خلافا لدول العالم.. لهذا تشكل الرسوم الجمركية الأميركية فرصة للاقتصاد التركي

تركيا تبدو من بين الدول الأقل تضررا من تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على الاقتصاد العالمي
رغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد التركي، إلا أن أنقرة تبدو من بين الدول الأقل تضررا من تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاقتصاد العالمي، بل يُنظر إليها حسب صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية، كجهة مستفيدة محتملة، بفضل انخفاض الرسوم المفروضة على صادراتها ونمو تجارتها مع الولايات المتحدة.
الصحيفة تناولت فرص تركيا في أن تصبح مركزا إستراتيجيا للإنتاج والعلاقات المتقلبة بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إضافة إلى كيفية تعامل أنقرة مع هذه التغيرات الاقتصادية، إلى جانب التحديات اللوجستية والمؤسساتية التي قد تعيق استغلال هذه الفرص بشكل فعال.

علاقات متغيرة
"لدي علاقات رائعة مع رجل يُدعى أردوغان"، هكذا عبر ترامب عن مشاعره تجاه نظيره التركي أخيرا من داخل البيت الأبيض، بحسب ما ذكرت الصحيفة الألمانية.
فبينما كان جالسا إلى جانب خصم أردوغان السياسي، بنيامين نتنياهو، قال ترامب: "أنا أحب أردوغان وهو يحبني. ونحن لم نواجه أي مشكلة من قبل".
وهنا تشير الصحيفة إلى أن ذلك ليس دقيقا تماما، ففي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، هدد ترامب بـ "تدمير الاقتصاد التركي"، مؤكدا أنه "سبق أن فعل ذلك".
وفي رسالة مؤرخة بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 موجهة مباشرة إلى أردوغان، حث ترامب الرئيس التركي على عقد "صفقة جيدة" معه، محذرا: "لا أريد أن أكون المسؤول عن تدمير الاقتصاد التركي".
وفي هذا الإطار، تذكر الصحيفة أن الاقتصاد التركي مر في السنوات الست الماضية بتحديات كبيرة؛ إذ فقدت الليرة التركية قيمة كبيرة.
ففي مارس/ آذار 2007، كان الدولار الأميركي يساوي حوالي 1.30 ليرة تركية، بينما في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أصبح يساوي 5.79 ليرات، واليوم يبلغ 38.06 ليرة.
"ولكن بالرغم من أن ترامب قد يكون ألحق ضررا بالاقتصاد التركي، يبدو أن الرئيسين الآن يتفهمان بعضهما بعضا بشكل أفضل من ذي قبل"، وفق ما ورد عن الصحيفة الألمانية.
وبالنظر إلى الواقع الحالي، تشير الصحيفة إلى أن تركيا تُعد من الدول التي تأثرت بشكل أقل بسياسة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، حيث فُرضت رسوم بنسبة 10 بالمئة فقط على السلع التركية.
كما أن فترة الـ 90 يوما التي أوقف فيها ترامب الرسوم الجمركية وتقليص الرسوم إلى 10 بالمئة لجميع الدول باستثناء الصين، قد جعلت جميع الدول، بما فيها تركيا، على نفس المستوى لأول مرة.

