاي، حظرا تاما على الاحتجاجات المناهضة للعدوان في البلدات والقرى العربية، وظل الحظر -الذي لم ينطبق على الإسرائيليين اليهود- ساريا حتى مارس/آذار 2024.
علاوة على هذا، بدأت الشرطة الإسرائيلية في مراقبة حسابات المواطنين الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن أي تعبيرات تعاطف مع معاناة سكان غزة، وما اعتبرته دعما لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ونالت هذه الحملة مئات المواطنين الفلسطينيين، لا سيما النشطاء والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين استهدفتهم "فرقة العمل" المُنشأة حديثا لرصد الانتقادات على الإنترنت، والتي يشرف عليها ابن غفير، بهدف تعقب منتقدي الموقف الإسرائيلي الرسمي من حرب إبادة غزة.
وشهدت الأيام التي تلت 7 أكتوبر موجة اعتقالات نالت عشرات المواطنين الفلسطينيين، بعضهم لمجرد نشرهم صورا لأطفال في غزة أو التعبير عن معارضتهم للإبادة.
واعتُقلت الفنانة دلال أبو آمنة واتُّهمت بـ"التحريض" لمشاركتها منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي جاءت فيه عبارة "لا غالب إلا الله".
كما اعتُقل فنان كوميدي عربي لكتابته "العين تبكي على أهل غزة" في منشور على منصة "إنستغرام".
وبحسب المقال، فقد خلقت هذه الاعتقالات البارزة جوا من الصمت النسبي الذي ساد بين المواطنين الفلسطينيين خلال الأشهر الثمانية عشر التي انقضت منذ بدء الغزو البري الإسرائيلي.
ومن أكتوبر 2023 إلى مايو/أيار 2024، وجهت الشرطة تهما إلى أكثر من 150 مواطنا فلسطينيا بالتحريض على الإرهاب؛ ولم تُوجَّه أي تهمة إلى أي إسرائيلي يهودي بالتحريض على العنصرية أو الدعوة إلى الإبادة الجماعية.
قيود إضافية
وأضاف المقال أن الحكومة، بائتلافها من أعضاء اليمين المتطرف، بمن فيهم ابن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، انتهزت الفرصة لـ"تعزيز رؤيتها لإسرائيل خالية من الفلسطينيين|.
وتذرعت بحالة الطوارئ لسن قوانين جديدة معادية للديمقراطية والعرب تستهدف الجنسية التي يحوزها الفلسطينيون في دولة الاحتلال.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مُنح قانون للسلطات الإسرائيلية سلطة سحب الجنسية وترحيل أقارب المدانين بارتكاب عمليات أو دعم "الإرهاب".
كما اقترحت الحكومة قانونا يهدف إلى فرض قيود إضافية على التمثيل السياسي للمواطنين الفلسطينيين في الكنيست وعلى مشاركتهم في الانتخابات المحلية.
وأغلق العديد من رؤساء البلديات الإسرائيلية اليهودية ورؤساء بلديات عدة مدن، مواقع البناء أو قيّدوا الوصول إليها لمنع العمال الفلسطينيين من دخولها، وبذلك فضلوا تعطيل مشاريع البناء على أن يضطروا إلى التعامل مع المواطنين الفلسطينيين.
أضف إلى ذلك أن الجامعات الإسرائيلية -التي تُسوّق نفسها كمؤسسات ليبرالية ملتزمة بالمساواة والتنوع، وفي بعض الحالات تربطها شراكات مع جامعات غربية- راقبت طلابها الفلسطينيين، وأوقفت بعضهم عن الدراسة.
بل وقدمت في بعض الحالات شكاوى للشرطة ضدهم؛ لتعبيرهم عن معارضتهم للعدوان أو تضامنهم مع سكان غزة الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلي.
وعاقبت المؤسسات الأكاديمية العليا الإسرائيلية 160 طالبا فلسطينيا لنشرهم عبارات مناهضة للحرب على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تعليق أو طرد بعضهم.
وأضاف المقال: "لم يقتصر استهداف المواطنين الفلسطينيين على الطلاب، ففي مارس/آذار 2024، أوقفت الجامعة العبرية في القدس الباحثة الفلسطينية، نادرة شلهوب كيفوركيان، عن الدراسة بعد أن اتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ثم ضغطت عليها الجامعة لتقديم استقالتها".
كما ازدادت وتيرة الهجمات العنيفة ذات الدوافع العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين، وكان أبرزها حادثة وقعت في أكتوبر 2023، حين حاصر حشد يردد شعار "الموت للعرب!" طلابا عربا داخل سكنهم في كلية نتانيا الأكاديمية.
وقد زاد هذا التحول من صعوبة عمل الأحزاب الفلسطينية في الساحة السياسية الإسرائيلية، حيث تواجه بالفعل قيودا كبيرة.
وبحسب المقال، فإن موجة الاضطهاد الأخيرة تعكس تزايد المواقف المعادية للفلسطينيين بين الإسرائيليين اليهود، وهو ما يتماشى مع التحول اليميني في البلاد ويعود تاريخه إلى ما قبل حرب غزة بفترة طويلة.
وقال غانم وخليلي: "في الواقع، إن الإفلات من العقاب قد أسهم في ترسيخ التحيز ضد الفلسطينيين".
وأظهر استطلاع أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" عام 2022 أن 49 بالمئة من الإسرائيليين اليهود يعتقدون أن من حقهم التمتع بحقوق تفوق تلك الممنوحة للمواطنين غير اليهود.
فيما عارض 79 بالمئة من مجمل السكان اليهود مشاركة الأحزاب العربية في الائتلافات الحكومية أو تعيين وزراء عرب في المناصب الحكومية، وقد ازدادت هذه المواقف تشددا مع اندلاع العدوان على غزة، بحسب المقال.
دعم التهجير
أما الاستطلاعات التي أجراها المعهد نفسه بين سبتمبر/أيلول 2024 وفبراير/شباط 2025، فتُظهر أن “غالبية الإسرائيليين اليهود لا يعتقدون أن الجيش يرتكب جرائم حرب أو يتصرف بطريقة لا أخلاقية في غزة”، حيث يرى 83 بالمئة أن سلوكه خلال العدوان على غزة "كان أخلاقيا".
كما عبّر أكثر من 73 بالمئة عن دعمهم لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة التي طرحها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وأكد المقال أن "لدى الحكومة الحالية وأنصارها من اليمين المتطرف بين الإسرائيليين اليهود نية واضحة، وهي إخضاع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل قدر الإمكان لنوع من القمع على غرار نظام الفصل العنصري الذي يواجهه الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة".
ولا يرى الكاتبان ورقة للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي للوفاء بالتزاماتها بالمساواة المدنية والسياسية والقانونية سوى بذل جهد مشترك من جانب المؤسسات الدولية والدول العربية والفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها.
وقالا: "على الدول العربية أن تجدد تواصلها مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، بعد عقود من العزلة والانقطاع، وذلك من خلال تعزيز صوتهم في المحافل الدولية، ودعم مؤسساتهم الثقافية والتعليمية، والمطالبة -من قِبل الدول التي تربطها علاقات بإسرائيل- بوقف التمييز المؤسسي ضدهم".
وأضاف غانم وخليلي: "كما ينبغي للمؤسسات الدولية، بما فيها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أن تطالب إسرائيل باحترام القانون الدولي المتعلق بحقوق الأقليات".
وتابعا: "إذا ما استمرت إسرائيل في تجاهل التطرف اليهودي ورفضت التراجع عن قوانينها الأخيرة المعادية للعرب، فعلى هذه المؤسسات أن تحث الهيئات الاقتصادية والأكاديمية والدولية المرتبطة بإسرائيل على جعل علاقتها بها مشروطة بضمان حقوق المواطنين الفلسطينيين".