أمل جديد
وكما توضح "دويتشه فيله" الألمانية، فإنه "على عكس الأجواء السلبية في أوروبا، يرى ممثلو الاقتصاد التركي أن الرسوم الجمركية ليست أزمة، بل فرصة. ويعتقدون أن تركيا، مع السياسة التجارية الصحيحة، يمكنها الاستفادة من الوضع الجديد".
وهنا، تنقل الصحيفة عن بولنت أيمين، نائب رئيس جمعية المصدرين لمنتجات الأثاث والورق والمنتجات الخشبية في البحر الأبيض المتوسط، قوله إن "قواعد اللعبة الجديدة التي وضعها ترامب قد تساعد المصدرين الأتراك بشكل خاص على اكتساب مزايا في السوق الأميركية التنافسية".
وأضاف: "الولايات المتحدة هي سوقنا الساخن منذ ثلاث سنوات؛ إذ تتزايد صادراتنا شهريا. ولذلك، يتيح تصعيد حرب الرسوم الجمركية لتركيا اكتساب حصص سوقية في مجالات مثل الكيمياء والسيارات والأثاث والإلكترونيات في الولايات المتحدة. ويجب علينا أن نستفيد من هذه الميزة بشكل جيد".
جدير بالإشارة هنا إلى أن تركيا والولايات المتحدة بينهما تداولات تجارية بحجم يتجاوز 30 مليار دولار.
وبالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تُعد حاليا ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا، تذكر الصحيفة الألمانية أن الصادرات التركية ارتفعت إلى الولايات المتحدة بنسبة 16 بالمئة في السنوات الخمس الماضية، بينما زادت الصادرات الأميركية إلى تركيا بنسبة 9 بالمئة.
ووفقا لجمعية المصدرين الأتراك "TİM"، صدرت تركيا في عام 2023 سلعا بقيمة حوالي 21.1 مليار دولار أميركي إلى ألمانيا، وكسبت حوالي 14.8 مليار دولار من صادراتها إلى الولايات المتحدة.
وبحسب هيئة الإحصاءات التركية "TÜİK"، من المتوقع أن ترتفع الصادرات إلى الولايات المتحدة إلى 16.3 مليار دولار بنهاية عام 2024.
وفي هذا الصدد، تبرز الصحيفة أن تركيا تركز بشكل رئيس على تصدير المنتجات الكيميائية وقطع غيار السيارات والملابس والسجاد والإلكترونيات إلى الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تستورد تركيا أكثر من نصف قطنها من الولايات المتحدة، الذي يُستخدم في صناعة المنسوجات التي تُصدر بدورها إلى الولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، تنقل الصحيفة عن شرف فايات، المسؤول عن قطاع النسيج في اتحاد غرف التجارة والبورصات في تركيا "TOBB"، قوله: إن "الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها ترامب على الصين والاتحاد الأوروبي قد تسهم في زيادة ظهور المنتجات التركية في السوق الأميركية".
ويؤكد قائلا: "يجب أن نتحرك بسرعة الآن؛ حيث يمكننا استغلال المشكلات التي قد تواجهها الصين وفيتنام وكمبوديا لصالحنا".

السياسة التجارية
وإضافة إلى ذلك، أعرب فايات عن تفاؤله بشأن مستقبل التجارة مع أميركا في عهد ترامب، مشيرا إلى أنه "لا يتوقع أن تتأثر تركيا سلبا بالوضع الجديد"، كما أنه اقترح التفاوض على اتفاق تجارة محدود بدون رسوم جمركية مع الولايات المتحدة.
وأضاف: "هذه فرصة في غاية الأهمية. لكن علينا أن نراقب عن كثب كيف ستتأثر شريكتنا التجارية الأهم، الاتحاد الأوروبي، بالسياسة الجمركية الأميركية"، ومن ناحية أخرى، تلفت "دويتشه فيله" النظر إلى أن هناك من يشعر بتفاؤل حذر.
إذ يرى مراد أكيوز، الرئيس السابق لجمعية مصدري المنتجات الكيميائية في إسطنبول، أن هناك إمكانيات كبيرة، لكن العديد من الشركات التركية غير مستعدة لاستغلالها.
وبهذا الشأن، يقول: "أرى في السياسة الجمركية الأميركية الجديدة فرصة كبيرة لتركيا، لكنني أعتقد أن المصدرين في تركيا غير مستعدين بما فيه الكفاية"، لافتا إلى أن الكثير من الفرص قد ضاعت في الماضي بسبب "غياب سياسة تجارية مستدامة".
وحسب الصحيفة، يشارك فايات هذا الرأي مشيرا إلى وجود تقصير؛ إذ يعتقد أن وصول الزبائن الأميركيين إلى المنتجات التركية محدود بسبب نقص مراكز التجارة والمستودعات.
وفي انتقاده السياسات المتبعة قال: "رغم أن ترامب أعلن عن هذه الرسوم منذ وقت طويل، إلا أننا للأسف لم نقم بالتحضيرات اللازمة".
وإلى جانب التصدير، تسلط الصحيفة الألمانية الضوء على أن تركيا يمكنها أن تثبت نفسها كفاعل إستراتيجي في مجال آخر، وهو أن تكون بمثابة "موقع إنتاج للشركات الآسيوية".
فعلى وجه التحديد، يمكن لتركيا أن تدعو شركات من دول مثل الصين لتصنيع منتجاتها داخل تركيا، بهدف تجنب الرسوم الجمركية المرتفعة. ومن وجهة نظر الصحيفة، يعزز هذا التوجه الموقع الجيوسياسي لتركيا كجسر بين الشرق والغرب.
وفي هذا الصدد، يقول أكيوز: "علينا أن نشرح لهذه الدول -خصوصا الصين- مزايا نقل الإنتاج إلى تركيا".
ويكمل: "يجب أن نشجع الاستثمارات في بلادنا بشكل نشط. فتركيا تتمتع ببنية تحتية مناسبة وإمكانات بشرية مؤهلة، ووزارة التجارة مُطالبة بلعب دور أساسي في هذا المجال".